الفهد
03-14-2010, 12:33 PM
العمران التجاري من لنجة إلى دبي
ومنذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر 1800م، كانت لنجة أو "لنيه" على الساحل الفارسي المقابل للساحل العربي تتلألأ عمراناً وتجارة، وكانت هي المحطة والميناء الرئيسي للتجارة في منطقة الخليج بساحليه العربي والفارسي، كما كانت مركزاً للاقتصاد الخليجي، وفيها جمع من كبار التجار وخيط سكاني من العرب والعجم والهنود والإفريقيين والأوروبيين، وكانت تزود مناطق "لارستان" في فارس بكل ما تحتاج إليه من مواد وأطعمة وأقمشة، وغير ذلك مما يرد إلى لنجة من الخارج.
وكانت تجارة اللؤلؤ، التي كانت عماد تجارة الخليج في ذلك الوقت، على أشدها في لنجة وتخرج منها إلى الغوص حوالي ألف سفينة، وكانت وعاء تصب فيه كل لآلىء الخليج، ومنها كانت تنقل إلى أسواق بمبي وكلكتا وكراتشي وعدن، ومن هناك إلى لندن وباريس. وكانت مقراً لقناصل الدول الكبيرة ذات العلاقة التجارية مع الخليج، كبريطانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا والدولة العثمانية.
وقد انتقلت كل هذه التجارة النشطة والعمران التجاري إلى دبي في مستهل القرن الماضي، وقامت تجارة دبي قياماً نشطاً على أنقاض لنجة، وكان "الدينامو" والمحرك لانتقال هذا النشاط وتمهيد الطرق لنموه وبعثه، هو المرحوم الشيخ مكتوم بن حشر بن مكتوم، الذي تولى الحكم في سنة 1899 وتوفي في سنة 1907، وهو جد الشيخ راشد بن سعيد -رحمه الله- الذي كان أشبه ما يكون بجده الشيخ مكتوم بن حشر، في حبه للتجارة ووضع كل تسهيل في طريقها، ولفترة حكم الشيخ راشد، الذي بدأ في منتصف القرن الماضي وانتهى في أواخر الثمانينات، حديث خاص.
وأذكر أنني سمعت الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي وزير الدفاع وهو كما تعلمون شبيه بأبيه، والولد سر أبيه كما يقولون، في حماسه للعمران والتجارة.. سمعته يقول: إن القفزة العمرانية الكبيرة بدأت في دبي في الخمسينيات في فترة توسيع الخور وتعميقه، وهو يريد أن يقفز بدبي قفزة كبيرة أخرى للقرن الواحد والعشرين،
وكل الدلائل تشير الآن إلى أنه فعلاً بدأ في تنفيذ ما يصبو إليه من طموح. إذن، دبي مرت بثلاث فترات رئيسية، فيما يتعلق بالنمو العمراني والتجاري في العصر الحديث، بداية منذ مستهل القرن العشرين حتى منتصفه، كتجارة تقليدية، وهو ، ثم من نتصف القرن حتى مستهل التسعينيات، وهو عصر التجارة غير التقليدية، ثم بعد ذلك الفترة الثالثة حتى يومنا هذا.
وقال عبدالغفار حسين: إن المرحوم الشيخ مكتوم بن حشر قد انتهز فرصة أفول نجم لنجة، الذي بدأ ينحدر منذ العام 1890، حين استولت الحكومة المركزية في إيران، أو بلاد فارس، على ميناء لنجة، وقامت بتأجيره للحكومة البلجيكية، ووضع البلجيكيون رسوماً وقيوداً لم يكن للتجار والمشتغلين بالتجارة عهد بها، فبدؤوا يفكرون في الهجرة إلى منطقة قريبة، ولكنها بعيدة عن نفوذ الحكومة الفارسية.
