كحيلآن الحمادي
09-12-2011, 01:52 AM
http://ArabAlsahel.com/vb//uploaded/2946_01299222122.gif
كتاب : منهج الغرباء في مواجهة الجاهليه
تأليف : الشيخ عبدالمجيد عبدالماجد حفظه الله
ماجستير دراسات إسلاميه
http://ArabAlsahel.com/vb//uploaded/2946_01315772050.jpg
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله r، اصطفاه الله نبيا ورسولا لتبليغ دعوته ونصرة دينه، واصطفى معه ثلة من غرباء أول الزمان لمواجهة الباطل وحزبه فأبلوا بلاء حسنا، وكان r قدوة لأصحابه الذين كانوا باتباعهم له قدوة لمن بعدهم.
نعم....هؤلاء هم صحابته الكرام الذين تقرر من أصول الدين فيهم رعاية قدرهم والاقتداء بهديهم والاستنان بسننهم فقد قال رسول الله rفي الحديث الصحيح: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ »[1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1).
فقد أزال الله بهم الجاهلية الأولى، ومكنهم في أرضه فملؤوها عدلا ونورا بعد أن ملئت ظلما وجورا، فاستحقوا مدح ربهم وثناءه وجزاءه فقال تعالى فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).[2] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn2)
فمما تقرر في الشريعة أن السبيل للتمكين لهذا الدين لا يتم إلا بابتلاء الله لعباده المؤمنين لذا فقد كان النبي r يبين دائما لأتباعه أن سنة الله تعالى لم تنته، ويبين وعورة الطريق وغرابة الدين مرة أخرى وغرابة أتباعه الذين سيحملون الأمانة من بعد, وتلك من علامات نبوته r، فيقول r:(بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء)[3] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn3).
وللكلام عن الغرباء ومنهجهم في مواجهة الجاهلية فإننا سنحاول بمشيئة الله تعالى وعونه أن نسلط الضوء عليهم من عدة أوجه في خمسة فصول :
الفصل الأول:
تشابه الغرباء قديما وحديثا وطبيعة عزائمهم ونفوسهم الصادقة.
الفصل الثاني:
طبيعة وأوجه الشبه بين الجاهلية التي يواجهونها في كل عصر.
الفصل الثالث:
تشابه المؤمنين الغرباء في البلاء الذي يواجهونه والتجارب المستفادة أثناء المسير.
الفصل الرابع:
إثبات أن البلاء سنة ربانية ملازمة لأهل الحق الغرباء, وأن البلاء إنما هو دليل صحة على السير في طريق مواجهة الباطل, وضرورة العلم بطبيعة ووعورة الطريق لبناء المجتمع المسلم.
الفصل الخامس:
البشرى والجزاء الذي أعده الله لأهل الإيمان الغرباء.
وسيكون دأبنا دائما الاستفادة من سنة النبي r اتباعا وتنزيلا على واقعنا الذي نعيشه فنسجل النقاط الهامة في كيفية التعاطي مع هذا الواقع تأصيلا على سنته r .
والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
المؤلف
الفصل الأول
معالم طائفة الغرباء المنصورة
قد يتساءل البعض ما هي أهم معالم وصفات الطائفة الغريبة بدينها عن هذه المجتمعات الجاهلية....
1-الغرباء هم النزّاع من القبائل :
يذكر الإمام أحمد في مسنده وفي سنن ابن ماجة: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه r إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ قَالَ النُّزَّاعُ مِنْ الْقَبَائِلِ)).[4] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn4) ....
والنزاع جمع النازع وهو الغريب.
وذكر الطبراني في معجمه: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، قُلْنَا: وَمَا الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ:"قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)).[5] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn5)
قال صاحب معاني الأخبار:
((وقال r: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» ، قيل : وما الغرباء ؟ قال : « النزاع من القبائل » فإذا صار الأمر إلى هذا ، كان المؤمن فيهم كالمؤمن في وقت النبي r، فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق أهله وماله ووطنه ، مؤمن بالله مصدق به وبرسوله ، والله عز وجل مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب ، فقال يؤمنون بالغيب))أهـ.[6] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn6)
2-اشتراكهم في الغربة والتمسك بالدين وهدي السلف الصالح:
قال البغوي: قوله تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ } أي: عصابة،{ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال عطاء عن ابن عباس: يريد أمة محمدr، وهم المهاجرون والتابعون لهم بإحسان. وقال قتادة: بلغنا أن النبي rكان إذا قرأ هذه الآية قال: "هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، ((ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)) وقال معاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله r يقول: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"))أهـ[7] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn7)
وقال ابن حجر في الفتح: ((روى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: " قال أبو عبيدة : يا رسول الله، أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " وإسناده حسن وقد صححه الحاكم . واحتج بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، قال : فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك . ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء)) [8] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn8)
3- طائفة غالبة منصورة من شرطها القتال وعدم الزوال:
فقد وصفهم النبي r بذلك في كثير من الأحاديث الشريفة منها:
مارواه الإمام أحمد: ((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ))[9] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn9)
وروى مسلم:((عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ))[10] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn10)
وأيضا: ((عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ rفَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ))[11] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn11)
وقال ابن أبي حاتم: ((حدثنا شيبان ، عن قتادة : ( قل إن هدى الله هو الهدى) قال : ذكر لنا أن نبي الله rكان يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)).[12] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn12)
(قال ابن أبي حاتم ظاهرين: أي غالبين منتصرين ).
فهذه الأحاديث تدل على أنّ طائفة الغرباء المنصورة التي مدحها رسول الله r من معالمها وصفاتها :
أ- من شرطها القتال في سبيل الله لإظهار الدين بدليل قوله r(يقاتلون) كما في الروايات المذكورة, وفي روايةَ: ( ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ) قال النووي: " أَيْ : عَادَاهُمْ ، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ نَأَى إِلَيْهِمْ وَنَأَوْا إِلَيْهِ ، أَيْ نَهَضُوا لِلْقِتَالِ"اهـ.[13] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn13)
ب- وهي طائفة قائمة لم تنقطع ولن تنقطع أبداً بدليل قوله r (لا تزال طائفة من أمتي...).
ج- وهي قائمة على الحق ومعناه إتباع السلف الصالح، تهتدي بهدي الكتاب والسنة.
د- وهي طائفة غالبة منصورة.
ويتبين لنا هنا أن هذه الطائفة غالبة منصورة وهي طائفة مقاتلة ومهتدية بهدي الكتاب والسنة وغير منقطعة ولا يكفي لأي طائفة أن تدعي أنها الطائفة المنصورة لقيامها بأعمال البر المختلفة دون الالتزام بإقامة فريضة الجهاد والقتال في سبيل الله,..فانتبه لذلك.
4- قوة عزائمهم وصدق نفوسهم ووفائهم بعهدهم :
وفي مقابلة الجاهلية التي ذكرنا طرفا من أرجاسها نجد أهل الإيمان الغرباء الذين لا يألون جهدا في نصرة دينهم والذود عنه صابرين محتسبين موفين بعهدهم مع ربهم:
قال تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا }سورة الأحزاب 23 ((أي من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وما غيَّروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدَّلوه، كما غيَّر المنافقون))أهـ.[14] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn14)
وهم في ذلك يعلمون أنهم غرباء بدينهم وفي مجتمعاتهم وبين أهليهم وأنهم بإذن الله منصورون لا يضرهم من خالفهم ولو تكاثروا عليهم فالنبي r سماهم "غرباء" و "طائفة" وهذا كله يعني القلة, قال النووي : ((قال القاضي : وظاهر الحديث العموم وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ )).[15] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn15)
فما داموا على أمر الله قائمين يدورون مع الكتاب حيث دار فنصرهم على عدوهم سيكون بتوكلهم على ربهم وصدقهم في إيمانهم به سبحانه وثباتهم على أمره لا يضرهم قلة نصير أو نقص في عتاد.
ففي الحديث: ((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ)).[16] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn16)
يقول بن القيم: و((قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } [ التوبة 119 ] . وقد قسم سبحانه الخلق إلى قسمين سعداء وأشقياء فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب وهو تقسيم حاصر مطرد منعكس . فالسعادة دائرة مع الصدق والتصديق, والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب, وأخبر سبحانه وتعالى : أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم . وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم فجميع ما نعاه عليهم أصله الكذب في القول والفعل فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه بل هو لبه وروحه . والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه))أهـ[17] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn17)
وإيمانهم بنصر ربهم أقوى مما يلاقونه من عنت طواغيت الأرض وأرسخ من الجبال وهم يقرؤون في كتاب ربهم : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج/40، 41] ، وهم يعلمون تماما أن الأيام دول وأن ليل الجاهلية لن يبقى طويلا {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، وأن عـِز أجدادهم الذين ملؤوا الأرض عدلا ونورا لهو قادم لا محالة بما بشرنا به نبينا r ولكن سنة الله في خلقه ماضية إلى حيث أراد الله لها وإلى ما شاء الله لها أن تدوم، يملأ ذلك الإيمان قلوبهم ولسان حال شاعرهم يقول:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ...... لنا رغبة أو رهـبـة عظمـاؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا ...... شدائد أيـام قـليـل رضاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه......رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤهـا
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت......علينا الليالي لم يدعنـا حياؤهـا
**********
الفصل الثاني
طبيعة وأوجه الشبه بين الجاهلية التي يواجهونها في كل عصر
يتخيل البعض أن الجاهلية هي الحقبة والتاريخ الذي كان قبل الإسلام فحسب وغاب عن أذهانهم أن خواء القلوب من العقيدة الصحيحة وغياب الشريعة الإلهية التي تحكم المجتمعات الإنسانية إنما هي الجاهلية بعينها بغض النظر عن الزمان والمكان التي تتواجد فيه, فالجاهلية هي الجاهلية.
قال الشوكاني: (( أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس؛ أن عمر بن الخطاب سأله، فقال : أرأيت قول الله لأزواج النبيّ r:{ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى } هل كانت جاهلية غير واحدة، فقال ابن عباس: ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة )) أهـ[18] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn18)
أما عن الجاهلية المعاصرة فخير من يفضح أمرها ويكشف زيفها وضلالها هو الشيخ سيد قطب نسأل الله أن يتقبله في الشهداء.
يقول الشيخ سيد قطب ـ رحمه الله ـ عن الجاهلية المعاصرة:
(( إن خير ما نصف به الجاهلية الأولى ما وصفها به جعفر بن أبي طالب t وهو يحدث نجاشي الحبشة في مواجهة رسولي قريش إليه، يقول جعفر في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف) .....ومن الآثار التي تصف لنا الحال الاجتماعي للجاهلية الأولى هو حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي رواه البخاري والتي تصف فيه حال النكاح في الجاهلية على أنه أربعة أنحاء :فعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ rأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ.....-إلى أن قالت- فَلَمَّا بُعِثَ محمد r بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْم))..... ثم يستطرد رحمه الله فيقول(( إن الجاهلية هي الجاهلية ولكل جاهلية أرجاسها وأدناسها لا يهم موقعها في الزمان والمكان، فحيثما خلت قلوب الناس من عقيدة إلهية تحكم تصوراتهم ومن شريعة ـ منبثقة من هذه العقيدة ـ تحكم حياتهم فلن تكون إلا الجاهلية في صورة من صورها الكثيرة، والجاهلية التي تتمرغ البشرية اليوم في وحلها لا تختلف في طبيعتها عن تلك الجاهلية العربية أو غيرها من الجاهليات التي عاصرتها في أنحاء الأرض، حتى أنقذها منها الإسلام وطهرها وزكاها، إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير!، ونظرة إلى صحافتها وأفلامها ومعارض أزيائها ومسابقات جمالها ومراقصها وحاناتها وإذاعاتها ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري والأوضاع المثيرة والإيحاءات المريضة في الأدب والفن وأجهزة الإعلام كلها، إلى جانب نظامها الربوي وما يكن وراءه من سعار للمال ووسائل خسيسة لجمعه وتثميره وعمليات نصب واحتيال وابتزاز تلبس ثوب القانون وإلى جانب التدهور الخلقي والانحلال الاجتماعي الذي أصبح يهدد كل نفس وكل بيت وكل نظام وكل تجمع إنساني، نظرة إلى هذا كله تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية. اهـ[19] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn19)
بيان القرءان للجاهلية :
وقد بين لنا القرآن الكريم أن الجاهلية تقوم على أربعة أسس وهي:
حكم الجاهلية, وظن الجاهلية, وتبرج الجاهلية, وحمية الجاهلية .
1- حكم الجاهلية:
هو المتمثل في القوانين الوضعية المفروضة على الناس قسرا من قبل حكامهم، هذه القوانين التي تصادم أحكام الإسلام في الأصول والفروع، وقد صورها الشيخ أحمد شاكر الله أبين تصوير حيث قال عنها:
" فانظروا أيها المسلمون، في جميع البلاد الإسلامية أو البلاد التي تنتسب للإسلام في أقطار الأرض إلى ما صنع بكم أعداؤكم المبشرون والمستعمرون، إذ ضربوا على المسلمين قوانين ضالة مدمرة للأخلاق والآداب والأديان قوانين إفرنجية وثنية، لم تـُبْن على شريعة ولا دين، بل بنيت على قواعد وضعها رجل كافر وثني أبى أن يؤمن برسول عصره عيسى عليه السلام وأصرّ على وثنيته، إلى ما كان من فسقه وفجوره وتهتكه! ... إلى أن قال: هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافر هي في حقيقتها دين آخر جعلوه دينا للمسلمين بدلا من دينهم النقي السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها، حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثير من كلمات تقديس القانون وقدسية القضاء مثل: حرم المحكمة، وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين، بل هم حينئذ يصفونها(أي الشريعة الإسلامية) بكلمات الرجعية والجمود والكهنوت وشريعة الغاب، إلى أمثال ما ترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية، التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين! ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين (التي شرعها البشر من دون الله) ودراساتها كلمة الفقه والفقيه والتشريع والمشرّع وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها، وينحدرون فيتجرءون على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفترى الجديد .....إلى أن قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها، سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئا من أحكام الشريعة وما خالفها، وكله باطل وخروج، لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة لا إتباعا لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله، فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمئة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار لا يجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به". اهـ[20] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn20)
يقول ابن القيم في نونيته :
قـد أقسم الله العظيم بنفسـه......قسما يبيـن حقيقة الإيمـانِ
أن ليس يؤمن من يكون محكما ......غير الرسول الواضح البرهانِ
بل ليس يؤمن غير من قد حكم..... الوحيين حسب فذاك ذو إيمانِ
هـذا ومـا ذلك المحكِّم مؤمنا......إن كان ذا حرجٍ وضيق بطانِ
هـذا وليس بمؤمنٍ حتى يسلم .....للذي يقـضي بـه الوحيانِ [21] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn21)
2- ظن الجاهلية:
قال أبو حيان محمد بن حيان في تفسير قوله تعالى(( يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة)) ومعنى (ظن الجاهلية عند الجمهور ) : المدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام ، كما قال : { حمية الجاهلية } { ولا تبرجن تبرج الجاهلية } وكما تقول: شعر الجاهلية . قال مقاتل: ظنوا أن أمره مضمحل. وقال الزجاج: إن مدّته قد انقضت. وقال الضحاك عن ابن عباس: ظنوا أن محمداً r قد قتل. وقيل: ظن الجاهلية إبطال النبوّات والشرائع. وقيل: يأسهم من نصر الله وشكهم في سابق وعده بالنصرة. وقيل: يظنون أن الحق ما عليه الكفار، فلذلك نصروا. وقيل: كذّبوا بالقدر. انتهى[22] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn22)
يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في معنى[ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ ]: إنه تداركهم سبحانه برحمته وخفف عنهم ذلك الغم وغيبه عنهم بالنعاس الذي أنزله عليهم أمنا منه ورحمة والنعاس في الحرب علامة النصرة والأمن كما أنزله عليهم يوم بدر وأخبر أن من لم يصبه ذلك النعاس فهو ممن أهمته نفسه لا دينه ولا نبيه ولا أصحابه وأنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه للقتل وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره ولا حكمة له فيه ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون به سبحانه وتعالى في ( سورة الفتح حيث يقول { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } [ الفتح 6 ] وإنما كان هذا ظن السوء وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل وظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيب وسوء بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهية وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم ولجنده بأنهم هم الغالبون فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم وأنه لا ينصر دينه وكتابه وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالا لا يقوم بعده أبدا فقد ظن بالله ظن السوء ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك, وتأبى أن يذل حزبه وجنده وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به, فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله, وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم, ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته وعرف موجب حمده وحكمته, فمن قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء, ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء,.. ومن ظن أن له ولدا أو شريكا أو أن أحدا يشفع عنده بدون إذنه أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ويتوسلون بهم إليه ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه ويخافونهم ويرجونهم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه,.. ومن ظن به أنه يسلط على رسوله محمد r أعداءه تسليطا مستقرا دائما في حياته وفي مماته وابتلاه بهم لا يفارقونه فلما مات استبدوا بالأمر دون وصية وظلموا أهل بيته وسلبوهم حقهم وأذلوهم وكانت العزة والغلبة والقهر لأعدائه وأعدائهم دائما من غير جرم ولا ذنب لأوليائه وأهل الحق وهو يرى قهرهم لهم وغصبهم إياهم حقهم وتبديلهم دين نبيهم وهو يقدر على نصرة أوليائه وحزبه وجنده ولا ينصرهم ولا يديلهم بل يديل أعداءهم عليهم أبدا أو أنه لا يقدر على ذلك بل حصل هذا بغير قدرته ولا مشيئته ثم جعل المبدلين لدينه مضاجعيه في حفرته تسلم أمته عليه وعليهم كل وقت كما تظنه الرافضة فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه, سواء قالوا: إنه قادر على أن ينصرهم ويجعل لهم الدولة والظفر أو أنه غير قادر على ذلك فهم قادحون في قدرته أو في حكمته وحمده وذلك من ظن السوء به, ولا ريب أن الرب الذي فعل هذا بغيض إلى من ظن به وكان الواجب أن يفعل خلاف ذلك لكن رفوا هذا الظن الفاسد بخرق أعظم منه واستجاروا من الرمضاء بالنار فقالوا: لم يكن هذا بمشيئة الله ولا له قدرة على دفعه ونصر أوليائه فإنه لا يقدر على أفعال عباده ولا هي داخلة تحت قدرته فظنوا به ظن إخوانهم المجوس والثنوية بربهم وكل مبطل وكافر ومبتدع مقهور مستذل فهو يظن بربه هذا الظن)انتهى.[23] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn23)
3- تبرج الجاهلية:
فهو مثال للنظام الاجتماعي الفاسد والمستنقع الآسن الذي يعيش فيه أهل الجاهلية.
قال بن الجوزي: (( في صفة تبرُّج الجاهلية الأولى ستة أقوال:
أحدها: أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال, فهو التبرج، قاله مجاهد.
والثاني: أنها مِشية فيها تكسُّر وتغنُّج ، قاله قتادة.
والثالث: أنه التبختر ، قاله ابن أبي نجيح.
والرابع: أن المرأة منهن كانت تتخذ الدِّرع من اللؤلؤ فتَلْبَسُه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره، وذلك في زمن إِبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي.
والخامس: أنها كانت تُلقي الخِمار عن رأسها ولا تشُدُّه ، فيُرى قُرْطها وقلائدها ، قاله مقاتل.
والسادس: أنها كانت تَلْبَس الثياب تبلغ المال ، لا تواري جَسدها ، حكاه الفراء ))أهـ .[24] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn24)
ولا نرى ما قاله التابعين في ذلك إلا غيضا من فيض ما نراه اليوم في الطرقات والأسواق والمحال والمتاجر أو في وسائل النقل والإعلام مسموعة كانت أم مرئية, بل ومقننة بقوانين تشجع على تلك الفواحش والرذائل, فضلا عن محاربة العفيفات الطاهرات والسخرية والاستهزاء بحجابهن ووصفه بأوصاف التخلف والرجعية وعلى النقيض يصفون الكاسيات العاريات بأوصاف التقدم والرقي, ولله در من قال:
إذا كان ترك الدين يعني تقدما......فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي
4- حمية الجاهلية:
فهي تلك العقيدة القومية التي تسود العالم اليوم والتي تقوم عليها مظاهر الولاء والبراء، والتي تقسم الناس على أساس المواطنة والعرق لا على أساس الديانة، والتي تقوم على أساسها الحروب وتسفك الدماء، والتي يحاول العلمانيون والقوميون تصويرها على أنها الأساس المتين الذي يحفظ كيان الدول والشعوب.
قال الشيخ سيد في الظلال: ((كانت حمية الجاهلية، ونعرة العصبية. كان التعاون على الإثم والعدوان أقرب وأرجح من التعاون على البر والتقوى؛ وكان الحلف على النصرة، في الباطل قبل الحق. وندر أن قام في الجاهلية حلف للحق,. وذلك طبيعي في بيئة لا ترتبط بالله, ولا تستمد تقاليدها ولا أخلاقها من منهج الله وميزان الله . . يمثل ذلك كله ذلك المبدأ الجاهلي المشهور : « انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » .. وهو المبدأ الذي يعبر عنه الشاعر الجاهلي في صورة أخرى ، وهو يقول:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت، وإن ترشد غزية أرشد!)) أهـ[25] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn25)
وهذه بلية أصابت الكثير من الناس في تلك المسألة حيث المحبة والبغض والولاء والبراء في القومية أو القبيلة أو اللغة, بل وحاولوا جعلها ميزانا للولاء والبراء وحاولوا إقامة مجتمعات بل وأمم على هذا الأساس كالأمة العربية مثلا, فحاولوا جمع المسلم والمرتد والكافر يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو لا دينيا أو حتى عباد الشيطان والأوثان في خليط واحد وتحت راية واحدة جاهلية ليس لله أو لعقيدة الإسلام فيها نصيب, ويجدر بنا أن نعرج على سنة المصطفىr لنتبين كيف واجه النبي r هذه البلية:
لقد كان رسول اللهr واضحا جليا في هذه المسألة فهناك أمور محسومة لا تقبل التمييع أو التجزئة وهكذا كان أتباعه غرباء أول الزمان وهكذا ينبغي أن يكون آخرهم فلا ولاء ولا براء إلا على أسس شرعية متينة, يذكر بن كثير فرقا منها في سيرته: (( مشى رجال من أشراف قريش إلى أبى طالب: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان صخربن حرب, وأبو البخترى العاص بن هشام، والأسود بن المطلب, وأبو جهل عمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة, ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، والعاص بن وائل,..قال ابن إسحاق: أو من مشى منهم فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه))أهـ[26] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn26)
هكذا كان رسول الله r مع الجاهلية وأهلها يكشفهم ويتبرأ منهم ولو كانوا من قريش, وهكذا تعلم منه صحابتهy كما في السيرة:
يذكر بن كثير (( كان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى، قال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك.
قال أبو عزيز: فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله r إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها فيردها على ما يمسها ! قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر ابن الحارث، ولما قال أخوه مصعب لأبي اليسر، وهو الذي أسره ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بى ! فقال له مصعب: إنه أخي دونك......فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها)).أهـ[27] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn27)
وذكر صاحب الروض الأنف: ((وإن كان الإسلام قد رفع ما كان في الجاهلية من قولهم يا لفلان عند التحزب والتعصب وقد سمع رسول الله r يوم المريسيع رجلا يقول يا للمهاجرين وقال آخر يا للأنصار فقال رسول الله r دعوها فإنها منتنة وقال r من ادعى بدعوى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ونادى رجل النابعة الجعدي بعصبة له فضربه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - خمسين جلدة وذلك أن الله عز وجل جعل المؤمنين إخوة ولا يقال إلا كما قال عمر رضي الله عنه يا لله ويا للمسلمين لأنهم كلهم حزب واحد وإخوة في الدين ِ))أهـ[28] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn28)
قال الماوردي رحمه الله: ((قوله عز وجل: { إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } يعني قريشاً. وفي حمية الجاهلية قولان:
أحدهما: العصبية لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، والأنفة من أن يعبدوا غيرها، قاله ابن بحر.
الثاني: أنفتهم من الإقرار له بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم على عادته في الفاتحة ، ومنعهم له من دخول مكة ، قاله الزهري.
ويحتمل ثالثاً: هو الاقتداء بآبائهم،وألا يخالفوا لهم عادة،ولا يلتزموا لغيرهم طاعة كما أخبر الله عنهم { إِنَّا وَجَدْنَا أَبَاءنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }))أهـ[29] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn29).
قال الألوسي رحمه الله:
(( {حَمِيَّةَ الجاهلية }يقال: حميت عن كذا حمية إذا أنفت منه وداخلك عار منه .....وقال الراغب: أي حمية الملة الجاهلية أو الحمية الناشئة من الجاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها[30] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn30)
وقال البيضاوي:
{ فِى قُلُوبِهِمُ الحمية } الأنفة.{ حَمِيَّةَ الجاهلية } التي تمنع إذعان الحق .[31] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn31)
*******************
الفصل الثالث
تشابه المؤمنين الغرباء في البلاء الذي يواجهونه, والتجارب المستفادة أثناء المسير
أما طريق أهل الإيمان وأصحاب هذه الدعوة فهو شائك وهم يعلمون مشقته, والعلم الإيماني والنظري شئ ومعايشته شئ آخر, لقد تفنن أهل الجاهلية من طواغيت كل عصر في صب أنواع شتى من البلاء, بل كل أنواع البلاء على هذه الفئة الغريبة المؤمنة بين أهل الجاهلية، المعروفة عند أهل الحق في الأرض والسماء، القليلة بعددها، الكثيرة بنصرة ربها، الضعيفة بإمكانات البشر، القوية بإيمانها بربها وبقوته سبحانه وبنصره وبما وعدهم، الفقيرة بما عند الناس، الغنية بعزتها بعقيدتها، المقهورة في نظر أهل الدنيا وبحساباتهم، الشامخة المتعالية بدينها الشامخ الحق على أدناس وأرجاس الجاهلية.
- فهم يعلمون أنهم وأهليهم وأولادهم سيواجهون جوعا وخوفا وفقرا وسجنا وتقتيلا، تماما كما لاقى أجدادهم الأول، يعلمون ذلك وهم يقرؤون كتاب ربهم صبح مساء {ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
يقول شيخ المفسرين الإمام بن جرير في تفسير هذه الآية:
((عن ابن عباس قوله ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونحو هذا قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وإنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال: وبشر الصابرين ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} ومعنى قوله {ولنبلونكم} ولنختبرنكم، وقوله {بشئ من الخوف} يعني من الخوف من العدو، وبالجوع وهو القحط يقول: لنختبرنكم بشئ من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار فينقص لها عددكم وموت ذراريكم وأولادكم، وجدوب تحدث فتنقص لها ثماركم، كل ذلك امتحان مني لكم، فنتبين صادقيكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب، كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله r وأصحابه)). اهـ[32] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn32)
ويقول الشيخ سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية:
{ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ...}: ولابد من تربية النفوس بالبلاء، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، لابد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكليف، والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى، فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين، وكلما تألموا في سبيلها وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها ، كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها، إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: “لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ولا صبروا عليه”، وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها مقدرين لها مندفعين إليها، وعندئذ يجئ نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا ، ولابد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى، فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد، والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون والران عن القلوب ، وأهم من هذا كله أو والقاعدة لهذا كله الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها وتتوارى الأوهام وهي شتى ويخلو القلب إلى الله وحده لا يجد سندا إلا سنده وفي هذه اللحظة فقط تتجلى الغشاوات وتتفتح البصيرة وينجلي الأفق على مد البصر لا شئ إلا الله، لا قوة إلا قوته، لا حول إلا حوله، لا إرادة إلا إرادته، لا ملجأ إلا إليه، وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح. اهـ[33] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn33)
معايشة الغرباء في مجتمعاتهم بالعزلة والنفي والتشريد:
نعم هكذا يعيش أهل الإيمان في مجتمعاتهم إما معزولين عنها أو منبوذين منها أو مسجونين فيها أو هاربين من بطش أهل الكفر والردة أو منفيين منها بطردهم خارجها وتجريدهم مما يتيح لهم الانتقال والحركة في أرض الله الواسعة, أو بهجرتهم منها, فهم غرباء عن مجتمعاتهم, ومجتمعاتهم غريبة عنهم, بل ويعيشون هذه الغربة بين أقوامهم وعوائلهم, ولربما لا يقبل الوالد ولده أن يجاوره في بيت واحد.
قال أبو الفرج ابن رجب الحنبلي:
(( وفي مسند الإمام أحمد " عن عبادة بن الصامت أنه قال لرجلٍ من أصحابه : يُوشك إن طالت بك الحياة أن ترى الرجل قد قرأ القرآن على لسان محمد rفأعاده وأبدأه وأحل حلاله وحرم حرامه ونزل عند منازله لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت ", ومثله قول ابن مسعود : يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأمة .وإنما ذل المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات ، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم ومقصوده لمقصودهم ومباينته لما هم عليه )).[34] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn34)
فأنى لهم الاندماج في مجتمعات جاهلية, خليط متنافر غير قابل للاندماج, لا يقبل أحدهما الآخر, الإيمان و الطهر والعلياء, والجاهلية بكل أرجاسها وأدناسها وانحطاطها.
يقول صاحب الظلال رحمه الله في قوله تعالى{ وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون }:
((..يا عجباً! أو من يتطهر يخرج من القرية إخراجاً، ليبقى فيها الملوثون المدنسون؟! ولكن لماذا العجب؟ وماذا تصنع الجاهلية الحديثة؟ أليست تطارد الذين يتطهرون، فلا ينغمسون في الوحل الذي تنغمس فيه مجتمعات الجاهلية - وتسميه تقدمية وتحطيماً للأغلال عن المرأة وغير المرأة - أليست تطاردهم في أرزاقهم وأنفسهم وأموالهم وأفكارهم وتصوراتهم كذلك؛ ولا تطيق أن تراهم يتطهرون؛ لأنها لا تتسع ولا ترحب إلا بالملوثين الدنسين القذرين؟! إنه منطق الجاهلية في كل حين!![35] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn35)
قال بن كثير:((وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } قال قتادة، عابوهم بغير عيب)).[36] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn36)
يقول المناوي: ((..(إن الإسلام بدأ) يقال بدا الشئ يبدو أي ظهر (غريبا) أي في قلة من الناس ثم انتشر (وسيعود) أي وسيلحقه النقص والخلل حتى لا يبقى إلا في قلة (كما بدأ غريبا) هكذا ثبتت هذه اللفظة في رواية، ثم المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من أشياع الرسول ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد ونفوهم عن عقر الديار, يصبح أحدهم معتزلا مهجورا ويبيت منبوذا كالغرباء, ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد, ويحتمل أن المماثلة بين الحالة الأولى والأخيرة قلة من كانوا يتدينون به في الأول وقلة من يعملون به في الآخر, ثم إنه أكد ذلك بقوله كما بدأ, ولم يكتف بقوله وسيعود غريبا لما في الموصول من ملاحظة التهويل, وأراد بالإسلام أهله لدلالة ذكر الغرباء بعده ، ذكره جمع ، وقال الطيبي إما أن يستعار الإسلام للمسلمين فالغربة هي القرينة فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين, وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة فالكلام فيه تشبيه, والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلته ، فعليه غريبا إما حال أي بدأ الإسلام مشابها للغريب أو مفعولا مطلقا أي ظهر ظهور الغريب حين بدأ فريدا وحيدا ثم أتم الله نوره فأنبت في الآفاق فبلغ مشارق الأرض ومغاربها ثم يعود في آخر الأمر فريدا وحيدا شريدا إلى طيبة (فطوبى) فعلى من الطيب أي فرحة وقرة عين أو سرور وغبطة أو الجنة أو شجرة في الجنة (للغرباء) أي المسلمين المتمسكين بحبله المتشبثين بذيله الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره ، وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين الإسلام ذكره ابن الأثير وزاد الترمذي بعد الغرباء (الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي) وفي خبر آخر قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل أي الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم.[37] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn37)
تربص الكفار من اليهود والنصارى بهم:
يحدثنا التاريخ القديم والحديث عن مكائد اليهود والنصارى للإسلام وأهله، فقد كان اليهود والنصارى حانقون على النبي r ويصدون عن دعوته : قال بن كثير في قوله تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)).هذا تعنيف من الله تعالى لكَفَرة أهل الكتاب، على عنادهم للحق، وكفرهم بآيات الله، وصَدِّهم عن سبيله مَنْ أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله تعالى))أهـ[38] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn38)
وكم تربصوا بهم، فحاولوا قتل النبي r ووضعوا له السم في الشاة ليقتلوه.
ففي الحديث الصحيح: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ rشَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rاجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه ِrإ ِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ rمَنْ أَبُوكُمْ قَالُوا أَبُونَا فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rكَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ فَقَالُوا صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فَقَالَ هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ rمَنْ أَهْلُ النَّارِ فَقَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ rاخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ)).[39] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn39)
نعم نقول ذلك ونبين للذين صورت لهم وسائل الدعاية اليهودية الصليبية والطاغوتية المختلفة أنه من الممكن أن نلتقي مع اليهود والصليبيين في منتصف الطريق فنأمن جانبهم أو أن نعقد معهم عهدا أو صلحا على حساب مقدساتنا وهم الذين أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل ، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد، كما نبذوها مع النبي r بل هم الذين شنوا حملاتهم الصليبية ضد بلاد المسلمين عبر التاريخ واحتلوا بلادنا ومقدساتنا وحسنوا دين الكفار على دين الإسلام فكيف بحكومات بلاد المسلمين المرتدة التي اتخذتهم أولياء وأقامت علاقات طبيعية معهم بل وأبرمت اتفاقيات تحالف معهم فسموا أي اليهود والنصارى بالحليف الأكبر مرة والحليف الاستراتيجي مرة أخرى فلم يكن من بد للغرباء إلا مواجهة كل هؤلاء الأعداء الذين وضعوا أنفسهم في خندق واحد.
قال صاحب الظلال: ((فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين: { هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً }. وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألّبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة، وكانوا لهم درعاً وردءاً. وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس، وهم الذين شردوا العرب المسلمين في فلسطين ، وأحلوا اليهود محلهم، متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية! وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان..في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر، ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية....ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر....إن هؤلاء لا يقرؤون القرآن, وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام؛ فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن ....إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم، لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها ، ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض؛ تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم, كما وقفت له بالأمس...! وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني ، لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . . ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين }....هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . . موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة: {الذين آمنوا}....ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ، أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينة وبعض أهل الكتاب - وبخاصة اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف ، وعلاقات اقتصاد وتعامل ، وعلاقات جيرة وصحبة .......ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته ، لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة. ولينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة, المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية, فهذه صفة المسلم دائما, ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل.....{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين }.
بعضهم أولياء بعض . . إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضاً في حرب محمد r والجماعة المسلمة في المدينة. وولي بعضهم بعضاً في كل فجاج الأرض ، على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة؛ ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم، في صيغة الوصف الدائم، لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل!..ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم, والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم ، يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف « الإسلام » وينضم إلى الصف الآخر, وكان ظالماً لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه. ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم :{ إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .... فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه ، وتبقى له عضويته في الصف المسلم، الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق.. (ثم يستطرد رحمه الله)..إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله والتسامح يكون في المعاملات الشخصية لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا ولو طفيفا)).[40] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn40)
وعندما بدأت الصحوة الإسلامية في الظهور أثناء القرن الماضي وقفوا ضدها بكل ما يملكون فأعانوا الحكام المرتدين لبلاد المسلمين ودعموهم ماليا وعسكريا وسياسيا ضد أهل الإيمان حتى لا يبقى من يقف ضد مخططاتهم وأطماعهم في بلاد المسلمين, وابتزوا كل مقدرات الأمة من خيرات وموارد طبيعية بمعونة وكلائهم في بلادنا،..كما شملت حربهم على الأمة الإسلامية الجانب العقدي الفكري لإبعاد المسلمين عن دينهم فها هو البرنامج الأمريكي الصليبي بداية هذا القرن, حول الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد تطورا عن الكبير, وتعديهم على عقائد المسلمين بمحاولة تغيير مناهجهم التعليمية والدينية ليخرجوا نشئا مسخا, وغيرها من برامج حرب الأفكار .. وما هي في الواقع إلا تطبيقا مكررا واستمرارا للحروب الصليبية التي ما فتئت تخمد نيرانها بالأمس القريب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وقد نبأنا الله تعالى في قرآنه بحدوث هذا البلاء فقال تعالى:((لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ))آل عمران 186.يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:(( إنها سنة العقائد والدعوات, لابد من بلاء ولابد من أذى في الأموال والأنفس ولابد من صبر ومقاومة واعتزام، إنه الطريق إلى الجنة، وقد حفت الجنة بالمكاره بينما حفت النار بالشهوات، ولقد حفلت السورة بصور من مكايد أهل الكتاب والمشركين، وصور من دعاياتهم للبلبلة والتشكيك أحيانا في أصول الدعوة وحقيقتها وأحيانا في أصحابها وقيادتها وهذه الصور تتجدد مع الزمان وتتنوع بابتداع وسائل الدعاية الجديدة)).[41] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn41)
وذكر الإمام الطبري رحمه الله هذا المعنى فقال: (( يعني بذلك تعالى ذكره {لتبلون في أموالكم} لتختبرن بالمصائب في أموالكم وأنفسكم، يعني بهلاك الأقرباء والعشائر من أهل نصرتكم وملئكم، {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني من اليهود قولهم {إن الله فقير ونحن أغنياء} وقولهم {يد الله مغلولة} وما أشبه ذلك من افترائهم على الله {ومن الذين أشركوا} يعني النصارى)).[42] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn42)
وعلى ذلك فليس غريبا علينا أن نسمعهم وهم يفترون على الله ورسوله أمثال ما سمعنا ورأينا من افتراءات واستهزاء بالله وآياته ورسوله في بعض دول الكفر من حين إلى آخر, وليعلم أهل الإيمان أن هذا أيضا نوع آخر من أنواع البلاء الذي يواجهونه أثناء مسيرتهم.
والخلاصة نقولها للمتخاذلين المتنازلين الذين ينزلون كل يوم دركة ويحاولون أن يلتقوا مع أعداء الله ورسوله ذلك أن عداوة اليهود والنصارى لأهل الإسلام ليس لها إلا حد واحد واضح بينه الله في قوله تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) سورة البقرة(120)....قال بن كثير في تفسيره:((قال ابن جرير: يعني بقوله (1) جل ثناؤه: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } وليست اليهود -يا محمد -ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق)).[43] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn43)
ولننتقل إلى صورة أخرى من صور البلاء الذي يواجه أهل الإيمان من الغرباء وهي:
محاولة تسليم المجاهدين والدعاة إلى أعدائهم بغرض قتلهم والتنكيل بهم:
و يحدث ذلك اليوم في شتى بقاع الأرض، فكما تعرّض صحابة النبي r بعد هجرتهم إلى الحبشة لتلك الفتنة على يد وفد قريش ـ والذي كان يرأسه آنذاك عمرو بن العاصt قبل إسلامه ـ وقد نجاهم الله من فتنة التسليم هذه لما اقتنع النجاشي بما قاله جعفر بن أبي طالب t, ورد النجاشي على وفد قريش هداياهم ورشاواهم خائبين واعتنق الإسلام خفية وأبى عليهم رد المسلمين, في موقف رائع يذكره له التاريخ بحروف من نور.هذا الموقف الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم لحديث النبيr في صحيح البخاري:((عن بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال ُأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...))..... قال ابن حجر: ((وقوله: " ولا يسلمه " أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه)).[44] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn44)
فلقد قال النجاشي لرئيس وفد قريش الذي جاءه بالهدايا ليسلمهم الصحابة الذين هاجروا للحبشة:(( لا لعمر الله ! لا أردهم حتى أدعوهم فأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري ..... _ وقال للمؤمنين بعد أن سمع مقالتهم في دعوة النبي r وفي مريم وعيسى عليه السلام _ اذهبوا فأنتم آمنون، من سبكم غرم، فوالله ما أخذ الله الرشوة مني حين رد علي ملكي ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه"، ثم رد على الوفد هداياهم ورشوتهم )).[45] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn45)
وإلى يومنا هذا لم نر مثل هذا الموقف النبيل, حيث نرى المجاهدين الآن بين الحين والآخر وهم يُسلّمون من كل بقاع الدنيا إلى أعدائهم قرابين لطواغيت بلادهم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الحصار والمطاردة كشكل من أشكال البلاء:
وهذا الصنف من البلاء ما زال يمارس أيضا على الجماعات المجاهدة، حاليا فالمطاردة في داخل البلاد وخارجها وفي المواصلات والطائرات مستمرة، وعندهم خطة وبرنامج يسمونه "تجفيف المنابع" أي قطع كل طرق وأساليب إمداد أهل الإيمان بما يحتاجونه ظنا منهم أن ذلك سيعطل جهادهم ضد هؤلاء الطواغيت.
ولقد استخدم الأعداء أسلوب الحصار والمطاردة ضد إمارة أفغانستان الإسلامية ومن هاجر إليها من أهل الإيمان الغرباء لما آوتهم وقامت بإنفاذ شريعة الله على أرضها فحوصرت حصارا اقتصاديا, جائرا فمنعوا التجارة بكافة أنواعها عنها حيث منعوا وصول الدواء والغذاء والبضائع الأخرى, كما منعوا وسائل النقل الجوي وأوقفوها منها وإليها, كما فرضوا عليها حصارا سياسيا فمنعوا الدول الأخرى من الاعتراف بها والتعامل معها كدولة وكحكومة, كل ذلك بقرارات من الأمم الملحدة, ولقد رضخت حكومات بلاد المسلمين في كل مكان لقرارات تلك المنظمة لأنها أعضاء فيها تحكمهم قوانينها فالولاء والبراء والإذعان لقرارات تلك المنظمة ليس لله أو لعقيدة الإسلام شيئا فيها, فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ونذكر هنا أيضا أن الحصار والمقاطعة مورسا على النبي rوصحابته الكرام:
يذكر المباركفوري ذلك فيقول: "اجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المحصب فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلموا إليهم رسول الله r للقتل وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق، "أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا النبي r للقتل"...ثم يستدرك في فقرة أخرى فيقول: "واشتد الحصار وقطعت عنهم الميرة والمادة فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع.[46] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn46)
غير أن الفرق بين الحصار القديم والحصار الجديد هو أن المجتمع الجاهلي القديم كان ما زال فيه بعض صفات المروءة فقد قامت مجموعة ممن كانوا على الشرك وعبادة الأوثان وتعاهدوا على فك هذا الحصار الجائر وسعوا في ذلك كما يذكر أهل السير والتاريخ.
يذكر ذلك بن كثير فيقول: (( تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي ورجال سواهم من قريش ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم على نقض ما تعاهدت عليه قريش في هذه الصحيفة من الظلم والبراءة منه، حتى مدحهم أبو طالب في قصيدة مشهورة له)).[47] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn47)
فلم يفعل أهل الجاهلية الحديثة مثل ما فعله أهل الجاهلية القديمة ..!!
أما عن حصار الخندق فيذكر صاحب الرحيق أنه حين حفر الخندق والمشركون في طريقهم لمدينة النبي r قال: (( كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت الأكباد، قال أنس: كان أهل الخندق يؤتون بملء كف من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة([48] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn48))توضع بين يدي القوم, والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن، وقال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله r الجوع فرفعنا عن بطوننا حجرا حجرا، فرفع رسول الله r عن حجرين[49] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn49).
ويستمر المباركفوري رحمه الله فيقول: "ولما أراد المشركون مهاجمة المسلمين واقتحام المدينة وجدوا خندقا عريضا يحول بينهم وبينها فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين.[50] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn50)
ومن هنا نرى أن الحصار على أهل الإيمان ولمن آواهم هو أحد الطرق والأساليب التي اتبعها أعداءهم ضدهم في كل زمان.
********************
الفصل الرابع
البلاء سنة ربانية ملازمة لأهل الحق الغرباء ودليل على صحة المسير في مواجهة الباطل, مع ضرورة العلم بطبيعة الطريق ووعورته
ما زلنا في حديثنا الطويل عن أهل الإيمان الغرباء في مواجهة الجاهلية، أهل الخير والرشاد والصدق والوفاء بعهد الله الأبرار الذين أخلصوا لله دينهم.
-وإذا استعرضنا بعض أحاديث النبي r تبين لنا من خلالها أن البلاء سنة ربانية لأهل الحق من الأنبياء والصالحين على مر العصور والدعوات ودليل على صحة مسيرتهم في مواجهة, الباطل لأن الحق والباطل لا يجتمعان ولا يلتقيان إذ لابد أن يزيح أحدهما الآخر, لا كما يدعي بعض الجهال فيقولون إن البلاء والتمحيص دلالة على الخطأ في التصور ولو كانوا على الجادة ما ابتلاهم الله بمثل هذه الابتلاءات, فيظنون بجهلهم أن الحق مع من يسقيهم السم من علماء السوء الذين عاشوا جنبا إلى جنب في ظل طواغيت يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف بل وعلاقتهم مع هؤلاء الطواغيت تحفها المحبة ويكسوها الود فيغدق عليهم هؤلاء الطواغيت من بقايا فتات موائدهم ويوسعون لهم في المساجد ووسائل الدعاية والإعلام فيلقون الدروس ويطبعون ما شاءوا من كتبهم ويفتحون لهم أبواب الجامعات والمعاهد فيلقون المحاضرات, يعيشون بين يدي الطاغوت في ترف بين القصور الوسيعة والسيارات الفارهة, كل ذلك يدفعون ضريبته من دينهم وعقيدتهم فهم في ذلك إما محسّنين لدين الطاغوت أو محاربين لأهل الإيمان ومنهجهم, وأحسنهم حالا ساكت على الباطل لا يقف في وجهه ولا يعلن عداوته للطاغوت وبراءته منه ولا محبته لأهل الحق وولاءه لهم, فمن كان هذا حاله فليراجع دينه, فما كان هذا حال الصحابة ولا الصالحين من أمة محمد r , فتأمل:
فعن أبي عبد الله خباب بن الأرت t قال:
((شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِr وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.[51] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn51)
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود t قال: كأني أنظر إلى رسول الله r يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله في تفسير قوله تعالى:(( {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}: ".... يتوجه إليهم بأن هذه هي سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة وليكونوا لها أهلا أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة استحقوا نصر الله لأنهم يومئذ أمناء على دين الله".....ثم يستكمل فيقول: " هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، هكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها وإلى سنته سبحانه في تربية عباده المختارين الذي يكل إليهم رايته وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم، وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة، إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه، من الرسول الموصول بالله والمؤمنين الذين آمنوا بالله إن سؤالهم {متى نصر الله} ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة، وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة عندئذ تتم كلمة الله ويجئ النصر من الله {ألا إن نصر الله قريب} إنه مدخر لمن يستحقونه ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية الذين يثبتون على البأساء والضراء الذين يصمدون على الزلزلة، وبهذا يدخل المؤمنون الجنة مستحقين لها جديرين لها بعد الجهاد والامتحان والصبر والثبات والتجرد لله وحده”)). اهـ[52] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn52)
ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لنفس الآية السابقة:(( يقول تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} قبل أن تبتلوا وتختبروا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولهذا قال {لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} وهي الأمراض والسقام والآلام والمصائب والنوائب، قال ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومجاهد وسعيد ابن جبير وغيرهم {البأساء} الفقر، {والضراء} السقم {وزلزلوا} خوفوا من الأعداء زلزالاً شديدا وامتحنوا امتحانا عظيما))..وقال الله تعالى {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}، وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم في يوم الأحزاب كما قال الله تعالى {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} الآيات، ولما سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه؟، قال: نعم، قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟، فقال: سجالا يدال علينا وندال عليه، قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة، وقوله {مثل الذي خلوا من قبلكم} أي سنتهم كما قال تعالى {فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين} وقوله {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة..قال الله تعالى {ألا إن نصر الله قريب} كما قال {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} وكما تكون الشدة ينزل من الفرج مثلها ولهذا قال {ألا إن نصر الله قريب} وفي حديث أبي رزين (عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب)). اهـ[53] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn53)
قال شهاب الدين الألوسي رحمه الله في قوله تعالى : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات » وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال : « قال رسول اللهr إن الله تعالى ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله تعالى من السيآت ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد افتتن )).اهـ[54] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn54)
إن كثيراً من أصحاب الدعوة إلى الله يجهلون طبيعة هذا الطريق ويجهلون طبيعة هذا الدين ووعورة مسالكه ويظنون الابتلاء إنما هو نتيجة أخطاء وحسب ولذلك فهم يعمدون إلى اتخاذ سبل ووسائل أخرى غير مشروعة إما ظنا منهم أنها أفضل من طريق الابتلاء أو لعدم قدرتهم على متابعة المسير مع ضخامة وشدة البلاء فيَضلوا ويُضلوا, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعدما علمنا أن البلاء سنة ملازمة لأهل الحق, ننتقل الآن لنثبت أن البلاء دلالة خير للمجاهدين والدعاة لأن عظم الجزاء مع عظم البلاء.
البلاء دليل على صحة السير في طريق الدعوة إلى الله :
روى الترمذي في الحديث الصحيح:عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)).[55] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn55)
وروى البخاري عن أبي هريرة t قال:: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ)).[56] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn56)
وعن أبي هريرة t قال:((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)).[57] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn57)
ثم انظر إلى ما قاله بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} قال: (( يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان من أصحاب رسول الله r {ولنبلونكم} أيها المؤمنون بالقتل وجهاد أعداء الله {حتى نعلم المجاهدين منكم} يقول يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم وأهل الصبر على قتال أعدائه فيظهر ذلك لهم ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلوا أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب، ونقل عن ابن عباس قوله: {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} وقوله {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} ونحو هذا قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال {وبشر الصابرين} ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} فالبأساء الفقر والضراء السقم وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم)). أهـ[58] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn58)
ومما يدل أيضا على أن البلاء دليل على صحة السير في طريق الدعاة إلى ربهم ما قاله الأستاذ سيد قطب في الظلال تفسيرا لقوله تعالى {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} يقول: (( وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا يصيب إلا من يريد له الله به الخير فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم ولو وقع الابتلاء مترتبا على تصرفات هؤلاء الأولياء فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف وفضل الله على أوليائه المؤمنين...." و "ليس من مقتضى إلوهيته سبحانه وليس من فعل سننه أن يدع الصف المسلم مختلطا غير مميز يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ومظهر الإسلام بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ومن روح الإسلام، وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب)).اهـ[59] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn59)
وحيثما ظهر للقاصي والداني والجاهل والعالم وكل ذي لب أنه لا طريق ولا سبيل لنصرة دين الله ورضوانه إلا هذا الطريق الوعر، طريق الجهاد والابتلاء لأنها سنة الله في أنبيائه وتابعيهم، ونحن نرى الجبناء الذين قننوا وتفننوا في أساليب وسبل صاغوها في قوالب شرعية حتى تكون مستساغة لدى العامة و الجهال حتى يبرروا جبنهم وتخاذلهم ويذكرنا ذلك بقول الشاعر الذي يفضح دواخلهم فيقول:
يرى الجبناء أن الجبن عقل............ وتلك خـديعة الطبع اللئيم
فقاموا يصفون أهل الحق _ الذين يواجهون الجاهلية بكل عددها وعدتها _ مرة بالمتهورين ومرة بالمبتدعة وأخرى بالإرهابيين وآثروا أن يعيشوا في أحضان الطواغيت وتبعيتهم على أن يقفوا في الصف مع أهل الإيمان الذين قاموا وهاجروا لله وجاهدوا في الله وتركوا كل متاع الدنيا إرضاء لربهم، وفضّل أولئك القعود خلف أقلامهم المسمومة وأبواقهم الكاذبة، وآثروا الذل والهوان, حتى أن بعضهم أجاب عندما سأله بعض الشباب المجاهد: لماذا لا تقومون بواجب الجهاد في سبيل الله والكل يرى حرمات الله كلها قد انتهكت بدلا من مسالك ومتاهات الديمقراطية؟، فأجابه: الديمقراطية ....أم عشرون سنة قتال أفضل!!!.
ذل من يغبط الذليل بعيش.............رب عيش أعز منه الحمام
لا بل العمر كله جهاد ولا مقارنة بينه وبين الديمقراطية فقد علمنا رسول الله r الطريق حتى في أشد وأحلك الظروف ضعفاً للمسلمين فقد ذكر ابن هشام:
(( لما اجتمع رؤساء قريش بالنبي r قالوا له: إنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على العرب مثلما أدخلت على قومك، إذ شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقى أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال لهم رسول الله r: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم)).اهـ[60] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn60)
الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها:
إن هذه المقابلة التي حدثت بين النبي r من جانب وصناديد قريش من جانب آخر _ في وقت كانت الدعوة في مهدها والضعف هو السمة الأولى لأهلها مع شدة الغربة وقلة النصير وتبجح الباطل وأهله _ قد رسمت الطريق الصحيح ووضعت الخطوط العريضة لأسلوب الدعوة، والتي لا ينبغي للقائمين عليها أن يتجاوزوها. نوجز أهمها فيما يلي:
أولا- عدم تقديم تنازلات على حساب العقيدة:
أن الداعية مع حرصه على إيصال دعوته ونشرها ورجائه أن يهدي الله به خلقه فإن هذا لا يعني تقديم تنازلات لا قليلة ولا كثيرة لهم،.. حيث يظهر هذا من أول وهلة عندما لبّى النبي r دعوة صناديد قريش بلقائهم ومقابلتهم في البداية, ثم بانتهاء المقابلة دون أن ينالوا شيئاً ولو يسيراً لصالح باطلهم في النهايةً، بل قوبل عرضهم الذي عرضوه على النبي r بالرفض وبكل ثبات وعزيمة منه r, فإما أن يقبلوا ما جاءهم به من الحق ولهم الحسنى وإما أن يردوه عليه مع صبره على أمر الله دون تفريط مع ما سيلاقيه في سبيل ذلك الثبات من عنت ومشقة إذ لا بديل عنده r عن الحق الذي لا يتجزأ ولا تنازل فالموقف واضح وواحد.
ثانياً- بيان الحق وتعرية الباطل لا ينفك أحدهما عن الآخر:
أن الداعية إلى الله يسير في مسارين متلازمين في طريق دعوته:
المسار الأول: بيان الحق من الدعوة إلى التوحيد والتعريف بأحكام الدين وتقوى الله وعبادته وكل ما أقره الشرع وعرفه بأنه " المعروف ".
المسار الثاني: تعرية الباطل وفضحه والتعريف بأساليبه وكيده وقد علم ذلك صناديد قريش عندما ذكروا للنبي r أنه قد شتم الآباء وعاب دينهم وسب آلهتهم وسفه أحلامهم وغير ذلك مما أنكره الشرع و فضحه وبينه على أنه " المنكر ".
وهذه المبادئ لا تجد لها مكانا عند القائمين بالدعوة اليوم.. فكيف تدلّون الناس على طريق الحق وتتركون لهم طريق الضلالة مبهما يغوصون فيه؟! كيف تعلّمون الناس كلاماً نظرياً وتخشون إنزاله على الواقع؟! أو ما علمتم أن الإسلام هو منهج حياة؟! وهم في ذلك ينسون أو يتناسون مدلول آيات الله سبحانه {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، وقوله سبحانه وتعالى {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
إذ أن كثيرا منهم يؤثرون السلامة لأنفسهم فيسيرون في المسار الأول من بيان للحق ويضربون صفحا عن الجانب الآخر وهو بيان الباطل وفضحه، فنجد بعضهم مثلاً يتكلم كثيرا عن عبادة الله تعالى ولا يتكلم عن عبادة غيره سبحانه تلك العبادة الباطلة، ثم إذا تطرق إلى ذلك تكلم في عبادة الأموات والأشجار والأحجار ولم يتكلم عن عبادة الأحياء الذين جعلوا أنفسهم أنداداً لله في ربوبيته وألوهيته وحكمه.
أو إذا تكلم عن الإيمان بالله لم يتكلم عن الكفر بالطاغوت، أو إذا تكلم عن الطاغوت وضرورة مجاهدته فليكن هو نجيب الله حاكم أفغانستان السابق دون مبارك وفهد والأسد وعلاوي والجعفري!!!، مع أن نجيب رغم كفره الواضح كان أقلهم فساداً في الأرض، فلا ندري أي أدلة استدلوا بها على كفر الأخير وضرورة الخروج عليه ومجاهدته لم تتوفر فيمن ذكروا قبله وأشباههم، أو أنهم تجرؤوا فأفتى بعضهم بضرورة خروج اليهود من فلسطين وخروج الأمريكان من العراق وجزيرة العرب ولم يبينوا لنا كيف يكون خروجهم، مع أن الذي أتى بهم وبارك دخولهم ووافق على معاهدات الاستسلام لهم والتي تقتضي الإقرار باحتلالهم مقدسات وأراضي المسلمين هو نفسه الذي يدعون له بالسداد والتوفيق _ويسمونه ولي الأمر, أو خادم الحرمين, أو ما يلقب به هؤلاء الطواغيت ظلما وزورا_ وبمعونة علماء الضلالة الذين أفتوا لهم بما أرادوا لا بما يرضي الله، فلله در عبد الله بن المبارك إذ يقول:
وهل أفسد الدين إلا الملوك........... وأحبار سـوء ورهـبانـها
لقد رتع القـوم في جيـفة........... يبـين لذي اللـب أنتانـها
يقول الأوزاعي رحمه الله: شكت النواويس ـ والنواويس أي مقابر النصارى ـ إلى الله من نتن جثث الكفار فأوحى الله إليها أن بطون علماء السوء أشد نتناً من هذا.
ولو أن أهل العلم صانوه لصانهم.......ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهـان ودنسـوا........ محيّاه بالأطمـاع حتى تجهما
ثالثا- الغاية لا تبرر الوسيلة:
أن الغاية في دين الإسلام لا تبرر الوسيلة فإذا كانت الغاية شريفة فلا بد أن تكون الوسيلة كذلك, فنحن لا نعبد الله بمعصيته فالنبيr لم يوافق كفار قريش على استلام السلطة عندما عرضوها عليه فقالوا: (وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا), بالرغم من أن الدعوة كانت في مهدها والضعف هو السمة الأولى لأهلها, فلو كان أحدٌ مكانه r لقال" إن هذه فرصة أستولي بها على السلطة" أو إن هذا طريق سهل لانتصار دعوتي بدلا من الحرب والدماء كمن اتخذ الديمقراطية سبيلا له أو أنها فرصة للجلوس معهم والتفاوض في هذه المشكلة لإيجاد حلول ترضي الطرفين ...لقد رفض النبي كل هذه الحلول لأسباب كثيرة أهمها:
1. أن هذا الطريق ليس هو الطريق الذي رسمه الله تعالى لقيام هذا الدين ونشر هذه الدعوة.
2. أن هذا الموقف هو البداية لعلاقات ودية تخلط الصف المؤمن بالصف الكافر(أو ما يسمى بتطبيع العلاقات) لإزالة البغضاء من نفوس المؤمنين تجاه الكفار وتلبيس الحق بالباطل ومحاولة تمييع القضايا لالتقائهم في منتصف الطريق, مما يُحدث صداما و تناقضا مع أصول ونصوص شرعية منها قوله تعالى ((لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..))سورة المجادلة...وقوله تعالى(( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ, لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ, وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد, وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ, وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ, لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ))سورة الكافرون...وقوله تعالى(( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا))سورة الفتح,..وكثير من الأدلة التي لا مكان لسردها كلها في هذا المقام.
3. أن الحق كل لا يتجزأ فلو قبلوه كله فقد فازوا, وإلا فلا بديل سوى الصبر وما كان بعدها من إزالة هذه الفتنة بالطريق الشرعي الذي افترضه الله تعالى على عباده المؤمنين في قوله تعالى: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ َ)) سورة الأنفال.
ضرورة العلم بطبيعة ووعورة الطريق لبناء المجتمع المسلم :
لن يستطيع أحد من غير أهل الإيمان الصبر على الجوع والفقر والخوف والقتل والتشريد والحصار ونقص الأموال والأنفس والثمرات إن لم يكن عنده الوازع العقدي الصلب الذي يضحي من أجله بكل شئ, بنفسه, وماله, وولده, وهذه الحقيقة غائبة عن بعض المؤمنين من حملة هذه الأمانة، ولقد ضرب أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد أروع الأمثلة على ثبات المؤمنين الصادقين الذين يعيشون مع إخوانهم آلامهم وآمالهم، إنها العقيدة وليس غيرها تلك التي جعلت هذا الأمير المجاهد يرد على طلب أمريكا وحلفائها بتسليم المجاهدين العرب بقوله: "لن يسلم الشعب الأفغاني إخوانهم العرب ولو قتل كل الأفغان".
إن بلاء الله موجه لهذه الفئة بالذات فإن كانت أملك لأمرها على أرضها فبها ونعمت وإلا فلتجاهد وتصبر حتى يفتح الله عليها، ولا يغتروا بكلام ووعود غيرهم وليعطوا كل شئ حقه في حساباتهم حتى لا يصدموا بأحداث مفجعة بناء على حسابات خاطئة، ولن يقف لهم غيرهم خلف خندقهم ويذود عنهم ليتحمل لهم نتاج إيمانهم بالله أو ليجني لهم الثواب والأجر نيابة عنهم, إنهم هم وليس غيرهم أصحاب العقيدة والهدف الواحد الذين يتحملون المشقة ويربطون على بطونهم حجرا في سبيل هذا الدين وبناء دولة الإسلام وهم أيضا الذين سيجنون ثمار هذه المشقة من ثواب الله تعالى لذا يجب عليهم أن يسعوا قدر طاقتهم لتحقيق هذا الهدف.
فنظرة سريعة على أحداث سيرة المصطفى r يتضح لنا صحة ذلك فقد عرض نفسه r على القبائل في مواسم الحج فأبوا أن يؤمنوا به وخرج r إلى أهل الطائف فأدموا قدميه الشريفتين بالحجارة, وحاربه قومه في دعوته,.. وقد تواجه البعض شبهة فيقول: كيف تربط بين العقيدة والتضحية إلى هذا الحد الذي تعجز معه كل الروابط الأخرى _دون العقيدة _ في أن تكون بديلا عنها في مواجهة عواصف الابتلاءات والمحن وقد كان أبو طالب عم النبي r من أكبر مناصريه وليس على دينهr ؟
والإجابة: أنه نظرا لأن أبا طالب لم يكن على دينه r فقد كانت نصرته له لها وجهة جاهلية قومية وليست إيمانية عقدية, فهو ينصره فقط لأنه ابن أخيه وقد كان لصبره معه حدود، وفي ذلك يذكر المباركفوري فيقول:
((عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد _ أي من وفد قريش له _ فبعث إلى رسول الله r وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأبق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق)).[61] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn61)
وكان على النقيض من ذلك نجاشي الحبشة الذي أسلم مؤخرا ولم يكن من أهله ولا من عشيرتهr بل ولا عربيا وبالرغم من ذلك دفعته عقيدته وإيمانه للتضحية والوقوف في وجه قومه, فلولا أنه اعتنق الإسلام ما صبر على هذا الإيذاء.
وما كان النبي r ليهاجر إلى المدينة ويستمر بقية حياته فيها ويصبر أهلها على البلاء لولا أن منّ الله عليهم بالإسلام وبعد البيعة الثانية بعد أن فهم أهل البيعة مدى التكاليف والمشاق التي سيتحملونها, وبعد أن أصبحوا هم بأنفسهم من أصحاب هذه الدعوة لذلك هان عليهم كل غال ونفيس لأنهم يعلمون أنها تجارة مع ربهم فهم منه- يعني النبي rـ وهو منهم, لم يأتهم ضيفا أو لمجرد الحماية فقط, فبعد أن تلا عليهم رسول الله r بنود البيعة ووافقوا على ذلك :
((قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها _ يعني اليهود _ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟، قال فتبسم رسول الله r ثم قال: "بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم "...ثم استطرد قائلا: لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟، قالوا: نعم، قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا سلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة, وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على هلكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟، قال: الجنة، قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه)).[62] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn62).
وفي رواية جابر قال: فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة ـ وهو أصغر السبعين ـ فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها.
والحقيقة كما ذكر فإن هذه الدعوة لن يقبلها سوى أصحابها الذين لا يرون نصب أعينهم سوى عقيدتهم ومصلحة دينهم وبالفعل لقد حارب الأنصار y الأسود والأحمر من الناس من مشركي العرب والمرتدين والفرس والروم ولقد أنهكت أموالهم وقتل أشرافهم وهم أيضا بأنفسهم الذين اشتروا من الله الجنة بما دفعوه .. ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.
ونستخلص مما ذكرنا دروسا هامة أثناء المسير منها:
1- تعريف أهل الإيمان بطبيعة طريقهم, فانظروا أيها الأخوة إلى أي حد كان أجدادكم الأُول يعلمون مدى مشقة هذا الطريق من خلال الروايات المتعددة المذكورة.
2- تشابه طبيعة طريق غرباء آخر الزمان مع مسلك النبي r وصحابته أهل الغربة الأولى.
3- دور العقيدة كحصن للفرد والجماعة وأهمية فهمها والعمل بها.
4- أهمية الجانب الدعوي في المجتمع المحيط بالمجاهدين وأن أولى الناس بدعوتهم هم إخوانهم المسلمون الأقربين والمجاورين لهم والمتفاعلون معهم في قضاياهم خاصة من يجهل منهم أصول هذا الدين أو جوانب العقيدة.
5- بيان أهمية إيجاد الأرض الصلبة التي تلزمهم للانطلاق لنشر دعوتهم والأسس والمبادئ التي تحكم أسلوب تعاملهم مع المجتمع المحيط بهم, وبيان أهمية التفاعل بالمجتمع المحيط وضرورة تأثير أهل الإيمان فيه أخذا وعطاء لأن تلك المجتمعات ليست فقط منبع من منابع الثروات الهامة سواء بشريا أو اقتصاديا بل الأهم من ذلك كله تربية الجيل الذي يحمل إرث الغرباء, المنافح عن هذا الدين حتى يصبغ بنفس الصبغة الشرعية التي تكفي لنقول لهم مثل ما قال النبي r للأنصار ".... أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم",... وحينها لا نبالي إن بقينا أو فنينا أو رحلنا, فإن خلفنا من سيحمل عبء هذه الدعوة لا يقيل ولا يستقيل, ولا يمل, بل سيتحمل البلاء راضيا محتسبا فرحا باختيار الله له بحمل عبء ومشاق أثمن أمانة في هذا الوجود أمانة لا إله إلا الله.
*************
الفصل الخامس
البشرى والجزاء الذي أعده الله لأهل الإيمان الغرباء
إن الشرف الأكبر والوسام الذي لا يقارن بغيره لهؤلاء الغرباء في الدنيا هو شرف اختيار الله لهم لحمل أمانة لا إله إلا الله, أما ما ادخره الله لهم عنده من أجر في الآخرة فنذكر طرفا منه:
أولا : بشرى الله لهم بالجنة والغبطة والسرور:
قال النووي في قَوْله r: (بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَهُوَ يَأْرِز بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِز الْحَيَّة فِي جُحْرهَا)
قال:" وَأَمَّا مَعْنَى ( طُوبَى ) فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْن مَآب} فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ فَرَح وَقُرَّة عَيْن. وَقَالَ عِكْرِمَة : نِعْمَ مَا لَهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاك: غِبْطَة لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: حُسْنَى لَهُمْ. وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا مَعْنَاهُ أَصَابُوا خَيْرًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: خَيْر لَهُمْ وَكَرَامَة: وَقَالَ اِبْن عَجْلَان: دَوَام الْخَيْر. وَقِيلَ: الْجَنَّة. وَقِيلَ: شَجَرَة فِي الْجَنَّة. وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُحْتَمَلَة فِي الْحَدِيث. وَاَللَّه أَعْلَم))[63] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn63)
ذكر الإمام أحمد في مسنده: ((عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:((كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ rوَطَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ يَأْتِي اللَّهَ قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ كَنُورِ الشَّمْسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَحْنُ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكُمْ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَلَكِنَّهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَقَالَ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ فَقِيلَ مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ صَالِحُونَ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)).[64] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn64)
قال الهروي أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله))[65] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn65)
ثانيا: قربهم من النبي rومحبته لهم:
قال بن حجر في الفتح:(( وَرَوَى أَحْمَد وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي جُمْعَة قَالَ : " قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يَا رَسُول اللَّه ، أَأَحَد خَيْر مِنَّا ؟ أَسْلَمْنَا مَعَك ، وَجَاهَدْنَا مَعَك . قَالَ : قَوْم يَكُونُونَ مِنْ بَعْدكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي " وَإِسْنَاده حَسَن وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِم . وَاحْتَجَّ بِأَنَّ السَّبَب فِي كَوْن الْقَرْن الْأَوَّل خَيْر الْقُرُون أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاء فِي إِيمَانهمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّار حِينَئِذٍ وَصَبْرهمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكهمْ بِدِينِهِمْ ، قَالَ : فَكَذَلِكَ أَوَاخِرهمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّين وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَة حِين ظُهُور الْمَعَاصِي وَالْفِتَن كَانُوا أَيْضًا عِنْد ذَلِكَ غُرَبَاء ، وَزَكَتْ أَعْمَالهمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان كَمَا زَكَتْ أَعْمَال أُولَئِكَ )).[66] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn66)
ثالثا: إكرام الله لهم بالرؤيا الصالحة:
قال بن حجر:َ ((قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : مَعْنَى كَوْن رُؤْيَا الْمُؤْمِن فِي آخِر الزَّمَان لَا تَكَاد تَكْذِب أَنَّهَا تَقَع غَالِبًا عَلَى الْوَجْه الَّذِي لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير فَلَا يَدْخُلهَا الْكَذِب ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا قَدْ يَخْفَى تَأْوِيلهَا فَيَعْبُرهَا الْعَابِر فَلَا تَقَع كَمَا قَالَ فَيَصْدُق دُخُول الْكَذِب فِيهَا بِهَذَا الِاعْتِبَار ، قَالَ : وَالْحِكْمَة فِي اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِآخِرِ الزَّمَان أَنَّ الْمُؤْمِن فِي ذَلِكَ الْوَقْت يَكُون غَرِيبًا كَمَا فِي الْحَدِيث " بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا " أَخْرَجَهُ مُسْلِم ، فَيَقِلّ أَنِيس الْمُؤْمِن وَمُعِينه فِي ذَلِكَ الْوَقْت فَيُكَرَّم بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَة .))أهـ[67] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn67)
نصيحتي للغرباء:
أود أن أسجل هنا نصيحة للغرباء القادة والمسئولين على كل جبهات الجهاد والدعوة تأصيلا على ما فهمناه من سنة النبي r وإضافة إلى مثله مما أشرنا إليه في داخل الكتاب من عبر ودروس تعلمناها من قائد المجاهدين وسيد المرسلين r وصحابته الغر الميامين y أجمعين:
1- الحذر كل الحذر من أن يستدرجكم أعداؤكم للحوار, فالحوار عندهم غاية وليست وسيلة حتى تذوب أهدافكم وآمال أمتكم.
2- وإياكم وعلاقات الود والتقارب من قِبل بعضكم للطواغيت أو ممثليهم _تحت أي ذريعة_ سواء كان علنا أم في الخفاء ولا تنسوا قول الأنصار للنبيr (إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها) فإنها خطة لإحباط العمل والوقيعة بين الإخوان وتلويث المنهج, فلا اشتراك في ما تسمى حكومات الوحدة الوطنية مع العلمانيين والعملاء وإن تأخر النصر... لسببين, الأول: أنه لا يوجد مبرر شرعي لذلك. والثاني: أن هذه خطة لنقلكم من مرحلة القوة إلى مرحلة الضعف, ومن مرحلة ثقة الناس بكم إلى مرحلة فقدان هذه الثقة... وتكون على العكس من ذلك مع عدوكم فهي فرصة يعبر فيها من مرحلة انهياره لمرحلة استعادة قوته.
3- وأُحذّر من أخطر ما يواجه المجاهدين في جهادهم ألا وهو خطر الخلاف الذي ينشئه ويغذيه الأعداء بإشعال الخلافات والدسائس بينهم وذلك عندما تفشل كل أساليبهم الذاتية ..هذا هو الخطر الحقيقي على المجاهدين في كل ساحات الجهاد, وما حدث في بعض بلاد المسلمين خير مثال على ذلك وحل هذه المشكلة يكمن في استحضار نية إخلاص العمل لله, وضرورة الشفافية والوضوح والتنسيق والتواصل المستمر بين المجاهدين حتى يقطعوا أحبال الشيطان, بالإضافة إلى تفعيل أجهزة استخباراتهم لكشف العناصر المندسة لتفتيت الصف من الداخل .
4- وإياكم أن تُجَروا لما يسمى بالتداول السلمي للسلطة عن طريق الديمقراطية[68] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn68) والانتخابات فالغاية لا تبرر الوسيلة في ديننا بل يجب أن تكون الغاية والوسيلة شرعيتين.
5- وإياكم والملل الذي يجلب فرض سياسة الأمر الواقع _إن كان هذا الواقع مخالفا لدين الله_ مهما طال الوقت ومهما تأخر النصر, فالحق هو ما وافق أصول الشرع والدين وليس ما هو كائن بالقوة على الأرض فإن الجهاد واجب شرعي نقوم بتأديته دون ملل ولو على مستوى الفرد, فبالأمس البعيد كان الفرس والروم, وبالأمس القريب كانت روسيا, والآن نحن في مواجهة اليهود والصليبيين, والجهاد ماض إلى يوم القيامة ولن يتوقف الركب, قال تعالى:
( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (النساء:84).
6- وإياكم أن تغتروا بأنفسكم أو أن ينسب أحدكم الفضل لنفسه مهما علا نجمكم, فإن الفضل كله لله, قال تعالى: { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم:32]
7- وعليكم بالصبر فإنه زاد المجاهد, ولتوقنوا أن العدو وإن اعتدي ليحتل قطعة من أمتنا لكنه لا يستطيع الاحتفاظ بها في مواجهة المجاهدين الذين هم شوكة في حلوق الأعداء, قال تعالى( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146).
8- وإياكم وتحقيق هدف العدو من فصل قضايا أمتكم على أساس قومي أو جغرافي فقضية العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال والجزائر والشيشان وأوزبكستان وتركستان والبوسنة والفلبين والخليج وكل بلاد المسلمين دون تفصيل, كلها قضية واحدة تهم كل مسلم ينتمي لهذا الدين فهوية هذه الأمة هي دين الإسلام, قال تعالى: (إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).
9- وإياكم وعلماء السوء الذين يصبغون حكم هؤلاء الطواغيت بالصبغة الشرعية فيوالونهم وينصرونهم ويحسنون لهم القبيح، ويزوّرون على الناس دينهم، ويكتمون ما أتاهم الله من علم، طلباً للدنيا والرياسة والذين يذللون المصاعب لتسهيل مهمة احتلال اليهود والصليبيين لبلاد المسلمين تحت أي دعوى وأي تأويل, على الرغم من أنه ليس كل تأويل مستساغ, فلقد كفر إبليس بتأويل غير مستساغ فقال"أنا خير منه ", وإياكم والمثبطين الجبناء الذين يبحثون عن المبرر الشرعي للقعود والتخلف في وقت حاصرتهم فيه الأدلة الشرعية وواقع حال المسلمين بما لا يدع مجالا للشك في فرضية الجهاد العيني على كل مسلم, ولا مجال هنا لسرد أدلة كثيرة لا يسعها الوقت, فهناك مؤلف آخر لهذا الموضوع أسأل الله أن يعينني في إعداده وتقديمه قريبا بمشيئة الله .
10- اعلموا أن موالاتكم هي لله ولرسوله وللمؤمنين, وأن عدوكم هو الشيطان وأولياءه في أي صورة من صور الشيطان وكل صور أوليائه سواء كان أولياؤه من اليهود أو النصارى أو الشيوعية أو الرافضة, وآه من الرافضة الذين يتظاهرون بالإسلام _وهم أخطر عليه من اليهود والنصارى_ ثم لا يؤمنون بالكتاب الذي أنزله الله على محمد r ولا يؤمنون بسُنتهr, فيقولون:" عندنا قرءان غير الذي في أيديكم و سُنة أخرى غير الذي نقلها أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وأبو هريرة وباقي الصحابة "فمنكروا القرءان والسنة ومكفروا هؤلاء الصحابة ليسوا مسلمين بل هم كفار عالمهم وجاهلهم إذ لا يسع أي مسلم ينطق بالشهادتين أن يكون هذا معتقده.
والله أسأل أن تعلو راية الحق والدين, وأن ينصر عباده المؤمنين إنه ولي ذلك والقادر عليه, قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ سورة محمد: 7 ، 8 ]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه :
الفقير إلى عفو ربه
عبد المجيد عبد الماجد
شعبان 1428
[1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref1)رواه أبو داود برقم ( 4604 )، والترمذي برقم ( 2663 )، وغيرهم, في حديث طويل عن العرباض بن سارية.
[2] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref2) سورة التوبة: 100
[3] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref3) أخرجه ابن ماجه في الفتن، باب بدأ الإسلام غريبا، حديث رقم: 4034، وأخرج مسلم مثله ج1/130 بلفظ: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ).
[4] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref4) مسند أحمد - حديث رقم (3596)
[5] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref5) المعجم الكبير للطبراني –حديث رقم (1457)
[6] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref6) بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي – شرح الحديث رقم (336)
[7] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref7) تفسير البغوي - (ج 3 / ص 308)
[8] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref8) فتح الباري لابن حجر – شرح الحديث رقم(3377)
[9] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref9) مسند أحمد - 19073
[10] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref10) صحيح مسلم -حديث رقم3544
[11] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref11)صحيح مسلم - رقم225
[12] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref12) تفسير ابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 317)
[13] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref13) شرح النووي على مسلم - شرح حديث رقم (3543)
[14] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref14) التفسير الميسر (ألفه نخبة من العلماء)- (ج 7 / ص 333)
[15] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref15) شرح النووي على مسلم – شرح حديث رقم (209)
[16] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref16) صحيح مسلم - (3542)
[17] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref17) زاد المعاد - (ج 3 / ص 511)
[18] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref18) فتح القدير للشوكاني ( الأحزاب 33)
[19] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref19) في ظلال القرآن.- من تفسير سورة آل عمران
[20] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref20) عمدة التفسير مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر، ج3/214 ـ 215.
[21] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref21) يشير إلى قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء/65]
[22] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref22) تفسير البحر المحيط لابن حيان .
[23] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref23) زاد المعاد (ج 3 _ص 204إلى ص211 )بتصرف.
[24] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref24) زاد المسير لابن الجوزي في تفسير الآية (ولا تبرجن....).
[25] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref25) في ظلال القرآن – في تفسير الآية (2) من سورة المائدة.
[26] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref26) السيرة النبوية لابن كثير - (ج 1 / ص 473)
[27] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref27) (السيرة النبوية لابن كثير - (ج 2 / ص 475)
[28] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref28) الروض الأنف في الكلام على حلف الفضول..وروى قريبا منه البخاري ومسلم والترمذي .
[29] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref29) تفسير النكت والعيون للماوردي في تفسير الآية
[30] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref30) روح المعاني للألوسي – في تفسير الآية 26من سورة الفتح
[31] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref31)أنوار التنزيل للبيضاوي – في تفسير نفس الآية
[32] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref32) جامع البيان، ج2/56،57
[33] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref33) في ظلال القرآن في تفسير الآية.
[34] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref34) كشف الكربة في وصف أهل الغربة ص 11
[35] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref35) في ظلال القرآن – في تفسير الآية
[36] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref36) تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 445)
[37] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref37) فيض القدير للمناوي - (ج 2 / ص 407)
[38] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref38) تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 85)
[39] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref39) صحيح البخاري –حديث رقم 2933
[40] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref40) في ظلال القرآن – تفسير سورة المائدة آية 51
[41] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref41) في ظلال القرآن – آل عمران آية180
[42] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref42) تفسير الطبري، ج3/266.
[43] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref43) تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 402)
[44] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref44) فتح الباري لابن حجر –شرح حديث رقم2262
[45] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref45) السيرة النبوية لابن كثير - (ج 2 / ص 18)
[46] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref46) الرحيق المختوم، ص:109،110.
[47] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref47) راجع قصة المقاطعة ونقض الصحيفة في البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص: 81 ـ 83.
[48] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref48) الاهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما، وسنخه: أي تغير طعمها ولونها من قدمها
[49] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref49) الرحيق المختوم، ص:304.
[50] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref50) ا لمصدر السابق، ص:306
[51] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref51)صحيح البخاري – برقم 3343
[52] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref52) في ظلال القرآن – تفسير آية 214 من سورة البقرة.
[53] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref53) تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 572)
[54] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref54) تفسير روح المعاني للالوسي في تفسير الآية 214 من سورة البقرة.
[55] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref55) رواه الترمذي في سننه– برقم 2320
[56] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref56) صحيح البخاري - (5213)
[57] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref57) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
[58] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref58) جامع البيان للطبري في تفسير هذه الآية.
[59] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref59) في ظلال القرآن – آل عمران 179
[60] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref60) تهذيب سيرة بن هشام ص 66,65 طبعة مؤسسة الرسالة.
[61] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref61)المصدر السابق، ص:97
[62] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref62)سيرة ابن هشام، ج1/446.
[63] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref63) شرح النووي على مسلم – شرح حديث رقم 208
[64] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref64) مسند أحمد – حديث رقم 6775, وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم3188
[65] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref65) الديباج على مسلم لجلال الدين السيوطي - (ج 1 / ص 164
[66] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref66) فتح الباري لابن حجر – شرح حديث رقم 3377
[67] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref67) فتح الباري لابن حجر – رقم 6499
[68] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref68) أنظر كتاب (الديمقراطية في ميزان الإسلام) للمؤلف.
كتاب : منهج الغرباء في مواجهة الجاهليه
تأليف : الشيخ عبدالمجيد عبدالماجد حفظه الله
ماجستير دراسات إسلاميه
http://ArabAlsahel.com/vb//uploaded/2946_01315772050.jpg
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله r، اصطفاه الله نبيا ورسولا لتبليغ دعوته ونصرة دينه، واصطفى معه ثلة من غرباء أول الزمان لمواجهة الباطل وحزبه فأبلوا بلاء حسنا، وكان r قدوة لأصحابه الذين كانوا باتباعهم له قدوة لمن بعدهم.
نعم....هؤلاء هم صحابته الكرام الذين تقرر من أصول الدين فيهم رعاية قدرهم والاقتداء بهديهم والاستنان بسننهم فقد قال رسول الله rفي الحديث الصحيح: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ »[1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1).
فقد أزال الله بهم الجاهلية الأولى، ومكنهم في أرضه فملؤوها عدلا ونورا بعد أن ملئت ظلما وجورا، فاستحقوا مدح ربهم وثناءه وجزاءه فقال تعالى فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).[2] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn2)
فمما تقرر في الشريعة أن السبيل للتمكين لهذا الدين لا يتم إلا بابتلاء الله لعباده المؤمنين لذا فقد كان النبي r يبين دائما لأتباعه أن سنة الله تعالى لم تنته، ويبين وعورة الطريق وغرابة الدين مرة أخرى وغرابة أتباعه الذين سيحملون الأمانة من بعد, وتلك من علامات نبوته r، فيقول r:(بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء)[3] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn3).
وللكلام عن الغرباء ومنهجهم في مواجهة الجاهلية فإننا سنحاول بمشيئة الله تعالى وعونه أن نسلط الضوء عليهم من عدة أوجه في خمسة فصول :
الفصل الأول:
تشابه الغرباء قديما وحديثا وطبيعة عزائمهم ونفوسهم الصادقة.
الفصل الثاني:
طبيعة وأوجه الشبه بين الجاهلية التي يواجهونها في كل عصر.
الفصل الثالث:
تشابه المؤمنين الغرباء في البلاء الذي يواجهونه والتجارب المستفادة أثناء المسير.
الفصل الرابع:
إثبات أن البلاء سنة ربانية ملازمة لأهل الحق الغرباء, وأن البلاء إنما هو دليل صحة على السير في طريق مواجهة الباطل, وضرورة العلم بطبيعة ووعورة الطريق لبناء المجتمع المسلم.
الفصل الخامس:
البشرى والجزاء الذي أعده الله لأهل الإيمان الغرباء.
وسيكون دأبنا دائما الاستفادة من سنة النبي r اتباعا وتنزيلا على واقعنا الذي نعيشه فنسجل النقاط الهامة في كيفية التعاطي مع هذا الواقع تأصيلا على سنته r .
والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
المؤلف
الفصل الأول
معالم طائفة الغرباء المنصورة
قد يتساءل البعض ما هي أهم معالم وصفات الطائفة الغريبة بدينها عن هذه المجتمعات الجاهلية....
1-الغرباء هم النزّاع من القبائل :
يذكر الإمام أحمد في مسنده وفي سنن ابن ماجة: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه r إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ قَالَ النُّزَّاعُ مِنْ الْقَبَائِلِ)).[4] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn4) ....
والنزاع جمع النازع وهو الغريب.
وذكر الطبراني في معجمه: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، قُلْنَا: وَمَا الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ:"قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)).[5] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn5)
قال صاحب معاني الأخبار:
((وقال r: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» ، قيل : وما الغرباء ؟ قال : « النزاع من القبائل » فإذا صار الأمر إلى هذا ، كان المؤمن فيهم كالمؤمن في وقت النبي r، فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق أهله وماله ووطنه ، مؤمن بالله مصدق به وبرسوله ، والله عز وجل مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب ، فقال يؤمنون بالغيب))أهـ.[6] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn6)
2-اشتراكهم في الغربة والتمسك بالدين وهدي السلف الصالح:
قال البغوي: قوله تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ } أي: عصابة،{ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال عطاء عن ابن عباس: يريد أمة محمدr، وهم المهاجرون والتابعون لهم بإحسان. وقال قتادة: بلغنا أن النبي rكان إذا قرأ هذه الآية قال: "هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، ((ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)) وقال معاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله r يقول: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"))أهـ[7] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn7)
وقال ابن حجر في الفتح: ((روى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: " قال أبو عبيدة : يا رسول الله، أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " وإسناده حسن وقد صححه الحاكم . واحتج بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، قال : فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك . ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء)) [8] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn8)
3- طائفة غالبة منصورة من شرطها القتال وعدم الزوال:
فقد وصفهم النبي r بذلك في كثير من الأحاديث الشريفة منها:
مارواه الإمام أحمد: ((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ))[9] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn9)
وروى مسلم:((عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ))[10] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn10)
وأيضا: ((عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ rفَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ))[11] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn11)
وقال ابن أبي حاتم: ((حدثنا شيبان ، عن قتادة : ( قل إن هدى الله هو الهدى) قال : ذكر لنا أن نبي الله rكان يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)).[12] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn12)
(قال ابن أبي حاتم ظاهرين: أي غالبين منتصرين ).
فهذه الأحاديث تدل على أنّ طائفة الغرباء المنصورة التي مدحها رسول الله r من معالمها وصفاتها :
أ- من شرطها القتال في سبيل الله لإظهار الدين بدليل قوله r(يقاتلون) كما في الروايات المذكورة, وفي روايةَ: ( ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ) قال النووي: " أَيْ : عَادَاهُمْ ، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ نَأَى إِلَيْهِمْ وَنَأَوْا إِلَيْهِ ، أَيْ نَهَضُوا لِلْقِتَالِ"اهـ.[13] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn13)
ب- وهي طائفة قائمة لم تنقطع ولن تنقطع أبداً بدليل قوله r (لا تزال طائفة من أمتي...).
ج- وهي قائمة على الحق ومعناه إتباع السلف الصالح، تهتدي بهدي الكتاب والسنة.
د- وهي طائفة غالبة منصورة.
ويتبين لنا هنا أن هذه الطائفة غالبة منصورة وهي طائفة مقاتلة ومهتدية بهدي الكتاب والسنة وغير منقطعة ولا يكفي لأي طائفة أن تدعي أنها الطائفة المنصورة لقيامها بأعمال البر المختلفة دون الالتزام بإقامة فريضة الجهاد والقتال في سبيل الله,..فانتبه لذلك.
4- قوة عزائمهم وصدق نفوسهم ووفائهم بعهدهم :
وفي مقابلة الجاهلية التي ذكرنا طرفا من أرجاسها نجد أهل الإيمان الغرباء الذين لا يألون جهدا في نصرة دينهم والذود عنه صابرين محتسبين موفين بعهدهم مع ربهم:
قال تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا }سورة الأحزاب 23 ((أي من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وما غيَّروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدَّلوه، كما غيَّر المنافقون))أهـ.[14] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn14)
وهم في ذلك يعلمون أنهم غرباء بدينهم وفي مجتمعاتهم وبين أهليهم وأنهم بإذن الله منصورون لا يضرهم من خالفهم ولو تكاثروا عليهم فالنبي r سماهم "غرباء" و "طائفة" وهذا كله يعني القلة, قال النووي : ((قال القاضي : وظاهر الحديث العموم وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ )).[15] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn15)
فما داموا على أمر الله قائمين يدورون مع الكتاب حيث دار فنصرهم على عدوهم سيكون بتوكلهم على ربهم وصدقهم في إيمانهم به سبحانه وثباتهم على أمره لا يضرهم قلة نصير أو نقص في عتاد.
ففي الحديث: ((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ)).[16] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn16)
يقول بن القيم: و((قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } [ التوبة 119 ] . وقد قسم سبحانه الخلق إلى قسمين سعداء وأشقياء فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب وهو تقسيم حاصر مطرد منعكس . فالسعادة دائرة مع الصدق والتصديق, والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب, وأخبر سبحانه وتعالى : أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم . وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم فجميع ما نعاه عليهم أصله الكذب في القول والفعل فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه بل هو لبه وروحه . والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه))أهـ[17] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn17)
وإيمانهم بنصر ربهم أقوى مما يلاقونه من عنت طواغيت الأرض وأرسخ من الجبال وهم يقرؤون في كتاب ربهم : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج/40، 41] ، وهم يعلمون تماما أن الأيام دول وأن ليل الجاهلية لن يبقى طويلا {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، وأن عـِز أجدادهم الذين ملؤوا الأرض عدلا ونورا لهو قادم لا محالة بما بشرنا به نبينا r ولكن سنة الله في خلقه ماضية إلى حيث أراد الله لها وإلى ما شاء الله لها أن تدوم، يملأ ذلك الإيمان قلوبهم ولسان حال شاعرهم يقول:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ...... لنا رغبة أو رهـبـة عظمـاؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا ...... شدائد أيـام قـليـل رضاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه......رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤهـا
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت......علينا الليالي لم يدعنـا حياؤهـا
**********
الفصل الثاني
طبيعة وأوجه الشبه بين الجاهلية التي يواجهونها في كل عصر
يتخيل البعض أن الجاهلية هي الحقبة والتاريخ الذي كان قبل الإسلام فحسب وغاب عن أذهانهم أن خواء القلوب من العقيدة الصحيحة وغياب الشريعة الإلهية التي تحكم المجتمعات الإنسانية إنما هي الجاهلية بعينها بغض النظر عن الزمان والمكان التي تتواجد فيه, فالجاهلية هي الجاهلية.
قال الشوكاني: (( أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس؛ أن عمر بن الخطاب سأله، فقال : أرأيت قول الله لأزواج النبيّ r:{ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى } هل كانت جاهلية غير واحدة، فقال ابن عباس: ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة )) أهـ[18] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn18)
أما عن الجاهلية المعاصرة فخير من يفضح أمرها ويكشف زيفها وضلالها هو الشيخ سيد قطب نسأل الله أن يتقبله في الشهداء.
يقول الشيخ سيد قطب ـ رحمه الله ـ عن الجاهلية المعاصرة:
(( إن خير ما نصف به الجاهلية الأولى ما وصفها به جعفر بن أبي طالب t وهو يحدث نجاشي الحبشة في مواجهة رسولي قريش إليه، يقول جعفر في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف) .....ومن الآثار التي تصف لنا الحال الاجتماعي للجاهلية الأولى هو حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي رواه البخاري والتي تصف فيه حال النكاح في الجاهلية على أنه أربعة أنحاء :فعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ rأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ.....-إلى أن قالت- فَلَمَّا بُعِثَ محمد r بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْم))..... ثم يستطرد رحمه الله فيقول(( إن الجاهلية هي الجاهلية ولكل جاهلية أرجاسها وأدناسها لا يهم موقعها في الزمان والمكان، فحيثما خلت قلوب الناس من عقيدة إلهية تحكم تصوراتهم ومن شريعة ـ منبثقة من هذه العقيدة ـ تحكم حياتهم فلن تكون إلا الجاهلية في صورة من صورها الكثيرة، والجاهلية التي تتمرغ البشرية اليوم في وحلها لا تختلف في طبيعتها عن تلك الجاهلية العربية أو غيرها من الجاهليات التي عاصرتها في أنحاء الأرض، حتى أنقذها منها الإسلام وطهرها وزكاها، إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير!، ونظرة إلى صحافتها وأفلامها ومعارض أزيائها ومسابقات جمالها ومراقصها وحاناتها وإذاعاتها ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري والأوضاع المثيرة والإيحاءات المريضة في الأدب والفن وأجهزة الإعلام كلها، إلى جانب نظامها الربوي وما يكن وراءه من سعار للمال ووسائل خسيسة لجمعه وتثميره وعمليات نصب واحتيال وابتزاز تلبس ثوب القانون وإلى جانب التدهور الخلقي والانحلال الاجتماعي الذي أصبح يهدد كل نفس وكل بيت وكل نظام وكل تجمع إنساني، نظرة إلى هذا كله تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية. اهـ[19] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn19)
بيان القرءان للجاهلية :
وقد بين لنا القرآن الكريم أن الجاهلية تقوم على أربعة أسس وهي:
حكم الجاهلية, وظن الجاهلية, وتبرج الجاهلية, وحمية الجاهلية .
1- حكم الجاهلية:
هو المتمثل في القوانين الوضعية المفروضة على الناس قسرا من قبل حكامهم، هذه القوانين التي تصادم أحكام الإسلام في الأصول والفروع، وقد صورها الشيخ أحمد شاكر الله أبين تصوير حيث قال عنها:
" فانظروا أيها المسلمون، في جميع البلاد الإسلامية أو البلاد التي تنتسب للإسلام في أقطار الأرض إلى ما صنع بكم أعداؤكم المبشرون والمستعمرون، إذ ضربوا على المسلمين قوانين ضالة مدمرة للأخلاق والآداب والأديان قوانين إفرنجية وثنية، لم تـُبْن على شريعة ولا دين، بل بنيت على قواعد وضعها رجل كافر وثني أبى أن يؤمن برسول عصره عيسى عليه السلام وأصرّ على وثنيته، إلى ما كان من فسقه وفجوره وتهتكه! ... إلى أن قال: هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافر هي في حقيقتها دين آخر جعلوه دينا للمسلمين بدلا من دينهم النقي السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها، حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثير من كلمات تقديس القانون وقدسية القضاء مثل: حرم المحكمة، وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين، بل هم حينئذ يصفونها(أي الشريعة الإسلامية) بكلمات الرجعية والجمود والكهنوت وشريعة الغاب، إلى أمثال ما ترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية، التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين! ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين (التي شرعها البشر من دون الله) ودراساتها كلمة الفقه والفقيه والتشريع والمشرّع وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها، وينحدرون فيتجرءون على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفترى الجديد .....إلى أن قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها، سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئا من أحكام الشريعة وما خالفها، وكله باطل وخروج، لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة لا إتباعا لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله، فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمئة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار لا يجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به". اهـ[20] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn20)
يقول ابن القيم في نونيته :
قـد أقسم الله العظيم بنفسـه......قسما يبيـن حقيقة الإيمـانِ
أن ليس يؤمن من يكون محكما ......غير الرسول الواضح البرهانِ
بل ليس يؤمن غير من قد حكم..... الوحيين حسب فذاك ذو إيمانِ
هـذا ومـا ذلك المحكِّم مؤمنا......إن كان ذا حرجٍ وضيق بطانِ
هـذا وليس بمؤمنٍ حتى يسلم .....للذي يقـضي بـه الوحيانِ [21] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn21)
2- ظن الجاهلية:
قال أبو حيان محمد بن حيان في تفسير قوله تعالى(( يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة)) ومعنى (ظن الجاهلية عند الجمهور ) : المدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام ، كما قال : { حمية الجاهلية } { ولا تبرجن تبرج الجاهلية } وكما تقول: شعر الجاهلية . قال مقاتل: ظنوا أن أمره مضمحل. وقال الزجاج: إن مدّته قد انقضت. وقال الضحاك عن ابن عباس: ظنوا أن محمداً r قد قتل. وقيل: ظن الجاهلية إبطال النبوّات والشرائع. وقيل: يأسهم من نصر الله وشكهم في سابق وعده بالنصرة. وقيل: يظنون أن الحق ما عليه الكفار، فلذلك نصروا. وقيل: كذّبوا بالقدر. انتهى[22] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn22)
يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في معنى[ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ ]: إنه تداركهم سبحانه برحمته وخفف عنهم ذلك الغم وغيبه عنهم بالنعاس الذي أنزله عليهم أمنا منه ورحمة والنعاس في الحرب علامة النصرة والأمن كما أنزله عليهم يوم بدر وأخبر أن من لم يصبه ذلك النعاس فهو ممن أهمته نفسه لا دينه ولا نبيه ولا أصحابه وأنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه للقتل وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره ولا حكمة له فيه ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون به سبحانه وتعالى في ( سورة الفتح حيث يقول { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } [ الفتح 6 ] وإنما كان هذا ظن السوء وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل وظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيب وسوء بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهية وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم ولجنده بأنهم هم الغالبون فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم وأنه لا ينصر دينه وكتابه وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالا لا يقوم بعده أبدا فقد ظن بالله ظن السوء ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك, وتأبى أن يذل حزبه وجنده وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به, فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله, وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم, ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته وعرف موجب حمده وحكمته, فمن قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء, ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء,.. ومن ظن أن له ولدا أو شريكا أو أن أحدا يشفع عنده بدون إذنه أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ويتوسلون بهم إليه ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه ويخافونهم ويرجونهم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه,.. ومن ظن به أنه يسلط على رسوله محمد r أعداءه تسليطا مستقرا دائما في حياته وفي مماته وابتلاه بهم لا يفارقونه فلما مات استبدوا بالأمر دون وصية وظلموا أهل بيته وسلبوهم حقهم وأذلوهم وكانت العزة والغلبة والقهر لأعدائه وأعدائهم دائما من غير جرم ولا ذنب لأوليائه وأهل الحق وهو يرى قهرهم لهم وغصبهم إياهم حقهم وتبديلهم دين نبيهم وهو يقدر على نصرة أوليائه وحزبه وجنده ولا ينصرهم ولا يديلهم بل يديل أعداءهم عليهم أبدا أو أنه لا يقدر على ذلك بل حصل هذا بغير قدرته ولا مشيئته ثم جعل المبدلين لدينه مضاجعيه في حفرته تسلم أمته عليه وعليهم كل وقت كما تظنه الرافضة فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه, سواء قالوا: إنه قادر على أن ينصرهم ويجعل لهم الدولة والظفر أو أنه غير قادر على ذلك فهم قادحون في قدرته أو في حكمته وحمده وذلك من ظن السوء به, ولا ريب أن الرب الذي فعل هذا بغيض إلى من ظن به وكان الواجب أن يفعل خلاف ذلك لكن رفوا هذا الظن الفاسد بخرق أعظم منه واستجاروا من الرمضاء بالنار فقالوا: لم يكن هذا بمشيئة الله ولا له قدرة على دفعه ونصر أوليائه فإنه لا يقدر على أفعال عباده ولا هي داخلة تحت قدرته فظنوا به ظن إخوانهم المجوس والثنوية بربهم وكل مبطل وكافر ومبتدع مقهور مستذل فهو يظن بربه هذا الظن)انتهى.[23] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn23)
3- تبرج الجاهلية:
فهو مثال للنظام الاجتماعي الفاسد والمستنقع الآسن الذي يعيش فيه أهل الجاهلية.
قال بن الجوزي: (( في صفة تبرُّج الجاهلية الأولى ستة أقوال:
أحدها: أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال, فهو التبرج، قاله مجاهد.
والثاني: أنها مِشية فيها تكسُّر وتغنُّج ، قاله قتادة.
والثالث: أنه التبختر ، قاله ابن أبي نجيح.
والرابع: أن المرأة منهن كانت تتخذ الدِّرع من اللؤلؤ فتَلْبَسُه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره، وذلك في زمن إِبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي.
والخامس: أنها كانت تُلقي الخِمار عن رأسها ولا تشُدُّه ، فيُرى قُرْطها وقلائدها ، قاله مقاتل.
والسادس: أنها كانت تَلْبَس الثياب تبلغ المال ، لا تواري جَسدها ، حكاه الفراء ))أهـ .[24] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn24)
ولا نرى ما قاله التابعين في ذلك إلا غيضا من فيض ما نراه اليوم في الطرقات والأسواق والمحال والمتاجر أو في وسائل النقل والإعلام مسموعة كانت أم مرئية, بل ومقننة بقوانين تشجع على تلك الفواحش والرذائل, فضلا عن محاربة العفيفات الطاهرات والسخرية والاستهزاء بحجابهن ووصفه بأوصاف التخلف والرجعية وعلى النقيض يصفون الكاسيات العاريات بأوصاف التقدم والرقي, ولله در من قال:
إذا كان ترك الدين يعني تقدما......فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي
4- حمية الجاهلية:
فهي تلك العقيدة القومية التي تسود العالم اليوم والتي تقوم عليها مظاهر الولاء والبراء، والتي تقسم الناس على أساس المواطنة والعرق لا على أساس الديانة، والتي تقوم على أساسها الحروب وتسفك الدماء، والتي يحاول العلمانيون والقوميون تصويرها على أنها الأساس المتين الذي يحفظ كيان الدول والشعوب.
