المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثوابت والمسلمات .. مهم جدا



كحيلآن الحمادي
10-04-2011, 02:56 PM
http://ArabAlsahel.com/vb//uploaded/2946_01299222122.gif



معالم في بناء هوية الأمة الإسلامية
بقلم / صالح بن ساير المطيري


المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وبعد :
إن أي أمة من الأمم تكمن قوتها في اعتزازها بدينها والتمسك بثوابتها وعدم الذوبان لشخصيتها ، وأن تسعى جاهدة لإبراز هويتها . والأمة الإسلامية تتميز عن غيرها بأن دينها هو الدين الحق الناسخ للأديان كلها ، وأن رسالتها هي إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، فتتخذ من توحيد الله منطلقاً ومن تحقيق العبادة له ديناً ومنهجاً ، وهي بهذا أمة عريقة الجذور ضاربة في أعماق التاريخ لها أصولها وثوابتها التي تميزها عن غيرها وتجعلها أهلاً لقيادة البشرية والشهادة عليها قال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } البقرة : 143.
وأمة الإسلام أمة محاربة من قبل الأعداء في الخارج والداخل ، أمة مبتلاة من داخل صفها ممن يزعم إظهار الغيرة عليها والحرقة على حالها ولكنه بأسلوبه وطريقته وتلوث فكره أصبح معول هدم لها ، يحقق للأعداء ما لا يمكنهم أن يحققوه .
أمام ضغط الواقع والانفتاح الرهيب على سائر الثقافات والانخداع أمام حضارة الغرب المادية وتطورها العسكري والتقني أوجد صدمة رهيبة لفئام من الناس أصبحوا ـ شعروا أم لم يشعروا ـ أدوات بأيدي أعدائهم ، فوجد من يتنازل عن ثوابت ومسلمات لا تقبل الجدل ولا النقاش هي في حقيقتها سبيل إلى تميز الأمة ورقيها وعزها . وليت الأمر وقف عند هذا الحد ! بل سعى أولئك القوم إلى تأصيل هذا الضعف والخور والتنكر للدين والدعوة إليه تحت مسمى البحث والمراجعة لتراثنا والنظرة إليه نظرة واقعية عصرية ، فأصبحت مسلمات الأمة وثوابتها عرضة لمشرحة بحثهم العقيم الذي خرج بنتيجة تمييع الدين ونسف المسلمات والثوابت بل خرجوا بأنه لا ثوابت وأن الحقيقة نسبية كل عنده منها جزء .
ومن خلال هذه النفسيات المهزوزة والمصابة بصدمة رهيبة أصبحت قضية التوحيد ـ التي أرسلت من أجلها الرسل وأنزلت لتحقيقها الكتب ـ لا تحمل معنى ولا توجب مفاصلة ،فمعناها الذي أرسى دعائمه أنبياء الله وفهمه المسلمون على مر الدهور والأزمان وهو أن لا إله إلا الله : أي لا معبود بحق إلا الله أصبح هذا المفهوم مفهوماً خاطئاً وأصبح الكفار مسلمين إذا لم يقاتلونا ولم يقفوا بيننا وبين إبلاغ ديننا . بل أصبح إطلاق الكفر عليهم جناية وعنصرية وعدوانية .
من هنا جاءت هذه المقالة التي أردت منها الإشارة إلى جوانب مهمة في إبراز هوية الأمة الإسلامية إعذاراً إلى الله وتثبيتاً لأهل الحق ودعوة أولئك القوم أن يراجعوا طريقهم ويصححوا منهجهم وأن يتقوا الله في أمتهم فلا يكونوا وسيلة لتنفيذ مخططات الأعداء.
وإنها دعوة إلى المصدومين بحضارة الغرب إلى أن يكون عندهم من الثقة بأنفسهم وبعد النظر وسعة الأفق وحسن التفكير ما يدعوهم إلى المراجعة الجادة وتناول القضايا من أصولها الصحيحة وأسأل الله التوفيق للصواب وتسديد الخطى .