وكان التفكير والقرار ينحصر في كبار التجار الذين عليهم المعول، وهؤلاء فكروا في البداية في الهجرة إلى مشيخة أخرى غير دبي، ولكن ما سمعوه عن بعض الممارسات التزمتية والشدة في هذه الممارسة، جعلهم يختارون دبي، ويفكرون في الهجرة إليها جدياً ونهائياً، وذلك للأسباب التالية:
ـ مرونة الشيخ مكتوم بن حشر والسمعة الطيبة لآل حشر بن مكتوم من حكام دبي.. وبالمناسبة كان الشيخ سعيد - رحمة الله عليه - يوقع على الوثائق والرسائل باسم سعيد بن مكتوم آل حشر، وليس سعيد بن مكتوم آل مكتوم، وكذلك كان يفعل أخواه؛ الشيخ جمعة، والشيخ حشر بن مكتوم، وذلك للتدليل على الأسرتين المنتميتين إلى مكتوم بن بطي بن سهيل، وهما: آل حشر بن مكتوم، وآل راشد بن مكتوم.
ـ إيفاد الشيخ مكتوم وفداً تجارياً إلى لنجة برئاسة بن كلبان، جد أسرة بن كلبان، وعضوية عبدالله باقر الذي كان أول مدير للفرضة أو الجمارك، ومحمد جعفر الذي كان كاتباً وسكرتيراً عند الشيخ مكتوم، وخميس بن فيروز الذي عمل مديراً للفرضة في عهد الشيخ سعيد بن مكتوم حتى العام 1925، وذلك لتشجيع التجار على الانتقال إلى دبي، وإعطائهم كل ما يحتاجونه من تسهيلات.
ويقول أحد الرحالين، وهو ملا أحمد فرامرزي الذي زار دبي في العشرينيات من القرن الماضي: إن الثروة التي حملها معهم اللنجاويون من عرب وعجم وبانيان إلى الساحل العربي من الخليج تقدر بـ 73 مليون روبية، وهذه الثروة أكثر من ستين مليار درهم في عرف هذه الأيام.. فإذا كان عبدالقادر عباس وحده، مع فاروق عرشي، يملكان أكثر من خمسة وعشرين مليوناً، فهذا يعني أن ما يقوله الرحالة فرامرزي ليس بعيداً عن الحقيقة.
بقلم: وجيه عبدالعاطي
المصدر: البيان
تقبلوا تحياتى
ومنذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر 1800م، كانت لنجة أو "لنيه" على الساحل الفارسي المقابل للساحل العربي تتلألأ عمراناً وتجارة، وكانت هي المحطة والميناء الرئيسي للتجارة في منطقة الخليج بساحليه العربي والفارسي، كما كانت مركزاً للاقتصاد الخليجي، وفيها جمع من كبار التجار وخيط سكاني من العرب والعجم والهنود والإفريقيين والأوروبيين، وكانت تزود مناطق "لارستان" في فارس بكل ما تحتاج إليه من مواد وأطعمة وأقمشة، وغير ذلك مما يرد إلى لنجة من الخارج.
وكانت تجارة اللؤلؤ، التي كانت عماد تجارة الخليج في ذلك الوقت، على أشدها في لنجة وتخرج منها إلى الغوص حوالي ألف سفينة، وكانت وعاء تصب فيه كل لآلىء الخليج، ومنها كانت تنقل إلى أسواق بمبي وكلكتا وكراتشي وعدن، ومن هناك إلى لندن وباريس. وكانت مقراً لقناصل الدول الكبيرة ذات العلاقة التجارية مع الخليج، كبريطانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا والدولة العثمانية.
وقد انتقلت كل هذه التجارة النشطة والعمران التجاري إلى دبي في مستهل القرن الماضي، وقامت تجارة دبي قياماً نشطاً على أنقاض لنجة، وكان "الدينامو" والمحرك لانتقال هذا النشاط وتمهيد الطرق لنموه وبعثه، هو المرحوم الشيخ مكتوم بن حشر بن مكتوم، الذي تولى الحكم في سنة 1899 وتوفي في سنة 1907، وهو جد الشيخ راشد بن سعيد -رحمه الله- الذي كان أشبه ما يكون بجده الشيخ مكتوم بن حشر، في حبه للتجارة ووضع كل تسهيل في طريقها، ولفترة حكم الشيخ راشد، الذي بدأ في منتصف القرن الماضي وانتهى في أواخر الثمانينات، حديث خاص.
وأذكر أنني سمعت الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي وزير الدفاع وهو كما تعلمون شبيه بأبيه، والولد سر أبيه كما يقولون، في حماسه للعمران والتجارة.. سمعته يقول: إن القفزة العمرانية الكبيرة بدأت في دبي في الخمسينيات في فترة توسيع الخور وتعميقه، وهو يريد أن يقفز بدبي قفزة كبيرة أخرى للقرن الواحد والعشرين،
وكل الدلائل تشير الآن إلى أنه فعلاً بدأ في تنفيذ ما يصبو إليه من طموح. إذن، دبي مرت بثلاث فترات رئيسية، فيما يتعلق بالنمو العمراني والتجاري في العصر الحديث، بداية منذ مستهل القرن العشرين حتى منتصفه، كتجارة تقليدية، وهو ، ثم من نتصف القرن حتى مستهل التسعينيات، وهو عصر التجارة غير التقليدية، ثم بعد ذلك الفترة الثالثة حتى يومنا هذا.
وقال عبدالغفار حسين: إن المرحوم الشيخ مكتوم بن حشر قد انتهز فرصة أفول نجم لنجة، الذي بدأ ينحدر منذ العام 1890، حين استولت الحكومة المركزية في إيران، أو بلاد فارس، على ميناء لنجة، وقامت بتأجيره للحكومة البلجيكية، ووضع البلجيكيون رسوماً وقيوداً لم يكن للتجار والمشتغلين بالتجارة عهد بها، فبدؤوا يفكرون في الهجرة إلى منطقة قريبة، ولكنها بعيدة عن نفوذ الحكومة الفارسية.
وكان التفكير والقرار ينحصر في كبار التجار الذين عليهم المعول، وهؤلاء فكروا في البداية في الهجرة إلى مشيخة أخرى غير دبي، ولكن ما سمعوه عن بعض الممارسات التزمتية والشدة في هذه الممارسة، جعلهم يختارون دبي، ويفكرون في الهجرة إليها جدياً ونهائياً، وذلك للأسباب التالية:
ـ مرونة الشيخ مكتوم بن حشر والسمعة الطيبة لآل حشر بن مكتوم من حكام دبي.. وبالمناسبة كان الشيخ سعيد - رحمة الله عليه - يوقع على الوثائق والرسائل باسم سعيد بن مكتوم آل حشر، وليس سعيد بن مكتوم آل مكتوم، وكذلك كان يفعل أخواه؛ الشيخ جمعة، والشيخ حشر بن مكتوم، وذلك للتدليل على الأسرتين المنتميتين إلى مكتوم بن بطي بن سهيل، وهما: آل حشر بن مكتوم، وآل راشد بن مكتوم.
ـ إيفاد الشيخ مكتوم وفداً تجارياً إلى لنجة برئاسة بن كلبان، جد أسرة بن كلبان، وعضوية عبدالله باقر الذي كان أول مدير للفرضة أو الجمارك، ومحمد جعفر الذي كان كاتباً وسكرتيراً عند الشيخ مكتوم، وخميس بن فيروز الذي عمل مديراً للفرضة في عهد الشيخ سعيد بن مكتوم حتى العام 1925، وذلك لتشجيع التجار على الانتقال إلى دبي، وإعطائهم كل ما يحتاجونه من تسهيلات.
ويقول أحد الرحالين، وهو ملا أحمد فرامرزي الذي زار دبي في العشرينيات من القرن الماضي: إن الثروة التي حملها معهم اللنجاويون من عرب وعجم وبانيان إلى الساحل العربي من الخليج تقدر بـ 73 مليون روبية، وهذه الثروة أكثر من ستين مليار درهم في عرف هذه الأيام.. فإذا كان عبدالقادر عباس وحده، مع فاروق عرشي، يملكان أكثر من خمسة وعشرين مليوناً، فهذا يعني أن ما يقوله الرحالة فرامرزي ليس بعيداً عن الحقيقة.
بقلم: وجيه عبدالعاطي
المصدر: البيان
تقبلوا تحياتى