كحيلآن الحمادي
10-21-2011, 12:12 PM
http://ArabAlsahel.com/vb//uploaded/2946_01299222122.gif
إنهم يألمون كما تألمون
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
حينما يدخل المرء في صراع ما، مع الجهات المعادية له، سواء للدفاع عن نفسه ووجوده أو لنشر مبادئه وقيمه، فإن أول العقبات التي تهدده وتثبطه عن بدء هذا الصراع؛ هو التضحية التي سيقدمها كثمن في سبيل تحقيق النصر في هذه الحرب على عدوه.
والتضحية التي تتبادر إلى الذهن لأول وهلة؛ هو الأذى الجسدي من آلام وجراح، والتي قد تنتهي بذهاب النفس، كأقصى صورة من صور الأذى.
ورب العزة الذي خلق النفس البشرية؛ {أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ اَلخَبِير}، يُقدِّم لهذه النفس المؤمنة الصورة الحقيقية لهذا الأذى في ميزان الله، يستصغره لكي لا يكون عائقاً في طريق المؤمن؛ {لَن يَضُرٌّوكُم إِلاَّ أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُم يُوَلُّوكُم الأَدبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون}، {وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضِركُم كَيدُهُم شَيئاً إِنُّ اللهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيط}، فكل ما يستطيعه الأعداء؛ هو إلحاق بعض الأذى المادي بالمؤمن دون المساس بعقيدته أو تغيير مبادئه.
ومن هنا ندرك؛ أن أهم عنصر في المعركة هو العقيدة، وبأن الأذى المرهوب لا يفتُّ من عضد المؤمن شيئاً مقارنة مع الوعد المرغوب.
ويقوى هذا الشعور أكثر ويزداد المؤمن إقبالاً على نصرة عقيدته والدفاع عن دينه حينما يسمع قول خالقه جل وعلا: {إِن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُون}، فالعدو يألم هو كذلك، ويخالجه نفس الشعور من الخوف وإصابته بالأذى وفقدانه لما يحرص عليه ويحبه في هذه الحياة.
ولكن الفرق شاسع بين ما ينتظره هذا وما يبتغيه ذاك، فالمؤمن يبتغي نصر الله في الدنيا ليحقق عبودية الله عز وجل وتحرير العباد من كل العبوديات الباطلة، {اَلَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم فِي الأَرضِ أَقَامُوا اَلصَّلاَةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ، وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّه عَاقِبَةُ الأُمُور}، بينما عدوه يحرص على النصر والتمكين للإفساد في الأرض والعلو فيها بغير حق؛ {إِنَّ فِرعَونَ عَلا فِي الأَرضِ وجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعاً يَستَضعِفُ طاَئِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم،إِنَّهُ كَانَ مِنَ اَلمُفسِدِين}.
هذا في الدنيا، أما في الآخرة؛ فلا مجال للمقارنة البتة، حيث أن الكافر لا يؤمن أصلاً بما سيأتي بعد الموت، وهمه الأكبر والوحيد هو تحقيق شهواته وتلبية أهوائه في هذه الدنيا، بينما المؤمن يحرص على جعل الدنيا مزرعة لآخرته، ولا يعير كبير اهتمام لما سيناله في هذه العاجلة من مغنم ونصر مادي، فهو يتطلع إلى جنات عدن ومغفرة من الله ورضوان، {يَغفِرُ لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُدخِلكُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدن، ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيم}، وهو ما تشير إليه بقية آية حديثنا؛ {إِن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُون، وَتَرجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرجُون}.
يقول صاحب "الظلال" رحمه الله:(إنها كلمات معدودات.يضعن الخطوط الحاسمة، ويكشفن عن الشقة البعيدة، بين جبهتي الصراع... إن المؤمنين يحتملون الألم والقرح في المعركة، ولكنهم ليسوا وحدهم الذين يحتملونه...إن أعداءهم كذلك يتألمون وينالهم القرح واللأواء... ولكن شتان بين هؤلاء وهؤلاء... إن المؤمنين يتوجهون إلى الله بجهادهم،ويرتقبون عنده جزاءهم... فأما الكفار فهم ضائعون مضيعون، لا يتجهون لله، ولا يرتقبون عنده شيئاً في الحياة ولا بعد الحياة)([1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1)) اهـ.
