وليد جابر آل بوخلف
10-19-2010, 04:12 PM
عندما ربّانا «الأميون»
http://im1.gulfup.com/2010-10/12874867211.jpg (http://www.gulfup.com/)
إن شيئاً مستغرباً جداً تراه في المجتمع، فالجيل الذي تربى على أيدي آباء أميين أفضل أخلاقاً وتربية وعلماً وفهماً من ذلك الجيل الذي تربى على أيدي آباء متعلمين وحاصلين على شهادات قد تكون عليا، فلو أمعنت النظر في ذلك الجيل الذي لم يكن والداه بالكاد يفكون الخط لرأيت أن أغلبهم كان على مستوى عالٍ في الخلق والعلم والفهم، وتجد أفراد هذا الجيل يحسنون التعامل مع حوادث الحياة ومع أفراد المجتمع والناس، حتى لو اتسم بشيء من سوء الخلق لكن هذا السوء يبقى محدوداً.
لكنك لو تبصرت بالجيل الآخر الذي ترعرع في كنف أبوين متعلمين فإنك ترى العجب من فلتان الأخلاق وسوء التصرف، وعدم احترام الآخرين حتى الكبار منهم وعدم حفظ أصول التعامل بل أشد من هذا فإنك ترى الفشل في كثير في مناحي الحياة حتى التعليمية منها.
علماً أن الأب، مثلاً، في القديم كان قليل ذات اليد فلم تكن الرواتب آنذاك تتعدى 200 د.ك وكانت الأسرة تتكون أحياناً من سبعة وعشر فرداً وقد يكون أكثر، ومع هذا فكانت تربية هؤلاء الآباء تنتج أولاداً في العموم الغالب ناجحين في حياتهم، يحترمون المجتمع ويتسمون بأخلاقه وصفاته. واليوم ومع الوفرة المالية، وقلة أفراد عدد الأسرة والأولاد، وتعلم الآباء، إلا أن مستوى التربية انحدر عما كان عليه بكثير وهو ما يلاحظه غالبية الناس.
وليس صحيحاً ما يدعيه البعض من أن سبب فلتان الأخلاق في هذه الأعوام هي كثرة المغريات وتنوع مصادر الثقافة كالتلفزيون والانترنت وغيرها، فصحيح أن مثل هذه الأمور لم تكن موجودة من قبل لكن كان غيرها موجودا وكان له تأثير على الشباب والصغار نسبة الى حياتهم وتناسباً مع حياة الحاضر، وكان لهم أن يتسموا بذات الفلتان لو أبيح لهم.
إن السبب الرئيسي لصحة أخلاق نتاج المجتمع الأول ومرض أخلاق اللاحقين هو أننا كنا زمان نملك الثقافة ولو لم نملك التعلم، أما اليوم فإنما نملك العلم لكنا غير مثقفون. فلم يكن الأولون أميين الا الأمية الأبجدية فقط يجهلون القراءة والكتابة ولكنهم مثقفون ثقافة عالية جداً، مثقفون في كيفية إدارة الأمور وفي كيفية التربية وفي طريقة التعامل مع الحياة، أما متعلمو اليوم فهم حاصلون على شهادات دراسية فقط لكنهم لا يملكون الثقافة في التعامل مع الحياة، وهذا هو الفرق بين الأمية الأبجدية والأمية الثقافية، فليس كل أميّ بالأبجدية غير مثقف بالضرورة، وليس كل متعلم مثقفا بالضرورة أيضاً.
انظر إلى جيل التجار القدامى وانظر إلى إنجازاتهم ومهاراتهم ترى عجباً، وأمعن النظر في آباء وأمهات زمان وطريقة تربيتهم لتكتشف مدى ثقافتهم وأدر نظرك في كل فئات المجتمع من أدباء وشعراء وعلماء دين لترى أن الثقافة كانت راسخة في نفوسهم حتى لو جهلوا القراءة والكتابة، وقارن هؤلاء بالجيل المتعلم فسوف ترى الفرق بأم عينك.
