محمد حسين يعقوب
03-01-2010, 05:18 AM
لوشر رحالة اميركي , زار عددا من بلدان الشرق, ودون جميع مذكراته وملاحظاته في كتابه المسمى "مع النجمة والهلال" with star and crescent والمطبوع في فيلادلفيا سنة 1890 من قبل شركة اثينا للطباعة والنشر , وفيما يخص مشاهداته ومذكراته عن الساحل الشرقي ( بر فارس ) , قام بترجمتها الاستاذ الفاضل عبدالله بن ناصر الصانع- رحمة الله عليه حيا وميتا- وطبعها في كتيب صغير سماه "الكويت عام 1868 م" في سنة 1959م في مطبعة الطلبة بالكويت.
وصف طريق الباخرة: يقول لوشر : غادرنا مدينة " بومبي" الهندية في 3 مارس سنة 1868 م/1286 هـ, انا والسنيور الايطالي "بطرس" المرسل من قبل امبراطور فرنسا "نابليون الثالث" الى نجد والعراق لشراء مجموعة من اصائل الخيول العربية, ووصلنا الى الميناء الهندي "مازيكون" mazegon وركبنا السفينة البخارية " بينانك" panang المتجهة الى العراق.
في صبيحة 8 مارس 1868 م وصلنا الى ميناء مدينة "مسقط" وهي عاصمة حكومة مسقط المستقلة , ونفوسها بين الستين والسبعين الفا , وفيها قنصلية بريطانية .
غادرنا مسقط ومررنا بميناء صغير جميل اسمه "كوبرا" Gobra وبعده دخلنا مضيق "هرمز" ormus , وهو المدخل لكل السفن التي تدخل الى خليج العرب , ثم مررنا بجزيرة "مسندروم" musendrom يقصد جزيرة مسندم- وفيها محطة للبرقية تملكها شركة التلغراف الهندية الاوروبية, وبها بيت صخري صغير يسكنه اربعة اشخاص انجليز يديرون محطة البرقية .
ثم وصلنا الى ميناء " بندر عباس" , ورست باخرتنا بعيدا عن الساحل بحوالى الميل والنصف, ويوجد بهذا الميناء موظف واحد يمسك بيدة كل السلطات, وبيوت مدينة بندر عباس نحو مئتين ,وهي عبارة عن اكواخ من الطين تستقر على الاوحال والاقذار, انها مدينة تعيسة . ثم وصلنا قرية ميناء لنجة يقصد بها بندر لنجة, وهي ليست بعيدة من نهر "كنكون" cangoon ويسكن هذه القرية عشائر الساحل العربية, بيوتها مبنية من الطين وشوارعها نظيفة, ويكثر فيها النخيل, واهالى لنجة عرب محافظون على اصولهم وصفاتهم ومظاهرهم ولغتهم العربية, ولنجة مؤجرة من شيخ العرب في البحرين الى شاه ايران بمبلغ طيب يدفع له, ثم اتجهنا الى ميناء "بندر بو شهر" وسبب كثرة الرمال المتراكمة على الساحل رست باخرتنا بعيدة عنه بمسافة ميل, وهذا الميناء من الموانئ الرئيسية لفارس ويسكنها بين خمسة عشر وعشرين الف نسمة اغلبهم فرس وافغان, وتظهر مدينة "بندر بوشهر" للرائي وكأنها مستقرة في البحر بقصورها الصفراء وبيوتها الطينية, وتكثر فيها الكلاب السائبة المزعجة, ويوجد فيها قنصلية بريطانية ومحطة برق تابعة لشركة التلغراف الهندية الاوروبية, ثم اتجهت باخرتنا الى جهة الغرب من الخليج لزيارة "الكويت" kuweit او "القرين" kurein فسارت الى الجنوب من جزيرة "كاراك" karak وفيها قلعة فارسية محطمة يسكنها بعض الجنود الفرس نصف الجياع, ثم مرت باخرتنا الى الجنوب من جزيرة صغيرة اسمها "فيلجه" Feludsheh - يقصد فيلكا- وهي جزيرة منخضفة ومستوية ورملية, ترى بصعوبة فوق مستوى البحر, وهي ملك للشيخ حاكم الكويت.