ونقف الآن عند أنواع الآلام التي قد تصيب كلا الطرفين في هذه الحرب، خاصة ونحن نعيش أحلك وأحمى حلقة من حلقاتها، حيث اجتمع الذين كفروا والذين أشركوا - يهود، نصارى، هندوس، وثنيون... – وكل من والاهم ودخل في حزبهم - منافقون، مرتدون، خونة... - اجتمعوا على أهل الحق وأصروا على إبادتهم وإطفاء نور الله في صدورهم وعلى أرضهم، في أفغانستان وفلسطين وبلاد القوقاز والبلقان وفي بلدان جنوبي شرقي آسيا، خاصة في كشمير وباكستان وأندونيسيا والفلبين، وفي باقي البلاد العربية - بلاد الرافدين، وأرض الكنانة، وبلاد الشام، وشمال إفريقية –
آلام جسدية...
من جراح وقتل من جراء الحرب الدائرة، وهي آلام مشتركة تطال المؤمنين والكفار على حد سواء وإن كانت درجاتها متفاوتة، وكيفية استقبالها مختلفة.
- فالمؤمن ؛ يستقبل هذه الجراحات والآلام بصدر رحب، ويعتبرها ابتلاء ينال عليها الأجر والثواب، ويمحو الله له بها السيئات، ويستشعر قوله تعالى: {إِن يَمسَسكُم قَرحُُ فَقَد مَسَّ القَومُ قَرحُُ مِثلُه، وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاس، وَلِيَعلَمَ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا وَيتَّخِذّ مِنكُم شُهّدَاء}، كما يَعتبِر هذه الضربات الموجعة تدريباً له على تحمل تبعات الطريق، وضريبة لابد منها قبل التمكين في الأرض وإحراز أي نصر مادي، فالضربة التي لا تقصم ظهرك لا تزيده إلا قوة.
- وفي الجانب الآخر نجد الكفار ومن والاهم من المنافقين والمرتدين والعملاء؛
يسخطون وتنهار معنوياتهم حينما يمسهم قرح أو جرح، بالرغم من الإغراءات المادية العظيمة والتغطيات المتواصلة التي يتلقونها خلال حربهم الدائرة، ذلك بأنهم لا ينتظرون سوى الأجر المادي في هذه الحياة الدنيا، ويعيشون لأنفسهم وذواتهم، همهم بطونهم وقبلتهم شهواتهم.
آلام روحية ومعنوية...
تتمثل أساساً في انعدام الأمن، والإحساس بالقلق والخوف الدائمين.
- فالمؤمنون المجاهدون؛يعيشون حالة من الخوف والقلق المصحوب بحالة من الترقب الدائم والحذر الشديد، وهي منحة في صورة محنة، {وَلنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَات}، حيث يضطرون إلى البحث عن أسباب النصر والتمكين، وإحباط خطط وكيد أعدائهم، وهو نفس الحالة التي عاشتها الجماعة الأولى بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الضعف والدعوة قبل التمكين في الأرض، {وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلُُ مستَضعَفُونَ فِي الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُم النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تّشكُرُون}.
- أما أعداؤهم - سواء من هم داخل المعركة أو من هم خارجها -؛ فإنهم يعيشون القلق والخوف الدائمين ويفقدون الأمن والأمان، ولا بديل لهم يلجأون إليه لتعويض ما فقدوه، فتراهم يصابون بالإحباطات النفسية، فمنهم من يقدم على الانتحار للتخلص من هذا الجحيم الدنيوي، ومنهم من يلجأ إلى المخدرات والمسكرات لكي لا يحس بهذا الرعب الدائم.
وهناك الألم الاقتصادي...
أو نقص الأموال والثمرات بالتعبير القرآني.
