المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضمائر القرآن



أبن السواحل
01-13-2010, 12:07 AM
فكرة جديدة بالنسبة لي وموضوع جدير بالقراءة والمطالعة والتحليل ثم الأستنتاج على المعطيات ثم المناقشة وأبراز الأمور لكي تتضح لنا هذه الفكرة التي غابت عن الكثير من الناس

الأفكار يجب أن تقرأ وتفهم بدلا من تجاهلها وأقصد بكلامي أن لماذا شيوخ الدين لم يحالوا أبراز أو حتى نقاش هذه الفكرة أو المنطق أو الحقيقة ( أن كانت كذلك ) ؟

اليكم الموضوع


الضمائر في القرأن


التعامل مع ضمائر كلام القرآن كما هي في اللسان العربيّ بلا تبديل لكلام الله. القرآن الموحى، جرى تفصيلُه بنظام خاصّ، فباعتباره آخر كتاب، جامعٍ ومهيمن، فقد ضُمّن الحقائق كلّها التي يحتاجها البشر للمسيرة السويّة العُليا إلى قيام الساعة، أمّا على صعيد صياغته اللغويّة فقد انصاغ بلسانٍ عربيّ مبين وفق قواعد العربيّة الصحيحة، لا حسب الشواهد الشعرية، ولا كلام العرب أيّا كانوا، بل العربيّة الطبيعيّة الصحيحة التي تكلّم بها أفصح العرب محمّد (ص) وينبغي أنْ يتكلّم بها فصحاءُ قريش وأقحاحُ العرب، هذا على مستوى القواعد والنّظام، أمّا على مستوى مفردات الكلمات (وجوداً ونُطقاً) فهي من اللغة العربيّة "قبائل العرب" المخزونة في لسان محمّد (ص)، لأنّ لهجة قريش لم تلمّ بكلّ مفردات العربية قاطبة، أو قُلْ الحصيلة التراكميّة القرشيّة لا تساوي حصيلة اللسان العربي كاملاً على مستوى المفردات، لكنّ المُختار محمّداً (ص) أوتي جوامع الكلم واختُصِر له الكلام اختصاراً.



وما دمنا تطرّقنا للضمائر، فنُثبت هنا أهمّ قاعدةٍ مستقرأةٍ مِن كتاب الله وموافقة للسان العربيّ المبين، التي أخلّ بها المفسّرون قاطبةً وهُتِكَ بها نظام اللسان العربيّ فلمْ يعُدْ النصّ يشفّ عن معنىً أكيد، تلك التي لو أُعيد النّظر فيها فقطّ لتغيّر النّظر إلى كثيرٍ مِنْ العقائد ولسقط نصفُ التفسير الموجود بين أيدينا، ولانحسمت أمورٌ كانت محلّ نزاع تاريخيّ في مسائل: ماهيّة الوحي، خلق القرآن، قصّة الخلْق الأوّل، دور الملائكة وإبليس، فلسفة الوجود ونظامه، التوحيد والوسائط الربّانيّة، ومعنى خلافة الإنسان.


القاعدة هي: التعامل مع ضمائر كلام القرآن كما هي في اللسان العربيّ بلا تبديل لكلام الله، المفردُ مفرد، والمثنّى مثنّى، والجمْعُ جمع، وضمير المتكلّم متكلّم وهو غير ضمير الغائب وغير ضمير السامع، لا بالتخريجات والإبدالات والإحالات البلاغيّة الموهومة، بهذا التصوّر فقط نستطيع أنْ نقرأ القرآن كما نزل، ببساطة التلقّي، ونعرف القرآن كيف نزل، وبماذا نزل. فلو قرأنا:
(وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * .. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * .. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * .. يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)(سورة هود: 69-76).


وسألنا: رسلُ مَن التي جاءت لإبراهيم (ع)؟ لقال المفسّر: رسل الله! قُلنا: لماذا لمْ يقل: "رسلي" كما قال (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)(المجادلة: 21)؟! قالوا تعظيما وتفخيماً لنفسه تكلَّم عن نفسه بالجمع!! قلنا: "لأغلبنّ أنا ورسليّ"، أولى بالتفخيم والتعظيم.
وسألنا: مَنْ قائل هذه القصّة كلّها للنبيّ (ص)؟ لقال المفسّر: الله سبحانه! قُلنا: الله يقول: "يُجادلنا في قوم لوط" فهل الله العليّ يُجادَل؟ وهل الله الواحد "جمْع" - مع عدم اعترافنا بالتفخيم المزعوم الذي لا ضابط له؟ وكيف يقول الله لإبراهيم "إنّه قدْ جاء أمرُ ربّك" متكلّماً عن غائب؟


ثمّ نقرأ بغصّتنا بعدها قصّة لوط: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(هود: 82، 83)، والسؤال يتكرّر مِنْ القارئ العربيّ:
مَنْ المتكلّم (الجمع) الذي يقول: "فلمّا جاء أمرُنا جعلنا"؟ يُجيب المفسِّر: هو الله تعالى المفخِّم نفسَه! قلنا: كيف يكون هو الله ثمّ يقول: "مسوّمةً عند ربّك"، يتكلّم عن نفسه جمعاً ثمّ بضمير الغائب أيضاً، لِمَ لا يقول "مسوّمةً عندي"، وعلى الزعم بالتفخيم "مسوّمةً عندنا"؟!


ثمّ نواصل القراءة: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (هود: 101)، ونسأل مجدَّداً السؤال نفسه: المتكلّم يقول (بضمير المتكلّم الجمع): "وما ظلمناهم"، لكنّه يتكلّم عن "الله" وعن "أمْر الربّ" بضمير الغائب المفرَد، فإذا كان اللهُ المتكلّمَ والضمائرُ كلُّها راجعةً إليه لَمَ لمْ يقلْ: (وما ظلمتُهم- مِنْ دوني - جاء أمري)؟!


للمفسّرين إجابات ومناورات وتخريجات وأقوال، خُلاصتها تقول أنّهم لا يملكون جواباً، لأنّهم ببساطة خرجوا عن نظام اللّغة بأثرٍ من العقيدة. ولو راجعتَ القرآن كلّه لرأيته بهذا النسق ولقام ألفُ إشكال وسؤال في وجْهِك، افتحْهُ مِنْ أيّ صفحةٍ فيه واقرأ، ستجد السؤال مستعرضاً: لماذا أسقطنا الدلالة العربيّة لضمير الجمع، وضمير الغائب، منْ تفكيرنا، فقط حين نقرأ القرآن؟!


بهذا الوعي فقط يستطيع المفسّر أنْ يعرف ماهيّة وكيفيّة "كلام الله"، وأنْ يفرّق بين "كلام الله" و"قول الله". فنحن نرى أنّ القرآن دقيق وعميق، والله - كما يقول العقل وتقولُ اللغة - لا يتكلّم عن نفسه بضمير الجمع، ولا بضمير الغائب أبداً، لدينا آيةٌ محكمة تقول: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(الشورى:51)، هذه الآية لا تقبل التأويل ولا الاستثناء لأنّها مِنْ أصول الكتاب (أمّ الكتاب) ومحكماتِ آياته وثوابت الاعتقاد، وهذه الآية نفسها ليست مِنْ الله مباشرة بل مِنْ الرسول الملكيّ المُوحي بإذن الله يتكلّم فيها عن الله (بضمير الغائب) بإذنه سبحانه. أمّا الزّعم بأنّ الله يتكلّم عن نفسه أحياناً بصيغة الغائب تنزيهًا، وبضمير الجمع تعظيماً وتفخيماً، على عادة بعض الملوك، فهذا من التخريجات واللّف على النصّ العربيّ الذي لا يأتيه الباطل، وهي لا ضابط لها ولا معيار يُقاس، ومنْ يستقرئ كتاب الله كلّه، سيرى أنّ العكس في الاثنيْن هو الصحيح، فآياتُ المفرَد كانت أولى بالتعظيم والتفخيم والمهابة والعزّة، وآيات التنزيه ما جرتْ إلاّ على لسان غير الله، ولمْ يقل سبحانه مرّةً واحدة "سبحاني" أو "سبحاننا". بل والأدهى أنّ استقراءنا لكتاب الله يرينا بعين الحقيقة أنّ الله سبحانه حين يكون مدعوّاً، معبوداً، فالصيغة مفردة دائماً.. وأبداً، فلماذا لا يُفخِّم العبدُ ربّه ويعظّمه قائلاً: (لا إله إلاّ أنتم) و(سبحانكم) و(الحمد لكم) و(ربّنا عليكم توكّلنا وإليكم أنبنا)، (إيّاكم نعبُد وإيّاكم نستعين) .. لماذا؟ لماذا الخطاب مِن أسفل لأعلى يتّخذ طابع التفريد المحض، والخطاب مِنْ أعلى يتّخذ النوعين، لكنّه في خصوص العبادة والدعاء والتأليه يصرّ على التفريد أيضاً ودائماً؟


ربّما يُقال جواباً: توخّياً مِنْ الشرك وظنّ التعدّد!
قلنا ردّاً: أنّ الشرك وظنّ التعدّد يأتي من العبارة الربّانيّة أوقع وأثبت منْ عبارة عبادِه العبيد، فكان الأولى نفيها من مساحات الخطاب العُلويّ لا السُّفليّ، فينبغي شطب: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) (الأنعام:42)، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر:9)، ( وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)(مريم:40)، (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(الصافات:11)، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)(يّـس:12) وعشرات المئات أشباهها، وتُستبدل بـ : (ولقد أرسلتُ) (إنّي أنا نزّلتُ) (وإليّ يُرجعون) (إنّي خلقتُهم) (وكلّ شيء أحصيتُه) .. صيانةً للتوحيد!. والحقّ نقول؛ لو قرئ كلام الله كما نزل بلا مزايدات، لما أشكل علينا التوحيد ولما نسفنا معارف القرآن خوفاً على "التوحيد" الذي لمْ يُستلَم بدوره مِنْ كلام الله!


ونزيد الأمر بياناً ممّا كان ينبغي أنْ يستثير كوامن عقول المفسّرين الفذّة التي وقع معظمها ضحيّةَ وراثة قاعدة، قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ)(الواقعة:85)، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(قّ:16) فاختلفوا -المفسّرين- في تعيين مَنْ هو هذا الذي هو "أقرب"، أهو الله تعالى؟ فاتّفقوا (عقائديّاً وهو صحيح) على أنّ الله ليس أقرب من شيء دون شيء، سبحانه قريبٌ فحسب (فَإِنِّي قَرِيبٌ)(البقرة:186)، ذلك أنّ له معيّةً أزليّةً أبديّةً مع كلّ شيء: (وَهُوَ مَعَهُمْ)(النساء:108)، (إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)(المجادلة:7)، (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(الحديد:4). والحقّ، أنّه سبحانه أقرب من كلّ قريب لا بالجسم والمكان بل بالإحاطة والوجدان وبما وصف نفسه به، فوجوده هو الوجود الفعليّ وهو الوجود الذي لا يخلو منه مكان ولا زمان لأنّه علّة العلل ونور الأشياء فلا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء، ونحن إذا تعرّينا عن كلّ مكابراتنا وجلود شخصيّاتنا لما وجدنا فينا شيئاً إلاّ ويذكر الله، وما من فكرة إلاّ وتنساق إلى الله، إحساسنا وشعورنا الذي هو الحياة نفسها مبعثه الله ومنتهاه الله، الرغبات والمخاوف التي تسكننا وتجتاحنا يُنشئها الله وما من إجابة لها وتسكين إلاّ لدى الله، فالله هو القريب فعلاً، أقرب منّا إلينا.
إذن، فمنْ هو هذا (هؤلاء) الـ "أقرب" إلينا حسب منطوق الآية؟ البعضُ قال نقدّر أنّ الله يقول: "نحنُ أقرب إليه بالعلم" "نحنُ أقرب بالقدرة"! ولا ندري -ردّاً على هذا- لِمَ لمْ يقلْ سبحانه "ونحن أعلم به/ أقدر عليه"؟!


الأمثل طريقةً وعوا أنّ القرب هنا قربٌ محسوس بدليل مقارنته مرّةً بالمحيطين بالمحتضر، ومرّةً بحبل الوريد، وكلاهما مادّيان لا معنويان، فقالوا: عنى اللهُ "ملائكته"، لأنّ الأقربيّة المكانيّة الموصوفة مستحيلةٌ على ذات الله، بل هي لملائكته التي تأتي عند الموت وتحفّ بالمحتضر وهي أقرب إلى الميّت منْ أهله الحافّين به مع أنّا لا نبصرها، كما بيّن في (سورة الواقعة 85 أعلاه) وكما قوله: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)(الأنعام:61)، (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(السجدة:11). وحين نهض الإشكال ثانياً: كيف يقول الله عن نفسه أنّه "أقرب" وهو يعني ملائكته؟
قالوا: أنّ هذا جارٍ في لغة العرب، فإنّ الملِك يأمر جنوده بالغزو فإذا تمّ الانتصار يقول: انتصرنا وهزَمْنا العدوّ، وهو لم يخرج مِنْ قصره!


قُلنا: أنّ الملِك وجنوده سواءٌ، هو كأحدهم، ومنْ نفس الجنس، يصدق عليه ما يصدق عليهم، وكان يستطيع الخروج معهم برجليْه وربّما فعَل، ولكنّكم قُلتُم آنفاً أنّ تلك "الأقربيّة المكانيّة" مستحيلةٌ على ذات الله منْ أصل لأنّه بكلّ شيء محيط، ولأنّ معيّة الله مع الجميع سواء، هو معنا أينما كنّا، والقرب المكاني المُقاس بوحدات المسافة ونِسَب المكان، هو صفة خاصّة بالمخلوق كالملائكة فقط اللهُ منزّهٌ عنها، فكان ينبغي أنْ يُقال: "وهُمْ - أيْ ملائكتي- أقرب إليه منكم"، "وهم أقربُ إليه من حبْل الوريد"؟!


ثمّ هل أنّ كلّ ما يأمر به الملكُ جنوده يستطيع أنْ يشمل نفسه فيه، فلو قال لهم "احلقوا رؤوسكم" فأطاعوه، أيصحّ منه أنْ يقول "نحنُ حلقْنا رؤوسنا" وهو لمْ يفعل، والأدْهى، ماذا لو كان المخاطَب كائناتٍ مطيعةٍ له لا منْ جنسه، بل مُلك يمينه، خيولاً مثلاً، فقال لها بالإشارة "اركضي في المضمار واصهلي" فركضتْ وصهلتْ، أيليق به أنْ يفخر "ركضْنا في المضمار وصهلنا!"، على عادة ملوك العرب؟! نأملُ أنّ الأمر قدْ وضح.


فهم بنباهتهم ومنطقهم العقليّ أدركوا أنّ المعنيَّ في الآيات هم الملائكة لا غيْر، وأدركوا باعتقادهم الصحيح أنّ ذلك مستحيلٌ على الله، كإدراكهم أنّ إبراهيم (ع) ما جادل إلاّ الملائكة التي أتته وأنّ الله لا يُجادَل بحالٍ في: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(هود:74). لكن كيف يفكّون عقدة الآيات لتُوافق العقل والعقيدة؟!


هذا ما انغلق عليهم بابُه بالمرّة لأنّهم يعتقدون أيضاً أنّ المتكلِّم هو الله مباشرة، لَمْ يرونه أساساً كلاماً مِنْ ملائكة الوحي الموكّلين بمسيرة الإنسان خَلْقاً وتعليماً وإماتةً وبعْثاً وحساباً، أي ليس أنّ كلام الله كان إخباراً عن ملائكته، بل العكس هو الصحيح أنّ وحي الملائكة المُدبّرين هو المعدود كلاماً لله، هذه هي الكيفيّة المتاحة لنا كبشر من ثلاث كيفيّات، للحصول على ما سمّاه القرآن "كلام الله" والاتّصال بالخالق، والقرآن كلام الله جاء بالكيفيّة الثالثة (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا 1- وَحْياً أَوْ 2- مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ 3- يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ* وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ)(الشورى: 51-52) فالرسل الملائكيّة تُوحي الكتاب بإذن الله، والذي تُوحيه يُعدّ تكليماً من الله للبشر، والقرآن كلُّه بهذه الكيفيّة، هكذا عقّبت ملائكة الوحي: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ...


فالله صريحاً يُخبر أنّ ملَك الموت موكَّلٌ بنا، فكذلك هناك الحفَظة وهناك ملَكُ الوحي، وحين نقول الله يُخبر، والله يقول، فبالكيفيّة التي بيّنها القرآن، لا بالكيفيّة التي تصوّرناها، أيْ الله يقول عبر وسائطه وعلى ألسنتهم، وهذا ما بيّنته الآية التي يدعو بها الدّاعون: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران:194)، فالوعْدُ من الله لكنْ على الرسل الملائكيّة أوّلاً والبشريّة ثانياً، فوعْدهم وعد الله، وكلامهم كلامه.


لذلك تلاحظ أنْ لا أحدَ من المفسّرين، لغياب هذه الحقيقة ولاحتجابها، بل ولرفضها، قدْ أشكل على علّة كون خطاب الفاعل أتى بضمير الجمع، لمْ يُكلّفوا أنفسهم عناء هذا السؤال بالمرّة؛ لِمَ صِيَغ الكلام في الآيتيْن بضمير الجماعة: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ) (خلقْنا، ونعلمُ، ونحن أقرب)؟! فلذا لَمْ يأتِ على بالهم أنّ ملائكة التدبير هي نفسها تقول (ونحنُ أقربُ إليه).
وخطاب الملائكة ذلك، الذي وثّقه القرآن بضمائره لنُدرك الحقيقة، هو كأخته الآية الخطابيّة: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)(الصافات:165، 166) فالذين يقولون أنّهم الصافّون والمسبّحون ليس الله تعالى بل عباده المكرمون هم الذين تكلّموا بسورة الصافّات كلّها من ألِفها ليائها، بل والقرآن كلّه لقولهم لنبيّ الأمّة (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(الحجر:87)، وأخبروا بحقل تدبيراتهم ووظائفهم الكونيّة فيما يتّصل بنا من بداية سورة الصافّات التي سُمّيتْ بهم لآخرها، هم الذين كانوا الأعينُ الربّانية التي حرستْ نوحاً (ع) وأوحت إليه صنع السفينة (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)(المؤمنون: 27)، (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)(القمر:14)، تلك الملائكة الكرام التي كان نوح (ع) على اتّصالٍ معها وطلب من الله معونتها وحراستها (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ)(الصافات:75) لاحظ أنّها سورة "الصافّات" نفسها، والله الفرد الصمد الذي ليس كمثله أحد ليس "المجيبون" بل "قريبٌ مجيبٌ"، فقطّ لنؤكّد أنّ المتكلّم في سورة الصافّات هم هم، فليراجعْها مراجعٌ ليتأكّد.


وكثيرة هي الآيات التي تستوقفنا كمحطّاتِ مراجَعة لكنّا نمرّ عليها معرضين، كقوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)(القيامة:18)، فيفسّرونها أنّ المراد به قراءةُ جبريلٍ القرآنَ على رسول الله (ص)، فنقول: هو جبريلُ (ع) فعلاً الذي قرأ، بغضّ النظر كيف قرأ، لكنّه أيضاً جبريل صاحب العبارة القرآنيّة كلّها مِن ألِفِها ليائِها، هو الذي يقول: "فإذا قرأناه" لا أنّ "الله" سبحانه قالها ومراده "جبريل"، والقرآن ككلّ هو من عند الله حتماً، لكنْ كيف؟ فكمضمون هو من الرّوح واللّوح المحفوظ والملأ الأعلى، وكتفصيل ونظْم هو مِن قراءة ملائكة الوحي وجمْعهم (ع)، هذا تماماً ما أوضحتْه هذه الآية ذات الأربع كلمات (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، فجبريل (ع) هو أحد الرسُل الملكيّة التي أرسلها الله لتُوحي بإذنه ما تشاء إلى نبيّه العظيم محمّد (ص)، وعلى عاتق جبريل تمّ ذلك، ولهذا أخبر القرآن (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)(التكوير:19، 20) هذا كلام المدبّرين عنوا به جبريل.


ولو قد قرأنا سورة مريم من أولّها لآخرها لرأينا كلام الله عبر هذه الكيفيّة الوحييّة الملائكيّة، حيث الحديث عن الله كذاتٍ عليّة كطرفٍ ثالث مُوحَّد، والمتكلِّم بضمير جمع المتكلِّم دائماً هم ملائكة الوحي، الذين سيقولون (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً * وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) (مريم:63،64)، التي اعتسرت على المفسّرين وراحوا يلوونها. ففتّش في تفسير هذه الآيات فلن تجد تفسيراً يليق بها وباللسان العربيّ إلاّ إذا أرجعت الضمائر كما هي في اللسان العربيّ.


كان علينا أنْ نكتشف تبعاً للتغاير في الضمائر حقائق معيّنة، ولكنّا بدّلنا فيها ولويناها فكيف سنكتشف ذلك إذا صار "نحن"="هو"، "هو" = "أنا"، "نحن" = "أنا"، الواحد = أربعة؟ كان أمامنا لوحةٌ لرسّامٍ شهير وفي أعيننا ما يُشاغب رؤيتها بجمالها، فبدلاً من تعديل رؤيتنا ومسح أعيننا وتنظيفها، أخذْنا الفرشاة (مع أنّا لا نُجيد الرّسم) وأجرينا التعديلات اللازمة في اللّوحة التُّحفة، والمؤسف أنّه ما مِن تعديلات كانت لازمةً على لوحة الفنان القدير!


لقدْ نصّ "فرانسيس بيكون" على فكرة أنّ الإنسان لن يستطيع السيطرة على الطبيعة إلا عن طريق اكتشافها بالعلم، ولكن لكي يفعل ذلك ينبغي أن يخضع لها! بمعنى آخر: لكي نفهم القوانين التي تتحكّم بالطبيعة ينبغي أن ندع الطبيعة تتكلّم لا أنْ نتكلّم بدلاً عنها، هذا هو الدرس الكبير الذي وعته أوروبا بعدئذٍ واستطاعت عن طريقه أن تفهم قوانين الطبيعة وتسيطر على العالم عن طريق التكنولوجيا المدنيّة والعسكريّة.
القرآن والطبيعة والأنفس، أمرٌ واحد، آياتٌ ينبغي الخضوع لها لاكتشافِها لا اختراعُها ولا تفكيكُها ثُمّ تأليفُها. وإنْ كان ثمّة معاناة في اكتشاف البناء القرآني، فهذا طبيعيّ، وهي معاناةٌ كأختها معاناةِ أيّ مكتشفٍ آخرَ لقانونٍ كونيّ أو طبيعيّ، تتطوّع وتتذلّل بعد تجلّدٍ وصبرٍ منهجيّ، ونزاهةٍ، وترويض النفس والعقل للتجرّد ولدقّة الملاحظة والتعلّم.




=====================

مفــاتـح القــرآن والعـقــل

(وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ)(الانشقاق:21)

القرآنُ، كتابُ الله، كلامُه، تنزيلُه، المهيمنُ على الكتابِ (النُّظُمِ) كُلّه آياتُه آياتٌ، كلماتُه وحروفُه آياتٌ، هل استمعْنا "له" قطُّ وأنصتْنا؟ أحقّا أنّه "صوتُ" و"حروفُ" ذاتِ اللهِ العليّ، وهو يشهدُ بالضدّ؟ ماذا لو كانتْ أمّتُنا تقرأه وتُترجمُه معكوساً، كلبْسِها إسلامَها مقلوباً؟ أيُحتَمَل أنّ قواعدَ لسانِه العربيّ المبينِ نقيضُ ما يُدّعى ونُلقَّن؟ أصدَق الزّاعمونَ أنّه"ظنّيُّ الدلالة" وأنّ الرواية تُقيّدُه وتُخصِّصُه وتُفسِّرُه؟ لهثُنا وراءَ المكتشفات لِنفسّره بها، هلْ نظامُنا العقيمُ أنْتجُ هذا المسلَك؟ العلومُ التي اشتُرِطتْ لتفسيرِه، هل نجحت في مهمّتها فارتقتْ حضارتُنا؟! هل نحنُ أحرارٌ في قراءته وتدبّره أم على "عقولنا" أقفالُها؟ لِتَحرُّرِنا بالقرآن ينبغي أنْ نُحرِّرَه قبْلاً، ولأجلِ تحريرِه علينا أنْ نُحرِّرَ عقولنا!!

http://www.tajdeed.org/images/Articles/2nd-Edition/Mafateh.jpg

لتحميل الكتاب يرجى الدخول على الرابط
http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10087

فهرس المحتويات

المقدمة

الفصل الأوّل- قواعد فتح القرآن والعقل:

*

القاعدة الأولى: معوّقات فهم كتاب الله
*

القاعدة الثانية: الإلمام بعلوم القرآن
*

القاعدة الثالثة: فوقية القرآن عن الإحاطة البشرية
*

القاعدة الرابعة: حكمة النسيج القرآني (نفي الترادف)
*

القاعدة الخامسة: التحرّر بكتاب الله منْ أسْر فهم السالفين
*

القاعدة السادسة: الوحدة الموضوعيّة والسياق القرآني
*

القاعدة السابعة: الضمائر في القرآن
*

القاعدة الثامنة: دلالة اللامذكور
*

القاعدة التاسعة: آحادِ كلمات القرآن
*

القاعدة العاشرة: المنظومات المعرفيّة القرآنيّة
*

القاعدة الحادية عشر: القرآن والتطوّر المعرفي والتاريخي
*

القاعدة الثانية عشر: أدوات التعامل مع القرآن
*

القاعدة الثالثة عشر: المفردة القرآنية والمدلول التاريخي
*

القاعدة الرابعة عشر: لغة القرآن حيويّة تصويريّة
*

القاعدة الخامسة عشر: نسبيّة الوصول المعرفي
*

القاعدة السادسة عشر: سيادة القرآن على المرويّات

الفصل الثاني- معطيات إرشادية

الخاتمة

قائمة المصادر والمراجع



قسم الدراسات والبحوث

جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

مملكة البحرين

الطبعة الأولى

2009

الخياط
01-13-2010, 01:17 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن في القرآن الكريم ضمائر كثيرة اختلف المفسرون فيما تعود إليه، واختلافهم هذا ليس اختلاف تباين وتضاد وإنما هو اختلاف تنوع واجتهاد وتوسعة في المعنى، ومن الأمثلة على ذلك قول الله تبارك وتعالى: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا... {البقرة:66}، فقد اختلف المفسرون في مرجع الضمائر المذكورة، فقال بعضهم: هي العقوبة، وقيل: الأمة، وقيل: القرية، وقيل: القردة، وقيل: الحيتان.

وكذلك في قوله تعالى: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ {آل عمران:80}، اختلفوا فيها: هل مرجع ضمير الفاعل في (يأمركم) عائد على بشر، أو على الله تعالى. وفي قول الله تعالى حكاية عن الكفار: قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا {الأنعام:31}، هل يعود إلى الساعة، أو الحياة، أو الأعمال الصالحة، أو الجنة.

وقد يترتب على الخلاف في مرجع الضمير خلاف في الأحكام الفقهية العملية تبعاً لذلك, ومثاله الخلاف في ضمير (لا يمسه إلا المطهرون) فقيل هو اللوح المحفوظ، وقيل هو ما بأيدي الملائكة، وقيل هو المصحف الذي بأيدينا، وهذا الموضوع طويل والأمثلة عليه كثيرة وهو جدير بالاهتمام والدراسة. فمن بلاغة هذا الكتاب العظيم وإعجازه أنه يتناول معاني كثيرة في عبارة وجيزة.

وبخصوص الكتب التي تناولت هذا الموضوع بالذات فإننا لم نقف على كتاب أو مؤلف تناوله بالخصوص، ولكنه يوجد بكثرة متفرقاً في كتب التفسير وعلوم القرآن وغيرها وخاصة روح المعاني للألوسي، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وأضواء البيان للشنقيطي، وأحكام القرآن للجصاص وابن العربي وغيرهم.

والله أعلم.

يعطيك العافية شيخنا ابن السواحل

ان شاءالله بعود للموضوع مرة اخرى

تحياتى

الأربعاء 27محرم 1431

الخياط
01-13-2010, 01:25 PM
مفاتح تدبر القرآن.. والنجاح في الحياة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فإن الوسيلة الأولى لإصلاح النفس وتزكية القلب والوقاية من المشكلات وعلاجها هي العلم، ووسيلته الأولى القراءة والكتابة، لذلك نجد أن الله تعالى لما أراد هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور أنزل إليهم كتاباً يقرأ، وفي أول سورة نزلت منه بدأت بكلمة عظيمة هي مفتاح الإصلاح لكل الناس مهما اختلفت الأزمان وتباينت البلدان، إنها (اقرأ) وعليه فمن أراد النجاح وأراد الزكاة والصلاح فلا طريق له سوى الوحيين: القرآن والسنة، قراءة وحفظاً وتعلماً.

معنى التدبر وعلاماته:

معنى تدبر القرآن: هو التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه، وإدراك معانيه، وحكمه والمراد منه.

علامات التدبر:

1- اجتماع القلب والفكر حين القراءة، ودليله التوقف تعجباً وتعظيماً.

2- البكاء من خشية الله.

3- زيادة الخشوع.

4- زيادة الإيمان، ودليله التكرار العفوي للآيات.

5- الفرح والاستبشار.

6- القشعريرة خوفاً من الله تعالى.

7- السجود تعظيماً لله - عز وجل - فم وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر، فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر، أما من لم يحصل أيا من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن، ولم يصل بعد إلى شيء من كنوزه وذخائره.

مفاتح تدبر القرآن

المفتاح الأول: حب القرآن

الوجه الأول: إن القلب هو آله الفهم والعقل، قال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} وقوله تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها، وإنما المقصود التذكير بأن القلب آلة الفهم والعقل والإدراك ومن ذلك فهم القرآن وتدبره.

الوجه الثاني: القلب بيد الله وحده لا شريك له، يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء، بحكمته وعلمه سبحانه، قال الله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} وقد جعل لذلك أسباباً ووسائل، من سلكها وفق ومن تخلف عنها خذل.

المفتاح الثاني: أهداف قراءة القرآن

قراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة وكل واحدة منها كافية لأن تدفع المسلم ليسارع إلى قراءة القرآن، ويكثر الاشتغال به وصحبته.

الهدف الأول: قراءة القرآن لأجل العلم: قال الله عز وجل {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}.

الهدف الثاني : قراءة القرآن بقصد العمل به.

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: يا حملة القرآن أو يا حملة العلم، اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق عمله علمه، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً يباهي بعضهم بعضا، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم تلك في مجالسهم إلى الله تعالى.

الهدف الثالث: قراءة القرآن بقصد مناجاة الله: عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته) سنن ابن ماجه.

الهدف الرابع: قراءة القرآن بقصد الثواب: عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه قال -: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ألا إني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله عز وجل، هو حبل الله، ومن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة) صحيح مسلم.

الهدف الخامس: قراءة القرآن بقصد الاستشفاء به: قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين}.

المفتاح الثالث: القيام بالقرآن

إن هذا المفتاح من أهم مفاتح تدبر القرآن، وأعظمها شأنا، وقد ورد عدد من النصوص تؤكد أهميته، من ذلك قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}. فإن اجتماع القرآن مع الصلاة ينتج عنه ماء حياة القلب وصحته وقوته، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمئة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" صحيح ابن حبان.

المفتاح الرابع: أن تكون القراءة في ليل

إن الليل وخاصة أوقات السحر من أفضل الأوقات للتذكر، فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء، وبسبب بركة الوقت، حيث النزول الإلهي وفتح أبواب السماء.. إن القراءة للقلب مثل السقي للنبات، فالسقي لا يكون في حر الشمس فإن هذا يضعف أثره، خاصة مع قلة الماء فإنه يتبخر وكذلك قراءة القرآن إذا كانت قليلة، وكانت في وقت الضجيج والمشغلات، فإن ما يرد على القلب من المعاني تبخر ولا يؤثر به، وهذا يجيب على تساؤل البعض إذ يقول: إني أكثر قراءة القرآن لكن لا أتأثر به؟ فإذا سألته: متى تقرأ القرآن؟ تبين أن كل قراءته في النهار وفي وقت الضجيج وبشيء من المكابدة لحصول التركيز فكيف سيتأثر.

المفتاح الخامس: التكرار الأسبوعي للقرآن أو بعضه

القرآن أنزل ليعمل به، ووسيلة العمل به العلم به أولا، وهو يحصل بقراءته وتدبره، وكلما تقاربت أوقات القراءة وكلما كثر التكرار كان أقوى في رسوخ معاني القرآن الكريم.

المفتاح السادس: أن تكون القراءة حفظا

أهمية هذا المفتاح أهمية عظيمة: فمثل حافظ القرآن وغير الحافظ، كمثل اثنين في سفر.

الأول: زاده التمر، والثاني: زاده الدقيق، فالأول يأكل متى شاء وهو على راحلته، والثاني لا بد له من نزول وعجن وإيقاد نار وخبز، وانتظار نضج فأيهم تحبين أن تكوني.

المفتاح: السابع تكرار الآيات

إن الهدف من التكرار هو التوقف لاستحضار المعاني، وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني التي تفهم من النص، والتكرار أيضا قد يحصل لا إرادياً تعظيماً أو إعجاباً بما قرأ.

المفتاح الثامن: ربط الألفاظ بالمعاني

إن إدراك ووعي الناس لآيات القرآن يتفاوت تفاوتاً كبيراً مع أن الآية هي الآية يقرأها هذا ويقرأها هذا، وإن ما بينهما في عمق فهم الآية أو الجملة كما بين المشرقين.

المفتاح التاسع: الترتيل

الترتيل يعني الترسل والتمهل، ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى، بحيث يكون القارئ متفكراً فيما يقرآ، قال الحسن البصري - رحمه الله- يا ابن آدم كيف يرق قلبك وهمتك آخر السورة).

المفتاح العاشر: الجهر بالقراءة

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال:" ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به".

الخاتمة:

إن البعض منا يريد أن يتدبر القرآن، ويتأثر به وهو لم يهيئ الأسباب والوسائل المساعدة على فهمه وفقهه، حتى أدنى درجات التركيز والهدوء لا يوجدها حين قراءته للقرآن لماذا؟ لأنه قصر همته على نطاق الألفاظ، وما يحصل من حسنات مقابل ذلك.

إن من يطبق هذه المفاتيح العشرة فسيرى بأم قلبه نور القرآن، ويصبح من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين مدحهم الله بقوله{...إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}.

بوفلاح
01-14-2010, 10:14 AM
يعطيك العافية شيخنا ابن السواحل مواضيعك مميزه و(انت) الاميز


تحياتى

غزلان التميمي
01-14-2010, 05:07 PM
بوركت في النقل اخوي ابن السواحل.......
إن شاءالله دوم إلى الامام والتقدم......

بوحمدان الخالدي
01-15-2010, 12:50 AM
آشكرك اخي الكريم ابن السواحل

بيض الله ويهك اخوي

لك تحياتي

بوصقر
01-15-2010, 06:54 PM
جزاكم الله خير

أبن السواحل
01-20-2010, 05:42 PM
جزيل الشكر يا أخوان

تحياتي العطرة وأحترامي لكم