رسو الباخرة في ميناء الكويت وكيفية الاستقبال: ولما دخلت باخرتنا خليج "جون" الكويت , اطلقت مدافعها ثلاث طلقات تحية لميناء الكويت, فانتبه سكان الميناء لصوت هذه الطلقات , فجاؤا الى الساحل متدافعين وملوحين لنا بايديهم , ثم بعد ذلك وصلنا الى ميناء "الكويت" kuweit ورست باخرتنا على بعد ميل ونصف من ساحل البحر , وسفينتنا اول سفينة بخارية "تتحرك بواسطة المكائن البخارية" تزور ميناء الكويت وزيارتها هذه تمت بسبب احد المسافرين من اهل الكويت, وهو تاجر عربي غني جدا جاء معنا من الهند, وحمل سطح السفينة بمئات من البالات لمختلف البضائع التي اشتراها من مدينة بومبي الهندية, وهذا التاجر الكويتي هو احد الاقرباء المقربين لشيخ الكويت , ووعد الشركة صاحبة سفينتنا البخارية بالتوسط لدى الشيخ حاكم الكويت بتوفير كل التسهيلات وكامل الرعاية للسفينة اذا كررت زياراتها للكويت في كل شهر مرة.
حاكم الكويت في ايام زيارة هذه السفينة هو : الشيخ عبدالله الثاني "ت 1309ه¯ 1892 م" بن صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح, وهو الحاكم الخامس للكويت من اسرة آل صباح.
التاجر العربي الغني جدا قريب حاكم الكويت الذي يشير له لوشر هو : الشيخ يوسف "ت 1324 ه¯/ 1907م" بن عبدالله آل ابراهيم "خال آل صباح- كما يقول العرب : خال الواحد خال الكل".
ويستمر لوشر في كلامه قائلا: ان خليج ميناء الكويت شبيه بالمرآة وتطوقه الصحراء الرملية من الشمال والجنوب والغرب, ولقد رأينا مراكب عدة بعضها مسحوبة الى الساحل لتجف ,وهذه المراكب المسحوبة تشبه مجموعات هائلة من التماسيح خرجت من الماء لتصطلي تحت اشعة الشمس الملتهبة وبعد ان رست سفينتنا سمعنا فجأة صوت طلقتين متعاقبتين "تحية لسفينتنا القادمة لمينائهم حسب اعراف اهل البحر" واحدة بعد الاخرى , وصوتهما خافت , وبعدهما مباشرة سمعنا صوت انفجار كالرعد فوق الماء مع صوت اصطدام مريع احدث اضطرابا شديدا بين جموع السكان المزدحمة على الساحل لمشاهدة سفينتنا البخارية, وتوقف الرمي ولم يكملوا رمي الطلقات الكافية لتحية سفينتنا.
يقول لوشر: عرفنا فيما بعد من شيخ الكويت ان احد مدافعه قد انفجر ,وقتل رجلين , وجرح اربعة او خمسة رجال , فثبطت عزيمة رجال المدفعية بسبب هذا الحادث المؤلم , فأوقفوا الرمي من المدافع.
وبعد برهة توجه لاستقبالنا زورق كبير, يقل الشيخ حاكم الكويت عبدالله بن صباح بن جابر آل صباح, وصنعت قمرة هذا الزورق من الخشب, وفرشت بزولية "سجادة" خضراء كبيرة, وعدد الملاحين في هذا الزورق يتراوح بين عشرة واثنى عشر , وهم من العرب الاقوياء العراة الى وسطهم, وهم يجدفون زورقهم نحو باخرتنا بسرعة كبيرة, وكان ماسك السكان "السكوني" عبدا اسود غليظ الجسم ذا حجم هائل , يغني بصوت جهوري بنغمات طويلة تشجع الملاحين على مداومة التجديف , والملاحون يشاركون هذا العبد الاسود الغليظ بالانشاد بصوت رخيم وطويل وكئيب, بعد نهاية كل مقطع من مقاطع اغنيته.
ويزدحم الزورق برجال مظاهرهم حسنة وملابسهم بدوية ذات الوان زاهية وجميعهم مسلحون ببنادق ضخمة طويلة ذات فوهة واحدة " ذات سبطانة واحدة" وبمسدسات ذات اقفال عسرة "فرود تركية" وسيوف محدودبة "سيوف عربية" ويتحزمون بخناجر, ويتقلدون نطاقات "مجاند- جمع مجند" مملوءة بالرصاص , وهؤلاء الرجال الكثيرون العدد المدججون بالسلاح هم الحرس الخاص للشيخ حاكم الكويت, ولما لاصق الزورق باخرتنا قفز الشيخ من قمرته , وصعد الى سطح الباخرة, فاستقبله قريبه التاجر العربي, فتعانق الاثنان وفقا للعادات العربية ,وقام التاجر العربي بترجمة كلام شيخ الكويت الى اللغة الهندستانية التي يفهمها ربان الباخرة الاسكتلندي الانيق في ملابسه وهندامه.
وصف الحاكم
لوشر يصف الشيخ حاكم الكويت: كان حاكم الكويت , طويلا مفتول العضلات ملامحه لطيفة, له لحية بيضاء طويلة, عمره يقارب الثمانين سنة, تبدو على وجهه ملامح الذكاء والفطنة, وعندما يتكلم مع الاخرين فان كلامه في غاية الادب ويتميز بعاداته العربية, ويلبس ملابس عربية من الحرير الفاخر, ويرتدي عباءة ارجوانية موشاة بالذهب, ويداه تشعان بالالماس , ويلف على وسطه وشاحا حريريا ابيض غرس فيه خنجرا ذات مقبض من الذهب المطعم باللؤلؤ والفيروز والياقوت والزمرد.
خلال تجوال الشيخ داخل السفينة شاهد غرفة المكائن فانشرح صدره واعجب برؤية هذه المكائن التي تحرك وتسير السفينة على الماء لان سفينتنا هي اول سفينة بخارية تزور ميناء مدينة الكويت, وعندما مر الشيخ بين جموع المسافرين على هذه السفينة كان يستقبل من الجميع استقبالا راقيا محترما حسب العادات الشرقية, فركاب السفينة خليط من الهنود والايرانيين والافغانيين والعرب والاوروبيين , بعد انتهاء الجولة تناول الشيخ بعض المرطبات, والقهوة السادة المركزة المصنوعة حسب الطريقة الشرقية , وعصير الليمون الشرقي, وبعض الحلويات , وبعد ذلك وجه شيخ الكويت الدعوة لجميع المسافرين الاوروبيين لتناول طعام الغداء معه في قصره وتمضية المساء في مدينة الكويت, وعلى الفور اصدر الشيخ امره بتهيئة زورق لنا ليأخذنا عند الفجر من السفينة الى الساحل, ولما نزلنا على البر رأينا الساحل مزدحما بالمشاهدين من الجنسين, وجميع السكان مشتاقون لرؤية ربان سفينة النار,التي تحركها المكائن, ولا تعتمد على الشراع والمجداف ودفع الهواء.
ولقد تدافع علينا البشر من اهل الكويت لمشاهدة هؤلاء الافرنج "الاوروبيين" ولكننا تمكنا من العبور بينهم بصعوبة بمساعدة حرس الشيخ المرافقين لنا, فوصلنا الى قصر الشيخ المربع المبني من الطابوق, وفي وسطه يوجد ساحة كبيرة زرع وسطها بحديقة تتكون من مجموعة من الاشجار الصغيرة ومجموعة من الورود والازهار.
عند دخولنا الى القصر سار امامنا الشيخ الى قاعة الاستقبال, وهي عبارة عن غرفة كبيرة واسعة لها شباكان للتهوية, ويفتح بابها على ساحة القصر ومصبوغة باللون الابيض ويزين سقفها نقوش زرقاء صغيرة, ليس فيها من رسوم الاشياء الحية شيئ لان الدين الاسلامي ينهى عن رسم الكائنات الحية, وفرشت ارضية هذه القاعة بسجاد فارسي ثمين, وضعت حول حيطانها مضارب محشوة بالقطن قريبة من الارض للجلوس عليها , وطريقة الجلوس عند العرب والترك والفرس, رجالا ونساء هي التربع فهم يتربعون على هذه المضارب" المطارح" المحشوة بالقطن, ان وجدت وإلا يجلسون متربعين على سجاد الغرفة, ويمضون الساعات الطوال وهم على هذه الحالة متربعين بدون كلل او ملل, اما الاوروبيون فانهم يكرهون هذه الجلسة ويملونها بسرعة, ومن عادات المسلمين ايضا قبل دخول الغرفة والجلوس فيها نزع احذيتهم وتركها عند باب الغرفة وعند خروجهم من الغرفة فانهم يلبسون احذيتهم المتروكة عند باب الغرفة من الخارج, ومن عادة المسلمين ايضا انه لا يخلعون اغطية رؤوسهم إلا عند النوم فقط, لهذا يستحسن للاوروبيين ألا يخلعوا قبعاتهم عند حضورهم مجالس المسلمين.