- حيث أن المؤمن؛ يعتبر ذلك محنة وابتلاء وضرورة لابد من تحملها بالصبر، ما دام أن ذلك كله مجرد وسيلة يتعبد بها لله عز وجل وليست هدفاً في حد ذاتها، فالرزق مضمون بشرط تحقيق الإيمان والعبودية لله عز وجل؛ {وَلَو آمَنَ أَهلُ القُرَى وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ}، فالمؤمن لا يأسف أبداً على ذهاب الدنيا، ويتحرز كثيراً من مغبة السقوط في شراكها على حساب دينه وعقيدته.
- أما عدوه الكافر؛ فالدنيا عنده تمثل كل شيء، ورأينا كم تأثر ولا زال يتأثر اقتصاده وينهار من جراء ما يشنه المجاهدون من هجمات على مؤسساته الاقتصادية، وما ينفقه هذا العدو في حربه الطويلة الأمد في مواجهة المؤمنين، وما يتبع ذلك من كساد في عالم التجارة والسياحة، فيكون بذلك أعداؤنا هم أكبر الخاسرين والمتألمين في هذه الحرب الدائرة.
وضربُ العدو في اقتصاده؛ هو سنة محمدية علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال سرايا الجهاد الإسلامي التي كان يبعثها من المدينة لتتعرض قوافل المشركين، ودامت أكثر من سبعة عشر شهراً، أدت إلى شلّ تجارة المشركين وكسر شوكتهم الاقتصادية والمالية، وقد ساهم ذلك وأدى إلى كسر شوكتهم السياسية والعسكرية كنتيجة حتمية لاستنزاف طويل الأمد، لم يملك العدو معه مقاومة ولا بديلاً.
الألم السياسي...
ويتمثل في ذهاب تلك الهالة المزيفة التي يضفيها العدو على نفسه فيبدو للآخرين على أنه الأقوى والأجدر بالاتباع؛ {مَا أُرِيكُم إِلاَّ مَا أَرى، وَمَا َأهدِيكُم إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشّاد}، فتساهم هزيمته العسكرية في كسر هذه الهالة، وفقدان هذه القوة السياسية بفقدان الأتباع والظهور بمظهر الضعيف الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه فضلاً عن حماية غيره، وهذا ألم فظيع يُضاف إلى الآلام السابقة، ومبادئ العدو لا قيمة ولا وزن لها إلا إذا تحققت على أرض الواقع، بالسيف والحديد تارة، وبالإغراءات المادية تارة أخرى، وإذا ما غابت أحد هاتين الوسيلتين أفل نجمه وذهبت معه هذه الهالة.
- أما المؤمنون؛ فإن غياب مذهبهم عن الساحة يعتبر نقطة قوة في حد ذاتها، حيث يجرب الناس المذاهب الباطلة ويذوقون مرارتها ويتجرعونها، فتظهر لهم قيمة الحق ويحن الناس إليه، فيساهم ذلك في تحريضهم على مقاومة هذا الباطل والانضمام إلى أنصار الحق.
- أما المؤمنون؛ فإن غياب الحق وكونه غير مُمَكَّن في الأرض، لا يفتّ من عضدهم فيجلسون للبكاء على الأطلال في وحل اليأس الهزيمة، بل يدفعهم هذا إلى المزيد من العطاء والإعداد والجهاد، يألمون بسبب غيابه، ولكن يرجون من الله ما لا يرجو أعداؤهم، يرجون تحقيق وعد الله لهم بالنصر والتمكين، ويرجون ذهاب الباطل وإزهاقه، ولكن هذا الرجاء مقرون بالعمل والتضحية والعطاء.
ونصل الآن إلى النقطة الأخيرة في هذا المقال، وتتعلق بالأنصار، ومدى ارتباطهم وتأثيرهم بهذه الآية الكريمة...
إن أنصار المجاهدين يعتبرون طرفاً مهماً وحساساً في الحرب الدائرة، وينطبق عليهم ما ينطبق على المجاهدين من ضرورة تحمل الألم كثمن لهذه النصرة، فهم يُعتبرون الصف الثاني في هذه المعارك، وبهم يتمكن المجاهدون من مواصلة الصراع، حيث يجدون فيهم السند والملجأ والملاذ – بعد الله تعالى - فنصر الله يتحقق بأيدي المؤمنين، والمؤمنون يكونون أقوياء ومنصورون بأنصارهم، {هُوَ الَّذِي أّيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالُمؤمِنِين}.
أما آلام الأنصار؛ فتتمثل أساساً في محاولات الأعداء لكشفهم ثم مطاردتهم أو محاصرتهم أو اعتقالهم بهدف إيقاف مدهم للمجاهدين، لأنهم أدركوا أهمية دورهم في المعركة.
ولابد لهؤلاء الأنصار أن يستشعروا أهمية هذا الدور ومدى مساهمته في مسيرة الجهاد، فلا يشعروا بالخوف وليتحملوا تبعات نصرتهم من آلام وإحساس بالضيق والحصار، فهم والمجاهدون في ساحات المعارك سيان، كل واحد واقف على ثغره المناسب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وليستحضر هؤلاء الأنصار ما يرجون عند الله لتهون أمامه كل الآلام والصعاب؛ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله، وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقّاً، لَهُم مَغفِرَةُُ وَرِزقُُ كَرِيم}.
وليعلم الأنصار أن الذي يقعد ويتقاعس عن نصرة المجاهدين سيتألم أكثر وسيخسر أكثر مما يخسره المجاهدون، ولكن في سبيل نصرة الباطل أو - في أخف الحالات - خذلان الحق، فالتضحية والنفقة محتمة على الجميع، والآلام والآهات ستطال الجميع، فلتكن في سبيل الله، ولنجعلها في خدمة دينه ونصرة أوليائه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتحمل آلام وتبعات نصرة دينه، ويرزقنا الصبر للثبات على منهجه، ولا يحمِّلنا من الأمر ما لا نطيق، حتى لا يجعلنا فتنة للذين كفروا،
إنه سميع مجيب قريب.
[1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref1) في ظلال القرآن / تفسير سورة النساء: ص750.
أبو سعد العاملي
إنهم يألمون كما تألمون
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
حينما يدخل المرء في صراع ما، مع الجهات المعادية له، سواء للدفاع عن نفسه ووجوده أو لنشر مبادئه وقيمه، فإن أول العقبات التي تهدده وتثبطه عن بدء هذا الصراع؛ هو التضحية التي سيقدمها كثمن في سبيل تحقيق النصر في هذه الحرب على عدوه.
والتضحية التي تتبادر إلى الذهن لأول وهلة؛ هو الأذى الجسدي من آلام وجراح، والتي قد تنتهي بذهاب النفس، كأقصى صورة من صور الأذى.
ورب العزة الذي خلق النفس البشرية؛ {أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ اَلخَبِير}، يُقدِّم لهذه النفس المؤمنة الصورة الحقيقية لهذا الأذى في ميزان الله، يستصغره لكي لا يكون عائقاً في طريق المؤمن؛ {لَن يَضُرٌّوكُم إِلاَّ أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُم يُوَلُّوكُم الأَدبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون}، {وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضِركُم كَيدُهُم شَيئاً إِنُّ اللهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيط}، فكل ما يستطيعه الأعداء؛ هو إلحاق بعض الأذى المادي بالمؤمن دون المساس بعقيدته أو تغيير مبادئه.
ومن هنا ندرك؛ أن أهم عنصر في المعركة هو العقيدة، وبأن الأذى المرهوب لا يفتُّ من عضد المؤمن شيئاً مقارنة مع الوعد المرغوب.
ويقوى هذا الشعور أكثر ويزداد المؤمن إقبالاً على نصرة عقيدته والدفاع عن دينه حينما يسمع قول خالقه جل وعلا: {إِن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُون}، فالعدو يألم هو كذلك، ويخالجه نفس الشعور من الخوف وإصابته بالأذى وفقدانه لما يحرص عليه ويحبه في هذه الحياة.
ولكن الفرق شاسع بين ما ينتظره هذا وما يبتغيه ذاك، فالمؤمن يبتغي نصر الله في الدنيا ليحقق عبودية الله عز وجل وتحرير العباد من كل العبوديات الباطلة، {اَلَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم فِي الأَرضِ أَقَامُوا اَلصَّلاَةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ، وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّه عَاقِبَةُ الأُمُور}، بينما عدوه يحرص على النصر والتمكين للإفساد في الأرض والعلو فيها بغير حق؛ {إِنَّ فِرعَونَ عَلا فِي الأَرضِ وجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعاً يَستَضعِفُ طاَئِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم،إِنَّهُ كَانَ مِنَ اَلمُفسِدِين}.
هذا في الدنيا، أما في الآخرة؛ فلا مجال للمقارنة البتة، حيث أن الكافر لا يؤمن أصلاً بما سيأتي بعد الموت، وهمه الأكبر والوحيد هو تحقيق شهواته وتلبية أهوائه في هذه الدنيا، بينما المؤمن يحرص على جعل الدنيا مزرعة لآخرته، ولا يعير كبير اهتمام لما سيناله في هذه العاجلة من مغنم ونصر مادي، فهو يتطلع إلى جنات عدن ومغفرة من الله ورضوان، {يَغفِرُ لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُدخِلكُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدن، ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيم}، وهو ما تشير إليه بقية آية حديثنا؛ {إِن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُون، وَتَرجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرجُون}.
يقول صاحب "الظلال" رحمه الله:(إنها كلمات معدودات.يضعن الخطوط الحاسمة، ويكشفن عن الشقة البعيدة، بين جبهتي الصراع... إن المؤمنين يحتملون الألم والقرح في المعركة، ولكنهم ليسوا وحدهم الذين يحتملونه...إن أعداءهم كذلك يتألمون وينالهم القرح واللأواء... ولكن شتان بين هؤلاء وهؤلاء... إن المؤمنين يتوجهون إلى الله بجهادهم،ويرتقبون عنده جزاءهم... فأما الكفار فهم ضائعون مضيعون، لا يتجهون لله، ولا يرتقبون عنده شيئاً في الحياة ولا بعد الحياة)([1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1)) اهـ.
ونقف الآن عند أنواع الآلام التي قد تصيب كلا الطرفين في هذه الحرب، خاصة ونحن نعيش أحلك وأحمى حلقة من حلقاتها، حيث اجتمع الذين كفروا والذين أشركوا - يهود، نصارى، هندوس، وثنيون... – وكل من والاهم ودخل في حزبهم - منافقون، مرتدون، خونة... - اجتمعوا على أهل الحق وأصروا على إبادتهم وإطفاء نور الله في صدورهم وعلى أرضهم، في أفغانستان وفلسطين وبلاد القوقاز والبلقان وفي بلدان جنوبي شرقي آسيا، خاصة في كشمير وباكستان وأندونيسيا والفلبين، وفي باقي البلاد العربية - بلاد الرافدين، وأرض الكنانة، وبلاد الشام، وشمال إفريقية –
آلام جسدية...
من جراح وقتل من جراء الحرب الدائرة، وهي آلام مشتركة تطال المؤمنين والكفار على حد سواء وإن كانت درجاتها متفاوتة، وكيفية استقبالها مختلفة.
- فالمؤمن ؛ يستقبل هذه الجراحات والآلام بصدر رحب، ويعتبرها ابتلاء ينال عليها الأجر والثواب، ويمحو الله له بها السيئات، ويستشعر قوله تعالى: {إِن يَمسَسكُم قَرحُُ فَقَد مَسَّ القَومُ قَرحُُ مِثلُه، وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاس، وَلِيَعلَمَ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا وَيتَّخِذّ مِنكُم شُهّدَاء}، كما يَعتبِر هذه الضربات الموجعة تدريباً له على تحمل تبعات الطريق، وضريبة لابد منها قبل التمكين في الأرض وإحراز أي نصر مادي، فالضربة التي لا تقصم ظهرك لا تزيده إلا قوة.
- وفي الجانب الآخر نجد الكفار ومن والاهم من المنافقين والمرتدين والعملاء؛
يسخطون وتنهار معنوياتهم حينما يمسهم قرح أو جرح، بالرغم من الإغراءات المادية العظيمة والتغطيات المتواصلة التي يتلقونها خلال حربهم الدائرة، ذلك بأنهم لا ينتظرون سوى الأجر المادي في هذه الحياة الدنيا، ويعيشون لأنفسهم وذواتهم، همهم بطونهم وقبلتهم شهواتهم.
آلام روحية ومعنوية...
تتمثل أساساً في انعدام الأمن، والإحساس بالقلق والخوف الدائمين.
- فالمؤمنون المجاهدون؛يعيشون حالة من الخوف والقلق المصحوب بحالة من الترقب الدائم والحذر الشديد، وهي منحة في صورة محنة، {وَلنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَات}، حيث يضطرون إلى البحث عن أسباب النصر والتمكين، وإحباط خطط وكيد أعدائهم، وهو نفس الحالة التي عاشتها الجماعة الأولى بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الضعف والدعوة قبل التمكين في الأرض، {وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلُُ مستَضعَفُونَ فِي الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُم النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تّشكُرُون}.
- أما أعداؤهم - سواء من هم داخل المعركة أو من هم خارجها -؛ فإنهم يعيشون القلق والخوف الدائمين ويفقدون الأمن والأمان، ولا بديل لهم يلجأون إليه لتعويض ما فقدوه، فتراهم يصابون بالإحباطات النفسية، فمنهم من يقدم على الانتحار للتخلص من هذا الجحيم الدنيوي، ومنهم من يلجأ إلى المخدرات والمسكرات لكي لا يحس بهذا الرعب الدائم.
وهناك الألم الاقتصادي...
أو نقص الأموال والثمرات بالتعبير القرآني.
- حيث أن المؤمن؛ يعتبر ذلك محنة وابتلاء وضرورة لابد من تحملها بالصبر، ما دام أن ذلك كله مجرد وسيلة يتعبد بها لله عز وجل وليست هدفاً في حد ذاتها، فالرزق مضمون بشرط تحقيق الإيمان والعبودية لله عز وجل؛ {وَلَو آمَنَ أَهلُ القُرَى وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ}، فالمؤمن لا يأسف أبداً على ذهاب الدنيا، ويتحرز كثيراً من مغبة السقوط في شراكها على حساب دينه وعقيدته.
- أما عدوه الكافر؛ فالدنيا عنده تمثل كل شيء، ورأينا كم تأثر ولا زال يتأثر اقتصاده وينهار من جراء ما يشنه المجاهدون من هجمات على مؤسساته الاقتصادية، وما ينفقه هذا العدو في حربه الطويلة الأمد في مواجهة المؤمنين، وما يتبع ذلك من كساد في عالم التجارة والسياحة، فيكون بذلك أعداؤنا هم أكبر الخاسرين والمتألمين في هذه الحرب الدائرة.
وضربُ العدو في اقتصاده؛ هو سنة محمدية علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال سرايا الجهاد الإسلامي التي كان يبعثها من المدينة لتتعرض قوافل المشركين، ودامت أكثر من سبعة عشر شهراً، أدت إلى شلّ تجارة المشركين وكسر شوكتهم الاقتصادية والمالية، وقد ساهم ذلك وأدى إلى كسر شوكتهم السياسية والعسكرية كنتيجة حتمية لاستنزاف طويل الأمد، لم يملك العدو معه مقاومة ولا بديلاً.
الألم السياسي...
ويتمثل في ذهاب تلك الهالة المزيفة التي يضفيها العدو على نفسه فيبدو للآخرين على أنه الأقوى والأجدر بالاتباع؛ {مَا أُرِيكُم إِلاَّ مَا أَرى، وَمَا َأهدِيكُم إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشّاد}، فتساهم هزيمته العسكرية في كسر هذه الهالة، وفقدان هذه القوة السياسية بفقدان الأتباع والظهور بمظهر الضعيف الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه فضلاً عن حماية غيره، وهذا ألم فظيع يُضاف إلى الآلام السابقة، ومبادئ العدو لا قيمة ولا وزن لها إلا إذا تحققت على أرض الواقع، بالسيف والحديد تارة، وبالإغراءات المادية تارة أخرى، وإذا ما غابت أحد هاتين الوسيلتين أفل نجمه وذهبت معه هذه الهالة.
- أما المؤمنون؛ فإن غياب مذهبهم عن الساحة يعتبر نقطة قوة في حد ذاتها، حيث يجرب الناس المذاهب الباطلة ويذوقون مرارتها ويتجرعونها، فتظهر لهم قيمة الحق ويحن الناس إليه، فيساهم ذلك في تحريضهم على مقاومة هذا الباطل والانضمام إلى أنصار الحق.
- أما المؤمنون؛ فإن غياب الحق وكونه غير مُمَكَّن في الأرض، لا يفتّ من عضدهم فيجلسون للبكاء على الأطلال في وحل اليأس الهزيمة، بل يدفعهم هذا إلى المزيد من العطاء والإعداد والجهاد، يألمون بسبب غيابه، ولكن يرجون من الله ما لا يرجو أعداؤهم، يرجون تحقيق وعد الله لهم بالنصر والتمكين، ويرجون ذهاب الباطل وإزهاقه، ولكن هذا الرجاء مقرون بالعمل والتضحية والعطاء.
ونصل الآن إلى النقطة الأخيرة في هذا المقال، وتتعلق بالأنصار، ومدى ارتباطهم وتأثيرهم بهذه الآية الكريمة...
إن أنصار المجاهدين يعتبرون طرفاً مهماً وحساساً في الحرب الدائرة، وينطبق عليهم ما ينطبق على المجاهدين من ضرورة تحمل الألم كثمن لهذه النصرة، فهم يُعتبرون الصف الثاني في هذه المعارك، وبهم يتمكن المجاهدون من مواصلة الصراع، حيث يجدون فيهم السند والملجأ والملاذ – بعد الله تعالى - فنصر الله يتحقق بأيدي المؤمنين، والمؤمنون يكونون أقوياء ومنصورون بأنصارهم، {هُوَ الَّذِي أّيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالُمؤمِنِين}.
أما آلام الأنصار؛ فتتمثل أساساً في محاولات الأعداء لكشفهم ثم مطاردتهم أو محاصرتهم أو اعتقالهم بهدف إيقاف مدهم للمجاهدين، لأنهم أدركوا أهمية دورهم في المعركة.
ولابد لهؤلاء الأنصار أن يستشعروا أهمية هذا الدور ومدى مساهمته في مسيرة الجهاد، فلا يشعروا بالخوف وليتحملوا تبعات نصرتهم من آلام وإحساس بالضيق والحصار، فهم والمجاهدون في ساحات المعارك سيان، كل واحد واقف على ثغره المناسب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وليستحضر هؤلاء الأنصار ما يرجون عند الله لتهون أمامه كل الآلام والصعاب؛ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله، وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقّاً، لَهُم مَغفِرَةُُ وَرِزقُُ كَرِيم}.
وليعلم الأنصار أن الذي يقعد ويتقاعس عن نصرة المجاهدين سيتألم أكثر وسيخسر أكثر مما يخسره المجاهدون، ولكن في سبيل نصرة الباطل أو - في أخف الحالات - خذلان الحق، فالتضحية والنفقة محتمة على الجميع، والآلام والآهات ستطال الجميع، فلتكن في سبيل الله، ولنجعلها في خدمة دينه ونصرة أوليائه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتحمل آلام وتبعات نصرة دينه، ويرزقنا الصبر للثبات على منهجه، ولا يحمِّلنا من الأمر ما لا نطيق، حتى لا يجعلنا فتنة للذين كفروا،
إنه سميع مجيب قريب.
[1] (http://ArabAlsahel.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref1) في ظلال القرآن / تفسير سورة النساء: ص750.
أبو سعد العاملي