المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الهبّان والليدي غاغا



الصقر
06-02-2011, 09:09 PM
بين الهبّان والليدي غاغا

http://yhareb.com/wp/wp-content/uploads/YasserHareb-Website2.jpg

بقلم : ياسر حارب

عندما كنت صغيراً كان أبي يحرص على اصطحابي مع إخوتي إلى المناسبات العامة لحضور مجالس الرجال والتعلم منها، وكان شديد الحرص على تعليمنا عادات المجالس والطرق الصحيحة للتصرف فيها. وفي كل عيد، كان ولا زال، يصطحبنا معه إلى مجالس الأهل والمعارف لأداء واجب التهنئة وتعزيز أواصر القربى معهم.
أما أجدادي من الطرفين، فلقد كانوا حريصين على سرد قصص الماضي كلما جلسنا معهم، وكان ذكْرُهُم لأسماء العائلات في المجتمع وروابط الدم بينها والأماكن التي سكنت فيها تثير انتباهي، وكنت أستغرب كيف يستطيعون تذكر كل تلك التفاصيل.
إن أبناء وبنات جيلي اليوم هم آخر حلقة وصل بين الماضي والحاضر، فعلى الرغم من أننا لم نعِش ذلك الماضي البعيد، إلا أننا استمعنا إلى قصصه وبطولاته، وتفاعلنا عاطفياً مع معاناته، حتى كدنا نشتم رائحة الأماكن التي جرت فيها تلك القصص، ونتحسس جدران المنازل التي سكنتها الجدات اللائي يتحدثن عن الماضي فتنعكس صوره في أعينهن كصالات سينما مصغّرة.
لقد عاصرنا ونحن أطفال الهاتف القديم الذي تعلوه عجلة الأرقام من صفر إلى تسعة، ولكي تجري اتصالاً فقد كان عليك أن تغرز سبابتك في الرقم المطلوب وتقوم بإدارة العجلة حتى النهاية، ثم عاصرنا أيضاً الآي فون بعد عشرين عاماً تقريباً، وقس بين الجهازين كل المفارقات الحضارية التي مرت بها البشرية. وفي خضم تسارع الحياة وقصر الذاكرة، لا نستطيع اليوم أن نروي لأبنائنا حكايات الماضي كما فعل أجدادنا وآباؤنا، ولذلك فإنهم لا يعرفون عن الماضي أكثر مما يعرفه السائح الأجنبي الذي يزور قرية التراث.
إن المشكلة التي يواجهها أبناء الجيل الجديد ليست مشكلة اجتماعية، وإنما مشكلة حضارية، حيث لم يعد قادراً على تمييز ثقافته عن ثقافة الآخرين.
وليس ذلك ذنبه، فأدوات ما بعد الحداثة، كالإعلام الجديد ووسائل الاتصال الحديثة، جعلته يتواصل ويتسابق مع العالم أجمع، لتجتمع ثقافات العالم في شاشة صغيرة يحملها في جيبه، وليست تلك مشكلة عربية بل عالمية، فالكل بات يعاني من تقزّم ثقافته أمام ما يُسمى بـ «الثقافة العالمية» التي يطغى فيها البعد الغربي على الأبعاد الأخرى. إن من مميزات هذه الأدوات الحديثة أنها مكنتنا من معرفة طريقة بناء بيوت الإسكيمو (الإغلو IGLOO) وعرفتنا على قبائل الأباتشي الأميركية، ولكنها في نفس الوقت، جعلت من بعض المفاهيم الحضارية، كالفلسفة والفن والاختراعات العلمية والتراث الإنساني وغيرها من مقومات الحضارة، مفاهيم مقتصرة غالباً على الثقافات الغربية. فعندما يريد أحدنا تعلم تاريخ الفن فإنه يتوجه إلى دراسة فنون عصر النهضة في إيطاليا، وعندما يبحث عن الفلسفة فإنه يبدأ بالفلسفة الإغريقية ثم يقفز إلى فلاسفة عصر التنوير في إنجلترا وفرنسا، وذلك لأن التاريخ لا يكتبه الأقوى فقط، بل والأكثر قدرة على الانتشار والترويج لثقافته. إن إحدى مشكلاتنا الحضارية في العالم العربي وفي دول الخليج على وجه الخصوص، هي أننا نتقوقع على ثقافتنا ولا نحب إشراك الآخرين فيها، وكثيراً ما يحدث ذلك دون أن نشعر به، وعندما يحاول أحدنا الاحتفاء بثقافة بلده فإنه يهرع إلى محاولة تصديرها إلى الخارج من خلال المعارض والاحتفالات، وينسى أن يعزز مكانة هذه الثقافة في داخل الوطن أولاً.
فعندما نتحدث عن الأهازيج الشعبية، على سبيل المثال، فإننا نفضل أن نحصرها في بوتقة الماضي، ثم نطلب من الأجيال الجديدة أن تسافر إلى ذلك الماضي البعيد عنها زمنياً وثقافياً، دون أن ندرك بأن الجيل الجديد في الرياض مشغول بمنافسة أترابه في ملبورن على تحقيق أعلى نتيجة في لعبة (العصفور الغاضب Angry Birds)، والجيل الجديد في دبي يتناقش مع زملائه في لوس أنجلوس على الفيسبوك حول ترهّل جسم (فان ديزل) في فيلمه الأخير، والكل مشغوفٌ بمباريات الكلاسيكو الإسباني.
هذه القضايا التي نراها تافهة بالنسبة لنا هي قضايا عالمية للمراهقين الجدد، ولا يمكن لهؤلاء أن يهتموا بحفظ أسماء أنواع الأسماك في الخليج العربي، أو مواعيد إثمار الرطب في الإحساء.
إن «ثقافة تسونامي» هذه التي تجتاح العالم تحمل في طياتها الكثير من الإيجابيات، حيث أصبح الإنسان أكثر قدرة على إيصال رأيه إلى العالم أجمع، ولم يعد في حاجة إلى صحف أو قنوات فضائية ليثير قضية ما، وكل ما عليه فعله هو أن يضع مقطع فيديو على يوتيوب. إلا أنها سلخته من ثقافته ومن جذوره، وبدأ يفقد هويتها شيئاً فشيئاً.
متى كانت آخر مرة احتفت دولة خليجية بالعيد الوطني بطريقة عالمية مثلما تفعل الولايات المتحدة في الرابع من يوليو؟ ولماذا لا يحتفي مجلس التعاون الخليجي بتراثه مثلما تفعل الصين التي دفعت العالم للاعتراف برأس السنة الصينية وأضاءت برج إيفل باللون الأحمر احتفاءً بها؟
قبل أيام كنت أتحدث مع أحد الشباب عن فن الهبّان، الذي لا يعدّ فناً خليجياً أصيلاً، إلا أنه صار يعدّ أحد فنون المنطقة، وعندما ملّ من حديثي قال لي: «لو رقصت الليدي غاغا على الهبان فسوف أستمع إليه». وعلى الرغم من رفضي لهذا (المخلوق) جملة وتفصيلاً، إلا أنني تمنيت لو أنها فعلت ذلك، فلعلها تنجح فيما فشلت فيه جمعيات التراث. أعلم بأن أحدهم سيرفض هذه الفكرة لأنه يعتقد بأنها تُسيء للتراث.
ولكن هذه الفكرة بالضبط هي التي جعلت تراثنا حبيس الكتب والمناسبات فقط. إننا في حاجة إلى أن (نُمدّن) تراثنا حتى يستوعبه أبناؤنا أولاً، لكي يستطيعوا حمله إلى العالم لاحقاً، ليس من خلال الليدي غاغا بالطبع، ولكن من خلال عصرنته وإعادة إنتاجه بطريقة حديثة. وإن لم يعد أبناؤنا مهتمين بالذهاب إلى الماضي، فعلينا أن نأتي به إليهم.

وليد جابر آل بوخلف
06-02-2011, 11:20 PM
مقال رائع يعالج مشكله اساسيه في المجتمع الخليجي و العربي شكرا لاختيارك الموافق اخي الصقر و تحياتي للكاتب الفذ صاحب الفكر النير الاخ ياسر حارب

الظبيانية
06-02-2011, 11:28 PM
اشكرك اخوي صقر علي الموضوع

و اشكر كاتب الموضوع

عبير دبي
06-14-2011, 07:05 PM
مقال وموضوع قيم وكلام جميل

الله يعطيك العافيه ويبارك فيك ياخوي وماقصرت

حمدان الشامسي
06-28-2011, 02:48 PM
بارك الله فيك

بوفهد
07-04-2011, 04:09 PM
موضوع جميل تسلم الصقر

مجنونها
10-18-2011, 10:00 AM
مقال رائع يتكلم عن واقع اتمنى ان تؤخذ هذه الافكار بعين الاعتبار اشكرك اخي الكاتب على هذا المقال المميز و حبذا لو تعلق ابناء جيلنا بالهبان بدل من الليدي غاغا و بالمناسبه اعجبتني كلمه مخلوق ^^

مجنونها
10-18-2011, 12:20 PM
مقال رائع يتكلم عن واقع اتمنى ان تؤخذ هذه الافكار بعين الاعتبار اشكرك اخي الكاتب على هذا المقال المميز و حبذا لو تعلق ابناء جيلنا بالهبان بدل من الليدي غاغا و بالمناسبه اعجبتني كلمه مخلوق ^^