بعدما جلسنا في قاعة الاستقبال, دارت الاحاديث الشيقة بين شيخ الكويت وربان السفينة , وكان التاجر العربي قريب الشيخ يقوم بدور المترجم, ثم قدمت لنا النارجيلات والشطوب "الغلايين جمع ملأوها غليون" حملها الينا اربعة من العبيد بعد ان ملأوها بالتبغ العطري, فاخذنا ندخن باشتياق عظيم , ثم بعد ذلك احضر لنا العبيد مبخرة فضية ثقيلة تشبه الشمعدان وضعوها في القاعة فانتشر دخانها معطر النفيس في كل ارجاء القاعة.
وتوزع العبيد في الجلوس , حيث جلس بجانب كل اوروبي عبد , وجلس بجانب الشيخ عبد وجلس كذلك عبد اخر بجانب قريب الشيخ التاجر العربي ووظيفة هؤلاء العبيد هي الخدمة وتوفير الراحة للجالسين , فهم يقومون بتحريك مراوح كبيرة من ريش النعام لتلطيف الجو بالهواء الناتج من تحريك المراوح "مهفات - جمع مهفة" ولطرد الذباب.
ثم قدم لنا العبيد القهوة العربية الفاخرة المركزة جدا بفناجيل (فناجين) صغيرة من الذهب , ثم بعد ذلك قدمت لنا اقداحا مملوءة بشربت الورد, الشراب الفارسي الفاخر, اما شراب النبيذ والكحوليات من اي نوع كانت فهي محرمة عند المسلمين, وقدموا لنا الحلوى المسقطية.
التجوال في مدينة الكويت:
لما عزمنا على التجول في مدينة الكويت kuweit او القرين kurein لرؤية معالم المدينة امر الشيخ ثمانية من الحرس ليرافقونا وقد وجدنا المدينة تشبه الى حد كبير مدينة مسقط, ولكن الفرق بينهما هو النظافة الملحوظة, فمدينة الكويت تظهر كمدينة عربية فائقة النظافة, وهي ميناء , ويبلغ سكان المدينة بين خمسة عشر الى عشرين الفا اغلبهم عرب خلص, والمدينة محاطة من الشمال والجنوب والغرب بصحراء مقفرة , وجوها حار لدرجة مخيفة, واغلب بيوت المدينة البعيدة عن ساحل البحر تطمرها الرمال السافية, ويوجد بها بعض الواحات الصغيرة المنتشرة في الصحراء على بعد ثلاثين ميلا عن المدينة.
أكثر سكان الكويت يمارسون مهنة التجارة او الملاحة, فهم يتاجرون مع البصرة والساحل الفارسي ومع عشائر بدو الصحراء, والكثير من الاهالى يربون قطعانا من الاغنام والماعز والابل والخيل والحمير, وجمالهم مشهورة في جميع البلاد العربية بسرعتها الفائقة وطول احتمالها وصبرها , وحميرهم هي الاخرى مشهورة وتتميز بانها ناصعة البياض.
نساء الكويت مشهورات بمهارتهن في صناعة جميع الاعمال اليدوية ويعتبرن اشد نساء الخليج ملاحة.
وجبة الغداء
لوشر يصف طعام الغداء على سفرة الشيخ: وضع في كل جانب من جوانب السفرة كأسان فضيتان, احداهما مملوءة بالماء, والاخرى مملوءة بلبن الخلفات "النياق الوالدة اللبونة" ووضع على السفرة طقم فضي جميل لكل ادوات الاكل وجميعها مصنوعة في اوروبا ويستخدمها الاوروبيون في تناول الاكل, وعندما رأيناها كنا مشتاقين لرؤية الشيخ وابن اخيه الجريء وهما يستخدمان هذه الادوات التي يستخدمها المتمدنون المتأنقون.
لقد جلب لنا العبيد الكثير من صحون الطعام المختلفة, وتحتوي على لحم جمل محمر ولحم الماعز المسلوق, ولحم الضأن المحمر , ولحم الدجاج وثلاثة انواع مختلفة من السمك, وصحن كبير يحتوي على الرز المطبق وعليه الزبد وحشو البصل واللوز والكشمش والدجاج المقلي, ويعتبر هذا النوع الصحن الشعبي للبلاد العربية , والى جانب هذه الصحون قدم لنا الكثير من الخضراوات والفواكه التي جلبت من البصرة, وكان غداؤنا طيبا وهو في الحقيقة انفس كثيرا مما يقدمه سيد الطباخين chef de cuisine في مطاعم اوروبا.
ولا ننسى ايضا الخبز الجيد الذي قدم لنا على هيئة الطابق pancaka المصنوع من الحنطة.
وبعد ان تفحص الشيخ الاكل وتأكد من جودته وسلامته, وحالما انتهت اختبارات الشيخ للطعام امرنا بالاكل فانقضضنا جميعا على طعام الغداء, وفي بداية تناول الاكل استخدم الشيخ وقريبه شوكتيهما وملعقتيهما, ثم تركا هذه الادوات واستخدما اصابع يديهما, فالشوكات والملاعق لا تستعمل ابدا من قبل شعوب الشرق.
النوم على السطح: وفي المساء فرش فراشنا على سطح المنزل ونمنا على السطح , وهو المكان الوحيد المفتوح للهواء النقي, وهو نوع خال من الغبار والحشرات, واحسن مكان للتمتع بنسيم المساء.
ونحن فوق السطح مساء شاهدنا في الأفق البعيد عدة مسافرين يبتعدون عن المدينة بعضهم يمشي راجلا والبعض الآخر على ظهور الجمال او الخيل , انهم يبدون لنا كاشباح مظلمة حيث تتباين مناظرهم تباينا غريبا خلال الافق الذهبي الذي يرتسم فوق المنطقة التي يمشون فيها.
وصف طريق الباخرة: يقول لوشر : غادرنا مدينة " بومبي" الهندية في 3 مارس سنة 1868 م/1286 هـ, انا والسنيور الايطالي "بطرس" المرسل من قبل امبراطور فرنسا "نابليون الثالث" الى نجد والعراق لشراء مجموعة من اصائل الخيول العربية, ووصلنا الى الميناء الهندي "مازيكون" mazegon وركبنا السفينة البخارية " بينانك" panang المتجهة الى العراق.
في صبيحة 8 مارس 1868 م وصلنا الى ميناء مدينة "مسقط" وهي عاصمة حكومة مسقط المستقلة , ونفوسها بين الستين والسبعين الفا , وفيها قنصلية بريطانية .
غادرنا مسقط ومررنا بميناء صغير جميل اسمه "كوبرا" Gobra وبعده دخلنا مضيق "هرمز" ormus , وهو المدخل لكل السفن التي تدخل الى خليج العرب , ثم مررنا بجزيرة "مسندروم" musendrom يقصد جزيرة مسندم- وفيها محطة للبرقية تملكها شركة التلغراف الهندية الاوروبية, وبها بيت صخري صغير يسكنه اربعة اشخاص انجليز يديرون محطة البرقية .