قال الشيخ سيد في الظلال: ((كانت حمية الجاهلية، ونعرة العصبية. كان التعاون على الإثم والعدوان أقرب وأرجح من التعاون على البر والتقوى؛ وكان الحلف على النصرة، في الباطل قبل الحق. وندر أن قام في الجاهلية حلف للحق,. وذلك طبيعي في بيئة لا ترتبط بالله, ولا تستمد تقاليدها ولا أخلاقها من منهج الله وميزان الله . . يمثل ذلك كله ذلك المبدأ الجاهلي المشهور : « انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » .. وهو المبدأ الذي يعبر عنه الشاعر الجاهلي في صورة أخرى ، وهو يقول:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت، وإن ترشد غزية أرشد!)) أهـ[25] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn25)
وهذه بلية أصابت الكثير من الناس في تلك المسألة حيث المحبة والبغض والولاء والبراء في القومية أو القبيلة أو اللغة, بل وحاولوا جعلها ميزانا للولاء والبراء وحاولوا إقامة مجتمعات بل وأمم على هذا الأساس كالأمة العربية مثلا, فحاولوا جمع المسلم والمرتد والكافر يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو لا دينيا أو حتى عباد الشيطان والأوثان في خليط واحد وتحت راية واحدة جاهلية ليس لله أو لعقيدة الإسلام فيها نصيب, ويجدر بنا أن نعرج على سنة المصطفىr لنتبين كيف واجه النبي r هذه البلية:
لقد كان رسول اللهr واضحا جليا في هذه المسألة فهناك أمور محسومة لا تقبل التمييع أو التجزئة وهكذا كان أتباعه غرباء أول الزمان وهكذا ينبغي أن يكون آخرهم فلا ولاء ولا براء إلا على أسس شرعية متينة, يذكر بن كثير فرقا منها في سيرته: (( مشى رجال من أشراف قريش إلى أبى طالب: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان صخربن حرب, وأبو البخترى العاص بن هشام، والأسود بن المطلب, وأبو جهل عمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة, ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، والعاص بن وائل,..قال ابن إسحاق: أو من مشى منهم فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه))أهـ[26] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn26)
هكذا كان رسول الله r مع الجاهلية وأهلها يكشفهم ويتبرأ منهم ولو كانوا من قريش, وهكذا تعلم منه صحابتهy كما في السيرة:
يذكر بن كثير (( كان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى، قال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك.
قال أبو عزيز: فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله r إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها فيردها على ما يمسها ! قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر ابن الحارث، ولما قال أخوه مصعب لأبي اليسر، وهو الذي أسره ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بى ! فقال له مصعب: إنه أخي دونك......فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها)).أهـ[27] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn27)
وذكر صاحب الروض الأنف: ((وإن كان الإسلام قد رفع ما كان في الجاهلية من قولهم يا لفلان عند التحزب والتعصب وقد سمع رسول الله r يوم المريسيع رجلا يقول يا للمهاجرين وقال آخر يا للأنصار فقال رسول الله r دعوها فإنها منتنة وقال r من ادعى بدعوى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ونادى رجل النابعة الجعدي بعصبة له فضربه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - خمسين جلدة وذلك أن الله عز وجل جعل المؤمنين إخوة ولا يقال إلا كما قال عمر رضي الله عنه يا لله ويا للمسلمين لأنهم كلهم حزب واحد وإخوة في الدين ِ))أهـ[28] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn28)
قال الماوردي رحمه الله: ((قوله عز وجل: { إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } يعني قريشاً. وفي حمية الجاهلية قولان:
أحدهما: العصبية لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، والأنفة من أن يعبدوا غيرها، قاله ابن بحر.
الثاني: أنفتهم من الإقرار له بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم على عادته في الفاتحة ، ومنعهم له من دخول مكة ، قاله الزهري.
ويحتمل ثالثاً: هو الاقتداء بآبائهم،وألا يخالفوا لهم عادة،ولا يلتزموا لغيرهم طاعة كما أخبر الله عنهم { إِنَّا وَجَدْنَا أَبَاءنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }))أهـ[29] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn29).
قال الألوسي رحمه الله:
(( {حَمِيَّةَ الجاهلية }يقال: حميت عن كذا حمية إذا أنفت منه وداخلك عار منه .....وقال الراغب: أي حمية الملة الجاهلية أو الحمية الناشئة من الجاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها[30] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn30)
وقال البيضاوي:
{ فِى قُلُوبِهِمُ الحمية } الأنفة.{ حَمِيَّةَ الجاهلية } التي تمنع إذعان الحق .[31] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn31)
*******************
الفصل الثالث
تشابه المؤمنين الغرباء في البلاء الذي يواجهونه, والتجارب المستفادة أثناء المسير
أما طريق أهل الإيمان وأصحاب هذه الدعوة فهو شائك وهم يعلمون مشقته, والعلم الإيماني والنظري شئ ومعايشته شئ آخر, لقد تفنن أهل الجاهلية من طواغيت كل عصر في صب أنواع شتى من البلاء, بل كل أنواع البلاء على هذه الفئة الغريبة المؤمنة بين أهل الجاهلية، المعروفة عند أهل الحق في الأرض والسماء، القليلة بعددها، الكثيرة بنصرة ربها، الضعيفة بإمكانات البشر، القوية بإيمانها بربها وبقوته سبحانه وبنصره وبما وعدهم، الفقيرة بما عند الناس، الغنية بعزتها بعقيدتها، المقهورة في نظر أهل الدنيا وبحساباتهم، الشامخة المتعالية بدينها الشامخ الحق على أدناس وأرجاس الجاهلية.
- فهم يعلمون أنهم وأهليهم وأولادهم سيواجهون جوعا وخوفا وفقرا وسجنا وتقتيلا، تماما كما لاقى أجدادهم الأول، يعلمون ذلك وهم يقرؤون كتاب ربهم صبح مساء {ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
يقول شيخ المفسرين الإمام بن جرير في تفسير هذه الآية:
((عن ابن عباس قوله ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونحو هذا قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وإنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال: وبشر الصابرين ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} ومعنى قوله {ولنبلونكم} ولنختبرنكم، وقوله {بشئ من الخوف} يعني من الخوف من العدو، وبالجوع وهو القحط يقول: لنختبرنكم بشئ من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار فينقص لها عددكم وموت ذراريكم وأولادكم، وجدوب تحدث فتنقص لها ثماركم، كل ذلك امتحان مني لكم، فنتبين صادقيكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب، كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله r وأصحابه)). اهـ[32] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn32)
ويقول الشيخ سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية:
{ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ...}: ولابد من تربية النفوس بالبلاء، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، لابد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكليف، والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى، فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين، وكلما تألموا في سبيلها وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها ، كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها، إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: “لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ولا صبروا عليه”، وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها مقدرين لها مندفعين إليها، وعندئذ يجئ نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا ، ولابد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى، فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد، والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون والران عن القلوب ، وأهم من هذا كله أو والقاعدة لهذا كله الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها وتتوارى الأوهام وهي شتى ويخلو القلب إلى الله وحده لا يجد سندا إلا سنده وفي هذه اللحظة فقط تتجلى الغشاوات وتتفتح البصيرة وينجلي الأفق على مد البصر لا شئ إلا الله، لا قوة إلا قوته، لا حول إلا حوله، لا إرادة إلا إرادته، لا ملجأ إلا إليه، وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح. اهـ[33] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn33)
معايشة الغرباء في مجتمعاتهم بالعزلة والنفي والتشريد:
نعم هكذا يعيش أهل الإيمان في مجتمعاتهم إما معزولين عنها أو منبوذين منها أو مسجونين فيها أو هاربين من بطش أهل الكفر والردة أو منفيين منها بطردهم خارجها وتجريدهم مما يتيح لهم الانتقال والحركة في أرض الله الواسعة, أو بهجرتهم منها, فهم غرباء عن مجتمعاتهم, ومجتمعاتهم غريبة عنهم, بل ويعيشون هذه الغربة بين أقوامهم وعوائلهم, ولربما لا يقبل الوالد ولده أن يجاوره في بيت واحد.
قال أبو الفرج ابن رجب الحنبلي:
(( وفي مسند الإمام أحمد " عن عبادة بن الصامت أنه قال لرجلٍ من أصحابه : يُوشك إن طالت بك الحياة أن ترى الرجل قد قرأ القرآن على لسان محمد rفأعاده وأبدأه وأحل حلاله وحرم حرامه ونزل عند منازله لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت ", ومثله قول ابن مسعود : يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأمة .وإنما ذل المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات ، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم ومقصوده لمقصودهم ومباينته لما هم عليه )).[34] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn34)
فأنى لهم الاندماج في مجتمعات جاهلية, خليط متنافر غير قابل للاندماج, لا يقبل أحدهما الآخر, الإيمان و الطهر والعلياء, والجاهلية بكل أرجاسها وأدناسها وانحطاطها.
يقول صاحب الظلال رحمه الله في قوله تعالى{ وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون }:
((..يا عجباً! أو من يتطهر يخرج من القرية إخراجاً، ليبقى فيها الملوثون المدنسون؟! ولكن لماذا العجب؟ وماذا تصنع الجاهلية الحديثة؟ أليست تطارد الذين يتطهرون، فلا ينغمسون في الوحل الذي تنغمس فيه مجتمعات الجاهلية - وتسميه تقدمية وتحطيماً للأغلال عن المرأة وغير المرأة - أليست تطاردهم في أرزاقهم وأنفسهم وأموالهم وأفكارهم وتصوراتهم كذلك؛ ولا تطيق أن تراهم يتطهرون؛ لأنها لا تتسع ولا ترحب إلا بالملوثين الدنسين القذرين؟! إنه منطق الجاهلية في كل حين!![35] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn35)
قال بن كثير:((وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } قال قتادة، عابوهم بغير عيب)).[36] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn36)
يقول المناوي: ((..(إن الإسلام بدأ) يقال بدا الشئ يبدو أي ظهر (غريبا) أي في قلة من الناس ثم انتشر (وسيعود) أي وسيلحقه النقص والخلل حتى لا يبقى إلا في قلة (كما بدأ غريبا) هكذا ثبتت هذه اللفظة في رواية، ثم المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من أشياع الرسول ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد ونفوهم عن عقر الديار, يصبح أحدهم معتزلا مهجورا ويبيت منبوذا كالغرباء, ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد, ويحتمل أن المماثلة بين الحالة الأولى والأخيرة قلة من كانوا يتدينون به في الأول وقلة من يعملون به في الآخر, ثم إنه أكد ذلك بقوله كما بدأ, ولم يكتف بقوله وسيعود غريبا لما في الموصول من ملاحظة التهويل, وأراد بالإسلام أهله لدلالة ذكر الغرباء بعده ، ذكره جمع ، وقال الطيبي إما أن يستعار الإسلام للمسلمين فالغربة هي القرينة فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين, وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة فالكلام فيه تشبيه, والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلته ، فعليه غريبا إما حال أي بدأ الإسلام مشابها للغريب أو مفعولا مطلقا أي ظهر ظهور الغريب حين بدأ فريدا وحيدا ثم أتم الله نوره فأنبت في الآفاق فبلغ مشارق الأرض ومغاربها ثم يعود في آخر الأمر فريدا وحيدا شريدا إلى طيبة (فطوبى) فعلى من الطيب أي فرحة وقرة عين أو سرور وغبطة أو الجنة أو شجرة في الجنة (للغرباء) أي المسلمين المتمسكين بحبله المتشبثين بذيله الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره ، وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين الإسلام ذكره ابن الأثير وزاد الترمذي بعد الغرباء (الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي) وفي خبر آخر قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل أي الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم.[37] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn37)
تربص الكفار من اليهود والنصارى بهم:
يحدثنا التاريخ القديم والحديث عن مكائد اليهود والنصارى للإسلام وأهله، فقد كان اليهود والنصارى حانقون على النبي r ويصدون عن دعوته : قال بن كثير في قوله تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)).هذا تعنيف من الله تعالى لكَفَرة أهل الكتاب، على عنادهم للحق، وكفرهم بآيات الله، وصَدِّهم عن سبيله مَنْ أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله تعالى))أهـ[38] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn38)
وكم تربصوا بهم، فحاولوا قتل النبي r ووضعوا له السم في الشاة ليقتلوه.
ففي الحديث الصحيح: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ rشَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rاجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه ِrإ ِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ rمَنْ أَبُوكُمْ قَالُوا أَبُونَا فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rكَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ فَقَالُوا صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فَقَالَ هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ rمَنْ أَهْلُ النَّارِ فَقَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ rاخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ)).[39] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn39)
نعم نقول ذلك ونبين للذين صورت لهم وسائل الدعاية اليهودية الصليبية والطاغوتية المختلفة أنه من الممكن أن نلتقي مع اليهود والصليبيين في منتصف الطريق فنأمن جانبهم أو أن نعقد معهم عهدا أو صلحا على حساب مقدساتنا وهم الذين أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل ، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد، كما نبذوها مع النبي r بل هم الذين شنوا حملاتهم الصليبية ضد بلاد المسلمين عبر التاريخ واحتلوا بلادنا ومقدساتنا وحسنوا دين الكفار على دين الإسلام فكيف بحكومات بلاد المسلمين المرتدة التي اتخذتهم أولياء وأقامت علاقات طبيعية معهم بل وأبرمت اتفاقيات تحالف معهم فسموا أي اليهود والنصارى بالحليف الأكبر مرة والحليف الاستراتيجي مرة أخرى فلم يكن من بد للغرباء إلا مواجهة كل هؤلاء الأعداء الذين وضعوا أنفسهم في خندق واحد.
قال صاحب الظلال: ((فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين: { هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً }. وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألّبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة، وكانوا لهم درعاً وردءاً. وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس، وهم الذين شردوا العرب المسلمين في فلسطين ، وأحلوا اليهود محلهم، متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية! وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان..في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر، ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية....ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر....إن هؤلاء لا يقرؤون القرآن, وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام؛ فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن ....إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم، لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها ، ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض؛ تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم, كما وقفت له بالأمس...! وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني ، لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . . ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين }....هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . . موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة: {الذين آمنوا}....ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ، أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينة وبعض أهل الكتاب - وبخاصة اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف ، وعلاقات اقتصاد وتعامل ، وعلاقات جيرة وصحبة .......ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته ، لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة. ولينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة, المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية, فهذه صفة المسلم دائما, ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل.....{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين }.
بعضهم أولياء بعض . . إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضاً في حرب محمد r والجماعة المسلمة في المدينة. وولي بعضهم بعضاً في كل فجاج الأرض ، على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة؛ ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم، في صيغة الوصف الدائم، لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل!..ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم, والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم ، يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف « الإسلام » وينضم إلى الصف الآخر, وكان ظالماً لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه. ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم :{ إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .... فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه ، وتبقى له عضويته في الصف المسلم، الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق.. (ثم يستطرد رحمه الله)..إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله والتسامح يكون في المعاملات الشخصية لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا ولو طفيفا)).[40] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn40)
وعندما بدأت الصحوة الإسلامية في الظهور أثناء القرن الماضي وقفوا ضدها بكل ما يملكون فأعانوا الحكام المرتدين لبلاد المسلمين ودعموهم ماليا وعسكريا وسياسيا ضد أهل الإيمان حتى لا يبقى من يقف ضد مخططاتهم وأطماعهم في بلاد المسلمين, وابتزوا كل مقدرات الأمة من خيرات وموارد طبيعية بمعونة وكلائهم في بلادنا،..كما شملت حربهم على الأمة الإسلامية الجانب العقدي الفكري لإبعاد المسلمين عن دينهم فها هو البرنامج الأمريكي الصليبي بداية هذا القرن, حول الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد تطورا عن الكبير, وتعديهم على عقائد المسلمين بمحاولة تغيير مناهجهم التعليمية والدينية ليخرجوا نشئا مسخا, وغيرها من برامج حرب الأفكار .. وما هي في الواقع إلا تطبيقا مكررا واستمرارا للحروب الصليبية التي ما فتئت تخمد نيرانها بالأمس القريب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وقد نبأنا الله تعالى في قرآنه بحدوث هذا البلاء فقال تعالى:((لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ))آل عمران 186.يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:(( إنها سنة العقائد والدعوات, لابد من بلاء ولابد من أذى في الأموال والأنفس ولابد من صبر ومقاومة واعتزام، إنه الطريق إلى الجنة، وقد حفت الجنة بالمكاره بينما حفت النار بالشهوات، ولقد حفلت السورة بصور من مكايد أهل الكتاب والمشركين، وصور من دعاياتهم للبلبلة والتشكيك أحيانا في أصول الدعوة وحقيقتها وأحيانا في أصحابها وقيادتها وهذه الصور تتجدد مع الزمان وتتنوع بابتداع وسائل الدعاية الجديدة)).[41] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn41)
وذكر الإمام الطبري رحمه الله هذا المعنى فقال: (( يعني بذلك تعالى ذكره {لتبلون في أموالكم} لتختبرن بالمصائب في أموالكم وأنفسكم، يعني بهلاك الأقرباء والعشائر من أهل نصرتكم وملئكم، {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني من اليهود قولهم {إن الله فقير ونحن أغنياء} وقولهم {يد الله مغلولة} وما أشبه ذلك من افترائهم على الله {ومن الذين أشركوا} يعني النصارى)).[42] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn42)
وعلى ذلك فليس غريبا علينا أن نسمعهم وهم يفترون على الله ورسوله أمثال ما سمعنا ورأينا من افتراءات واستهزاء بالله وآياته ورسوله في بعض دول الكفر من حين إلى آخر, وليعلم أهل الإيمان أن هذا أيضا نوع آخر من أنواع البلاء الذي يواجهونه أثناء مسيرتهم.
والخلاصة نقولها للمتخاذلين المتنازلين الذين ينزلون كل يوم دركة ويحاولون أن يلتقوا مع أعداء الله ورسوله ذلك أن عداوة اليهود والنصارى لأهل الإسلام ليس لها إلا حد واحد واضح بينه الله في قوله تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) سورة البقرة(120)....قال بن كثير في تفسيره:((قال ابن جرير: يعني بقوله (1) جل ثناؤه: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } وليست اليهود -يا محمد -ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق)).[43] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn43)
ولننتقل إلى صورة أخرى من صور البلاء الذي يواجه أهل الإيمان من الغرباء وهي:
محاولة تسليم المجاهدين والدعاة إلى أعدائهم بغرض قتلهم والتنكيل بهم:
و يحدث ذلك اليوم في شتى بقاع الأرض، فكما تعرّض صحابة النبي r بعد هجرتهم إلى الحبشة لتلك الفتنة على يد وفد قريش ـ والذي كان يرأسه آنذاك عمرو بن العاصt قبل إسلامه ـ وقد نجاهم الله من فتنة التسليم هذه لما اقتنع النجاشي بما قاله جعفر بن أبي طالب t, ورد النجاشي على وفد قريش هداياهم ورشاواهم خائبين واعتنق الإسلام خفية وأبى عليهم رد المسلمين, في موقف رائع يذكره له التاريخ بحروف من نور.هذا الموقف الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم لحديث النبيr في صحيح البخاري:((عن بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال ُأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...))..... قال ابن حجر: ((وقوله: " ولا يسلمه " أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه)).[44] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn44)
فلقد قال النجاشي لرئيس وفد قريش الذي جاءه بالهدايا ليسلمهم الصحابة الذين هاجروا للحبشة:(( لا لعمر الله ! لا أردهم حتى أدعوهم فأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري ..... _ وقال للمؤمنين بعد أن سمع مقالتهم في دعوة النبي r وفي مريم وعيسى عليه السلام _ اذهبوا فأنتم آمنون، من سبكم غرم، فوالله ما أخذ الله الرشوة مني حين رد علي ملكي ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه"، ثم رد على الوفد هداياهم ورشوتهم )).[45] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn45)
وإلى يومنا هذا لم نر مثل هذا الموقف النبيل, حيث نرى المجاهدين الآن بين الحين والآخر وهم يُسلّمون من كل بقاع الدنيا إلى أعدائهم قرابين لطواغيت بلادهم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الحصار والمطاردة كشكل من أشكال البلاء:
وهذا الصنف من البلاء ما زال يمارس أيضا على الجماعات المجاهدة، حاليا فالمطاردة في داخل البلاد وخارجها وفي المواصلات والطائرات مستمرة، وعندهم خطة وبرنامج يسمونه "تجفيف المنابع" أي قطع كل طرق وأساليب إمداد أهل الإيمان بما يحتاجونه ظنا منهم أن ذلك سيعطل جهادهم ضد هؤلاء الطواغيت.
ولقد استخدم الأعداء أسلوب الحصار والمطاردة ضد إمارة أفغانستان الإسلامية ومن هاجر إليها من أهل الإيمان الغرباء لما آوتهم وقامت بإنفاذ شريعة الله على أرضها فحوصرت حصارا اقتصاديا, جائرا فمنعوا التجارة بكافة أنواعها عنها حيث منعوا وصول الدواء والغذاء والبضائع الأخرى, كما منعوا وسائل النقل الجوي وأوقفوها منها وإليها, كما فرضوا عليها حصارا سياسيا فمنعوا الدول الأخرى من الاعتراف بها والتعامل معها كدولة وكحكومة, كل ذلك بقرارات من الأمم الملحدة, ولقد رضخت حكومات بلاد المسلمين في كل مكان لقرارات تلك المنظمة لأنها أعضاء فيها تحكمهم قوانينها فالولاء والبراء والإذعان لقرارات تلك المنظمة ليس لله أو لعقيدة الإسلام شيئا فيها, فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ونذكر هنا أيضا أن الحصار والمقاطعة مورسا على النبي rوصحابته الكرام:
يذكر المباركفوري ذلك فيقول: "اجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المحصب فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلموا إليهم رسول الله r للقتل وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق، "أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا النبي r للقتل"...ثم يستدرك في فقرة أخرى فيقول: "واشتد الحصار وقطعت عنهم الميرة والمادة فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع.[46] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn46)
غير أن الفرق بين الحصار القديم والحصار الجديد هو أن المجتمع الجاهلي القديم كان ما زال فيه بعض صفات المروءة فقد قامت مجموعة ممن كانوا على الشرك وعبادة الأوثان وتعاهدوا على فك هذا الحصار الجائر وسعوا في ذلك كما يذكر أهل السير والتاريخ.
يذكر ذلك بن كثير فيقول: (( تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي ورجال سواهم من قريش ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم على نقض ما تعاهدت عليه قريش في هذه الصحيفة من الظلم والبراءة منه، حتى مدحهم أبو طالب في قصيدة مشهورة له)).[47] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn47)
فلم يفعل أهل الجاهلية الحديثة مثل ما فعله أهل الجاهلية القديمة ..!!
أما عن حصار الخندق فيذكر صاحب الرحيق أنه حين حفر الخندق والمشركون في طريقهم لمدينة النبي r قال: (( كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت الأكباد، قال أنس: كان أهل الخندق يؤتون بملء كف من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة([48] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn48))توضع بين يدي القوم, والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن، وقال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله r الجوع فرفعنا عن بطوننا حجرا حجرا، فرفع رسول الله r عن حجرين[49] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn49).
ويستمر المباركفوري رحمه الله فيقول: "ولما أراد المشركون مهاجمة المسلمين واقتحام المدينة وجدوا خندقا عريضا يحول بينهم وبينها فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين.[50] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn50)
ومن هنا نرى أن الحصار على أهل الإيمان ولمن آواهم هو أحد الطرق والأساليب التي اتبعها أعداءهم ضدهم في كل زمان.
********************
الفصل الرابع
البلاء سنة ربانية ملازمة لأهل الحق الغرباء ودليل على صحة المسير في مواجهة الباطل, مع ضرورة العلم بطبيعة الطريق ووعورته
ما زلنا في حديثنا الطويل عن أهل الإيمان الغرباء في مواجهة الجاهلية، أهل الخير والرشاد والصدق والوفاء بعهد الله الأبرار الذين أخلصوا لله دينهم.
-وإذا استعرضنا بعض أحاديث النبي r تبين لنا من خلالها أن البلاء سنة ربانية لأهل الحق من الأنبياء والصالحين على مر العصور والدعوات ودليل على صحة مسيرتهم في مواجهة, الباطل لأن الحق والباطل لا يجتمعان ولا يلتقيان إذ لابد أن يزيح أحدهما الآخر, لا كما يدعي بعض الجهال فيقولون إن البلاء والتمحيص دلالة على الخطأ في التصور ولو كانوا على الجادة ما ابتلاهم الله بمثل هذه الابتلاءات, فيظنون بجهلهم أن الحق مع من يسقيهم السم من علماء السوء الذين عاشوا جنبا إلى جنب في ظل طواغيت يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف بل وعلاقتهم مع هؤلاء الطواغيت تحفها المحبة ويكسوها الود فيغدق عليهم هؤلاء الطواغيت من بقايا فتات موائدهم ويوسعون لهم في المساجد ووسائل الدعاية والإعلام فيلقون الدروس ويطبعون ما شاءوا من كتبهم ويفتحون لهم أبواب الجامعات والمعاهد فيلقون المحاضرات, يعيشون بين يدي الطاغوت في ترف بين القصور الوسيعة والسيارات الفارهة, كل ذلك يدفعون ضريبته من دينهم وعقيدتهم فهم في ذلك إما محسّنين لدين الطاغوت أو محاربين لأهل الإيمان ومنهجهم, وأحسنهم حالا ساكت على الباطل لا يقف في وجهه ولا يعلن عداوته للطاغوت وبراءته منه ولا محبته لأهل الحق وولاءه لهم, فمن كان هذا حاله فليراجع دينه, فما كان هذا حال الصحابة ولا الصالحين من أمة محمد r , فتأمل:
فعن أبي عبد الله خباب بن الأرت t قال:
((شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِr وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.[51] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn51)
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود t قال: كأني أنظر إلى رسول الله r يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله في تفسير قوله تعالى:(( {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}: ".... يتوجه إليهم بأن هذه هي سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة وليكونوا لها أهلا أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة استحقوا نصر الله لأنهم يومئذ أمناء على دين الله".....ثم يستكمل فيقول: " هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، هكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها وإلى سنته سبحانه في تربية عباده المختارين الذي يكل إليهم رايته وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم، وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة، إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه، من الرسول الموصول بالله والمؤمنين الذين آمنوا بالله إن سؤالهم {متى نصر الله} ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة، وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة عندئذ تتم كلمة الله ويجئ النصر من الله {ألا إن نصر الله قريب} إنه مدخر لمن يستحقونه ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية الذين يثبتون على البأساء والضراء الذين يصمدون على الزلزلة، وبهذا يدخل المؤمنون الجنة مستحقين لها جديرين لها بعد الجهاد والامتحان والصبر والثبات والتجرد لله وحده”)). اهـ[52] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn52)
ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لنفس الآية السابقة:(( يقول تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} قبل أن تبتلوا وتختبروا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولهذا قال {لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} وهي الأمراض والسقام والآلام والمصائب والنوائب، قال ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومجاهد وسعيد ابن جبير وغيرهم {البأساء} الفقر، {والضراء} السقم {وزلزلوا} خوفوا من الأعداء زلزالاً شديدا وامتحنوا امتحانا عظيما))..وقال الله تعالى {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}، وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم في يوم الأحزاب كما قال الله تعالى {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} الآيات، ولما سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه؟، قال: نعم، قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟، فقال: سجالا يدال علينا وندال عليه، قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة، وقوله {مثل الذي خلوا من قبلكم} أي سنتهم كما قال تعالى {فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين} وقوله {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة..قال الله تعالى {ألا إن نصر الله قريب} كما قال {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} وكما تكون الشدة ينزل من الفرج مثلها ولهذا قال {ألا إن نصر الله قريب} وفي حديث أبي رزين (عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب)). اهـ[53] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn53)
قال شهاب الدين الألوسي رحمه الله في قوله تعالى : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات » وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال : « قال رسول اللهr إن الله تعالى ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله تعالى من السيآت ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد افتتن )).اهـ[54] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn54)
إن كثيراً من أصحاب الدعوة إلى الله يجهلون طبيعة هذا الطريق ويجهلون طبيعة هذا الدين ووعورة مسالكه ويظنون الابتلاء إنما هو نتيجة أخطاء وحسب ولذلك فهم يعمدون إلى اتخاذ سبل ووسائل أخرى غير مشروعة إما ظنا منهم أنها أفضل من طريق الابتلاء أو لعدم قدرتهم على متابعة المسير مع ضخامة وشدة البلاء فيَضلوا ويُضلوا, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعدما علمنا أن البلاء سنة ملازمة لأهل الحق, ننتقل الآن لنثبت أن البلاء دلالة خير للمجاهدين والدعاة لأن عظم الجزاء مع عظم البلاء.
البلاء دليل على صحة السير في طريق الدعوة إلى الله :
روى الترمذي في الحديث الصحيح:عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)).[55] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn55)
وروى البخاري عن أبي هريرة t قال:: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ)).[56] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn56)
وعن أبي هريرة t قال:((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)).[57] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn57)
ثم انظر إلى ما قاله بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} قال: (( يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان من أصحاب رسول الله r {ولنبلونكم} أيها المؤمنون بالقتل وجهاد أعداء الله {حتى نعلم المجاهدين منكم} يقول يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم وأهل الصبر على قتال أعدائه فيظهر ذلك لهم ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلوا أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب، ونقل عن ابن عباس قوله: {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} وقوله {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} ونحو هذا قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال {وبشر الصابرين} ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} فالبأساء الفقر والضراء السقم وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم)). أهـ[58] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn58)
ومما يدل أيضا على أن البلاء دليل على صحة السير في طريق الدعاة إلى ربهم ما قاله الأستاذ سيد قطب في الظلال تفسيرا لقوله تعالى {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} يقول: (( وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا يصيب إلا من يريد له الله به الخير فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم ولو وقع الابتلاء مترتبا على تصرفات هؤلاء الأولياء فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف وفضل الله على أوليائه المؤمنين...." و "ليس من مقتضى إلوهيته سبحانه وليس من فعل سننه أن يدع الصف المسلم مختلطا غير مميز يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ومظهر الإسلام بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ومن روح الإسلام، وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب)).اهـ[59] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn59)
وحيثما ظهر للقاصي والداني والجاهل والعالم وكل ذي لب أنه لا طريق ولا سبيل لنصرة دين الله ورضوانه إلا هذا الطريق الوعر، طريق الجهاد والابتلاء لأنها سنة الله في أنبيائه وتابعيهم، ونحن نرى الجبناء الذين قننوا وتفننوا في أساليب وسبل صاغوها في قوالب شرعية حتى تكون مستساغة لدى العامة و الجهال حتى يبرروا جبنهم وتخاذلهم ويذكرنا ذلك بقول الشاعر الذي يفضح دواخلهم فيقول:
يرى الجبناء أن الجبن عقل............ وتلك خـديعة الطبع اللئيم
فقاموا يصفون أهل الحق _ الذين يواجهون الجاهلية بكل عددها وعدتها _ مرة بالمتهورين ومرة بالمبتدعة وأخرى بالإرهابيين وآثروا أن يعيشوا في أحضان الطواغيت وتبعيتهم على أن يقفوا في الصف مع أهل الإيمان الذين قاموا وهاجروا لله وجاهدوا في الله وتركوا كل متاع الدنيا إرضاء لربهم، وفضّل أولئك القعود خلف أقلامهم المسمومة وأبواقهم الكاذبة، وآثروا الذل والهوان, حتى أن بعضهم أجاب عندما سأله بعض الشباب المجاهد: لماذا لا تقومون بواجب الجهاد في سبيل الله والكل يرى حرمات الله كلها قد انتهكت بدلا من مسالك ومتاهات الديمقراطية؟، فأجابه: الديمقراطية ....أم عشرون سنة قتال أفضل!!!.
ذل من يغبط الذليل بعيش.............رب عيش أعز منه الحمام
لا بل العمر كله جهاد ولا مقارنة بينه وبين الديمقراطية فقد علمنا رسول الله r الطريق حتى في أشد وأحلك الظروف ضعفاً للمسلمين فقد ذكر ابن هشام:
(( لما اجتمع رؤساء قريش بالنبي r قالوا له: إنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على العرب مثلما أدخلت على قومك، إذ شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقى أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال لهم رسول الله r: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم)).اهـ[60] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn60)
الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها:
إن هذه المقابلة التي حدثت بين النبي r من جانب وصناديد قريش من جانب آخر _ في وقت كانت الدعوة في مهدها والضعف هو السمة الأولى لأهلها مع شدة الغربة وقلة النصير وتبجح الباطل وأهله _ قد رسمت الطريق الصحيح ووضعت الخطوط العريضة لأسلوب الدعوة، والتي لا ينبغي للقائمين عليها أن يتجاوزوها. نوجز أهمها فيما يلي:
أولا- عدم تقديم تنازلات على حساب العقيدة:
أن الداعية مع حرصه على إيصال دعوته ونشرها ورجائه أن يهدي الله به خلقه فإن هذا لا يعني تقديم تنازلات لا قليلة ولا كثيرة لهم،.. حيث يظهر هذا من أول وهلة عندما لبّى النبي r دعوة صناديد قريش بلقائهم ومقابلتهم في البداية, ثم بانتهاء المقابلة دون أن ينالوا شيئاً ولو يسيراً لصالح باطلهم في النهايةً، بل قوبل عرضهم الذي عرضوه على النبي r بالرفض وبكل ثبات وعزيمة منه r, فإما أن يقبلوا ما جاءهم به من الحق ولهم الحسنى وإما أن يردوه عليه مع صبره على أمر الله دون تفريط مع ما سيلاقيه في سبيل ذلك الثبات من عنت ومشقة إذ لا بديل عنده r عن الحق الذي لا يتجزأ ولا تنازل فالموقف واضح وواحد.
ثانياً- بيان الحق وتعرية الباطل لا ينفك أحدهما عن الآخر:
أن الداعية إلى الله يسير في مسارين متلازمين في طريق دعوته:
المسار الأول: بيان الحق من الدعوة إلى التوحيد والتعريف بأحكام الدين وتقوى الله وعبادته وكل ما أقره الشرع وعرفه بأنه " المعروف ".
المسار الثاني: تعرية الباطل وفضحه والتعريف بأساليبه وكيده وقد علم ذلك صناديد قريش عندما ذكروا للنبي r أنه قد شتم الآباء وعاب دينهم وسب آلهتهم وسفه أحلامهم وغير ذلك مما أنكره الشرع و فضحه وبينه على أنه " المنكر ".
وهذه المبادئ لا تجد لها مكانا عند القائمين بالدعوة اليوم.. فكيف تدلّون الناس على طريق الحق وتتركون لهم طريق الضلالة مبهما يغوصون فيه؟! كيف تعلّمون الناس كلاماً نظرياً وتخشون إنزاله على الواقع؟! أو ما علمتم أن الإسلام هو منهج حياة؟! وهم في ذلك ينسون أو يتناسون مدلول آيات الله سبحانه {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، وقوله سبحانه وتعالى {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
إذ أن كثيرا منهم يؤثرون السلامة لأنفسهم فيسيرون في المسار الأول من بيان للحق ويضربون صفحا عن الجانب الآخر وهو بيان الباطل وفضحه، فنجد بعضهم مثلاً يتكلم كثيرا عن عبادة الله تعالى ولا يتكلم عن عبادة غيره سبحانه تلك العبادة الباطلة، ثم إذا تطرق إلى ذلك تكلم في عبادة الأموات والأشجار والأحجار ولم يتكلم عن عبادة الأحياء الذين جعلوا أنفسهم أنداداً لله في ربوبيته وألوهيته وحكمه.
أو إذا تكلم عن الإيمان بالله لم يتكلم عن الكفر بالطاغوت، أو إذا تكلم عن الطاغوت وضرورة مجاهدته فليكن هو نجيب الله حاكم أفغانستان السابق دون مبارك وفهد والأسد وعلاوي والجعفري!!!، مع أن نجيب رغم كفره الواضح كان أقلهم فساداً في الأرض، فلا ندري أي أدلة استدلوا بها على كفر الأخير وضرورة الخروج عليه ومجاهدته لم تتوفر فيمن ذكروا قبله وأشباههم، أو أنهم تجرؤوا فأفتى بعضهم بضرورة خروج اليهود من فلسطين وخروج الأمريكان من العراق وجزيرة العرب ولم يبينوا لنا كيف يكون خروجهم، مع أن الذي أتى بهم وبارك دخولهم ووافق على معاهدات الاستسلام لهم والتي تقتضي الإقرار باحتلالهم مقدسات وأراضي المسلمين هو نفسه الذي يدعون له بالسداد والتوفيق _ويسمونه ولي الأمر, أو خادم الحرمين, أو ما يلقب به هؤلاء الطواغيت ظلما وزورا_ وبمعونة علماء الضلالة الذين أفتوا لهم بما أرادوا لا بما يرضي الله، فلله در عبد الله بن المبارك إذ يقول:
وهل أفسد الدين إلا الملوك........... وأحبار سـوء ورهـبانـها
لقد رتع القـوم في جيـفة........... يبـين لذي اللـب أنتانـها
يقول الأوزاعي رحمه الله: شكت النواويس ـ والنواويس أي مقابر النصارى ـ إلى الله من نتن جثث الكفار فأوحى الله إليها أن بطون علماء السوء أشد نتناً من هذا.
ولو أن أهل العلم صانوه لصانهم.......ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهـان ودنسـوا........ محيّاه بالأطمـاع حتى تجهما
ثالثا- الغاية لا تبرر الوسيلة:
أن الغاية في دين الإسلام لا تبرر الوسيلة فإذا كانت الغاية شريفة فلا بد أن تكون الوسيلة كذلك, فنحن لا نعبد الله بمعصيته فالنبيr لم يوافق كفار قريش على استلام السلطة عندما عرضوها عليه فقالوا: (وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا), بالرغم من أن الدعوة كانت في مهدها والضعف هو السمة الأولى لأهلها, فلو كان أحدٌ مكانه r لقال" إن هذه فرصة أستولي بها على السلطة" أو إن هذا طريق سهل لانتصار دعوتي بدلا من الحرب والدماء كمن اتخذ الديمقراطية سبيلا له أو أنها فرصة للجلوس معهم والتفاوض في هذه المشكلة لإيجاد حلول ترضي الطرفين ...لقد رفض النبي كل هذه الحلول لأسباب كثيرة أهمها:
1. أن هذا الطريق ليس هو الطريق الذي رسمه الله تعالى لقيام هذا الدين ونشر هذه الدعوة.
2. أن هذا الموقف هو البداية لعلاقات ودية تخلط الصف المؤمن بالصف الكافر(أو ما يسمى بتطبيع العلاقات) لإزالة البغضاء من نفوس المؤمنين تجاه الكفار وتلبيس الحق بالباطل ومحاولة تمييع القضايا لالتقائهم في منتصف الطريق, مما يُحدث صداما و تناقضا مع أصول ونصوص شرعية منها قوله تعالى ((لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..))سورة المجادلة...وقوله تعالى(( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ, لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ, وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد, وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ, وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ, لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ))سورة الكافرون...وقوله تعالى(( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا))سورة الفتح,..وكثير من الأدلة التي لا مكان لسردها كلها في هذا المقام.
3. أن الحق كل لا يتجزأ فلو قبلوه كله فقد فازوا, وإلا فلا بديل سوى الصبر وما كان بعدها من إزالة هذه الفتنة بالطريق الشرعي الذي افترضه الله تعالى على عباده المؤمنين في قوله تعالى: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ َ)) سورة الأنفال.
ضرورة العلم بطبيعة ووعورة الطريق لبناء المجتمع المسلم :
لن يستطيع أحد من غير أهل الإيمان الصبر على الجوع والفقر والخوف والقتل والتشريد والحصار ونقص الأموال والأنفس والثمرات إن لم يكن عنده الوازع العقدي الصلب الذي يضحي من أجله بكل شئ, بنفسه, وماله, وولده, وهذه الحقيقة غائبة عن بعض المؤمنين من حملة هذه الأمانة، ولقد ضرب أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد أروع الأمثلة على ثبات المؤمنين الصادقين الذين يعيشون مع إخوانهم آلامهم وآمالهم، إنها العقيدة وليس غيرها تلك التي جعلت هذا الأمير المجاهد يرد على طلب أمريكا وحلفائها بتسليم المجاهدين العرب بقوله: "لن يسلم الشعب الأفغاني إخوانهم العرب ولو قتل كل الأفغان".
إن بلاء الله موجه لهذه الفئة بالذات فإن كانت أملك لأمرها على أرضها فبها ونعمت وإلا فلتجاهد وتصبر حتى يفتح الله عليها، ولا يغتروا بكلام ووعود غيرهم وليعطوا كل شئ حقه في حساباتهم حتى لا يصدموا بأحداث مفجعة بناء على حسابات خاطئة، ولن يقف لهم غيرهم خلف خندقهم ويذود عنهم ليتحمل لهم نتاج إيمانهم بالله أو ليجني لهم الثواب والأجر نيابة عنهم, إنهم هم وليس غيرهم أصحاب العقيدة والهدف الواحد الذين يتحملون المشقة ويربطون على بطونهم حجرا في سبيل هذا الدين وبناء دولة الإسلام وهم أيضا الذين سيجنون ثمار هذه المشقة من ثواب الله تعالى لذا يجب عليهم أن يسعوا قدر طاقتهم لتحقيق هذا الهدف.
فنظرة سريعة على أحداث سيرة المصطفى r يتضح لنا صحة ذلك فقد عرض نفسه r على القبائل في مواسم الحج فأبوا أن يؤمنوا به وخرج r إلى أهل الطائف فأدموا قدميه الشريفتين بالحجارة, وحاربه قومه في دعوته,.. وقد تواجه البعض شبهة فيقول: كيف تربط بين العقيدة والتضحية إلى هذا الحد الذي تعجز معه كل الروابط الأخرى _دون العقيدة _ في أن تكون بديلا عنها في مواجهة عواصف الابتلاءات والمحن وقد كان أبو طالب عم النبي r من أكبر مناصريه وليس على دينهr ؟
والإجابة: أنه نظرا لأن أبا طالب لم يكن على دينه r فقد كانت نصرته له لها وجهة جاهلية قومية وليست إيمانية عقدية, فهو ينصره فقط لأنه ابن أخيه وقد كان لصبره معه حدود، وفي ذلك يذكر المباركفوري فيقول:
((عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد _ أي من وفد قريش له _ فبعث إلى رسول الله r وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأبق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق)).[61] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn61)
وكان على النقيض من ذلك نجاشي الحبشة الذي أسلم مؤخرا ولم يكن من أهله ولا من عشيرتهr بل ولا عربيا وبالرغم من ذلك دفعته عقيدته وإيمانه للتضحية والوقوف في وجه قومه, فلولا أنه اعتنق الإسلام ما صبر على هذا الإيذاء.
وما كان النبي r ليهاجر إلى المدينة ويستمر بقية حياته فيها ويصبر أهلها على البلاء لولا أن منّ الله عليهم بالإسلام وبعد البيعة الثانية بعد أن فهم أهل البيعة مدى التكاليف والمشاق التي سيتحملونها, وبعد أن أصبحوا هم بأنفسهم من أصحاب هذه الدعوة لذلك هان عليهم كل غال ونفيس لأنهم يعلمون أنها تجارة مع ربهم فهم منه- يعني النبي rـ وهو منهم, لم يأتهم ضيفا أو لمجرد الحماية فقط, فبعد أن تلا عليهم رسول الله r بنود البيعة ووافقوا على ذلك :
((قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها _ يعني اليهود _ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟، قال فتبسم رسول الله r ثم قال: "بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم "...ثم استطرد قائلا: لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟، قالوا: نعم، قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا سلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة, وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على هلكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟، قال: الجنة، قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه)).[62] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn62).
وفي رواية جابر قال: فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة ـ وهو أصغر السبعين ـ فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها.
والحقيقة كما ذكر فإن هذه الدعوة لن يقبلها سوى أصحابها الذين لا يرون نصب أعينهم سوى عقيدتهم ومصلحة دينهم وبالفعل لقد حارب الأنصار y الأسود والأحمر من الناس من مشركي العرب والمرتدين والفرس والروم ولقد أنهكت أموالهم وقتل أشرافهم وهم أيضا بأنفسهم الذين اشتروا من الله الجنة بما دفعوه .. ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.
ونستخلص مما ذكرنا دروسا هامة أثناء المسير منها:
1- تعريف أهل الإيمان بطبيعة طريقهم, فانظروا أيها الأخوة إلى أي حد كان أجدادكم الأُول يعلمون مدى مشقة هذا الطريق من خلال الروايات المتعددة المذكورة.
2- تشابه طبيعة طريق غرباء آخر الزمان مع مسلك النبي r وصحابته أهل الغربة الأولى.
3- دور العقيدة كحصن للفرد والجماعة وأهمية فهمها والعمل بها.
4- أهمية الجانب الدعوي في المجتمع المحيط بالمجاهدين وأن أولى الناس بدعوتهم هم إخوانهم المسلمون الأقربين والمجاورين لهم والمتفاعلون معهم في قضاياهم خاصة من يجهل منهم أصول هذا الدين أو جوانب العقيدة.
5- بيان أهمية إيجاد الأرض الصلبة التي تلزمهم للانطلاق لنشر دعوتهم والأسس والمبادئ التي تحكم أسلوب تعاملهم مع المجتمع المحيط بهم, وبيان أهمية التفاعل بالمجتمع المحيط وضرورة تأثير أهل الإيمان فيه أخذا وعطاء لأن تلك المجتمعات ليست فقط منبع من منابع الثروات الهامة سواء بشريا أو اقتصاديا بل الأهم من ذلك كله تربية الجيل الذي يحمل إرث الغرباء, المنافح عن هذا الدين حتى يصبغ بنفس الصبغة الشرعية التي تكفي لنقول لهم مثل ما قال النبي r للأنصار ".... أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم",... وحينها لا نبالي إن بقينا أو فنينا أو رحلنا, فإن خلفنا من سيحمل عبء هذه الدعوة لا يقيل ولا يستقيل, ولا يمل, بل سيتحمل البلاء راضيا محتسبا فرحا باختيار الله له بحمل عبء ومشاق أثمن أمانة في هذا الوجود أمانة لا إله إلا الله.
*************
الفصل الخامس
البشرى والجزاء الذي أعده الله لأهل الإيمان الغرباء
إن الشرف الأكبر والوسام الذي لا يقارن بغيره لهؤلاء الغرباء في الدنيا هو شرف اختيار الله لهم لحمل أمانة لا إله إلا الله, أما ما ادخره الله لهم عنده من أجر في الآخرة فنذكر طرفا منه:
أولا : بشرى الله لهم بالجنة والغبطة والسرور:
قال النووي في قَوْله r: (بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَهُوَ يَأْرِز بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِز الْحَيَّة فِي جُحْرهَا)
قال:" وَأَمَّا مَعْنَى ( طُوبَى ) فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْن مَآب} فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ فَرَح وَقُرَّة عَيْن. وَقَالَ عِكْرِمَة : نِعْمَ مَا لَهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاك: غِبْطَة لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: حُسْنَى لَهُمْ. وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا مَعْنَاهُ أَصَابُوا خَيْرًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: خَيْر لَهُمْ وَكَرَامَة: وَقَالَ اِبْن عَجْلَان: دَوَام الْخَيْر. وَقِيلَ: الْجَنَّة. وَقِيلَ: شَجَرَة فِي الْجَنَّة. وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُحْتَمَلَة فِي الْحَدِيث. وَاَللَّه أَعْلَم))[63] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn63)
ذكر الإمام أحمد في مسنده: ((عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:((كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ rوَطَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ يَأْتِي اللَّهَ قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ كَنُورِ الشَّمْسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَحْنُ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكُمْ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَلَكِنَّهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَقَالَ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ فَقِيلَ مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ صَالِحُونَ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)).[64] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn64)
قال الهروي أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله))[65] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn65)
ثانيا: قربهم من النبي rومحبته لهم:
قال بن حجر في الفتح:(( وَرَوَى أَحْمَد وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي جُمْعَة قَالَ : " قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يَا رَسُول اللَّه ، أَأَحَد خَيْر مِنَّا ؟ أَسْلَمْنَا مَعَك ، وَجَاهَدْنَا مَعَك . قَالَ : قَوْم يَكُونُونَ مِنْ بَعْدكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي " وَإِسْنَاده حَسَن وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِم . وَاحْتَجَّ بِأَنَّ السَّبَب فِي كَوْن الْقَرْن الْأَوَّل خَيْر الْقُرُون أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاء فِي إِيمَانهمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّار حِينَئِذٍ وَصَبْرهمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكهمْ بِدِينِهِمْ ، قَالَ : فَكَذَلِكَ أَوَاخِرهمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّين وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَة حِين ظُهُور الْمَعَاصِي وَالْفِتَن كَانُوا أَيْضًا عِنْد ذَلِكَ غُرَبَاء ، وَزَكَتْ أَعْمَالهمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان كَمَا زَكَتْ أَعْمَال أُولَئِكَ )).[66] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn66)
ثالثا: إكرام الله لهم بالرؤيا الصالحة:
قال بن حجر:َ ((قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : مَعْنَى كَوْن رُؤْيَا الْمُؤْمِن فِي آخِر الزَّمَان لَا تَكَاد تَكْذِب أَنَّهَا تَقَع غَالِبًا عَلَى الْوَجْه الَّذِي لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير فَلَا يَدْخُلهَا الْكَذِب ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا قَدْ يَخْفَى تَأْوِيلهَا فَيَعْبُرهَا الْعَابِر فَلَا تَقَع كَمَا قَالَ فَيَصْدُق دُخُول الْكَذِب فِيهَا بِهَذَا الِاعْتِبَار ، قَالَ : وَالْحِكْمَة فِي اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِآخِرِ الزَّمَان أَنَّ الْمُؤْمِن فِي ذَلِكَ الْوَقْت يَكُون غَرِيبًا كَمَا فِي الْحَدِيث " بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا " أَخْرَجَهُ مُسْلِم ، فَيَقِلّ أَنِيس الْمُؤْمِن وَمُعِينه فِي ذَلِكَ الْوَقْت فَيُكَرَّم بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَة .))أهـ[67] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn67)
نصيحتي للغرباء:
أود أن أسجل هنا نصيحة للغرباء القادة والمسئولين على كل جبهات الجهاد والدعوة تأصيلا على ما فهمناه من سنة النبي r وإضافة إلى مثله مما أشرنا إليه في داخل الكتاب من عبر ودروس تعلمناها من قائد المجاهدين وسيد المرسلين r وصحابته الغر الميامين y أجمعين:
1- الحذر كل الحذر من أن يستدرجكم أعداؤكم للحوار, فالحوار عندهم غاية وليست وسيلة حتى تذوب أهدافكم وآمال أمتكم.
2- وإياكم وعلاقات الود والتقارب من قِبل بعضكم للطواغيت أو ممثليهم _تحت أي ذريعة_ سواء كان علنا أم في الخفاء ولا تنسوا قول الأنصار للنبيr (إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها) فإنها خطة لإحباط العمل والوقيعة بين الإخوان وتلويث المنهج, فلا اشتراك في ما تسمى حكومات الوحدة الوطنية مع العلمانيين والعملاء وإن تأخر النصر... لسببين, الأول: أنه لا يوجد مبرر شرعي لذلك. والثاني: أن هذه خطة لنقلكم من مرحلة القوة إلى مرحلة الضعف, ومن مرحلة ثقة الناس بكم إلى مرحلة فقدان هذه الثقة... وتكون على العكس من ذلك مع عدوكم فهي فرصة يعبر فيها من مرحلة انهياره لمرحلة استعادة قوته.
3- وأُحذّر من أخطر ما يواجه المجاهدين في جهادهم ألا وهو خطر الخلاف الذي ينشئه ويغذيه الأعداء بإشعال الخلافات والدسائس بينهم وذلك عندما تفشل كل أساليبهم الذاتية ..هذا هو الخطر الحقيقي على المجاهدين في كل ساحات الجهاد, وما حدث في بعض بلاد المسلمين خير مثال على ذلك وحل هذه المشكلة يكمن في استحضار نية إخلاص العمل لله, وضرورة الشفافية والوضوح والتنسيق والتواصل المستمر بين المجاهدين حتى يقطعوا أحبال الشيطان, بالإضافة إلى تفعيل أجهزة استخباراتهم لكشف العناصر المندسة لتفتيت الصف من الداخل .
4- وإياكم أن تُجَروا لما يسمى بالتداول السلمي للسلطة عن طريق الديمقراطية[68] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn68) والانتخابات فالغاية لا تبرر الوسيلة في ديننا بل يجب أن تكون الغاية والوسيلة شرعيتين.
5- وإياكم والملل الذي يجلب فرض سياسة الأمر الواقع _إن كان هذا الواقع مخالفا لدين الله_ مهما طال الوقت ومهما تأخر النصر, فالحق هو ما وافق أصول الشرع والدين وليس ما هو كائن بالقوة على الأرض فإن الجهاد واجب شرعي نقوم بتأديته دون ملل ولو على مستوى الفرد, فبالأمس البعيد كان الفرس والروم, وبالأمس القريب كانت روسيا, والآن نحن في مواجهة اليهود والصليبيين, والجهاد ماض إلى يوم القيامة ولن يتوقف الركب, قال تعالى:
( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (النساء:84).
6- وإياكم أن تغتروا بأنفسكم أو أن ينسب أحدكم الفضل لنفسه مهما علا نجمكم, فإن الفضل كله لله, قال تعالى: { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم:32]
7- وعليكم بالصبر فإنه زاد المجاهد, ولتوقنوا أن العدو وإن اعتدي ليحتل قطعة من أمتنا لكنه لا يستطيع الاحتفاظ بها في مواجهة المجاهدين الذين هم شوكة في حلوق الأعداء, قال تعالى( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146).
8- وإياكم وتحقيق هدف العدو من فصل قضايا أمتكم على أساس قومي أو جغرافي فقضية العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال والجزائر والشيشان وأوزبكستان وتركستان والبوسنة والفلبين والخليج وكل بلاد المسلمين دون تفصيل, كلها قضية واحدة تهم كل مسلم ينتمي لهذا الدين فهوية هذه الأمة هي دين الإسلام, قال تعالى: (إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).
9- وإياكم وعلماء السوء الذين يصبغون حكم هؤلاء الطواغيت بالصبغة الشرعية فيوالونهم وينصرونهم ويحسنون لهم القبيح، ويزوّرون على الناس دينهم، ويكتمون ما أتاهم الله من علم، طلباً للدنيا والرياسة والذين يذللون المصاعب لتسهيل مهمة احتلال اليهود والصليبيين لبلاد المسلمين تحت أي دعوى وأي تأويل, على الرغم من أنه ليس كل تأويل مستساغ, فلقد كفر إبليس بتأويل غير مستساغ فقال"أنا خير منه ", وإياكم والمثبطين الجبناء الذين يبحثون عن المبرر الشرعي للقعود والتخلف في وقت حاصرتهم فيه الأدلة الشرعية وواقع حال المسلمين بما لا يدع مجالا للشك في فرضية الجهاد العيني على كل مسلم, ولا مجال هنا لسرد أدلة كثيرة لا يسعها الوقت, فهناك مؤلف آخر لهذا الموضوع أسأل الله أن يعينني في إعداده وتقديمه قريبا بمشيئة الله .
10- اعلموا أن موالاتكم هي لله ولرسوله وللمؤمنين, وأن عدوكم هو الشيطان وأولياءه في أي صورة من صور الشيطان وكل صور أوليائه سواء كان أولياؤه من اليهود أو النصارى أو الشيوعية أو الرافضة, وآه من الرافضة الذين يتظاهرون بالإسلام _وهم أخطر عليه من اليهود والنصارى_ ثم لا يؤمنون بالكتاب الذي أنزله الله على محمد r ولا يؤمنون بسُنتهr, فيقولون:" عندنا قرءان غير الذي في أيديكم و سُنة أخرى غير الذي نقلها أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وأبو هريرة وباقي الصحابة "فمنكروا القرءان والسنة ومكفروا هؤلاء الصحابة ليسوا مسلمين بل هم كفار عالمهم وجاهلهم إذ لا يسع أي مسلم ينطق بالشهادتين أن يكون هذا معتقده.
والله أسأل أن تعلو راية الحق والدين, وأن ينصر عباده المؤمنين إنه ولي ذلك والقادر عليه, قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ سورة محمد: 7 ، 8 ]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه :
الفقير إلى عفو ربه
عبد المجيد عبد الماجد
شعبان 1428
[1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref1)رواه أبو داود برقم ( 4604 )، والترمذي برقم ( 2663 )، وغيرهم, في حديث طويل عن العرباض بن سارية.
[2] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref2) سورة التوبة: 100
[3] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref3) أخرجه ابن ماجه في الفتن، باب بدأ الإسلام غريبا، حديث رقم: 4034، وأخرج مسلم مثله ج1/130 بلفظ: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ).
[4] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref4) مسند أحمد - حديث رقم (3596)
[5] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref5) المعجم الكبير للطبراني –حديث رقم (1457)
[6] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref6) بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي – شرح الحديث رقم (336)
[7] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref7) تفسير البغوي - (ج 3 / ص 308)
[8] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref8) فتح الباري لابن حجر – شرح الحديث رقم(3377)
[9] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref9) مسند أحمد - 19073
[10] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref10) صحيح مسلم -حديث رقم3544
[11] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref11)صحيح مسلم - رقم225
[12] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref12) تفسير ابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 317)
[13] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref13) شرح النووي على مسلم - شرح حديث رقم (3543)
[14] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref14) التفسير الميسر (ألفه نخبة من العلماء)- (ج 7 / ص 333)
[15] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref15) شرح النووي على مسلم – شرح حديث رقم (209)
[16] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref16) صحيح مسلم - (3542)
[17] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref17) زاد المعاد - (ج 3 / ص 511)
[18] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref18) فتح القدير للشوكاني ( الأحزاب 33)
[19] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref19) في ظلال القرآن.- من تفسير سورة آل عمران
[20] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref20) عمدة التفسير مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر، ج3/214 ـ 215.
[21] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref21) يشير إلى قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء/65]
[22] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref22) تفسير البحر المحيط لابن حيان .
[23] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref23) زاد المعاد (ج 3 _ص 204إلى ص211 )بتصرف.
[24] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref24) زاد المسير لابن الجوزي في تفسير الآية (ولا تبرجن....).
[25] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref25) في ظلال القرآن – في تفسير الآية (2) من سورة المائدة.
[26] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref26) السيرة النبوية لابن كثير - (ج 1 / ص 473)
[27] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref27) (السيرة النبوية لابن كثير - (ج 2 / ص 475)
[28] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref28) الروض الأنف في الكلام على حلف الفضول..وروى قريبا منه البخاري ومسلم والترمذي .
[29] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref29) تفسير النكت والعيون للماوردي في تفسير الآية
[30] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref30) روح المعاني للألوسي – في تفسير الآية 26من سورة الفتح
[31] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref31)أنوار التنزيل للبيضاوي – في تفسير نفس الآية
[32] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref32) جامع البيان، ج2/56،57
[33] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref33) في ظلال القرآن في تفسير الآية.
[34] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref34) كشف الكربة في وصف أهل الغربة ص 11
[35] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref35) في ظلال القرآن – في تفسير الآية
[36] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref36) تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 445)
[37] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref37) فيض القدير للمناوي - (ج 2 / ص 407)
[38] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref38) تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 85)
[39] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref39) صحيح البخاري –حديث رقم 2933
[40] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref40) في ظلال القرآن – تفسير سورة المائدة آية 51
[41] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref41) في ظلال القرآن – آل عمران آية180
[42] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref42) تفسير الطبري، ج3/266.
[43] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref43) تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 402)
[44] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref44) فتح الباري لابن حجر –شرح حديث رقم2262
[45] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref45) السيرة النبوية لابن كثير - (ج 2 / ص 18)
[46] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref46) الرحيق المختوم، ص:109،110.
[47] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref47) راجع قصة المقاطعة ونقض الصحيفة في البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص: 81 ـ 83.
[48] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref48) الاهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما، وسنخه: أي تغير طعمها ولونها من قدمها
[49] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref49) الرحيق المختوم، ص:304.
[50] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref50) ا لمصدر السابق، ص:306
[51] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref51)صحيح البخاري – برقم 3343
[52] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref52) في ظلال القرآن – تفسير آية 214 من سورة البقرة.
[53] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref53) تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 572)
[54] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref54) تفسير روح المعاني للالوسي في تفسير الآية 214 من سورة البقرة.
[55] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref55) رواه الترمذي في سننه– برقم 2320
[56] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref56) صحيح البخاري - (5213)
[57] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref57) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
[58] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref58) جامع البيان للطبري في تفسير هذه الآية.
[59] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref59) في ظلال القرآن – آل عمران 179
[60] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref60) تهذيب سيرة بن هشام ص 66,65 طبعة مؤسسة الرسالة.
[61] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref61)المصدر السابق، ص:97
[62] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref62)سيرة ابن هشام، ج1/446.
[63] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref63) شرح النووي على مسلم – شرح حديث رقم 208
[64] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref64) مسند أحمد – حديث رقم 6775, وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم3188
[65] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref65) الديباج على مسلم لجلال الدين السيوطي - (ج 1 / ص 164
[66] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref66) فتح الباري لابن حجر – شرح حديث رقم 3377
[67] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref67) فتح الباري لابن حجر – رقم 6499
[68] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref68) أنظر كتاب (الديمقراطية في ميزان الإسلام) للمؤلف.