أبن السواحل
12-14-2009, 12:15 PM
السلام عليكم
أرجوا أن تتم مناقشة هذا الموضوع مناقشة عقلانية بعد قرائته بتأني وتركيز فعندما نعرف الأسباب سنعرف لماذا تنازع شيوخ القبائل فيما بينهم في السابق وسنعرف أن بسبب الشقاق بين عرب الساحل الشرقي هو ما أضاع دولتهم هناك خصوصا عندما أوقع الفرس بين عرب الساحل بعضهم البعض صدامات ثم أستغلوها لتدميرهم ولذلك يجب علينا معرفة الشخصية العربية ونواقصها وبعدها سنعرف طرق علاجها ثم تطويرها فالرجاء قراءة المقال المقتبس من المرحوم العراقي البطل الدكتور علي الوردي عندما يصف الشخصية العربية ثم يتجه بسرده للشخصية العراقية التي تنطبق تماما على شخصية بقية دول الخليج العربي وتنطبق على عرب الساحل لأنهم يشاركون غيرهم من أخوانهم عرب شبه الجزيرة في اللغة واللهجة والعادات والتقاليد والمصير المشترك
الى اليوم العرب يعانون من نفس المشكلة ولذلك نحب أن نطرح هذا الموضوع لكي يستفيد منه الجميع ولكي نعرف نواقصنا ونحاول أن نعالجها ونطورها وكل هذا في خدمة عربنا عرب السواحل والجزر فيجب أن يعرف الجميع أن في الأتحاد قوة ولذلك يجب علينا أن نتخلى من نواقص شخصيتنا لأننا نسير نحو هدف مشترك والأن اليكم المقال الرائع المقتبس من المرحوم الدكتور علي الوردي
اليكم الكلام::358:
الاخلاق الضائعة من الموارد الخلقية - الدكتور علي الوردي
ان هذا الموضوع الذي أحاول البحث فيه اليوم يختلف في طبيعته عن المواضيع الاخرى التي دعتكم هيئة الدراسات العربية الى الاستماع اليها .ان موضوعنا يتصل بالاخلاق .والاخلاق كما تعلمون من الامور النسبية التي يختلف الناس في تقديرها وهي ليست اذن كالموارد الصحية او التقنية او الاقتصادية من حيث اتفاق الناس في الغالب على ما يستحسن منها وما يستقبح .
فلقد اتفق الناس مثلا على ان الامراض بشتى انواعها شر يصيب الانسان وان السلامة منها خير يسعى الانسان نحوه ويحاول الحصول عليه بكل جهده ولكنهم لم ينظروا في الاخلاق بمثل هذه النظرة الثابتة قد يصح القول بأن كل ثقافة بشرية تتخذ لنفسها نظاما في الاخلاق خاصا بها وهي تنظر الى اخلاق الاخرين بشيء من الريبة والاحتقار .
ولهذا وجب علينا قبل البحث في الضائع من الاخلاق العربية ان نعرف ما هو الاساس الذي تبنى عليه البحث بعبارة اخرى يجب ان نعرف ما هي الاخلاق قبل ان نعرف ما هو الضائع منها .
وفي سبيل اتخاذ ركيزة استند عليها في طرق هذا الموضوع سأحاول المقارنة بين اخلاق البداوة والحضارة . ولي سبب يدعوني الى ذلك حيث وجدت ان المجتمع العربي قد اختص من بين كثير من المجتمعات الاخرى بكونه شديد الصلة بالبداوة من ناحية وكونه موطن أعرق الحضارات في التاريخ من الناحية الاخرى .
ويؤسفني في هذا الصدد ان ارى بعض الباحثين العرب لايهتمون بهذه الناحية من نواحي مجتمعهم اهتماما كافيا فقد وجدتهم يدرسون مجتمعهم على نمط ما اعتاد الغربيون ان يدرسوا مجتمعاتهم به مع العلم ان المجتمع العربي يختلف عن المجتمعات الغربية في تراثه الثقافي والحضاري . وهو إذن في حاجة الى منهج للدراسة خاص به .
يجب ان لاننسى قبل كل شيء ان البلاد العربية تقع في أعظم منطقة صحراوية في العالم. سرحوا النظر فيها من مراكش غربا حتى العراق شرقا تجدوا البادية شاملة لها متغلغلة فيها الى درجة تلفت النظر .
وقد امتلا تاريخ هذه البلاد بالموجات البشرية التي كانت ترمي البداوة بها الى السهول الخصيبة منها جيلا بعد جيل.
ليس من الجائز لنا إذن ان نهمل أثر هذه الصحراء في تكوين المجتمع العربي إننا لا نلوم الغربيين إذا هملوا أثر القيم البدوية في مجتمعاتهم ذلك ان بلادهم خالية من الصحراء تقريبا وليس فيها تراث بدوي يتغلغل في أعماق النفوس منها أما نحن العرب فالقيم البدوية تكاد تؤلف جزءا لايستهان به من نظامنا الاجتماعي. وفي رأيي إننا لانستطيع أن نفهم الاخلاق العربية في وضعها الراهن قبل ان ندرس اخلاق اجدادنا البدو وكيف كانوا ينظرون في شؤون الحياة .
.
شخصية المجتمع البدوي:
دعونا الان ندرس المجتمع البدوي وهنا اقول بان الابحاث الاجتماعية الحديثة ترى بأن أي مجتمع من المجتمعات البشرية هو كالفرد يملك شخصية خاصة به وهذه الشخصية المجتمعية تعرف في الاصطلاح العلمي باسم (culture) .
واذا درسنا البداوة في هذا الضوء خرجنا من ذلك بنتيجة قد تختلف عن النتائج التي توصل اليها السواح او المستشرقون الذين درسوا البداوة في عصرنا الحاضر. ومشكلة هؤلاء الدارسين انهم كانوا يصفون الصفات التي اكتشفوها في المجتمع البدوي جنبا الى جنب من غير ان يتحروا عن العامل المشترك الذي يختفي وراءها. أنهم بعبارة اخرى كانوا كمن يدرس احد الافراد فيذكر صفاته المختلفة دون ان يذكر طابع الشخصية الذي يؤلف من تلك الصفات نظاما حركيا متماسكا.
تقول الأستاذة روث بندكت في كتابها المعروف (patterns of culure) ان الصفات في اي مجتمع هي كالعناصر التي يتألف منها المركب الكيماوي إذ هي تتفاعل وتترابط فيما بينها بحيث يظهر من جراء ذلك شيء جديد يختلف في صفاته عن صفات العناصر المكونة له. وهذا هو ما اطلقنا عليه اسم الشخصية المجتمعية او ال(culure) .
وهنا نسأل : ما هو الاساس الذي تقوم عليه شخصية المجتمع البدوي؟
للجواب على ذلك ينبغي أن نقارن بين الشخصية البدوية والشخصية المناقضة لها اي الشخصية الحضرية ومن الممكن القول في هذه المناسبة ان الشخصية الحضرية تقوم على (الانتاج) بينما تقوم الشخصية البدوية على (الاستحواذ) وشتان بين أخلاق الانتاج واخلاق الاستحواذ كما تعلمون.
نحن نعرف بوجه عام ان الفرد الحضري العريق في حضارته يصعب عليه ان يعيش من غير مهنة او نوع من الانتاج يحاول الحذق فيه. وقد يكون الانتاج ماديا او يكون فكريا ،انما هو على كل حال براعة تنال بالجهد والمران في معظم الاحيان وكلما حسنت براعة الفرد الحضري في مهنة التي اختص بها راج سوقه وارتفع مستوى معاشه بالنسبة الى أقرانه الذين يعيشون في مثل ظروفه .
أما البدوي فله شأن اخر مختلف عن الحضري:
فهو يعيش في صحراء لاتعرف من شؤون الانتاج الا قليلا وليس فيها سوى العشب ينبت هنا وهناك بأمر الله كما قال القرأن في مخاطبة سكان الصحراء {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }الذاريات22 وهو يشير بذلك الى المطر الذي ينزل من السماء حيث ينبت به العشب الاخر وتكثر الغدران وتمتلىء الابار وعند هذا ينعم البدو بالشبع والري دون ان يحسبوا لغدهم حسابا.
ومشكلة البدو الكبرى انهم لايستطيعون ان يقتسموا مواطن العشب والماء فيما بينهم او يسجلوا حقوقهم فيها على صكوك كما يفعل المتحضرون في أموالهم. فمواطن العشب والماء قليلة بالنسبة الى عددهم المتنامي وهم مضطرون إذن ان يتنافسوا ويتنازعوا عليها بحد السيف وليس في البادية مكان للضعيف الذي يدعوا الى مبادىء العدالة والمساواة
يقول الشاعر البدوي:
ونشرب ان وردنا الماء صفوا............................. ويشرب غيرنا كدرا وطينا
وجاء في أمثالهم الدارجة (الحق بالسيف والعاجز يريد شهود). وجاء كذلك قولهم (الحلال ما حل باليد).
والذي يجلس اليهم يستمع الى احاديثهم يجد انهم يقيسون الرجولة الكاملة بقياس الغلبة والاستحواذ وهم اذ يمدحون رجلا يقولون عنه انه (سبع) ياخذ حقه بذراعه ولايقدر احد عليه ومن أكبر العار على احدهم ان يُقال عنه انه صانع او حائك فذلك يعني في نظرهم انه ضعيف يحصل على قوته بعرق جبينه كالنساء ولايحصل عليه بحد السيف ومن هنا أطلقوا على العمل اليدوي اسم (المهنة) والمهنة مشتقة من المهانة كما لا يخفى.
مقاييس الحضارة:
إن الحضري العريق في حضارته لا يستسيغ هذه القيم البدوية فهو قد نشأ منذ طفولته على قيم أخرى وهو يقدر الناس بمقدار براعتهم في مهنهم وما يربحون منها وهو يعد البدو مجرمين سلابين لا يؤمن جانبهم. أنه ينسى ان البدو ينظرون اليه بنفس عين الاحتقار كما ينظر هو اليهم فهو في نظرهم جبان ذليل لاكرامة له ولا حق له في الحياة .
زار الدكتور فاضل الجمالي قبيلة عنزة في صحراء الشام ودهش حين راهم يؤمنون بالله ويصلون له ويصومون بينما هم لايتوانون عن النهب والغزو عندما تحين الفرصة المناسبة !!!! فسالهم عن هذا التناقض فيهم ؟!!!!!!! فكان جوابهم أنهم لم يكلفوا أنفسهم مشقة التفكير في هذا السؤال من قبل .
مشكلة الدكتور الفاضل أنه يقيسهم بمقياس الحضارة التي نشأ فيها وهو ينسى ان لهم مقاييسهم الخلقية الخاصة بهم فهم يتخيلون الله مثلهم يحترم الرجل الشجاع القادر على النهب ومما يدل على ذلك انهم يتصدقون على ارواح امواتهم من المال الذي ينهبونه في غارتهم المجيدة وهم يعدون (غارة الضحى) أعظم الغارات وأقربها الى الله لانها تجري في وضح النهار وتدل على جرأة القائم بها وبسالته.
يغضب البدوي اذا قيل له (حرمك الله من غارة الضحى !) وقد سأل الاستاذ عباس العزاوي أحد البدو قائلا له: أصحيح انكم تنفقون الخيرات على موتاكم مما تكسبون من غارة الضحى ؟ ولماذا يغضب البدوي من القول له : حرمك الله من غارة الضحى، فاجاب البدوي قائلا :
(وهل هناك احل وأفضل من غارة الضحى فهي على وجه نهار وكيف تحرمني من مثل هذه الغارة )
ولايجوز لنا ان نلوم البدو على أخلاقهم هذه فالاخلاق في الواقع ليست سوى صورة من صور تكيف الانسان لمحيطه ولو نشا أحدنا منذ طفولته بين البدو لما استطاع ان يتخذ لنفسه اخلاقا اخرى وقد أخطأ المفكرون والقدماء الذين كانوا يستنبطون قواعد الاخلاق من عقولهم المجردة ثم يفرضونها على الناس
إن الانسان لايفهم المثل العليا التي جاء بها الفلاسفة الحالمون انما هو يجري في سلوكه على نمط ما يحترمه المجتمع عليه ولو احترم المجتمع قردا لصار جميع الناس يحاولون ان يكونوا قرودا والعياذ بالله !
غلطة بعض المستشرقين:
وجد بعض المستشرقين الذين درسوا البدو أن الرجل منهم يحب المال حبا جما ولايقدر غير الدراهم والدينار اما المعنويات فلا قيمة لها في نظره ومن هؤلاء المستشرقين الاستاذ أوليري ، فقد قال في كتابه Arabia before Mohammed إن البدوي يعد نموذجا للنزعة المادية حيث يتملك الطمع مشاعره وليس لديه مجال للخيال والعواطف والدين ( وهو ينظر الى الأمور نظرة مادية وضعية ولايقومها الا بما تنتج من نفع عاجل ).
أني اعتقد ان هذا الراي الذي جاء به أوليري لا يخلو من غلو فهو ينظر الى الحقيقة الاجتماعية من جانب واحد ويهمل الجوانب الاخرى منها.
الواقع إننا في الوقت الذي نرى البدوي فيه أعتدائيا نهابا نجده كذلك كريما شهما أبيا وفيا الى درجة لايستطيع الحضر ان يدانيه فيها .
إن البدوي يطلب المال حقا .. ولكنه لايطلب المال من أجل المال فالمال عنده من علامات الرجولة والغلبة. وهو لايبالي ان يسخو بالمال حالما يصل الى يده ومن هنا جاء وصف البدوي بأنه (نهاب وهاب) إنه نهاب عندما يكون النهب رمزا للقوة وهو وهاب عندما يكون الوهب رمزا لها كذلك .
ولذلك تجده من أحرص الناس على الفلس الواحد حين يؤخذ الفلس منه اغتصابا وعنوة بينما هو من أسخى الناس حين يُستغاث به او يؤتى الى مضيفه او يطلب منه العون وهو قد يبذل في سبيل ذلك حياته علاوة على المال.
والبدوي كذلك صادق صريح لايحب الرياء والمرواغة او الختل. ولعله يعد المراوغة بشتى انواعها ضعفا لا يلائم طبيعة الشجعان الغالبين ان يقتلك او ينهبك ولكنه لا يداجيك او يخون امانتك او ياكل دينك وقد ياتي من اقصى البادية ليؤدي لك ما عليه من دين في الوقت الذي ربما كنت أنت قد نسيته او يئست منه لطول المدة وهو لايقسم بالله كذبا ولو كان في هذا القسم منجاة له من التهلكة فاذا اقسم لك مثلا ب(العود والر المعبود وسليمان بن داود) كان ذلك منه حجة لاتمارى وهو في الاغلب صادق فيما اقسم عليه مخلص فيه .
عندما يتحضر البدوي:
تلك هي شخصية البدوي بما فيها من محاسن ومساوىء وهي قائمة كلها على اساس الغلبة والاستحواذ والشجاعة ولي ان اقول ان هذه الشخصية تظل محافظة على محاسنها ومساوئها ما دامت باقية في الصحراء وهنا نسأل هل في ميسور البدوي ان يظل قابعا في صحرائه القاحلة زمنا طويلا ؟
انه شجاع باسل يحمل السيف البتار ويرى في الأمصار المجاورة أُناسا متحضرين قد شبعوا من الخام والطعام وهم في الوقت ذاته جبناء مخنثون فهل يتركهم يرتعون في النعيم الذي لا حق لهم به او يغزوهم وينهب اموالهم ؟.
شهد التاريخ سللة طويلة من الغزوات البدوية التي اجتاحت الامصار المجاورة للصحراء ولا شأن لنا بهذه الغزوات من الناحية السياسية فأمرها معروف ولها الباحثون المختصون فيها إنما نريد هنا ان نبحث فيها من الناحية الاجتماعية ولا سيما ما له من صلة بموضوع الاخلاق الذي نحن فيه .
يذهب ابن خلدون الى القول بأن البدو يكاد لا يستولون على الامصار المتحضرة ويعتادون على ترفها وملذاتها حتى ينسوا بالتدريج خصالهم القديمة ويأخذون بأكتساب الخصال الحضرية وابن خلدون يقصد من ذلك انهم ينسون خصالهم البدوية جميعا بما فيها من محاسن ومساوىء.
وأني اكاد اعتقد ان هذا الراي الذي جاء به ابن خلدون صحيح في نطاق العصور القديمة التي عاش فيها ابن خلدون او قرأ تاريخها اما في العصور الأخيرة فقد لا يصدق هذا الراي كل الصدق ولي استدراك عليه لايخلو من صواب .
في رأيي ان العصور الاخيرة تختلف عما سبق في طبيعة السلاح الذي كان مستخدما في القتال بين البدو والحضر. فقد كان الناس يستخدمون السيف قديما كما هو معروف ولهذا كان البدوي منتصرا في معظم الأحيان التي يغزو فيها الامصار المتحضرة بسبب ان البدو ابرع في قتال السيف من المتحضرين ومعنى هذا انهم كانوا يستولون على الامصار ويؤسسون فيها الممالك حيث يؤلفون فيها الطبقة الحاكمة اما في العصور الاخيرة فقد ذهب زمان السيف وحلت محله الاسلحة النارية والبدو لايستطيعون ان ينتجوا هذه الاسلحة او يحذقوا فنها كما يحذقه المتحرون ولهذا شعروا بالعجز عن اجتياح الامصار المجاورة على منوال ما كانوا يفعلون قديما فهم لايكادون يتحرشون بالحضر حتى يجدوا المدافع الضخمة قد صوبت عليهم وقذفتهم بشواظ من نار فقد ادركوا ان بسالتهم القديمة لا تجديهم كثيرا إزاء فوهات المدافع وطلقات النار.
وقد لاحظت من دراستي لتاريخ العراق في العهد العثماني ان القبائل البدوية اخذت تاتي الى العراق عن طريق التغلغل التدريجي بدلا من طريق الفتح الحربي . وقد حاولت بعض القبائل بتأثير المذهب الوهابي ان تغزو العراق بحد السيف غير مرة فباءت بالفشل واستطاعت الحكومة العثمانية على ضعفها ان تردهم على أعقابهم بعد المذبحة التي قاموا بها في كربلاء في أواخر القرن الثامن عشر واستطاع محمد علي باشا بعد ذلك ان يهاجم عاصمتهم في صميم الصحراء ويضرب حركتهم ضربة قوية قاصمة وتلك كانت معركة لم تشهد جزيرة العرب لها مثيلا في تاريخها الطويل حيث لم يتمكن اي جيش حضري من قبل ان يغزو الصحراء او يتغلغل فيها فاتحا.
خلاصة ما اردت قوله في هذا الصدد ان الصراع بين البدو والحضر قد اتخذ في العصور القديمة شكلا جديدا إذ صارت قبائل البدو تتسلل الى الامصار المجاورة خلستا فتستقر فيها دون ان تحاول الاستيلاء عليها.
أخلاق العشائر العراقية:
أريد ان اتحول الان الى دراسة اخلاق العشائر بعد تحضرها في العصور الاخيرة ومما تجدر الاشارة اليه بان معظم دراستي في هذا الصدد قد تركزت حول عشائر العراق ومعنى هذا ان بحثي سيكون جزئيا غير شامل ولكني ارجو ان يكون على اي حال ذا نفع لأخواني الباحثين في البلاد العربية الاخرى إذ قد يستطيعون به مقارنة وضع العراق من الناحية الخلقية بوضع غيره من البلاد ولعلهم يجدون بينهما شيئا من الشبه او الخلاف على اي حال.
الامر الذي اود ان الفت انظاركم اليه هو ان القبائل البدوية التي استقرت في العراق في العصور الاخيرة لاسيما في العهد العثماني اخذت تفتقد كثيرا من محاسنها القديمة بينما هي ظلت محافظة على المساوىء إنها فقدت الصدق والأمانة والصراحة مثلا ولكنها بقيت متمسكة بالعصبية القبلية والثأر والاعتداد بالغلبة والفخار بالغزو والنهب. وهذا امر غريب يلفت النظر فما هو السبب الذي جعل المحاسن البدوية تضعف تجاه الظروف الحضرية الجديدة في الوقت الذي تظل فيه المساوىء صامدة لابد أن يكون وراء ذلك عامل اجتماعي يؤدي الى هذه النتيجة التي لاتخلو من ضياع خلقي كبير فما هو ؟
الذي اميل اليه ويميل اليه بعض زملائي من الباحثين العراقيين هو أن نظام الحكم الذي كان يسود العراق في العهد الاخير له يد في هذا الضياع الخلقي. وهنا يجب ان لاننسى ان الحكومة العثمانية لم تكن حكومة بالمعنى الصحيح فهي لم تكن تعني بالمحافظة على الامن والنظام في البلاد كما هو شأن الحكومات الراقية ولم يكن همها في حكم الناس الا ان تجبي منهم الضرائب والمغارم وليفعلوا بعد ذلك بأنفسهم ما يشاؤون. وكانت سياسة الحكومة تجاه العشائر أنها تتركهم يتقاتلون ويتناهبون فيما بينهم والمعروف عنها أنها كانت تشجع فيهم هذا القتال والتناهب أحيانا في سبيل إضعافهم على طريقة (فرق تسد)
وللحديث بقية
أرجوا أن تتم مناقشة هذا الموضوع مناقشة عقلانية بعد قرائته بتأني وتركيز فعندما نعرف الأسباب سنعرف لماذا تنازع شيوخ القبائل فيما بينهم في السابق وسنعرف أن بسبب الشقاق بين عرب الساحل الشرقي هو ما أضاع دولتهم هناك خصوصا عندما أوقع الفرس بين عرب الساحل بعضهم البعض صدامات ثم أستغلوها لتدميرهم ولذلك يجب علينا معرفة الشخصية العربية ونواقصها وبعدها سنعرف طرق علاجها ثم تطويرها فالرجاء قراءة المقال المقتبس من المرحوم العراقي البطل الدكتور علي الوردي عندما يصف الشخصية العربية ثم يتجه بسرده للشخصية العراقية التي تنطبق تماما على شخصية بقية دول الخليج العربي وتنطبق على عرب الساحل لأنهم يشاركون غيرهم من أخوانهم عرب شبه الجزيرة في اللغة واللهجة والعادات والتقاليد والمصير المشترك
الى اليوم العرب يعانون من نفس المشكلة ولذلك نحب أن نطرح هذا الموضوع لكي يستفيد منه الجميع ولكي نعرف نواقصنا ونحاول أن نعالجها ونطورها وكل هذا في خدمة عربنا عرب السواحل والجزر فيجب أن يعرف الجميع أن في الأتحاد قوة ولذلك يجب علينا أن نتخلى من نواقص شخصيتنا لأننا نسير نحو هدف مشترك والأن اليكم المقال الرائع المقتبس من المرحوم الدكتور علي الوردي
اليكم الكلام::358:
الاخلاق الضائعة من الموارد الخلقية - الدكتور علي الوردي
ان هذا الموضوع الذي أحاول البحث فيه اليوم يختلف في طبيعته عن المواضيع الاخرى التي دعتكم هيئة الدراسات العربية الى الاستماع اليها .ان موضوعنا يتصل بالاخلاق .والاخلاق كما تعلمون من الامور النسبية التي يختلف الناس في تقديرها وهي ليست اذن كالموارد الصحية او التقنية او الاقتصادية من حيث اتفاق الناس في الغالب على ما يستحسن منها وما يستقبح .
فلقد اتفق الناس مثلا على ان الامراض بشتى انواعها شر يصيب الانسان وان السلامة منها خير يسعى الانسان نحوه ويحاول الحصول عليه بكل جهده ولكنهم لم ينظروا في الاخلاق بمثل هذه النظرة الثابتة قد يصح القول بأن كل ثقافة بشرية تتخذ لنفسها نظاما في الاخلاق خاصا بها وهي تنظر الى اخلاق الاخرين بشيء من الريبة والاحتقار .
ولهذا وجب علينا قبل البحث في الضائع من الاخلاق العربية ان نعرف ما هو الاساس الذي تبنى عليه البحث بعبارة اخرى يجب ان نعرف ما هي الاخلاق قبل ان نعرف ما هو الضائع منها .
وفي سبيل اتخاذ ركيزة استند عليها في طرق هذا الموضوع سأحاول المقارنة بين اخلاق البداوة والحضارة . ولي سبب يدعوني الى ذلك حيث وجدت ان المجتمع العربي قد اختص من بين كثير من المجتمعات الاخرى بكونه شديد الصلة بالبداوة من ناحية وكونه موطن أعرق الحضارات في التاريخ من الناحية الاخرى .
ويؤسفني في هذا الصدد ان ارى بعض الباحثين العرب لايهتمون بهذه الناحية من نواحي مجتمعهم اهتماما كافيا فقد وجدتهم يدرسون مجتمعهم على نمط ما اعتاد الغربيون ان يدرسوا مجتمعاتهم به مع العلم ان المجتمع العربي يختلف عن المجتمعات الغربية في تراثه الثقافي والحضاري . وهو إذن في حاجة الى منهج للدراسة خاص به .
يجب ان لاننسى قبل كل شيء ان البلاد العربية تقع في أعظم منطقة صحراوية في العالم. سرحوا النظر فيها من مراكش غربا حتى العراق شرقا تجدوا البادية شاملة لها متغلغلة فيها الى درجة تلفت النظر .
وقد امتلا تاريخ هذه البلاد بالموجات البشرية التي كانت ترمي البداوة بها الى السهول الخصيبة منها جيلا بعد جيل.
ليس من الجائز لنا إذن ان نهمل أثر هذه الصحراء في تكوين المجتمع العربي إننا لا نلوم الغربيين إذا هملوا أثر القيم البدوية في مجتمعاتهم ذلك ان بلادهم خالية من الصحراء تقريبا وليس فيها تراث بدوي يتغلغل في أعماق النفوس منها أما نحن العرب فالقيم البدوية تكاد تؤلف جزءا لايستهان به من نظامنا الاجتماعي. وفي رأيي إننا لانستطيع أن نفهم الاخلاق العربية في وضعها الراهن قبل ان ندرس اخلاق اجدادنا البدو وكيف كانوا ينظرون في شؤون الحياة .
.
شخصية المجتمع البدوي:
دعونا الان ندرس المجتمع البدوي وهنا اقول بان الابحاث الاجتماعية الحديثة ترى بأن أي مجتمع من المجتمعات البشرية هو كالفرد يملك شخصية خاصة به وهذه الشخصية المجتمعية تعرف في الاصطلاح العلمي باسم (culture) .
واذا درسنا البداوة في هذا الضوء خرجنا من ذلك بنتيجة قد تختلف عن النتائج التي توصل اليها السواح او المستشرقون الذين درسوا البداوة في عصرنا الحاضر. ومشكلة هؤلاء الدارسين انهم كانوا يصفون الصفات التي اكتشفوها في المجتمع البدوي جنبا الى جنب من غير ان يتحروا عن العامل المشترك الذي يختفي وراءها. أنهم بعبارة اخرى كانوا كمن يدرس احد الافراد فيذكر صفاته المختلفة دون ان يذكر طابع الشخصية الذي يؤلف من تلك الصفات نظاما حركيا متماسكا.
تقول الأستاذة روث بندكت في كتابها المعروف (patterns of culure) ان الصفات في اي مجتمع هي كالعناصر التي يتألف منها المركب الكيماوي إذ هي تتفاعل وتترابط فيما بينها بحيث يظهر من جراء ذلك شيء جديد يختلف في صفاته عن صفات العناصر المكونة له. وهذا هو ما اطلقنا عليه اسم الشخصية المجتمعية او ال(culure) .
وهنا نسأل : ما هو الاساس الذي تقوم عليه شخصية المجتمع البدوي؟
للجواب على ذلك ينبغي أن نقارن بين الشخصية البدوية والشخصية المناقضة لها اي الشخصية الحضرية ومن الممكن القول في هذه المناسبة ان الشخصية الحضرية تقوم على (الانتاج) بينما تقوم الشخصية البدوية على (الاستحواذ) وشتان بين أخلاق الانتاج واخلاق الاستحواذ كما تعلمون.
نحن نعرف بوجه عام ان الفرد الحضري العريق في حضارته يصعب عليه ان يعيش من غير مهنة او نوع من الانتاج يحاول الحذق فيه. وقد يكون الانتاج ماديا او يكون فكريا ،انما هو على كل حال براعة تنال بالجهد والمران في معظم الاحيان وكلما حسنت براعة الفرد الحضري في مهنة التي اختص بها راج سوقه وارتفع مستوى معاشه بالنسبة الى أقرانه الذين يعيشون في مثل ظروفه .
أما البدوي فله شأن اخر مختلف عن الحضري:
فهو يعيش في صحراء لاتعرف من شؤون الانتاج الا قليلا وليس فيها سوى العشب ينبت هنا وهناك بأمر الله كما قال القرأن في مخاطبة سكان الصحراء {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }الذاريات22 وهو يشير بذلك الى المطر الذي ينزل من السماء حيث ينبت به العشب الاخر وتكثر الغدران وتمتلىء الابار وعند هذا ينعم البدو بالشبع والري دون ان يحسبوا لغدهم حسابا.
ومشكلة البدو الكبرى انهم لايستطيعون ان يقتسموا مواطن العشب والماء فيما بينهم او يسجلوا حقوقهم فيها على صكوك كما يفعل المتحضرون في أموالهم. فمواطن العشب والماء قليلة بالنسبة الى عددهم المتنامي وهم مضطرون إذن ان يتنافسوا ويتنازعوا عليها بحد السيف وليس في البادية مكان للضعيف الذي يدعوا الى مبادىء العدالة والمساواة
يقول الشاعر البدوي:
ونشرب ان وردنا الماء صفوا............................. ويشرب غيرنا كدرا وطينا
وجاء في أمثالهم الدارجة (الحق بالسيف والعاجز يريد شهود). وجاء كذلك قولهم (الحلال ما حل باليد).
والذي يجلس اليهم يستمع الى احاديثهم يجد انهم يقيسون الرجولة الكاملة بقياس الغلبة والاستحواذ وهم اذ يمدحون رجلا يقولون عنه انه (سبع) ياخذ حقه بذراعه ولايقدر احد عليه ومن أكبر العار على احدهم ان يُقال عنه انه صانع او حائك فذلك يعني في نظرهم انه ضعيف يحصل على قوته بعرق جبينه كالنساء ولايحصل عليه بحد السيف ومن هنا أطلقوا على العمل اليدوي اسم (المهنة) والمهنة مشتقة من المهانة كما لا يخفى.
مقاييس الحضارة:
إن الحضري العريق في حضارته لا يستسيغ هذه القيم البدوية فهو قد نشأ منذ طفولته على قيم أخرى وهو يقدر الناس بمقدار براعتهم في مهنهم وما يربحون منها وهو يعد البدو مجرمين سلابين لا يؤمن جانبهم. أنه ينسى ان البدو ينظرون اليه بنفس عين الاحتقار كما ينظر هو اليهم فهو في نظرهم جبان ذليل لاكرامة له ولا حق له في الحياة .
زار الدكتور فاضل الجمالي قبيلة عنزة في صحراء الشام ودهش حين راهم يؤمنون بالله ويصلون له ويصومون بينما هم لايتوانون عن النهب والغزو عندما تحين الفرصة المناسبة !!!! فسالهم عن هذا التناقض فيهم ؟!!!!!!! فكان جوابهم أنهم لم يكلفوا أنفسهم مشقة التفكير في هذا السؤال من قبل .
مشكلة الدكتور الفاضل أنه يقيسهم بمقياس الحضارة التي نشأ فيها وهو ينسى ان لهم مقاييسهم الخلقية الخاصة بهم فهم يتخيلون الله مثلهم يحترم الرجل الشجاع القادر على النهب ومما يدل على ذلك انهم يتصدقون على ارواح امواتهم من المال الذي ينهبونه في غارتهم المجيدة وهم يعدون (غارة الضحى) أعظم الغارات وأقربها الى الله لانها تجري في وضح النهار وتدل على جرأة القائم بها وبسالته.
يغضب البدوي اذا قيل له (حرمك الله من غارة الضحى !) وقد سأل الاستاذ عباس العزاوي أحد البدو قائلا له: أصحيح انكم تنفقون الخيرات على موتاكم مما تكسبون من غارة الضحى ؟ ولماذا يغضب البدوي من القول له : حرمك الله من غارة الضحى، فاجاب البدوي قائلا :
(وهل هناك احل وأفضل من غارة الضحى فهي على وجه نهار وكيف تحرمني من مثل هذه الغارة )
ولايجوز لنا ان نلوم البدو على أخلاقهم هذه فالاخلاق في الواقع ليست سوى صورة من صور تكيف الانسان لمحيطه ولو نشا أحدنا منذ طفولته بين البدو لما استطاع ان يتخذ لنفسه اخلاقا اخرى وقد أخطأ المفكرون والقدماء الذين كانوا يستنبطون قواعد الاخلاق من عقولهم المجردة ثم يفرضونها على الناس
إن الانسان لايفهم المثل العليا التي جاء بها الفلاسفة الحالمون انما هو يجري في سلوكه على نمط ما يحترمه المجتمع عليه ولو احترم المجتمع قردا لصار جميع الناس يحاولون ان يكونوا قرودا والعياذ بالله !
غلطة بعض المستشرقين:
وجد بعض المستشرقين الذين درسوا البدو أن الرجل منهم يحب المال حبا جما ولايقدر غير الدراهم والدينار اما المعنويات فلا قيمة لها في نظره ومن هؤلاء المستشرقين الاستاذ أوليري ، فقد قال في كتابه Arabia before Mohammed إن البدوي يعد نموذجا للنزعة المادية حيث يتملك الطمع مشاعره وليس لديه مجال للخيال والعواطف والدين ( وهو ينظر الى الأمور نظرة مادية وضعية ولايقومها الا بما تنتج من نفع عاجل ).
أني اعتقد ان هذا الراي الذي جاء به أوليري لا يخلو من غلو فهو ينظر الى الحقيقة الاجتماعية من جانب واحد ويهمل الجوانب الاخرى منها.
الواقع إننا في الوقت الذي نرى البدوي فيه أعتدائيا نهابا نجده كذلك كريما شهما أبيا وفيا الى درجة لايستطيع الحضر ان يدانيه فيها .
إن البدوي يطلب المال حقا .. ولكنه لايطلب المال من أجل المال فالمال عنده من علامات الرجولة والغلبة. وهو لايبالي ان يسخو بالمال حالما يصل الى يده ومن هنا جاء وصف البدوي بأنه (نهاب وهاب) إنه نهاب عندما يكون النهب رمزا للقوة وهو وهاب عندما يكون الوهب رمزا لها كذلك .
ولذلك تجده من أحرص الناس على الفلس الواحد حين يؤخذ الفلس منه اغتصابا وعنوة بينما هو من أسخى الناس حين يُستغاث به او يؤتى الى مضيفه او يطلب منه العون وهو قد يبذل في سبيل ذلك حياته علاوة على المال.
والبدوي كذلك صادق صريح لايحب الرياء والمرواغة او الختل. ولعله يعد المراوغة بشتى انواعها ضعفا لا يلائم طبيعة الشجعان الغالبين ان يقتلك او ينهبك ولكنه لا يداجيك او يخون امانتك او ياكل دينك وقد ياتي من اقصى البادية ليؤدي لك ما عليه من دين في الوقت الذي ربما كنت أنت قد نسيته او يئست منه لطول المدة وهو لايقسم بالله كذبا ولو كان في هذا القسم منجاة له من التهلكة فاذا اقسم لك مثلا ب(العود والر المعبود وسليمان بن داود) كان ذلك منه حجة لاتمارى وهو في الاغلب صادق فيما اقسم عليه مخلص فيه .
عندما يتحضر البدوي:
تلك هي شخصية البدوي بما فيها من محاسن ومساوىء وهي قائمة كلها على اساس الغلبة والاستحواذ والشجاعة ولي ان اقول ان هذه الشخصية تظل محافظة على محاسنها ومساوئها ما دامت باقية في الصحراء وهنا نسأل هل في ميسور البدوي ان يظل قابعا في صحرائه القاحلة زمنا طويلا ؟
انه شجاع باسل يحمل السيف البتار ويرى في الأمصار المجاورة أُناسا متحضرين قد شبعوا من الخام والطعام وهم في الوقت ذاته جبناء مخنثون فهل يتركهم يرتعون في النعيم الذي لا حق لهم به او يغزوهم وينهب اموالهم ؟.
شهد التاريخ سللة طويلة من الغزوات البدوية التي اجتاحت الامصار المجاورة للصحراء ولا شأن لنا بهذه الغزوات من الناحية السياسية فأمرها معروف ولها الباحثون المختصون فيها إنما نريد هنا ان نبحث فيها من الناحية الاجتماعية ولا سيما ما له من صلة بموضوع الاخلاق الذي نحن فيه .
يذهب ابن خلدون الى القول بأن البدو يكاد لا يستولون على الامصار المتحضرة ويعتادون على ترفها وملذاتها حتى ينسوا بالتدريج خصالهم القديمة ويأخذون بأكتساب الخصال الحضرية وابن خلدون يقصد من ذلك انهم ينسون خصالهم البدوية جميعا بما فيها من محاسن ومساوىء.
وأني اكاد اعتقد ان هذا الراي الذي جاء به ابن خلدون صحيح في نطاق العصور القديمة التي عاش فيها ابن خلدون او قرأ تاريخها اما في العصور الأخيرة فقد لا يصدق هذا الراي كل الصدق ولي استدراك عليه لايخلو من صواب .
في رأيي ان العصور الاخيرة تختلف عما سبق في طبيعة السلاح الذي كان مستخدما في القتال بين البدو والحضر. فقد كان الناس يستخدمون السيف قديما كما هو معروف ولهذا كان البدوي منتصرا في معظم الأحيان التي يغزو فيها الامصار المتحضرة بسبب ان البدو ابرع في قتال السيف من المتحضرين ومعنى هذا انهم كانوا يستولون على الامصار ويؤسسون فيها الممالك حيث يؤلفون فيها الطبقة الحاكمة اما في العصور الاخيرة فقد ذهب زمان السيف وحلت محله الاسلحة النارية والبدو لايستطيعون ان ينتجوا هذه الاسلحة او يحذقوا فنها كما يحذقه المتحرون ولهذا شعروا بالعجز عن اجتياح الامصار المجاورة على منوال ما كانوا يفعلون قديما فهم لايكادون يتحرشون بالحضر حتى يجدوا المدافع الضخمة قد صوبت عليهم وقذفتهم بشواظ من نار فقد ادركوا ان بسالتهم القديمة لا تجديهم كثيرا إزاء فوهات المدافع وطلقات النار.
وقد لاحظت من دراستي لتاريخ العراق في العهد العثماني ان القبائل البدوية اخذت تاتي الى العراق عن طريق التغلغل التدريجي بدلا من طريق الفتح الحربي . وقد حاولت بعض القبائل بتأثير المذهب الوهابي ان تغزو العراق بحد السيف غير مرة فباءت بالفشل واستطاعت الحكومة العثمانية على ضعفها ان تردهم على أعقابهم بعد المذبحة التي قاموا بها في كربلاء في أواخر القرن الثامن عشر واستطاع محمد علي باشا بعد ذلك ان يهاجم عاصمتهم في صميم الصحراء ويضرب حركتهم ضربة قوية قاصمة وتلك كانت معركة لم تشهد جزيرة العرب لها مثيلا في تاريخها الطويل حيث لم يتمكن اي جيش حضري من قبل ان يغزو الصحراء او يتغلغل فيها فاتحا.
خلاصة ما اردت قوله في هذا الصدد ان الصراع بين البدو والحضر قد اتخذ في العصور القديمة شكلا جديدا إذ صارت قبائل البدو تتسلل الى الامصار المجاورة خلستا فتستقر فيها دون ان تحاول الاستيلاء عليها.
أخلاق العشائر العراقية:
أريد ان اتحول الان الى دراسة اخلاق العشائر بعد تحضرها في العصور الاخيرة ومما تجدر الاشارة اليه بان معظم دراستي في هذا الصدد قد تركزت حول عشائر العراق ومعنى هذا ان بحثي سيكون جزئيا غير شامل ولكني ارجو ان يكون على اي حال ذا نفع لأخواني الباحثين في البلاد العربية الاخرى إذ قد يستطيعون به مقارنة وضع العراق من الناحية الخلقية بوضع غيره من البلاد ولعلهم يجدون بينهما شيئا من الشبه او الخلاف على اي حال.
الامر الذي اود ان الفت انظاركم اليه هو ان القبائل البدوية التي استقرت في العراق في العصور الاخيرة لاسيما في العهد العثماني اخذت تفتقد كثيرا من محاسنها القديمة بينما هي ظلت محافظة على المساوىء إنها فقدت الصدق والأمانة والصراحة مثلا ولكنها بقيت متمسكة بالعصبية القبلية والثأر والاعتداد بالغلبة والفخار بالغزو والنهب. وهذا امر غريب يلفت النظر فما هو السبب الذي جعل المحاسن البدوية تضعف تجاه الظروف الحضرية الجديدة في الوقت الذي تظل فيه المساوىء صامدة لابد أن يكون وراء ذلك عامل اجتماعي يؤدي الى هذه النتيجة التي لاتخلو من ضياع خلقي كبير فما هو ؟
الذي اميل اليه ويميل اليه بعض زملائي من الباحثين العراقيين هو أن نظام الحكم الذي كان يسود العراق في العهد الاخير له يد في هذا الضياع الخلقي. وهنا يجب ان لاننسى ان الحكومة العثمانية لم تكن حكومة بالمعنى الصحيح فهي لم تكن تعني بالمحافظة على الامن والنظام في البلاد كما هو شأن الحكومات الراقية ولم يكن همها في حكم الناس الا ان تجبي منهم الضرائب والمغارم وليفعلوا بعد ذلك بأنفسهم ما يشاؤون. وكانت سياسة الحكومة تجاه العشائر أنها تتركهم يتقاتلون ويتناهبون فيما بينهم والمعروف عنها أنها كانت تشجع فيهم هذا القتال والتناهب أحيانا في سبيل إضعافهم على طريقة (فرق تسد)
وللحديث بقية