هناك ما يسمى بذكاء المشاعر وهو الذكاء في التعامل مع الحياة عموماً... مشاكلها، أفراحها، التعامل في المال والثروة، التعامل مع الفقر وقلة ذات اليد، وهكذا، وهذا لا دخل له بالتعلم من عدمه، وهناك ذكاء الدراسة والتعلم وهذا قد لا يوصل الإنسان للنجاح الذي يبتغيه، لذا فإننا نوجه عناية الآباء والأمهات إلى ضرورة الاهتمام بملاحظة وتعليم أبنائهم طريقة التعامل مع الحياة ومع أفراد المجتمع ومع متغيرات الدنيا، لا تركيز اهتمامهم على مجرد حصول الابن على علامات مرتفعة في الدراسة.
إن ذكاء المشاعر هو الذي يوصل الإنسان للنجاح والتأقلم مع ظروف الحياة، ومن الغريب أن غالبية أو عموم الذين كانوا متفوقين في دراستهم قد لا يحققون نجاحات حققها من هم أقل منهم تفوقا، وهذا ملاحظ وبكثرة في المجتمع. والسبب أن الفريق الأول، كان تركيزه على التفوق العلمي فقط، أما الثاني، فإنه كان يملك ذكاء المشاعر وهو ما جعله يحقق نجاحات أكثر وأكبر من غيره.
إن الأمية، بالدرجة الأولى، أمية الثقافة لا أمية التعليم، والتعليم إنما هو رافد من روافد الثقافة... إن ذكاء المشاعر هو القائد للنجاح في الحياة على تغير ظروفها، أما ذكاء التعلم فليس هو إلا وسيلة للحصول على الشهادات العلمية التي قد لا تؤدي للثقافة، إن التركيز على تربية الأبناء ثقافياً أهم بكثير من التركيز على حصولهم على الدرجات العالية... وهذه الثقافة هي التي أهّلت الأولين على حسن تربيتهم لأبنائهم وهي من ضاعت في فكر المتأخرين.
للاخ المحترم و الكاتب محمد صالح السبتي/ جريدة الرأي
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=232839
http://im1.gulfup.com/2010-10/12874867211.jpg (http://www.gulfup.com/)
إن شيئاً مستغرباً جداً تراه في المجتمع، فالجيل الذي تربى على أيدي آباء أميين أفضل أخلاقاً وتربية وعلماً وفهماً من ذلك الجيل الذي تربى على أيدي آباء متعلمين وحاصلين على شهادات قد تكون عليا، فلو أمعنت النظر في ذلك الجيل الذي لم يكن والداه بالكاد يفكون الخط لرأيت أن أغلبهم كان على مستوى عالٍ في الخلق والعلم والفهم، وتجد أفراد هذا الجيل يحسنون التعامل مع حوادث الحياة ومع أفراد المجتمع والناس، حتى لو اتسم بشيء من سوء الخلق لكن هذا السوء يبقى محدوداً.
لكنك لو تبصرت بالجيل الآخر الذي ترعرع في كنف أبوين متعلمين فإنك ترى العجب من فلتان الأخلاق وسوء التصرف، وعدم احترام الآخرين حتى الكبار منهم وعدم حفظ أصول التعامل بل أشد من هذا فإنك ترى الفشل في كثير في مناحي الحياة حتى التعليمية منها.
علماً أن الأب، مثلاً، في القديم كان قليل ذات اليد فلم تكن الرواتب آنذاك تتعدى 200 د.ك وكانت الأسرة تتكون أحياناً من سبعة وعشر فرداً وقد يكون أكثر، ومع هذا فكانت تربية هؤلاء الآباء تنتج أولاداً في العموم الغالب ناجحين في حياتهم، يحترمون المجتمع ويتسمون بأخلاقه وصفاته. واليوم ومع الوفرة المالية، وقلة أفراد عدد الأسرة والأولاد، وتعلم الآباء، إلا أن مستوى التربية انحدر عما كان عليه بكثير وهو ما يلاحظه غالبية الناس.
وليس صحيحاً ما يدعيه البعض من أن سبب فلتان الأخلاق في هذه الأعوام هي كثرة المغريات وتنوع مصادر الثقافة كالتلفزيون والانترنت وغيرها، فصحيح أن مثل هذه الأمور لم تكن موجودة من قبل لكن كان غيرها موجودا وكان له تأثير على الشباب والصغار نسبة الى حياتهم وتناسباً مع حياة الحاضر، وكان لهم أن يتسموا بذات الفلتان لو أبيح لهم.
إن السبب الرئيسي لصحة أخلاق نتاج المجتمع الأول ومرض أخلاق اللاحقين هو أننا كنا زمان نملك الثقافة ولو لم نملك التعلم، أما اليوم فإنما نملك العلم لكنا غير مثقفون. فلم يكن الأولون أميين الا الأمية الأبجدية فقط يجهلون القراءة والكتابة ولكنهم مثقفون ثقافة عالية جداً، مثقفون في كيفية إدارة الأمور وفي كيفية التربية وفي طريقة التعامل مع الحياة، أما متعلمو اليوم فهم حاصلون على شهادات دراسية فقط لكنهم لا يملكون الثقافة في التعامل مع الحياة، وهذا هو الفرق بين الأمية الأبجدية والأمية الثقافية، فليس كل أميّ بالأبجدية غير مثقف بالضرورة، وليس كل متعلم مثقفا بالضرورة أيضاً.
انظر إلى جيل التجار القدامى وانظر إلى إنجازاتهم ومهاراتهم ترى عجباً، وأمعن النظر في آباء وأمهات زمان وطريقة تربيتهم لتكتشف مدى ثقافتهم وأدر نظرك في كل فئات المجتمع من أدباء وشعراء وعلماء دين لترى أن الثقافة كانت راسخة في نفوسهم حتى لو جهلوا القراءة والكتابة، وقارن هؤلاء بالجيل المتعلم فسوف ترى الفرق بأم عينك.
هناك ما يسمى بذكاء المشاعر وهو الذكاء في التعامل مع الحياة عموماً... مشاكلها، أفراحها، التعامل في المال والثروة، التعامل مع الفقر وقلة ذات اليد، وهكذا، وهذا لا دخل له بالتعلم من عدمه، وهناك ذكاء الدراسة والتعلم وهذا قد لا يوصل الإنسان للنجاح الذي يبتغيه، لذا فإننا نوجه عناية الآباء والأمهات إلى ضرورة الاهتمام بملاحظة وتعليم أبنائهم طريقة التعامل مع الحياة ومع أفراد المجتمع ومع متغيرات الدنيا، لا تركيز اهتمامهم على مجرد حصول الابن على علامات مرتفعة في الدراسة.
إن ذكاء المشاعر هو الذي يوصل الإنسان للنجاح والتأقلم مع ظروف الحياة، ومن الغريب أن غالبية أو عموم الذين كانوا متفوقين في دراستهم قد لا يحققون نجاحات حققها من هم أقل منهم تفوقا، وهذا ملاحظ وبكثرة في المجتمع. والسبب أن الفريق الأول، كان تركيزه على التفوق العلمي فقط، أما الثاني، فإنه كان يملك ذكاء المشاعر وهو ما جعله يحقق نجاحات أكثر وأكبر من غيره.
إن الأمية، بالدرجة الأولى، أمية الثقافة لا أمية التعليم، والتعليم إنما هو رافد من روافد الثقافة... إن ذكاء المشاعر هو القائد للنجاح في الحياة على تغير ظروفها، أما ذكاء التعلم فليس هو إلا وسيلة للحصول على الشهادات العلمية التي قد لا تؤدي للثقافة، إن التركيز على تربية الأبناء ثقافياً أهم بكثير من التركيز على حصولهم على الدرجات العالية... وهذه الثقافة هي التي أهّلت الأولين على حسن تربيتهم لأبنائهم وهي من ضاعت في فكر المتأخرين.
للاخ المحترم و الكاتب محمد صالح السبتي/ جريدة الرأي
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=232839