أهمية إ براز هوية الأمة الإسلامية :
( هوية الأمة في الاعتقاد والتصور والاستدلال والتلقي وفي التميز والاستقلالية في الجوانب السياسية والاجتماعية والأخلاقية وفي المظاهر ... )
من الثوابت في حياة الأمة التي يجب أن تحافظ عليها أن تكون هويتها إسلامية حقة ، وأن تعتز بدينها ومنهجها لتكون أهلاً لقيادة الأمم والشهادة عليها يوم القيامة وتتحقق فيها الوسطيةالتي قال الله عنها : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } البقرة : 143.
وعندما كانت هوية الأمة بارزة واضحة محل عزة وافتخار كانت لها الريادة والقيادة وهابها أعداؤها ، وسارت جحافل الإيمان ناشرة لدين الله في أصقاع المعمورة ، ومات كثير من أصحاب رسول الله في بلاد متفرقة بعيدة جهاداً في سبيل الله ونشراً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة إلى دين الله، وسعدت تلك البلاد المفتوحة بعدل المسلمين سواء من دخل فيه ومن بقي على دينه من أهل الذمة والعهد .
ولما ضعفت هوية الأمة وابتعدت عن حقيقة دينها ومنهج حياتها أصبحت ذيلاً لأعدائها لا يؤبه لها ولا يخاف منها ولا يعتبر لها رأي حتى في قضاياها المصيرية وصدق فيها قول الشاعر :


ويقضى الأمر حين تغيب تيم * * * * ولايستأذنون وهم شهود


غياب هوية الأمة : أوجد مسلماً بالاسم من أبوين مسلمين لكنه تنكر لدينه وأمته فأخذ القيم الغربية والنظرات الكافرة مقياساً له يقيس بموجبه الأمور ، فالأمة الرائدة عنده هي التي تتخذ من الغرب أسوة ومن نظامه تشريعاً . تنكر لأخلاقيات دينه وآدابه .


وغياب الهوية : جعل ابن الإسلام في بلد الإسلام يدعو صراحة إلى التبعية المقيتة للغرب وأصبح كل جهد يقوم به المسلمون جهداً خاطئاً ما لم يكن تصديراً غربياً .


غياب الهوية : جعل كثيراً من المسلمين يصدّق ما يطلقه الكفرة من عبارات السب والشتم للدين الإسلامي وأهله ، فأصبحت جملة من المعايير والمسميات يطلقها الأعداء ويرسمون أطرها ونحن نسير وراءها ونذود عنها . فأصبح التمسك بدين الله تشدداً أو أصولية والدعوة إلى دين الله تطرفاً والجهاد الذي هوذورة سنام الإسلام إرهاباً والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلاً في شؤون الغير وكتماً للحريات ومناهجنا أصبحت مأوى لتفريخ الإرهابيين والمرأة لدينا مهضومة الحقوق، ونحن لا نفهم الآخرين ولا نستطيع الحوار وليست لدينا وسائل في التخاطب مع الآخر فأصبحنا في نظرهم أمة لا تستحق البقاء ، أمة لا هدف لها ولا رسالة تؤديها لأنها لاتملك ذلك .أصبحت أمة محمد السائرة على منهجه وسلف أمتها غير قادرة على إثبات وجودها لأنها لا تزال تحمل الدين الواحد الذي لا يوجد عند غيرها ، وإنما الأمل عند هؤلاء معلق بفئة ممقوتة في المجتمع قطيع من العلمانيين والليبراليين هم الذين فقهوا الدين وعرفوه واستطاعوا أن يتخاطبوا مع الآخر فأتوا بفتح عظيم تنكر لدين الله وهجوم على الثوابت ـ سبحانك هذا بهتان عظيم ـ
وباسم الحوار ضيعت حقوق وأهدرت كرامات وباسم التعايش السلمي ضيعت مفاهيم الولاء والبراء . كل هذه المصطلحات ما كانت لتروج في المجتمع الإسلامي لولا غياب الهوية الإسلامية الحقة التي تستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منهجها وطريقها وفق منهج السلف .
إن الأمة في ظلال هجمة الصليبية الحاقدة على الإسلام وتشريعاته بحاجة إلى وضوح الرؤية والعودة الصادقة إلى هويتها الإسلامية ومن ثم تتعامل من منطلق هذه الهوية في نظرتها وتفسيرها للأحداث ومجريات الأمور .
لقد أدرك الأعداء سر قوة الأمة وأنه لا يمكن أن ينجح معها الحل العسكري ما دامت هويتها الإسلامية باقية قوية . بل فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً إبان صدامهم المسلح مع المسلمين في الحروب الصليبية . ولذلك سعوا وبكل أسلوب لإبعاد الأمة عن هويتها الإسلامية وتغيرت سياستهم في ذلك فرأوا أن أسرع طريق وأنجحه هو طريق التغريب الذي يهدم الشخصية الإسلامية ويبني مكانها الشخصية الغربية فركزوا على تغريب المجتمعات المسلمة ونشر الفساد فيها على أن يقوم بهذه المهمة من أبناء الأمة الذين صيغوا صياغة لتحقيق هذا الهدف فالذي يقود الثيران لا بد أن يكون من الحظيرة ! والشجرة تقطع بغصن من أغصانها ! .
ولقد كانت نصيحة لويس التاسع ملك فرنسا تمثل معلماً بارزاً للغرب في تعامله مع المسلمين حيث قال : (( إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هُزمتم أمامهم في معركة السلاح ،ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم ))
ووعى قومه هذه النصيحة فجاءت رياح الاستعباد الغربي لبلاد الإسلام بأساليب ومشاريع أخرى مختلفة تماماً عن ذي قبل . (( قدمت جيوش الاحتلال العسكري إلى العالم الإسلامي تقودها عقليات غير العقلية البربرية الصليبية فهي تتمتع بقسط كبير من الدهاء والخبث وهي تعرف سلفاً أن لها مهمة أعظم من مهمة أجدادها وأن نجاح هذه المهمة يتوقف على الدقة في تنفيذ الخطةالجديدة ))
فبدأت الخطة الجديدة بعمليتي هدم وبناء ، هدم لمعالم الشخصية الإسلامية وبناء لمعالم الشخصية الأوروبية الغربية ، ونجحت هذه الخطة نجاحاً كبيراً وحققت لهم أهدافاً عظمى من تغييب الهوية الإسلامية وبناء تصورات غربية لدى أبناء الإسلام تهدف إلى قتل روح الجهاد الإسلامي ضد الكافرين وإزاحة الحاجز العقدي الولاء والبراء عن واقع الأمة .
واليوم وبعد أحداث الحادي عشر رأى الأعداء أنهم رغم نجاحهم الكبير في إبعاد الهوية الإسلامية عن واقع كثير من المسلمين إلا أنهم أدركوا أنهم لم يستطيعوا أن يستلبوها من ضمائر المسلمين وأن روح العداء للغرب الكافر متأصل في عقيدة هؤلاء المسلمين وأن نجاحهم محدود مهما حقق من نتائج فأرادوا تغيير الهوية الإسلامية بالقوة وذلك بالتدخل المباشر في تغيير أنماط سلوكيات المجتمعات الإسلامية وذلك بتغريب جميع الوسائل المؤثرة في الأمة مباشرة كالتعليم والمرأة ..مثلاً ، وفرض النظم الغربية بالقوة على هذه المجتمعات ورأوا أنه لا بد من تدخل مباشر صريح لامواربة فيه في شؤون هذه الدول لتخضع إلى تطوير شامل تذهب معه جميع الفوارق . فمناهج التعليم التي تقرر مبدأ الولاء والبراء ، والتي ترى أن الجهاد ذروة سنام الإسلام والتي تصبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الصحيحة ، هذه المناهج تدعم الإرهاب وتؤصله فلابد من تطويرها لكي تكون مناهج مهجنة تخدم المستعمر أكثر من خدمة دينها وأمتها وبلادها .
وهذه المرأة التي تحافظ على حجابها وتعتقد أنه تشريع ربها هي بهذه الصورة تدعم الإرهاب فلا بد من تطوير فكرها فأعادوا تلك الدعاوى ـ القديمة الحديثةـ فزعموا أن المرأة المسلمة مهضومة الحقوق وأنها لم تأخذ حقها في بناء مجتمعها فلابد من تحريرها ـ زعموا ـ ولا بد أن تقوم بدور مهم في التطوير والبناء ـ كلمة حق أريد بها باطل ـ . فأصبحت قضايا المرأة المسلمة اليوم تثار ضمن الحرب الضروس على الأمة الإسلامية وتتبنى تلك الحرب هيئة الأمم المتحدة متخذة من سلطتها العالمية وسيلة لفرض تلك التصورات والمواقف المخالفة لدين الأمة وأخلاقياتها وخصوصياتها وجعلوا لها عناوين براقة مثل " حقوق المرأة " " تحرير المرأة " القضاء على التمييز العنصري ... وهكذا .
لقد تغيرت لغة القوم فبعد أن كانت اللغة تحمل في طياتها دبلوماسية فضفاضة أصبحت اليوم صريحة لا مواربة فيها ولا خفاء . فهل يدرك عقلاء الأمة هذه الحقائق فيتعاملون معها بما يمليه الدين وما تقرره نصوص الكتاب والسنة ؟ .
وعندما نتكلم عن تخطيط العدو وسعيه الحثيث في حرب الأمة وكيدها يصفنا هؤلاء المخدوعون بعقدة المؤامرة وأننا نلقي دائماً باللائمة على الغرب الكافر . ولكي يدرك القارئ الكريم مدى صدق ما نتكلم به على سبيل المثال انظر إلى هذه الرسالة من لويس التاسع إلى بني قومه .
قال الدكتور : أحمد بن سعد بن غرم الغامدي في بحث له بعنوان : ـ الأمة الإسلامية من جديد وليس الشرق الأوسط الجديد ـ (( وفي وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس ، هي عبارة عن رسالة كان قد أرسلها لويس التاسع ملك فرنسا عندما أُسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في مصر خلال فترة الحروب الصليبية حيث يقول في هذه الرسالة الآتي :" إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب ، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة بإتباع الآتي :


أ- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين ، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملا في إضعاف المسلمين .


ب- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح .


ج- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء ، حتى تنفصل القاعدة عن القمة .


د- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه .


هـ - العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة .


و- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزةجنوباً و أنطاكية شمالاً ، ثم تتجه شرقاً ، وتمتد حتى تصل إلى الغرب."


وعند التأمل في هذه الوثيقة نجد أن فكرة المشروع الصهيوني لم تكن فكرة صهيونية فقط بل هي فكرة غربية كذلك ، وهي ليست فكرة جديدة تعود إلى مؤتمر بازل الذي عقد عام 1897م بل هي فكرة قديمة تعود إلى فترة الحروب الصليبية الأولى ، فها هو لويس التاسع ملك فرنسا يدعو صراحة في هذه الوثيقة إلى إقامة دولة غربية على أرض فلسطين التاريخية ،بحيث تكون هذه الدولة مشروعاً استيطانياً قابلاً للامتداد في العمق الإسلامي والعربي شرقاً ونحو أنطاكية شمالاً ، أي الحرص على الهيمنة على لبنان على الأقل وصولا إلى أنطاكية ، وما يجري على أرض الواقع اليوم هو صدى عملي لتلك الوثيقة ، بل إن الأبجديات الأساس لمشروع الشرق الأوسط الجديد نجدها في هذه الوثيقة ، إذ أن هذه الوثيقة كما هو واضح لكل من يتأملها تدعو إلى إحياء النعرات المذهبية والطائفية والعرقية في العمق الإسلامي والعربي ، وتدعو للإبقاء على أنظمة حكم تبعية فاسدة ،وتدعو إلى تجريد الحاضر الإسلامي والعربي من ثقافة المقاومة ، وتدعو إلى مواصلة شرذمة الحاضر الإسلامي والعربي إلى دويلات ، وإن كل هذه المطالب التي تدعو إليها هذه الوثيقة هي ذات المطالبة العلنية أو المدفونة بين السطور التي يدعو إليها مشروع الشرق الأوسط الجديد ، مع بعض التعديلات إضافة أو حذفاً )) أـ هـ


كيف تصاغ الهوية الإسلامية الصحيحة ؟


1. الشمولية في التصور الإسلامي .
2. التوجيهالإسلامي الشامل .
3. التربية الإسلامية الشاملة


أولاً : الشمولية في التصور الإسلامي :


تتمثل شمولية الإسلام في تحديده للإطار العقدي والسلوكي ،فهو شامل في تناوله للأمور من جميع زواياها وأطرافها ومقوماتها ، فهو تصور كامل والشريعة الإسلامية شريعة شاملة ، فالمنهج الإسلامي انطلاقة للحياة على الأرض وليس مجموعة من الكلمات والتعاليم التي تضمها الأوراق أو تتناقلها الشفاه .
المنهج الإسلامي وحدة لا تنفصم يشمل الاعتقاد في الضمير والتنظيم في الحياة بترابط وتداخل لا يمكن فصله لأن فصله تمزيق وإفساد للدين . والفكرة التي يقدمها هذا المنهج عن الحياة لا تؤتي ثمارها إلا إذا طبقت تطبيقاً كاملاً فالإسلام عقيدة وعبادة وسلوك ،عقيدة جوهرها التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة الشرك . وعبادة جوهرها الصدق والامتثال والإخلاص ، والفرائض ذات وظيفة اجتماعية في النهوض بالفرد والأمة ، وسلوك وثيق الصلة بالعقيدة والعبادة ، فكلما كانت العقيدة والعبادة صحيحة كان السلوك سوياً . والإسلام دولة لا ينفصل عن الإسلام ديناً فهما صنوان يخرجان من أصل واحد فالفصل بينهما يوقع في انفصام نكد يوجد منهجاً منحرفاً .
والإسلام بهذا الشمول يعالج مشاكل الأمة وقضاياها من جميع جوانبها ومن هنا فهو المنهج الأوحد لإحياء الأمة الإسلامية وقيام حضارتها لسببين :


1. أن هذا المنهج ليس بشرياً إنما هو من عند الله العليم بما يصلح أحوال البشرية : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } الملك : 14 .


2. أنه منهج قائم على أساس شمولية مترابطة متوازنة ، فهو يحرك طاقات الإنسان كافة , ولذلك فاستثمار طاقات الجيل الأول بهذا المنهج الإسلامي صنع الأعاجيب في عالم الأرض وأمام جحافل الغثاء من البشرية الذين لم تستطع مناهجهم البشرية أن تستثمر طاقاتهم
منهج الإسلام هو الذي يعالج الإنسان معالجة شاملة متوازنة لا تغفل عن شئ بهذا الوضوح النظري ثم التطبيق العملي في الواقع . ـ وهذا هو ما ينقص الدعوة الإسلامية اليوم ـ


إن أمراض الأمة كثيرة وقد حاولت أن تتعالج منها فجلب لها قادتها الدواء الغربي " العلمانية " ولكن حالة الأمة تزداد سوءاً مع طول فترة العلاج لأن هذا العلاج يحاول أن يعالج المشكلات بنظرة جزئية أحادية .
ولا يمكن أن تعالج قضايا الأمة ومشاكلها إلا بالعلاج الإسلامي الشامل لتبقى للأمة هويتها المتميزة ولها استقلاليتها ولها مساحات كبيرة في تفكيرها وحل قضاياها .
فالإسلام في علاجه لأمراض الأمة يهدف إلى إعادة بناء الفرد والأمة بناء صحيحاً أساسه العدل الرباني ، فالإسلام إيمان يعمر دنيا الناس وعقيدة تخلق حضارة وعبادة تربي أمة . وبغير هذا المنهج فستبقى أمراض الأمة مستعصية على العلاج ، فعلى الأمة أن تتميز بهويتها وأن توجد لها الاستقلالية في سلوكها ونظرتها وتفكيرها وأن تتناول حل مشاكلها وإدارة أمورها بهذه النظرة بعيدة عن الحلول المستوردة المعلبة .


ثانياً : التوجيه الإسلامي الشامل :


أصبح الإعلام من أقوى الأسلحة التي تحرص الأمم على امتلاكها وتتسابق في ميدانها لأنه قادر على صياغة اهتمامات الناس وأفكارهم وتغيير سلوكهم ، ومع الأسف أن الغالب في الإعلام المعاصر هو الإعلام غير الإسلامي الذي يقود الأمة للخنوع لأعدائها بل تكون بوقاً لهم وقد وقع المسلمون في أسر هذا الإعلام الذي دفع بعض أبناء الأمة إلى التنكر للإسلام عقيدة وشريعة وسلوكاً وحضارة وقد توصل هذا الإعلام إلى هذا عن طريق وسائل كثيرة :


ـ فحقائق الإسلام عرضها هذا الإعلام عرضاً باهتاً يفهم منه حصر الإسلام في طقوس وشعائر لا علاقة لها بشأن من شؤون الأمة .


ـ والأفكار التي يقوم بنشرها الإعلام المعاصر لا تجد بينها غذاء فكرياً جيداً بل أكثرها أفكار تدعو الإنسان للانشغال بقضاياه الخاصة ولا اهتمام له بقضايا الأمة .


ـ وأما الأخلاق التي ينشرها الإعلام المعاصر فهي أخلاق الفضائح الاجتماعية والجنس .


ـ وأما في نطاق الفرد وقدرته على التغيير ومواجهة التحديات فقد أكد الإعلام المعاصر على ترسيخ اعتقاد عدم قدرة المسلم على فعل شئ في مواجهة الواقع وأن التصرف الواقعي هو الاستسلام لما هو كائن .
والعمل الإسلامي لا يملك في مواجهة هذا الإعلام الفاسد إلا سلاح الدعوة والبيان .


والخلل الذي أحدثه هذا الإعلام يحتم على العمل الإسلامي أمرين :


الأول : أنه لم يعد يكفي الاعتماد على الجانب العقيدي وحده أو التشريعي وحده أو السلوكي وحده لمجابهة الأزمات بل لا بد أن تتمشى الخطوط الثلاثة متكاملة متوازنة متعانقة لمعالجة السقوط الذي تعيشه الأمة في جميع مناحي الحياة ، وهذا يعني أن يكون الخطاب الإسلامي خطاباً شاملاً يكشف الحق الملتبس ويبينه للأمة في صورة بلاغ مبين شامل ثم ينتقل بالدعوة من مرحلة المبادئ إلى مرحلة البرامج فيقدم المشروع الحضاري الإسلامي الأصيل بديلاً عن الأنظمة الفاسدة .


الثاني : لا يكفي كثرة الكلام على الورق أو الشفاه بل لا بد أن تكون الكلمة مقالة مؤثرة تبث أفكارا لها كثافة الواقع ووزنه في طريق التغيير إلى الأصلح .


إن التوجيه الإسلامي الشامل يصوغ المسلم القادر على إحداث التغيير والإصلاح ففي الأخلاق والقيم فالتوجيه الإسلامي يقدمها على أنها نظام متكامل لحياة شاملة ، نظام يوجه ويضبط كل النشاط الإنساني في شتى جوانب الحياة . وأما الأفكار فإن التوجيه الإسلامي يركز على أن مهمة الأمة إخراج البشرية من عبودية العباد إلى عبودية الله وحده وأن أمانة الرسالة تحتم على المسلمين أن يكون كل واحد على ثغر من ثغور الإسلام . وأما قدرة الفرد على التغيير فالتوجيه الإسلامي الشامل يقوم على تعميق الإحساس بضرورة التغيير مع بث الثقة في أفراد الأمة وقدراتهم وإمكاناتهم التي تؤهلهم لحمل مسؤولية التغيير .
بهذا التوجيه الشامل وبهذه الطريقة في التفكير والعمل يستطيع المسلمون أن يستعيدوا هويتهم الإسلامية وأن يعودوا من جديد لإخراج البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .


ثالثاً : التربية الإسلامية الشاملة :


في سبيل إعادة هوية الأمة لا بد من التربية الإسلامية الشاملة ، وهذه التربية منهج نبوي أصيل بدأت في مكة قبل أن تكون للإسلام كلمة نافذة في المجتمع واستمرت التربية في المدينة ولم يكف النبي صلى الله عليه وسلم عن تربية الأمة حين قامت الدولة بل استمر يربي الأمة حتى آخر لحظة . فلا بد للأمة في عودتها إلى هويتها الإسلامية الأصيلة من أن تمتلك منهجاً تربوياً شاملاً تستطيع من خلاله صياغة الفرد المسلم بما يتفق وأهداف الإسلام ويلبي حاجات الأمة الإسلامية .
ولا بد من مع المواضحة يصاغ من خلالها ذلكم المنهج التربوي الشامل الذي يعين الأمة على الرشاد ويجعلها محاطة بسياج تربوي متين يحفظ عليها تماسكها ويحميها من الانهيار مهما تغيرت الظروف والأحوال ومن هذه المعالم :


• تأسيس التربية على الكتاب والسنة من منطلق فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، فأي تربية لا تستند على هذين الأصلين فهي تربية ساذجة ناقصة ، ونؤكد على فهم السلف من الصحابة الكرام ومن سار على نهجهم لأن فهومهم هي الفهوم الصحيحة لهذين الأصلين العظيمين .


• الشمولية : فالبناء التربوي الإسلامي بناء كامل شامل لجميع مناحي الحياة ومتطلبات النفس البشرية { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون } البقرة 183


• الواقعية : فالمنهاج التربوي الإسلامي إنما يصاغ لينزل إلى واقع الناس ويعايشهم أحداث هذا الواقع


• التدرج : فالمنهاج التربوي الإسلامي يقوم على المرحلة والتدرج ولا يضع الفروع مكان الأصول بل يبدأ بالعقيدة في قلب الفرد ليصل إلى تهذيب أخلاقه فتكون العقيدة هي التي تبني في الوجدان أخلاق الفكر وأخلاق النفس وأخلاق السلوك ، ويكون التدرج هو الذي يحمي الفرد من الانقطاع أو القعود أو على الأقل الفتور ولا سيما في هذا العصر التي زادت فيه الفتنة وهكذا يعمل المنهاج التربوي الإسلامي في إطار من التأصيل الشرعي المنبثق من نصوص الكتاب والسنة على فهم منهج أهل السنة والجماعة المتسم بالشمولية والواقعية والتدرج على تحقيق التربية الإسلامية الشاملة التي تهدف إلى إيجاد العبد الرباني . بهذه الوسائل والأسس تستطيع الأمة أن تستعيد هويتها الإسلامية وأن تحقق ذاتها وأن تشق طريقها إلى الخير والفلاح وقيادة البشرية .


إن الدين عند الله الإسلام :


الأمة الإسلامية وهي تسعى لاستعادة هويتها لابد أن تستصحب الثقة بدينها والاعتزاز به لأنه الدين الحق الذي لا تمتلكه أمة أخرى،. كيف لا تعتز به وتفخر به وهو الدين الذي رضي الله لها ديناً وأكمله وأتمه { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } المائدة : 3
الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقبله الله ولا يقبل ديناً سواه ولا طريق موصلة إلى الله سواه فهو الناسخ للأديان التي قبله والمهيمن عليها قال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } آل عمران :19 { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } آل عمران : 85 وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار "
والإسلام بمعناه العام هو دين الرسل عليهم السلام جميعاً وهو توحيد الله سبحانه وتعالى ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى : (( قوله : { إن الدين عند الله الإسلام } إخبار من الله تعالى بأنه لادين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام وهو إتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم فمن لقي الله بعد بعثته محمداً صلى الله عليه وسلم بدين غير شريعته فليس بمتقبل كما قال تعالى :{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } آل عمران : 85 , وقال في هذه الآية مخبراً بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام { إن الدين عند الله الإسلام } )) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله : (( أي الدين الذي لا دين له سواه ولا مقبول غيره هو الإسلام وهو الانقياد لله وحده ظاهراً وباطناً بما شرعه على ألسنة رسله فمن دان بغير دين الإسلام فهو لم يدن لله حقيقة لأنه لم يسلك الطريق الذي شرعه الله على ألسنة رسله ثم أخبر سبحانه أن أهل الكتاب يعلمون ذلك وإنما اختلفوا فانحرفوا عنه عناداً وبغياً وإلا فقد جاءهم العلم المقتضي لعدم الاختلاف الموجب للزوم الدين الحقيقي ثم لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عرفوه حق المعرفة ولكن الحسد والبغي والكفر بآيات الله هي التي صدتهم عن اتباع الحق ))
والإسلام بمعناه الخاص هو الدين المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الذي نسخ الله به الأديان وهيمن عليها جميعاً ولا يقبل من أحد أن يتعبد لله بغيره قال الشيخ السعدي رحمه الله :
(( { ولا يدينون دين الحق } التوبة : 29 أي لا يدينون بالدين الصحيح وإن زعموا أنهم على دين فإنه دين غير الحق لأنه إما دين مبدل وهو الذي لم يشرعه أصلاً وإما دين منسوخ قد شرعه الله ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز )) . ( لقد نسخ الله بدين الإسلام سائر الأديان وجعل القرآن آخر كتبه نزولاً وأحدثها عهداً به مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ، وقد افترض على جميع الخلق الإيمان بنبيه الخاتم واتباعه كما قال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميـت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } الأعراف : 185فمن ابتغى غير الإسلام ديناً خاب وخسر{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } آل عمران : 85 ومن سمع بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به أكبه الله في النار وكل هذا معلوم من الدين بالضرورة لكونه من أصول الإسلام ومعاقد الإيمان )) . (( وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة ببعثة نبيه الخاتم ورسوله إلى الناس كافة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } المائدة : 3 وذلك هو الإسلام الخاص الذي لم يقبل الله ديناً سواه وإليه ينصرف عند الإطلاق }
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : (( فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ولا بما جاءوا به وإنما يتبعوا آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه لا لأنه شرع الله ودينه . لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيماناً صحيحاً لقادهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلوات الله وسلامه عليه لأن جميع الأنبياء الأقدمين بشروا به وأمروا بطاعته ، فلما جاء وكفروا به وهو أشرف الأنبياء علم أنهم ليسوا بمتمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من عند الله ، بل لحظوظهم وأهوائهم فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقية الأنبياء وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ))
تلك هي وحدة الدين التي تنتظم الشرائع جميعاً في عقد الإسلام العام، ثم تختمها بما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة وهو الإسلام الخاص فلا يعبد الله في المشرق بما لا يعبد به في المغرب بل الدين واحد والمعبود واحد . فمن جوّز أو سوّغ تعدد الأديان وأنها طرق تؤدي إلى الله فقد افترى على الله الكذب وقال على الله بلا علم { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} الأنعام : 159 .
وهذا أمر مسلّم به مجمع عليه من أهل الإسلام قاطبة ، بل هو مما يعلم من الدين بالضرورة الذي لا تقبل دعوى الجهل به ممن عرف الدين . ولم تكن هذه القضية محل خلاف أو نزاع أو شك ولكن بزغت في هذه الأزمنة فكرة خبيثة اغتر بها البعض عندما ساد في فكره وجود أديان أخرى ممكن أن يقارب بينها وبين الإسلام ويمكن أن تتعايش هذه الأديان في صعيد واحد وعلى أرض واحدة وعبّر عن ذلك بزخرف القول المعسول لينطلي على البعض . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لجميع الناس عربهم وعجمهم وملوكهم وزهادهم وعلمائهم وعامتهم ، بل عامة إلى الثقلين الجن والإنس ، وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة ، وأنه ليس لأحد من الخلائق الخروج عن متابعته وطاعته وملازمة ما يشرعه لأمته من الدين وما سنه لهم من فعل المأمورات وترك المحظورات ، بل لو كان الأنبياء المتقدمون أحياء لوجب عليهم متابعته ومطاوعته قال تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم أصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } آل عمران : 81 قال ابن عباس رضي الله عنهما " ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره بأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه " ... بل ثبت أن المسيح ابن مريم عليه السلام إذا نزل من السماء فإنه يكون متبعاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان يجب اتباعه ونصره على من أدركه من الأنبياء فكيف بمن دونهم ؟! بل مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز لمن بلغته دعوته أن يتبع شريعة رسول غيره )) .
رغم هذه العقيدة الثابتة المستقرة لدى المسلمين قاطبة بأن الدين عند الله الإسلام وأنه لا يقبل من أحد ديناً سواه وأن ذلك مما يعلم بالاضطرار من الدين إلا أنه في هذه الأزمنة تحت مسمى الحوار والتسامح الديني ، والوحدة ضد الإلحاد أصبح هناك مجال لفكرة التقارب بين الأديان الثلاثة عند بعض المنهزمين من أبناء الأمة ، وتحت شعارات العولمة والنظام العالمي أمكن وجود فرصة تآخي بين هذه الأديان فشاع عند هؤلاء مصطلح حرية المعتقد . وهذه المسألة وإن اعتقد صاحبها اختصاص الإسلام بالدين الحق إلا أن مجرد قبول فكرة التقارب بين الأديان مناقضة لهذا الأصل العظيم ـ { إن الدين عند الله الإسلام }ـ . فكيف يرضى مؤمن بالله أن يصدق بدعوى التقارب بين الحق والباطل ؟! بين دين الله وأهواء البشر؟! .
إن مجرد التفكير في ذلك خطأ عظيم وظلم مبين فما بالك بدعوى أصبح لها دعاة ورموز ؟! وأصبح لها مؤتمرات وبرامج ؟! وأصبح لها تواجد في الفكر الإسلامي عند فئام من الناس ؟! .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله : (( .. في الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله بالدعوة إلى الله والتبصير في الدين ومواجهة موجات الإلحاد والزندقة ورد دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة ... وصد عاديات التغريب والانحراف والغزو المعنوي بشتى صوره بدت محنة أخرى في ظاهرة هي من أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين ... وذلك فيما جهرت به اليهود والنصارى من الدعوة الجادة إلى نظرية الخلط بين الإسلام وبين ما هم عليه من دين محرف منسوخ وزرع خلاياهم في أعماق أمة الإسلام وصهر المسلمين معهم في قالب واحد فلا ولاء ولا براء ولا تقسيم للملأ إلى مسلم وكافر ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات وصاغوا له كوكبة من الدعايات وعقدوا له المؤتمرات ... إلى غير ذلك من مخططات وضغوط ومباحثات ظاهرة وخفية معلنة وسرية وما يتبع ذلك من خطوات نشطة ظهر أمرها وانتشر وشاع واشتهر وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار وجد ودأب في نشر التنصير وتوسيع دائرته والدعوة إليه .... وبلغت الحال ببعض المسلمين إلى قبول فكرة طبع القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد !!! وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء مسجد وكنيسة ومعبد في محل واحد في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة ))
إن قبول هذه الفكرة واعتقاد أن هناك أدياناً يمكن التقارب معها يناقض الديانة لله بهذا الدين ـ دين الإسلام ـ لأن مجرد قبول الفكرة يفهم أن هناك أدياناً صحيحة يجوز التعبد بها .
أخي القارئ الكريم أحببت من خلال طرح هذا الموضوع فتح الباب للكتابة والاهتمام بهذه المسألة ممن هم أولى وأجدر بالكلام مني ، وما هي إلا مشاركة يعتريها النقص البشري فإن أصبت فمن الله أحمده وأشكره وإن أخطأت فمن نفسي أستغفر الله منه وأتوب إليه. وحسبي أني مجتهد أريد الحق . والله هو المعين أرجو منه العون والسداد وأصلي وأسلم على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم .