وليد جابر آل بوخلف
12-05-2009, 08:21 PM
صورة للحياة اليومية في البحرين أثناء الاحتلال البريطاني
«حكايات من الخليج» يضم وثائق بريطانية من القرن 19 وحتى ستينات القرن الماضي
لندن: احمد جودة
هذا الكتاب طريف في موضوعه وغريب في بابه.. كما انه، على سبيل القطع واليقين، جديد في اسلوبه وبنائه.. وفريد في اختيار مادته وطريقة معالجتها..
الكتاب بعنوان «حكايات من الخليج».. وصدر قبل ايام في طبعة تتسم بالاناقة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، في 200 صفحة من الحجم ماتحت المتوسط.
ويحمل الرقم (11) في سلسلة الكتب التي كتبها مؤلفه الكاتب البحريني زميلنا خالد البسام، الذي عرف باستنارته، وخبرته العميقة بتاريخ دول الخليج العربية الحديث...
وكتاب «حكايات من الخليج» يضم بين دفتيه عشرات الحكايات المأخوذة عن الوثائق الرسمية البريطانية منذ اواخر القرن الـ19، وحتى ستينات القرن الماضي، حصل عليها المؤلف من مكتب الهند او «انديا اوفس» قرب محطة ووترلو الشهيرة بوسط لندن، كما يحكي المؤلف في حكاية لا تخلو من طرافة وجمال وصف.
ومعلوم ان المكتبة العربية الحديثة تضم عشرات الكتب المهمة التي تعتمد في مادتها الاساسية على وثائق وزارات الخارجية للدول التي كانت تستعمر العالم العربي، مثل بريطانيا وفرنسا وتركيا، وخالد البسام نفسه أصدر اكثر من كتاب يعتمد على الوثائق البريطانية التي تدور حول بلده البحرين، ربما كان اشهرها «حكايات وصور من البحرين» و«رحلات الارساليات الاميركية الى مدن وقرى الخليج والجزيرة العربية»، و«صدمة الاحتكاك».. وغيرها.
لكن فرادة كتابه الجديد «حكايات من البحرين»، الذي يعتمد على الوثائق البريطانية بدوره، تكمن في اختياره لنوعية هذه الوثائق، ولطبيعة الموضوعات التي تتناولها.. فضلا عن صياغتها وشرحها بلسان عربي بليغ، وباسلوب ينم عن تمكن من فن السرد والوصف. البسام خالف في كتابه كل من سبقوه في مجال «التأريخ عبر الوثائق الحكومية»، وخصوصا الذين اختاروا من ملايين الوثائق التي تخص العرب، والتي ترقد في دار الوثائق البريطانية، ما يتحدث عن الملوك والامراء والرؤساء والزعماء وكبار السياسيين والعسكريين.. الخ، باختصار ما يخص النخبة العربية بتنويعاتها المختلفة..
فالكاتب اختار من بين ركام هذه الوثائق ما يتناول حياة المواطن البحريني العادي في صيرورتها اليومية، بحيث تكشف، كما يقول الناشر في تقديمه للكتاب، عن «تاريخ شعب من الشعوب العربية في فترة صعبة من تاريخنا المعاصر، حيث كان الاحتلال البريطاني الغابر يعمل بكل قدرته على اعاقتنا، وتعطيل نمونا، ونهب ثرواتنا، وحيث كان الانسان العربي، في المقابل يناضل ويجتهد، ويعمل بصمت على استرداد ذاته وتحريرها وتفعيلها، والارتفاع بها الى مستوى انتمائه العربي وانسانيته».
هنا بالضبط تكمن أهمية الكتاب باعتباره يقدم صورة طازجة ودقيقة، وبلا نفاق للحياة اليومية لمواطني البحرين ايام الاستعمار البريطاني، بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
< نساء مقهورات < خذ مثلا رسالة تلك المرأة البحرينية (اسمها آمنة بنت عبد الله) للمعتمد البريطاني، بعدما فرت من اهلها خوف القتل، بسبب اتهامها «بعدم الشرف»، وهي رسالة بقيت، مثل غيرها، في اضابير السجلات البريطانية منذ عشرينات القرن الماضي، حتى وقع عليها البسام، قالت فيها: «انا حرمة امرت حكومة البحرين بتسفيري، وانا خائفة من اهلي الذين سيقتلونني اذا جئت عندهم، انني ارجو من سعادتكم الرحمة، فأنا غريبة من اهل «لنجة». وفي النهاية اطلب منكم قتلي افضل من ارسالي الى اهلي.. والامر لله ثم لكم».. ويعلق المعتمد البريطاني على الرسالة قائلا: «لا نستطيع عمل اي شيء بخصوصها». خذ عندك ايضا تلك الرسالة التي ارسلها مهاجر افغاني اسمه محمد خان الى معتمد «الدولة البهية»، كما كانت تسمى بريطانيا العظمى وقتها، وهي احدى الرسائل الشاكية التي يصفها البسام بانها «ذليلة» بسبب المظالم المروعة التي كانت تقع على كاهل البحرينيين، والوافدين بدون تمييز..
يقول البسام: «في عام 1930 يكتب مهاجر افغاني اسمه محمد خان رسالة للمعتمد البريطاني تقول: «اني رجل غريب افغاني، وعندي عيال، ونويت ان اسافر الى كابول بلدي، ولكن لا يوجد عندي «نول» (اجر) المركب، المرجو منكم ان ترسلوني الى وطني. ولكم الشكر».
اما تعليق «المعتمد البريطاني» فهو: «لايوجد لدينا مال لصرفه على هذا الشخص».
ويحكي المؤلف قصة رسالة اخرى فيقول: «في مايو عام 1935 تصل رسالة الى دار الاعتماد تقول: «اني مقدمه حمدان بن عبد الله من اهالي مسقط، ساكن المنامة بالقرب من بيت الدكتور «ديم».. الدعوى ان النواخذة سالم بن جاعد اشتغلت معه 10 سنين في الغوص.. ومنذ 3 سنوات لم استلم منه اية نقود.. وهو لا يزال يجبرني على ركوب الغوص معه.. فعليه اضطررت للتوجه الى البحرين لاراحة نفسي من هذا التعب الشديد من النواخذة المذكور، واني اريد ان اعمل بالغوص في البحرين لاعيش.. اني استرحم من مراحمكم وعدالتكم.. وانتم اهل العدل والانصاف.. والسلام». فيعلق المعتمد البريطاني بقوله: «يحفظ في الملف».
اما اطرف مظلمة وصلت الى الانجليز، كما يقول المؤلف، فجاءت في شكل رسالة قصيرة جدا كتبها المواطن البحريني محمد عبد الله قال فيها: «اني ياصاحب السعادة معزم في هذه الايام على الزواج... ولذلك ارجو منكم المساعدة».
وبالطبع لا يرد المعتمد البريطاني على الرسالة لكنه يأمر بحفظها في ملفات الامبراطورية البريطانية.
< ماء وثلج < وكما تكشف الوثائق البريطانية عن الحالة «المؤسية» لآلاف البحرينيين والوافدين الذين كانوا يعيشون تحت الاحتلال، فانها ترسم في المقابل لوحة شديدة التناقض لحالة الترفيه و«الدلع» و«الفخفخة» التي عاشها البريطانيون، فاقرأ مثلا مايرويه البسام نقلا عن الوثائق البريطانية: «في مايو 1934 قرر نائب ملك بريطانيا العظمى بالهند القيام بزيارة بصحبة عقيلته فخامة الليدي «ولكندن» للمرور على بعض مناطق الخليج اثناء سفرهم الى بريطانيا العظمى.
وبالرغم من عدم معرفة وكلاء «الدولة البهية» بهذا المرور قبل فترة معقولة، الا ان معرفتهم بـ«دلع ورقة» و«شياكة» نائب الملك وعقيلته دفعتهم الى الاسراع في الاستقبال وعلى احسن وجه ايضا.
وفي نفس اليوم يكتب الوكيل البريطاني بالبحرين الى زميله في احدى امارات الخليج يقول: «ارجوكم ان تخبروني عما اذا كان ممكنا بالنسبة لحكومتكم ان تعمل ترتيبا لمسألة تأدية سلام فخامة نائب الملك.. التي عبارة عن احدى وعشرين طلقة عند وصول فخامته ومثلها عند سفره».
ويتابع البسام على المنوال نفسه، أن المعتمد البريطاني في البحرين كتب الى احد كبار تجارها قائلا: «ان فخامة نائب الملك وعقيلته معتادان على شرب ماء بومباي الحلو وعليه فاني سأرسل لكم في صباح الاربعاء هذا الماء الحلو الى محلكم وذلك لتبريده تحت الثلج حتى يقدم لفخامتهما طيلة وجودهما بالبحرين، وارجو تحضير لوحين من الثلج لهذا الخصوص».
كما كتب رسالة اخرى الى رئيس المشتريات بالوكالة البريطانية يطلب منه شراء «سجاد من النوع الفاخر للاستقبال، وعدد من المراوح اليدوية احتياطيا للحر، وارجو بحث المشتريات الاخرى مع السكرتير».
وعلى الجانب الاخر كتب المعتمد البريطاني الى جميع شخصيات البحرين وتجارها يدعوهم للاستعداد لاستقبال نائب الملك.. وعندما شعر بعدم اهتمام بعضهم كتب الى احدهم مهددا: «اعتقد انكم تعرفون ان عدم حضوركم لاستقبال نائب جلالة الملك سيؤثرعلى مصالحكم مع الحكومة البريطانية العظمى والوكالة السياسية بالبحرين.. الخ».
ويبدو ان التهديد اخاف البعض، اذ كتب احد الشخصيات التي خافت من تهديد المعتمد البريطاني: «اتمنى لو تخبرني عن ما اذا كان من الضروري ان البس الثوب الابيض او ثوبا بلون آخر.. الاسود مثلا.. كما ارجو اخباري عما اذا كان يجب ان نصافح جلالة نائب الملك باليد».
وهكذا يمضي المؤلف في رسم صورة دقيقة للاوضاع الحياتية لسكان البحرين، ولحياتهم اليومية بابعادها الثقافية والاقتصادية والسياسية والروحية، وتشمل التجارة والصحافة والطباعة والشعر، والتبادل الثقافي مع بقية العالم العربي مثل مصر والعراق والكويت من خلال الوثائق البريطانية ومراسلات مسؤولي الاستعمار البريطاني في منطقة الخليج العربي والهند وقتها.. وهي صورة اقل مايقال عنها انها حقيقية وطازجة.. وبلا رتوش.
< الكتاب: حكايات من البحرين < المؤلف: خالد البسام < الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت
«حكايات من الخليج» يضم وثائق بريطانية من القرن 19 وحتى ستينات القرن الماضي
لندن: احمد جودة
هذا الكتاب طريف في موضوعه وغريب في بابه.. كما انه، على سبيل القطع واليقين، جديد في اسلوبه وبنائه.. وفريد في اختيار مادته وطريقة معالجتها..
الكتاب بعنوان «حكايات من الخليج».. وصدر قبل ايام في طبعة تتسم بالاناقة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، في 200 صفحة من الحجم ماتحت المتوسط.
ويحمل الرقم (11) في سلسلة الكتب التي كتبها مؤلفه الكاتب البحريني زميلنا خالد البسام، الذي عرف باستنارته، وخبرته العميقة بتاريخ دول الخليج العربية الحديث...
وكتاب «حكايات من الخليج» يضم بين دفتيه عشرات الحكايات المأخوذة عن الوثائق الرسمية البريطانية منذ اواخر القرن الـ19، وحتى ستينات القرن الماضي، حصل عليها المؤلف من مكتب الهند او «انديا اوفس» قرب محطة ووترلو الشهيرة بوسط لندن، كما يحكي المؤلف في حكاية لا تخلو من طرافة وجمال وصف.
ومعلوم ان المكتبة العربية الحديثة تضم عشرات الكتب المهمة التي تعتمد في مادتها الاساسية على وثائق وزارات الخارجية للدول التي كانت تستعمر العالم العربي، مثل بريطانيا وفرنسا وتركيا، وخالد البسام نفسه أصدر اكثر من كتاب يعتمد على الوثائق البريطانية التي تدور حول بلده البحرين، ربما كان اشهرها «حكايات وصور من البحرين» و«رحلات الارساليات الاميركية الى مدن وقرى الخليج والجزيرة العربية»، و«صدمة الاحتكاك».. وغيرها.
لكن فرادة كتابه الجديد «حكايات من البحرين»، الذي يعتمد على الوثائق البريطانية بدوره، تكمن في اختياره لنوعية هذه الوثائق، ولطبيعة الموضوعات التي تتناولها.. فضلا عن صياغتها وشرحها بلسان عربي بليغ، وباسلوب ينم عن تمكن من فن السرد والوصف. البسام خالف في كتابه كل من سبقوه في مجال «التأريخ عبر الوثائق الحكومية»، وخصوصا الذين اختاروا من ملايين الوثائق التي تخص العرب، والتي ترقد في دار الوثائق البريطانية، ما يتحدث عن الملوك والامراء والرؤساء والزعماء وكبار السياسيين والعسكريين.. الخ، باختصار ما يخص النخبة العربية بتنويعاتها المختلفة..
فالكاتب اختار من بين ركام هذه الوثائق ما يتناول حياة المواطن البحريني العادي في صيرورتها اليومية، بحيث تكشف، كما يقول الناشر في تقديمه للكتاب، عن «تاريخ شعب من الشعوب العربية في فترة صعبة من تاريخنا المعاصر، حيث كان الاحتلال البريطاني الغابر يعمل بكل قدرته على اعاقتنا، وتعطيل نمونا، ونهب ثرواتنا، وحيث كان الانسان العربي، في المقابل يناضل ويجتهد، ويعمل بصمت على استرداد ذاته وتحريرها وتفعيلها، والارتفاع بها الى مستوى انتمائه العربي وانسانيته».
هنا بالضبط تكمن أهمية الكتاب باعتباره يقدم صورة طازجة ودقيقة، وبلا نفاق للحياة اليومية لمواطني البحرين ايام الاستعمار البريطاني، بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
< نساء مقهورات < خذ مثلا رسالة تلك المرأة البحرينية (اسمها آمنة بنت عبد الله) للمعتمد البريطاني، بعدما فرت من اهلها خوف القتل، بسبب اتهامها «بعدم الشرف»، وهي رسالة بقيت، مثل غيرها، في اضابير السجلات البريطانية منذ عشرينات القرن الماضي، حتى وقع عليها البسام، قالت فيها: «انا حرمة امرت حكومة البحرين بتسفيري، وانا خائفة من اهلي الذين سيقتلونني اذا جئت عندهم، انني ارجو من سعادتكم الرحمة، فأنا غريبة من اهل «لنجة». وفي النهاية اطلب منكم قتلي افضل من ارسالي الى اهلي.. والامر لله ثم لكم».. ويعلق المعتمد البريطاني على الرسالة قائلا: «لا نستطيع عمل اي شيء بخصوصها». خذ عندك ايضا تلك الرسالة التي ارسلها مهاجر افغاني اسمه محمد خان الى معتمد «الدولة البهية»، كما كانت تسمى بريطانيا العظمى وقتها، وهي احدى الرسائل الشاكية التي يصفها البسام بانها «ذليلة» بسبب المظالم المروعة التي كانت تقع على كاهل البحرينيين، والوافدين بدون تمييز..
يقول البسام: «في عام 1930 يكتب مهاجر افغاني اسمه محمد خان رسالة للمعتمد البريطاني تقول: «اني رجل غريب افغاني، وعندي عيال، ونويت ان اسافر الى كابول بلدي، ولكن لا يوجد عندي «نول» (اجر) المركب، المرجو منكم ان ترسلوني الى وطني. ولكم الشكر».
اما تعليق «المعتمد البريطاني» فهو: «لايوجد لدينا مال لصرفه على هذا الشخص».
ويحكي المؤلف قصة رسالة اخرى فيقول: «في مايو عام 1935 تصل رسالة الى دار الاعتماد تقول: «اني مقدمه حمدان بن عبد الله من اهالي مسقط، ساكن المنامة بالقرب من بيت الدكتور «ديم».. الدعوى ان النواخذة سالم بن جاعد اشتغلت معه 10 سنين في الغوص.. ومنذ 3 سنوات لم استلم منه اية نقود.. وهو لا يزال يجبرني على ركوب الغوص معه.. فعليه اضطررت للتوجه الى البحرين لاراحة نفسي من هذا التعب الشديد من النواخذة المذكور، واني اريد ان اعمل بالغوص في البحرين لاعيش.. اني استرحم من مراحمكم وعدالتكم.. وانتم اهل العدل والانصاف.. والسلام». فيعلق المعتمد البريطاني بقوله: «يحفظ في الملف».
اما اطرف مظلمة وصلت الى الانجليز، كما يقول المؤلف، فجاءت في شكل رسالة قصيرة جدا كتبها المواطن البحريني محمد عبد الله قال فيها: «اني ياصاحب السعادة معزم في هذه الايام على الزواج... ولذلك ارجو منكم المساعدة».
وبالطبع لا يرد المعتمد البريطاني على الرسالة لكنه يأمر بحفظها في ملفات الامبراطورية البريطانية.
< ماء وثلج < وكما تكشف الوثائق البريطانية عن الحالة «المؤسية» لآلاف البحرينيين والوافدين الذين كانوا يعيشون تحت الاحتلال، فانها ترسم في المقابل لوحة شديدة التناقض لحالة الترفيه و«الدلع» و«الفخفخة» التي عاشها البريطانيون، فاقرأ مثلا مايرويه البسام نقلا عن الوثائق البريطانية: «في مايو 1934 قرر نائب ملك بريطانيا العظمى بالهند القيام بزيارة بصحبة عقيلته فخامة الليدي «ولكندن» للمرور على بعض مناطق الخليج اثناء سفرهم الى بريطانيا العظمى.
وبالرغم من عدم معرفة وكلاء «الدولة البهية» بهذا المرور قبل فترة معقولة، الا ان معرفتهم بـ«دلع ورقة» و«شياكة» نائب الملك وعقيلته دفعتهم الى الاسراع في الاستقبال وعلى احسن وجه ايضا.
وفي نفس اليوم يكتب الوكيل البريطاني بالبحرين الى زميله في احدى امارات الخليج يقول: «ارجوكم ان تخبروني عما اذا كان ممكنا بالنسبة لحكومتكم ان تعمل ترتيبا لمسألة تأدية سلام فخامة نائب الملك.. التي عبارة عن احدى وعشرين طلقة عند وصول فخامته ومثلها عند سفره».
ويتابع البسام على المنوال نفسه، أن المعتمد البريطاني في البحرين كتب الى احد كبار تجارها قائلا: «ان فخامة نائب الملك وعقيلته معتادان على شرب ماء بومباي الحلو وعليه فاني سأرسل لكم في صباح الاربعاء هذا الماء الحلو الى محلكم وذلك لتبريده تحت الثلج حتى يقدم لفخامتهما طيلة وجودهما بالبحرين، وارجو تحضير لوحين من الثلج لهذا الخصوص».
كما كتب رسالة اخرى الى رئيس المشتريات بالوكالة البريطانية يطلب منه شراء «سجاد من النوع الفاخر للاستقبال، وعدد من المراوح اليدوية احتياطيا للحر، وارجو بحث المشتريات الاخرى مع السكرتير».
وعلى الجانب الاخر كتب المعتمد البريطاني الى جميع شخصيات البحرين وتجارها يدعوهم للاستعداد لاستقبال نائب الملك.. وعندما شعر بعدم اهتمام بعضهم كتب الى احدهم مهددا: «اعتقد انكم تعرفون ان عدم حضوركم لاستقبال نائب جلالة الملك سيؤثرعلى مصالحكم مع الحكومة البريطانية العظمى والوكالة السياسية بالبحرين.. الخ».
ويبدو ان التهديد اخاف البعض، اذ كتب احد الشخصيات التي خافت من تهديد المعتمد البريطاني: «اتمنى لو تخبرني عن ما اذا كان من الضروري ان البس الثوب الابيض او ثوبا بلون آخر.. الاسود مثلا.. كما ارجو اخباري عما اذا كان يجب ان نصافح جلالة نائب الملك باليد».
وهكذا يمضي المؤلف في رسم صورة دقيقة للاوضاع الحياتية لسكان البحرين، ولحياتهم اليومية بابعادها الثقافية والاقتصادية والسياسية والروحية، وتشمل التجارة والصحافة والطباعة والشعر، والتبادل الثقافي مع بقية العالم العربي مثل مصر والعراق والكويت من خلال الوثائق البريطانية ومراسلات مسؤولي الاستعمار البريطاني في منطقة الخليج العربي والهند وقتها.. وهي صورة اقل مايقال عنها انها حقيقية وطازجة.. وبلا رتوش.
< الكتاب: حكايات من البحرين < المؤلف: خالد البسام < الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت