المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البطاقة



جباره
12-16-2010, 12:01 PM
الحمد لله والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد


" حديث البطاقة "

فيه بيان عظمة كلمة التوحيد التي لا يثقل معها شيء، فالتوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، ولا يكدره شرك، ولا تعلق بغير الله تعالى ينجي صاحبه يوم القيامة برحمة الله وفضله.

إن حديث البطاقة الآتي ذكره لا يعني التواكل وترك العمل، والتفريط في الواجبات وارتكاب المحرمات ، لأن مثل هذه الأحاديث ليست عامة لكل الناس، بل تدخل تحت مشيئة الله ورحمته ، وقد تقتضي مشيئة الله تعالى تعذيب صاحب الكبائر من المسلمين فيكون قد خسر خسراناً مبيناً بتفريطه في جنب الله تعالى


وسنقف مع حديث البطاقة وقفات عديدة بعد أن نذكر الحديث الشريف

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

( إن الله سيخلِّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟

أظلمك كتبتي الحافظون ؟

فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر ؟

فيقول: لا يا رب

فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات !

فقال: إنك لا تُظلم ، قال: فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ؛ فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شيء )

رواه الترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني.

قوله صلى الله عليه وسلم (سيخلِّص) أي يميز ويختار.

قوله (سِجلّاً) أي كتاباً كبيراً.

قوله ( كتبتي ) جمع كاتب، وهم الملائكة الذين يكتبون أعمال المكلف.

قوله ( احضر وزنك ) أي الوزن الذي لك، أو وزن عملك، أو وقت وزنك، أو آلة وزنك وهو الميزان، ليظهر لك انتفاء الظلم، وظهور العدل، وتحقق الفضل .

قوله ( فطاشت السجلات ) أي خفت.

قوله ( البطاقة ) هي " رُقْعة صغيرة يُثْبَت فيها مِقْدارُ ما يُجْعَل فيه إن كان عَيْناً فَوزنُهُ أو عَددُهُ، وإن كان متَاعا فَثَمنُه، قيل: سُمّيت بذلك لأنَّها تُشَدُّ بِطَاقةٍ من الثَّوب فتكون الباء حينئذ زائدة، وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصر" النهاية في غريب الأثر، للجزري (ج 1 / ص 353)

ولا يزال استخدام البطاقة في زماننا بنفس المعنى الوارد في الحديث، فقد استخدمت البطاقة بأشكال مختلفة تحوي معلومات مختصرة عن الإنسان ، مثلها البطائق الشخصية والعائلية و الانتمائية لمؤسسة أو منشأة ونحو ذلك.

والمقصود أن البطاقة الواردة في الحديث فيها كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وهذه الكلمة قد اختصرت الإسلام كله .


من فوائد الحديث ومسائله

التوحيد يكفر الله به الخطايا التي هي دون الشرك والكفر قال الشيخ صالح الفوازن

هذا الحديث الشريف فيه أن التوحيد يكفر الله به الخطايا التي لا تقتضي الردّة والخروج من الإسلام، أما الأعمال التي تقتضي الردة فإنها تناقض كلمة التوحيد، وتصبح لفظًا مجردًا لا معنى له، قيل للحسن البصري رحمه الله إن ناسًا يقولون‏:‏ من قال‏:‏ لا إله إلا الله دخل الجنة !! فقال‏:‏ من قال‏:‏ لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.

فكلمة لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، والسبب لا ينفع إلا إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه، فالمنافقون يقولون‏:‏ لا إله إلا الله فلا تنفعهم، وهم في الدرك الأسفل من النار، لأنهم يقولونها بألسنتهم فقط من غير اعتقاد لمعناها، وعمل بمقتضاها‏



قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله


حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه (( يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر سيئات ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة )) ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار ، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات
كتاب مسائل في الكفر والإيمان السؤال الثالث عشر

وقال أيضا


قال العلماء: إن كل مؤمن له مثل هذه الشهادة، ومع ذلك فإن بعض المؤمنين يعذب في النار، وهذا لم يعذب، قال العلماء: إن هذا الشخص قال هذه الكلمة عن صدق وإخلاص وتوبة نصوح فأحرقت جميع السيئات وقضت عليها، فيكون قد قالهاعند الموت، أو قالها عن توبة فأحرقت هذه السيئات وقضت عليها"

أسئلة على شرحه لكتاب الإيمان لأبي عبيد .

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله


لا إله إلا الله كلمة توحيد فيها ثقل لميزان من قالها، وعظم في الفضل لمن اعتقدها، وما دلت عليه فلهذا قال: مالت بهن لا إله إلا الله وجه الدلالة أنه لو تصور أن ذنوب العبد بلغت ثقل السماوات السبع وثقل ما فيها من العباد والملائكة وثقل الأرض، لكانت لا إله إلاالله مائلة بذلك الثقل من الذنوب، وهذا هو الذي دل عليه حديث البطاقة حيث جعل على أحد العصاة سجلات عظيمة فقيل له: هل لك من عمل؟ فقال: لا ؟ فقيل له: بلى ثم أخرجت له بطاقة فيها لا إله إلا الله فوضعت في الكفة الأخرى فطاشت سجلات الذنوب وثقلت البطاقة . وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد إنما هو لمن قويت في قلبه ، ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية لأنه مخلص فيها مُصَدِّق لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها محب لما دلت عليه فيقوى أثرها في القلب ونورها، وما كان كذلك فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب. وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب، فإذن يكون هذا الحديث وحديث البطاقة يدل على أن لا إله إلا الله لا يقابلها ذنب، ولا تقابلها خطيئة ، لكن هذا في حق من كملها وحققها بحيث لم يخالطها في قلبه في معناها ريب، ولا تردد


ومعناها مشتمل على الربوبية بالتضمن وعلى الأسماء والصفات باللزوم ، وعلى الإلهية بالمطابقة


فإذن يكون من يكمل له الانتفاع بهذه الكلمة، ولا يقابلها ذنوب وسجلات، ولو كانت في ثقل السموات وما فيها والأرض يكون ذلك في حق من كمل ما دلت عليه من التوحيد ، وهذا معنى هذا الحديث، وحديث البطاقة. وهذا أيضا هو الذي دل عليه الحديث الآخر في الباب


عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول


قال الله تعالى ( يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لآتيتك بقرابها مغفرة )

وهذا من فضل التوحيد وتكفير هالذنوب، ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة، وهي أنه ممن أتى بذنوب عظيمة ، ولو كانت كقراب الأرض خطايا يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئا لأتى الله لذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة. وهذا لأجل فضل التوحيد، وعظم فضل الله جل وعلا على عباده بأن هداهم إليه ثم أثابهم عليه "
شرح كتاب التوحيد باب فضل التوحيد


أن الإخلاص وقوة التوحيد سبب لتكفير الذنوب

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى


والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه منهاج إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر.." ثم ذكر حديث البطاقة إلى أن قال " فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة منهاج السنة النبوية، (ج1 / ص218-220)


وقال ابن القيم رحمه الله

الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات فلا يعذب، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات: لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل والرزانة" مدارج السالكين جزء 1 - صفحة 331-332.


هذا الحديث ليس قاعدة مطردة لكل الناس

فهذا الرجل داخل تحت مشيئة الله ورحمته، وإلا فكم من أهل الكبائر من يعذب في النار على قدر جرمه، ثم يخرج منها، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة الكثيرة ومنها الحديث المشهور في آخر من يخرج من النار.

فلا يغتر مقصر أو مفرط أو تائه عن الله تعالى بأنه يقول كلمة التوحيد، ثم بعد ذلك لا يضره ما فعل، كما هي أفعال وممارسات كثير من المسلمين في تركهم الصلاة والجمع والجماعات، وفعل المنكرات التي تهتز لها الجبال


يقول ابن القيم رحمه الله

(ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذي ثقَّل بطاقة ذلك الرجل، وطاشت لأجله السجلات: لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات، انفردت بطاقته بالثقل والرزانة) مدارج السالكين جزء 1 - صفحة 332


هذا من أهم ما يتعلق بحديث البطاقة العظيم، نسأل الله أن يرحمنا برحمته الواسعة في الدنيا والآخرة، ونعوذ به تعالى من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسأله تعالى الجنة وما قرب إليها من قول وعمل

صلاح الدين
12-16-2010, 06:14 PM
الله يعطيك العافيه

أحمد الحوسني
12-17-2010, 12:00 AM
جزاك الله خير اخوي جباره

كحيلآن الحمادي
12-17-2010, 12:08 AM
جزاك الله خير اخوي جباره
وبميزان حسناتك...
نسأل الله رحمته*

ال بوخلف الحمادي
12-17-2010, 12:36 PM
جزاك الله كل خير وفي طرحكم المبارك

جباره
12-26-2010, 07:48 PM
الحمد لله و الصلاه و السلام على رسول الله


جزاكم الله خير على المرور و بارك الله فيكم