وليد جابر آل بوخلف
07-23-2011, 03:03 PM
الملاحة عند الملاح شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي
في خليج عُمان والخليج العربي
الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي
كلية الآداب والعلوم الاجتماعية
جامعة السلطان قابوس
http://www.qadeem.com/vb/attachment.php?attachmentid=25294&d=1281661682
تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على المجرى الملاحي في خليج عمان والخليج العربي [الفارسي]، عند شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي العماني، في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، من خلال أراجيزه التي تصف هذه المجاري.
وتسلك الدراسة هذا المسلك لتعرُّف مدى مساهمة علماء الملاحة العربية وتفوقهم في المحيط الهندي والبحار العربية، ولتخليد هذه الشخصية التي أدَّت دوراً بارزاً وحيويّاً في الملاحة العربية، وللوقوف على التراث البحري العربي؛ كما تكمن أهمية الدراسة في مدى دقة المعلومات التي حظيت بها هذه المنطقة من خلال أراجيز ابن ماجد. وتعتبر مؤلفات ابن ماجد الملاحية من أفضل المصنفات عن شؤون الملاحة في المحيط الهندي، وقد أثنى عليه من أتى بعده.
اليكم وصف المجاري، أي الطرق من خلال أرجوزة "بر العرب في خليج فارس" وكتاب "حاوية الاختصار".و من ضمنها المجرى الاساسي و هو الضفة الشرقية للخليج العربي .
الخطوط الملاحية في الخليج العربي
ذكر ابن ماجد سواحل الخليج العربي الشرقية والغربية، فبدأ في وصف موجز عن السواحل الإيرانية إلى البصرة فقال:
فإذا جاوزت هراميز [هرمز] تلتقي سواحل فارس بانجذاب إلى المغارب إلى البصرة الفيحاء. فهذه سواحل فارس مسيرة شهر ونصف، وفوقها فارس، وفوق فارس العراقان، ولهم فرض لها لميز ودربستان وأبو شهر والبصرة. فالبصرة مصبّ دجلة والفرات، التقاء الماء الحاليّ والمالح([68]).
ويقول عن الساحل العربي:
إذا جاوزت البصرة الفيحاء، انجذب البر إلى السلمية والقطيف والحسا وعمان وقطر، الكل في المشارق والجنوب، وفيها جزيرة البحرين التي حواليها مغاص اللؤلؤ... ومنها إلى حدود مسندم مسيرة شهر في البر وسبعة أيام في البحر ([69]).
وخصص ابن ماجد أرجوزة في وصف الخطوط الملاحية في الخليج العربي وسماها " أرجوزة برّ العرب في خليج فارس"، وهي تتكون من 100 بيت([70]). وتصف هذه الأرجوزة المجرى من البصرة إلى مضيق هرمز بمحاذاة الساحل الإيراني([71])؛ كما أنه يصف المجرى من الموانئ الإيرانية إلى الموانئ العربية. ولهذا سنحاول أن نحلل هذه المعلومات عن هذا المجرى من واقع هذه الأرجوزة (انظر الخارطة رقم 3 في الملحق).
1 ـ المجرى من البصرة إلى هرمز محاذياً السواحل الإيرانية
أ ـ من البصرة إلى جزيرة خرج([72])
ذكر ابن خرداذبة في كتابه "المسالك" أن جزيرة خرج تقع على بعد خمسين فرسخاً من البصرة، بينما تقع في "تقويم البلدان" لأبي الفدا على بعد خمسة وثلاثين فرسخاً([73])، أي المسافة بين 17 زاماً عند ابن خرداذبة و21 زاماً تقريباً عند أبي الفدا. ولكن ابن ماجد حدد المسافة بينها وبين البصرة بيوم أو أقل من يوم، أي ثمانية أزوام.
بدأ ابن ماجد في وصف المجرى الملاحي من البصرة الفيحاء إلى جزيرة خرج ـ وتعرف بخارج وخارك ـ عبر شط العرب وتجاوز الخيران المجرى وفي اتجاه الجنوب الشرقي وفي منزلة مطلع الثريا([74]):
يا طالقاً من آخر الفُرات
والبصرة الفيحاء خُذ وصاتي
واخرج على اسم الله بالرتيب
عن جُملة الخيران للجنوب
واجر من هُناك يوماً بل أقل
لنحو خارج في الثُّريّا لم تزل
لكن يبـدو أن الاتجـاه جنـوبـاً ـ كما حدده ابن ماجد ـ لم يحدده إلى أي نقطة، ثم ينحرف نحو جزيرة خرج وربما إلى الساحل الكويتي، ثم ينحرف نحو مطلع الثريا الذي يأخذه بطبيعة الحال في اتجاه جزيرة خرج، لأن الخروج من شط العرب يكون في منزلة مطلع التير. وقد تنبه لهذا الاتجاه الأستاذ اليمني حسن صالح شهاب في كتابه "البعد الجغرافي"([75]). أما النوخذا عبد الله العسعوسي في رحلاته، فيتجه نحو منزلة مطلع التير ومطلع الإكليل ومطلع العقرب([76]).
ب ـ من جزيرة خرج إلى رأس الكهن (المطاف)
ثم يتابع ابن ماجد في وصفه للمجرى نحو الشرق، فيبدأ من جزيرة خرج إلى بندر رأس الكهن (المطاف) والذي يحدد الاتجاه بمطلع العقرب؛ كما يحدد المسافة التي يحتاجها للوصول إلى هذا البندر بعشرة أزوام، أي 30 ساعة (10 × 3) ([77]):
واجر من خارج يا خي عشرة
أزوام جَمّة وافية محرره
في مطلع العقرب لرأس الكهن
مجرى صحيح ماله من وهن
ثم يشير ابن ماجد إلى أنه إذا رغب المركب السير بمحاذاة الساحل على اليسار ورغب في زيارة بعض البنادر مثل ماشور وبهركان ولؤلؤتين، فيقول([78]):
وإن أرت البر في اليسار
فيه أدلا جملة الأدوار
تأتيك ماشور وبهركان
أيضاً ولولوتين بالإتقان
جـ ـ من رأس الكهن إلى جزيرة لار (جزيرة شعيب) ([79])
وبعد أن أشار إلى التفريعات والمجاري التي تتفرع من جزيرة خرج نحو الساحل الإيراني، عاد وتحدث عن الطريق من رأس الكهن إلى جزيرة لار مروراً برأس نج ( رأس عصبان) الذي يكون في منتصف بين رأس الكهن وجزير لار، والمسافة بين كهن وبين جزيرة لار 10 أزوام، أي 90 ميلاً، ويكون المجرى في اتجاه مطلع الإكليل فقال([80]):
وتُطلق من كهن للمشارق
لنحو لار اللين بالحقايق
فأول ما تلتقي الزبارة
وبعد بردستان بالإمارة
ادخل تدافا بالشمال الغامر
وإن يكن واطي فظل ساير
وإن أردت لار في شروقه
من نج تاتيه فخذ تحقيقه
خمسة أزوام يكن بالصورب
بشملة صادقة لا تكذب
كذا من الكهن لرأس المنج
لأنه نصف الطريق يا حجي
تلقى على الطريق في اليسار
من نج تاتيه لنحو لار
د ـ من جزيرة لار إلى جزيرة طنب الكبرى
ثم يتابع ابن ماجد وصف المجرى من جزيرة لار إلى جزيرة طنب الكبرى، مروراً بمجموعة من الجزر على اليمين وعلى اليسار منها جزر شتوار وهندرابي وقيس([81]) وفرور والصير وزغناء والنعال؛ كما يعطي بعض المعلومات عن البنادر المواجه لهذه على الساحل الإيراني، ومنها أن بندر نخيلوه يقابل جزيرة لار، ويكون الاتجاه في مطلع التير([82]):
فإن وصلت لجزيرة لار
شرقها بقربها شتوار
الكل في التير إلى فرور
تراهم بالعين بالتحرير
اترك ميمنة وميسرة احذر
منهن وجزر بمخبرة
لار وشتوار وهندرابي
وقيس مع فرور يا أصحابي
وإن تكن طالق فروراً فاقرب
لنحو صير في طلوع العقرب
وطنب في الجوزاء يراها الناظر
وهو في قرب فرور سائر
هـ ـ من جزيرة طنب إلى جزر مضيق هرمز([83])
ثم يعطي ابن ماجد ثلاثة خيارات للمجرى نحو مضيق هرمز، فيذكر جزيرة هنجام وجزيرة لارك وجزيرة غنم؛ كما يحذر من جزيرة سلامة وبناتها، ويكون الاتجاه مطلع الجوزاء نحو جزيرة غنم([84])، وفي اتجاه مطلع الواقع في اتجاه جزيرة لارك([85])، يكون اتجاه جزيرة هنجام([86]) من طنب الكبرى في مطلع العيوق([87]):
ومطلع الجوزاء على جزر الغنم
والشرق والنجم على برِّ العجم
لكن خذ حذرك من سلامة
وبناتها فتحظ بالسلامة
واجري من طنب بنسر واقع
مجرى إلى الأراك مجرى شايع
ومطلع العيوق لهنجام
والنعش للميان خذ كلامي
وهذه المجاري الأساسية عند ابن ماجد نراها عند النواخذا المتأخرين كالعسعوسي وعيس عبد الله العثمان، الذين يستخدمون هذا الخط أو قريباً منه؛ لأن المراكب الحديثة التي تعتمد على الآلات الحديثة لم يكن لها داعٍ للمرور عند الجزر والبنادر التي ذكرها ابن ماجد الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي، حين كانت المراكب تعتمد على الشراع وتحتاج إلى التزود بالماء والطعام. ويقول سليمان التاجر: »تنقل البضائع من البصرة وعمان إلى سيراف، حيث تحمل على المراكب. ومن هنا تأخذ المراكب الماء الحلو للشرب. فإذا أبحرت من سيراف، رست في مسقط؛ ومن هنا كذلك تأخذ ماء الشرب وتولي وجهها نحو الهند«([88]).
2 ـ الخطوط الملاحية المتفرعة إلى الموانئ الإيرانية والعربية
ذكر ابن ماجد المجاري المتفرعة من المجرى الأساسي، ونقصد به: جزيرة خرج، رأس كهن، جزيرة لار، جزيرة فرور، جزيرة طنب الكبرى. ونحن هنا سنذكر الخط الملاحي عند ابن ماجد من خلال الأرجوزة المذكورة. وهذه المجاري سواء نحو الموانئ الفارسية أو العربية (انظر الخارطة رقم 4 في الملحق):
أ ـ إلى الموانئ الإيرانية([89])
1 ـ من جزيرة خرج إلى الساحل الإيراني([90]):
وإجر من خارج إلى ري شهر
زامين في الإكليل اعزم
وأجر هناك جنابة كن عليم
وبعدها شط بني تميم
ثم أبو شهر ترى والأخوار
إن شيت تدخل أسمع الأشوار
في مطلع السهيل والحمار
لروزبندي فاعرف المجاري
يوماً وليلة بالشمال تأتي
بل تلتقي من قبل خيرسات
وبعدها رأس دقيق يبدي
في الغرب من جبال روزبندي
زلّ عليه ثم حاذ البر
إن كنت ذا علم بهذا البحر
في مفرض الكهن سروادر
أم القصب تلقي وبعد خودري
وتلقي بينهم طريق
وبعد أم القرم بالتحقيق
هذا المجرى محاذ للساحل الإيراني. فهو يبدأ ببندر ري شهر الذي يحتاج زامين من جزيرة خرج، أي 6 ساعات، وعلى اتجاه مطلع الإكليل، ثم يتجه المجرى جنوباً نحو جنابة وشط بني تميم، وأبو شهر ثم في مطلع السهيل ومطلع الحمارين إلى خيرسات وروزبندي، ثم يجاوز رأس دقيق إلى الغرب من جبال روزبندي، فتلقى أم القصب وخودري، ثم تأتيك أم القرم، وبعد أم القرم يحذر ابن ماجد صاحب المركب ويقدم له وصفاً للبحر والمطلع، فيقول: فإن كان مركبك صغيراً، فزل، أي اعبر الرأس من الطريق القريب منه؛ وإن كان المركب كبيراً، فاتركه إلى اليسار بعيداً عنك ومجراك من روزبندي إلى الرأس في اتجاه مطلع سهيل. ولا يقل عمق البحر عن تسعة أبواع بالليل. وعلى هذه الصفة اجر زامين (6 ساعات) ثم انحرف إلى مطلع العقرب، واجر زاماً واحداً، ثم انحرف إلى مطلع التير. وبذلك تكون قد جاوزت الخطر وعلامة هذا الزوال إشارة رأس المنظرة (جبال فالي).
2 ـ من رأس الكهن إلى بطن سيراف وبندر حسان والزبارة وبردستان([91]):
وتُطلق من كهن للمشارق
لنحو لار اللين بالحقايق
فأول ما تلتقي الزبارة
وبعد بردستان بالإمارة
أدخل تدافا بالشمال الغامر
وإن يكن واطي فظل ساير
لبطن سيراف وبندر حسان
ومل عليهم واعرف المكان
3 ـ من جزيرة هندرابي([92]) إلى شناص وهوجا ورأس عمرو والشتان([93]):
وبعد شرقي جزر أم ناصر
غُبة دوان بها البنادر
وبعدها فرقد ورأس التيز
فيه مغاص اللؤلؤ العزيز
فمن هناك إن ترد بر العجم
شناص مع هوجا وفيهم أمم
فسر وجار البر للشتان
وجملة الخيران يارُباني
وإن ترد أيا أخي الميان
أو رأس عمرو قصده بيان
من بر لشتان معاً يا سيدوه
الكل من بر العجم وتيده
ب ـ إلى الموانئ العربيَّة:
1) من رأس الكهن إلى البحرين والقطيف([94]):
يحدد ابن ماجد المجرى من رأس الكهن إلى لفان (رأس في الشمال الشرقي من قطر) على مطلع القطب الجنوبيّ، ومنها إلى البحرين بعد أن ينحرف إلى مغيب العقرب والمسافة 6 أزوام، أي 18 ساعة، ثم بعد ذلك يتجه نحو مغيب التير حتى يصل تاروت([95]) للوصول إلى بر القطيف:
ومنه سر في القطب الجنوبي
ياتك لفان على التجريب
ومنه للبحرين ستة أزوام
في مغرب العقرب بالتمام
ومغرب التير على تاروتا
ترى القطيف عامراً منعوتا
2) من سيراف وروزبندي إلى البحرين([96]):
إن شيت للبحرين من سيراف
فمغرب الإكليل مجرى صاف
منها لروزبندي في الطلوع
أعني لك الإكليل كن سميعي
ومنه للبحرين خذ مقالي
هي حاية القلعين بالشمال
وإن طلقت روزبند للبحرين
في مغرب التير على اليقين
ويقصد ابن ماجد بذلك أن مسلك السفينة من سيراف إلى البحرين في اتجاه مغرب الإكليل. كما أنّ هناك اتجاهاً إليها من روزبندي في مغيب التير (النجم)، ويكون عندما تهب رياح حاية القلعين التي من خاصيتها أنها ملائمة لسير المركب في خط مقاطع لمجرى الريح([97]).
3) من جزيرة هندرابي وجزيرة لار إلى البحرين([98]):
منها إلى البحرين غرب المرزم
جزيرة لار ففي الجوزاء الزم
ويعني ابن ماجد بهذا النظم أن السفر من جزيرة هندرابي إلى البحرين يكون في مغيب المرزم، وهو بين مغيب الجوزاء ومغيب الطائر. أما الاتجاه من جزيرة لار، فإنه يكون في مغيب الجوزاء.
4) من جزيرة زغناء إلى قطر والبحرين([99]):
وإن تكن طالق من زغناء
في الغرب والتير وفي الجوزاء
تجرى إلى الرأس وللبحرين
مجرى صحيحاً صادق التمكين
وإن تريد الغوص فالإكليل
جزر قطر تاتيك بالتعديل
وابن ماجد يحدد اتجاه السفر من جزيرة زغناء نحو البحرين والرأس، فيكون في مغيب الأصلي ومغيب التير ومغيب الجوزاء. أما إذا كانت وجهتك إلى مغاصات اللؤلؤ عند جزر قطر، فإن الاتجاه يكون في مغيب الإكليل.
5) من جزر فرور([100]) وطنب وزغناء إلى ساحل عمان (الإمارات)([101]):
وإن تكن طالق فرور فأقرب
لنحو صير في طلوع العقرب
وسر هناك نحو بر العرب
بالصحو من فرور ساير
ومن جرى في القطب من صير
إلى صير العجوز فاز وقيت البلا
في القطب من طنب إلى زغناء
مجراك في القيظ وفي الشتاء
كذاك من طنب لنحو الشارقه
هذه المطابق يا همام صادقه
وأم القوين لها سهيل
في شرقه من طنب يا خليل
ومن جرى أيضاً لرأس الخيمة
والصير في الإكليل بالعزيمة
وكانت اتجاهات ابن ماجد كما تذكر المنظومة على النحو التالي:
1 ـ من جزيرة فرور إلى الصير في اتجاه مطلع العقرب.
2 ـ ومن الصير إلى الصير العجوز في اتجاه القطب الجنوبي.
3 ـ ومن جزيرة طنب إلى جزيرة زغناء في اتجاه القطب الجنوبي.
4 ـ ومن جزيرة طنب إلى الشارقة في اتجاه القطب الجنوبي.
5 ـ ومن جزيرة طنب إلى أم القيوين في اتجاه مطلع سهيل.
6 ـ ومن جزيرة طنب إلى رأس الخيمة والصير في اتجاه مطلع الإكليل.
الخاتمة
في خليج عُمان والخليج العربي
الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي
كلية الآداب والعلوم الاجتماعية
جامعة السلطان قابوس
http://www.qadeem.com/vb/attachment.php?attachmentid=25294&d=1281661682
تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على المجرى الملاحي في خليج عمان والخليج العربي [الفارسي]، عند شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي العماني، في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، من خلال أراجيزه التي تصف هذه المجاري.
وتسلك الدراسة هذا المسلك لتعرُّف مدى مساهمة علماء الملاحة العربية وتفوقهم في المحيط الهندي والبحار العربية، ولتخليد هذه الشخصية التي أدَّت دوراً بارزاً وحيويّاً في الملاحة العربية، وللوقوف على التراث البحري العربي؛ كما تكمن أهمية الدراسة في مدى دقة المعلومات التي حظيت بها هذه المنطقة من خلال أراجيز ابن ماجد. وتعتبر مؤلفات ابن ماجد الملاحية من أفضل المصنفات عن شؤون الملاحة في المحيط الهندي، وقد أثنى عليه من أتى بعده.
اليكم وصف المجاري، أي الطرق من خلال أرجوزة "بر العرب في خليج فارس" وكتاب "حاوية الاختصار".و من ضمنها المجرى الاساسي و هو الضفة الشرقية للخليج العربي .
الخطوط الملاحية في الخليج العربي
ذكر ابن ماجد سواحل الخليج العربي الشرقية والغربية، فبدأ في وصف موجز عن السواحل الإيرانية إلى البصرة فقال:
فإذا جاوزت هراميز [هرمز] تلتقي سواحل فارس بانجذاب إلى المغارب إلى البصرة الفيحاء. فهذه سواحل فارس مسيرة شهر ونصف، وفوقها فارس، وفوق فارس العراقان، ولهم فرض لها لميز ودربستان وأبو شهر والبصرة. فالبصرة مصبّ دجلة والفرات، التقاء الماء الحاليّ والمالح([68]).
ويقول عن الساحل العربي:
إذا جاوزت البصرة الفيحاء، انجذب البر إلى السلمية والقطيف والحسا وعمان وقطر، الكل في المشارق والجنوب، وفيها جزيرة البحرين التي حواليها مغاص اللؤلؤ... ومنها إلى حدود مسندم مسيرة شهر في البر وسبعة أيام في البحر ([69]).
وخصص ابن ماجد أرجوزة في وصف الخطوط الملاحية في الخليج العربي وسماها " أرجوزة برّ العرب في خليج فارس"، وهي تتكون من 100 بيت([70]). وتصف هذه الأرجوزة المجرى من البصرة إلى مضيق هرمز بمحاذاة الساحل الإيراني([71])؛ كما أنه يصف المجرى من الموانئ الإيرانية إلى الموانئ العربية. ولهذا سنحاول أن نحلل هذه المعلومات عن هذا المجرى من واقع هذه الأرجوزة (انظر الخارطة رقم 3 في الملحق).
1 ـ المجرى من البصرة إلى هرمز محاذياً السواحل الإيرانية
أ ـ من البصرة إلى جزيرة خرج([72])
ذكر ابن خرداذبة في كتابه "المسالك" أن جزيرة خرج تقع على بعد خمسين فرسخاً من البصرة، بينما تقع في "تقويم البلدان" لأبي الفدا على بعد خمسة وثلاثين فرسخاً([73])، أي المسافة بين 17 زاماً عند ابن خرداذبة و21 زاماً تقريباً عند أبي الفدا. ولكن ابن ماجد حدد المسافة بينها وبين البصرة بيوم أو أقل من يوم، أي ثمانية أزوام.
بدأ ابن ماجد في وصف المجرى الملاحي من البصرة الفيحاء إلى جزيرة خرج ـ وتعرف بخارج وخارك ـ عبر شط العرب وتجاوز الخيران المجرى وفي اتجاه الجنوب الشرقي وفي منزلة مطلع الثريا([74]):
يا طالقاً من آخر الفُرات
والبصرة الفيحاء خُذ وصاتي
واخرج على اسم الله بالرتيب
عن جُملة الخيران للجنوب
واجر من هُناك يوماً بل أقل
لنحو خارج في الثُّريّا لم تزل
لكن يبـدو أن الاتجـاه جنـوبـاً ـ كما حدده ابن ماجد ـ لم يحدده إلى أي نقطة، ثم ينحرف نحو جزيرة خرج وربما إلى الساحل الكويتي، ثم ينحرف نحو مطلع الثريا الذي يأخذه بطبيعة الحال في اتجاه جزيرة خرج، لأن الخروج من شط العرب يكون في منزلة مطلع التير. وقد تنبه لهذا الاتجاه الأستاذ اليمني حسن صالح شهاب في كتابه "البعد الجغرافي"([75]). أما النوخذا عبد الله العسعوسي في رحلاته، فيتجه نحو منزلة مطلع التير ومطلع الإكليل ومطلع العقرب([76]).
ب ـ من جزيرة خرج إلى رأس الكهن (المطاف)
ثم يتابع ابن ماجد في وصفه للمجرى نحو الشرق، فيبدأ من جزيرة خرج إلى بندر رأس الكهن (المطاف) والذي يحدد الاتجاه بمطلع العقرب؛ كما يحدد المسافة التي يحتاجها للوصول إلى هذا البندر بعشرة أزوام، أي 30 ساعة (10 × 3) ([77]):
واجر من خارج يا خي عشرة
أزوام جَمّة وافية محرره
في مطلع العقرب لرأس الكهن
مجرى صحيح ماله من وهن
ثم يشير ابن ماجد إلى أنه إذا رغب المركب السير بمحاذاة الساحل على اليسار ورغب في زيارة بعض البنادر مثل ماشور وبهركان ولؤلؤتين، فيقول([78]):
وإن أرت البر في اليسار
فيه أدلا جملة الأدوار
تأتيك ماشور وبهركان
أيضاً ولولوتين بالإتقان
جـ ـ من رأس الكهن إلى جزيرة لار (جزيرة شعيب) ([79])
وبعد أن أشار إلى التفريعات والمجاري التي تتفرع من جزيرة خرج نحو الساحل الإيراني، عاد وتحدث عن الطريق من رأس الكهن إلى جزيرة لار مروراً برأس نج ( رأس عصبان) الذي يكون في منتصف بين رأس الكهن وجزير لار، والمسافة بين كهن وبين جزيرة لار 10 أزوام، أي 90 ميلاً، ويكون المجرى في اتجاه مطلع الإكليل فقال([80]):
وتُطلق من كهن للمشارق
لنحو لار اللين بالحقايق
فأول ما تلتقي الزبارة
وبعد بردستان بالإمارة
ادخل تدافا بالشمال الغامر
وإن يكن واطي فظل ساير
وإن أردت لار في شروقه
من نج تاتيه فخذ تحقيقه
خمسة أزوام يكن بالصورب
بشملة صادقة لا تكذب
كذا من الكهن لرأس المنج
لأنه نصف الطريق يا حجي
تلقى على الطريق في اليسار
من نج تاتيه لنحو لار
د ـ من جزيرة لار إلى جزيرة طنب الكبرى
ثم يتابع ابن ماجد وصف المجرى من جزيرة لار إلى جزيرة طنب الكبرى، مروراً بمجموعة من الجزر على اليمين وعلى اليسار منها جزر شتوار وهندرابي وقيس([81]) وفرور والصير وزغناء والنعال؛ كما يعطي بعض المعلومات عن البنادر المواجه لهذه على الساحل الإيراني، ومنها أن بندر نخيلوه يقابل جزيرة لار، ويكون الاتجاه في مطلع التير([82]):
فإن وصلت لجزيرة لار
شرقها بقربها شتوار
الكل في التير إلى فرور
تراهم بالعين بالتحرير
اترك ميمنة وميسرة احذر
منهن وجزر بمخبرة
لار وشتوار وهندرابي
وقيس مع فرور يا أصحابي
وإن تكن طالق فروراً فاقرب
لنحو صير في طلوع العقرب
وطنب في الجوزاء يراها الناظر
وهو في قرب فرور سائر
هـ ـ من جزيرة طنب إلى جزر مضيق هرمز([83])
ثم يعطي ابن ماجد ثلاثة خيارات للمجرى نحو مضيق هرمز، فيذكر جزيرة هنجام وجزيرة لارك وجزيرة غنم؛ كما يحذر من جزيرة سلامة وبناتها، ويكون الاتجاه مطلع الجوزاء نحو جزيرة غنم([84])، وفي اتجاه مطلع الواقع في اتجاه جزيرة لارك([85])، يكون اتجاه جزيرة هنجام([86]) من طنب الكبرى في مطلع العيوق([87]):
ومطلع الجوزاء على جزر الغنم
والشرق والنجم على برِّ العجم
لكن خذ حذرك من سلامة
وبناتها فتحظ بالسلامة
واجري من طنب بنسر واقع
مجرى إلى الأراك مجرى شايع
ومطلع العيوق لهنجام
والنعش للميان خذ كلامي
وهذه المجاري الأساسية عند ابن ماجد نراها عند النواخذا المتأخرين كالعسعوسي وعيس عبد الله العثمان، الذين يستخدمون هذا الخط أو قريباً منه؛ لأن المراكب الحديثة التي تعتمد على الآلات الحديثة لم يكن لها داعٍ للمرور عند الجزر والبنادر التي ذكرها ابن ماجد الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي، حين كانت المراكب تعتمد على الشراع وتحتاج إلى التزود بالماء والطعام. ويقول سليمان التاجر: »تنقل البضائع من البصرة وعمان إلى سيراف، حيث تحمل على المراكب. ومن هنا تأخذ المراكب الماء الحلو للشرب. فإذا أبحرت من سيراف، رست في مسقط؛ ومن هنا كذلك تأخذ ماء الشرب وتولي وجهها نحو الهند«([88]).
2 ـ الخطوط الملاحية المتفرعة إلى الموانئ الإيرانية والعربية
ذكر ابن ماجد المجاري المتفرعة من المجرى الأساسي، ونقصد به: جزيرة خرج، رأس كهن، جزيرة لار، جزيرة فرور، جزيرة طنب الكبرى. ونحن هنا سنذكر الخط الملاحي عند ابن ماجد من خلال الأرجوزة المذكورة. وهذه المجاري سواء نحو الموانئ الفارسية أو العربية (انظر الخارطة رقم 4 في الملحق):
أ ـ إلى الموانئ الإيرانية([89])
1 ـ من جزيرة خرج إلى الساحل الإيراني([90]):
وإجر من خارج إلى ري شهر
زامين في الإكليل اعزم
وأجر هناك جنابة كن عليم
وبعدها شط بني تميم
ثم أبو شهر ترى والأخوار
إن شيت تدخل أسمع الأشوار
في مطلع السهيل والحمار
لروزبندي فاعرف المجاري
يوماً وليلة بالشمال تأتي
بل تلتقي من قبل خيرسات
وبعدها رأس دقيق يبدي
في الغرب من جبال روزبندي
زلّ عليه ثم حاذ البر
إن كنت ذا علم بهذا البحر
في مفرض الكهن سروادر
أم القصب تلقي وبعد خودري
وتلقي بينهم طريق
وبعد أم القرم بالتحقيق
هذا المجرى محاذ للساحل الإيراني. فهو يبدأ ببندر ري شهر الذي يحتاج زامين من جزيرة خرج، أي 6 ساعات، وعلى اتجاه مطلع الإكليل، ثم يتجه المجرى جنوباً نحو جنابة وشط بني تميم، وأبو شهر ثم في مطلع السهيل ومطلع الحمارين إلى خيرسات وروزبندي، ثم يجاوز رأس دقيق إلى الغرب من جبال روزبندي، فتلقى أم القصب وخودري، ثم تأتيك أم القرم، وبعد أم القرم يحذر ابن ماجد صاحب المركب ويقدم له وصفاً للبحر والمطلع، فيقول: فإن كان مركبك صغيراً، فزل، أي اعبر الرأس من الطريق القريب منه؛ وإن كان المركب كبيراً، فاتركه إلى اليسار بعيداً عنك ومجراك من روزبندي إلى الرأس في اتجاه مطلع سهيل. ولا يقل عمق البحر عن تسعة أبواع بالليل. وعلى هذه الصفة اجر زامين (6 ساعات) ثم انحرف إلى مطلع العقرب، واجر زاماً واحداً، ثم انحرف إلى مطلع التير. وبذلك تكون قد جاوزت الخطر وعلامة هذا الزوال إشارة رأس المنظرة (جبال فالي).
2 ـ من رأس الكهن إلى بطن سيراف وبندر حسان والزبارة وبردستان([91]):
وتُطلق من كهن للمشارق
لنحو لار اللين بالحقايق
فأول ما تلتقي الزبارة
وبعد بردستان بالإمارة
أدخل تدافا بالشمال الغامر
وإن يكن واطي فظل ساير
لبطن سيراف وبندر حسان
ومل عليهم واعرف المكان
3 ـ من جزيرة هندرابي([92]) إلى شناص وهوجا ورأس عمرو والشتان([93]):
وبعد شرقي جزر أم ناصر
غُبة دوان بها البنادر
وبعدها فرقد ورأس التيز
فيه مغاص اللؤلؤ العزيز
فمن هناك إن ترد بر العجم
شناص مع هوجا وفيهم أمم
فسر وجار البر للشتان
وجملة الخيران يارُباني
وإن ترد أيا أخي الميان
أو رأس عمرو قصده بيان
من بر لشتان معاً يا سيدوه
الكل من بر العجم وتيده
ب ـ إلى الموانئ العربيَّة:
1) من رأس الكهن إلى البحرين والقطيف([94]):
يحدد ابن ماجد المجرى من رأس الكهن إلى لفان (رأس في الشمال الشرقي من قطر) على مطلع القطب الجنوبيّ، ومنها إلى البحرين بعد أن ينحرف إلى مغيب العقرب والمسافة 6 أزوام، أي 18 ساعة، ثم بعد ذلك يتجه نحو مغيب التير حتى يصل تاروت([95]) للوصول إلى بر القطيف:
ومنه سر في القطب الجنوبي
ياتك لفان على التجريب
ومنه للبحرين ستة أزوام
في مغرب العقرب بالتمام
ومغرب التير على تاروتا
ترى القطيف عامراً منعوتا
2) من سيراف وروزبندي إلى البحرين([96]):
إن شيت للبحرين من سيراف
فمغرب الإكليل مجرى صاف
منها لروزبندي في الطلوع
أعني لك الإكليل كن سميعي
ومنه للبحرين خذ مقالي
هي حاية القلعين بالشمال
وإن طلقت روزبند للبحرين
في مغرب التير على اليقين
ويقصد ابن ماجد بذلك أن مسلك السفينة من سيراف إلى البحرين في اتجاه مغرب الإكليل. كما أنّ هناك اتجاهاً إليها من روزبندي في مغيب التير (النجم)، ويكون عندما تهب رياح حاية القلعين التي من خاصيتها أنها ملائمة لسير المركب في خط مقاطع لمجرى الريح([97]).
3) من جزيرة هندرابي وجزيرة لار إلى البحرين([98]):
منها إلى البحرين غرب المرزم
جزيرة لار ففي الجوزاء الزم
ويعني ابن ماجد بهذا النظم أن السفر من جزيرة هندرابي إلى البحرين يكون في مغيب المرزم، وهو بين مغيب الجوزاء ومغيب الطائر. أما الاتجاه من جزيرة لار، فإنه يكون في مغيب الجوزاء.
4) من جزيرة زغناء إلى قطر والبحرين([99]):
وإن تكن طالق من زغناء
في الغرب والتير وفي الجوزاء
تجرى إلى الرأس وللبحرين
مجرى صحيحاً صادق التمكين
وإن تريد الغوص فالإكليل
جزر قطر تاتيك بالتعديل
وابن ماجد يحدد اتجاه السفر من جزيرة زغناء نحو البحرين والرأس، فيكون في مغيب الأصلي ومغيب التير ومغيب الجوزاء. أما إذا كانت وجهتك إلى مغاصات اللؤلؤ عند جزر قطر، فإن الاتجاه يكون في مغيب الإكليل.
5) من جزر فرور([100]) وطنب وزغناء إلى ساحل عمان (الإمارات)([101]):
وإن تكن طالق فرور فأقرب
لنحو صير في طلوع العقرب
وسر هناك نحو بر العرب
بالصحو من فرور ساير
ومن جرى في القطب من صير
إلى صير العجوز فاز وقيت البلا
في القطب من طنب إلى زغناء
مجراك في القيظ وفي الشتاء
كذاك من طنب لنحو الشارقه
هذه المطابق يا همام صادقه
وأم القوين لها سهيل
في شرقه من طنب يا خليل
ومن جرى أيضاً لرأس الخيمة
والصير في الإكليل بالعزيمة
وكانت اتجاهات ابن ماجد كما تذكر المنظومة على النحو التالي:
1 ـ من جزيرة فرور إلى الصير في اتجاه مطلع العقرب.
2 ـ ومن الصير إلى الصير العجوز في اتجاه القطب الجنوبي.
3 ـ ومن جزيرة طنب إلى جزيرة زغناء في اتجاه القطب الجنوبي.
4 ـ ومن جزيرة طنب إلى الشارقة في اتجاه القطب الجنوبي.
5 ـ ومن جزيرة طنب إلى أم القيوين في اتجاه مطلع سهيل.
6 ـ ومن جزيرة طنب إلى رأس الخيمة والصير في اتجاه مطلع الإكليل.
الخاتمة