ثم وصلنا الى ميناء " بندر عباس" , ورست باخرتنا بعيدا عن الساحل بحوالى الميل والنصف, ويوجد بهذا الميناء موظف واحد يمسك بيدة كل السلطات, وبيوت مدينة بندر عباس نحو مئتين ,وهي عبارة عن اكواخ من الطين تستقر على الاوحال والاقذار, انها مدينة تعيسة . ثم وصلنا قرية ميناء لنجة يقصد بها بندر لنجة, وهي ليست بعيدة من نهر "كنكون" cangoon ويسكن هذه القرية عشائر الساحل العربية, بيوتها مبنية من الطين وشوارعها نظيفة, ويكثر فيها النخيل, واهالى لنجة عرب محافظون على اصولهم وصفاتهم ومظاهرهم ولغتهم العربية, ولنجة مؤجرة من شيخ العرب في البحرين الى شاه ايران بمبلغ طيب يدفع له, ثم اتجهنا الى ميناء "بندر بو شهر" وسبب كثرة الرمال المتراكمة على الساحل رست باخرتنا بعيدة عنه بمسافة ميل, وهذا الميناء من الموانئ الرئيسية لفارس ويسكنها بين خمسة عشر وعشرين الف نسمة اغلبهم فرس وافغان, وتظهر مدينة "بندر بوشهر" للرائي وكأنها مستقرة في البحر بقصورها الصفراء وبيوتها الطينية, وتكثر فيها الكلاب السائبة المزعجة, ويوجد فيها قنصلية بريطانية ومحطة برق تابعة لشركة التلغراف الهندية الاوروبية, ثم اتجهت باخرتنا الى جهة الغرب من الخليج لزيارة "الكويت" kuweit او "القرين" kurein فسارت الى الجنوب من جزيرة "كاراك" karak وفيها قلعة فارسية محطمة يسكنها بعض الجنود الفرس نصف الجياع, ثم مرت باخرتنا الى الجنوب من جزيرة صغيرة اسمها "فيلجه" Feludsheh - يقصد فيلكا- وهي جزيرة منخضفة ومستوية ورملية, ترى بصعوبة فوق مستوى البحر, وهي ملك للشيخ حاكم الكويت.
رسو الباخرة في ميناء الكويت وكيفية الاستقبال: ولما دخلت باخرتنا خليج "جون" الكويت , اطلقت مدافعها ثلاث طلقات تحية لميناء الكويت, فانتبه سكان الميناء لصوت هذه الطلقات , فجاؤا الى الساحل متدافعين وملوحين لنا بايديهم , ثم بعد ذلك وصلنا الى ميناء "الكويت" kuweit ورست باخرتنا على بعد ميل ونصف من ساحل البحر , وسفينتنا اول سفينة بخارية "تتحرك بواسطة المكائن البخارية" تزور ميناء الكويت وزيارتها هذه تمت بسبب احد المسافرين من اهل الكويت, وهو تاجر عربي غني جدا جاء معنا من الهند, وحمل سطح السفينة بمئات من البالات لمختلف البضائع التي اشتراها من مدينة بومبي الهندية, وهذا التاجر الكويتي هو احد الاقرباء المقربين لشيخ الكويت , ووعد الشركة صاحبة سفينتنا البخارية بالتوسط لدى الشيخ حاكم الكويت بتوفير كل التسهيلات وكامل الرعاية للسفينة اذا كررت زياراتها للكويت في كل شهر مرة.
حاكم الكويت في ايام زيارة هذه السفينة هو : الشيخ عبدالله الثاني "ت 1309ه¯ 1892 م" بن صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح, وهو الحاكم الخامس للكويت من اسرة آل صباح.
التاجر العربي الغني جدا قريب حاكم الكويت الذي يشير له لوشر هو : الشيخ يوسف "ت 1324 ه¯/ 1907م" بن عبدالله آل ابراهيم "خال آل صباح- كما يقول العرب : خال الواحد خال الكل".
ويستمر لوشر في كلامه قائلا: ان خليج ميناء الكويت شبيه بالمرآة وتطوقه الصحراء الرملية من الشمال والجنوب والغرب, ولقد رأينا مراكب عدة بعضها مسحوبة الى الساحل لتجف ,وهذه المراكب المسحوبة تشبه مجموعات هائلة من التماسيح خرجت من الماء لتصطلي تحت اشعة الشمس الملتهبة وبعد ان رست سفينتنا سمعنا فجأة صوت طلقتين متعاقبتين "تحية لسفينتنا القادمة لمينائهم حسب اعراف اهل البحر" واحدة بعد الاخرى , وصوتهما خافت , وبعدهما مباشرة سمعنا صوت انفجار كالرعد فوق الماء مع صوت اصطدام مريع احدث اضطرابا شديدا بين جموع السكان المزدحمة على الساحل لمشاهدة سفينتنا البخارية, وتوقف الرمي ولم يكملوا رمي الطلقات الكافية لتحية سفينتنا.
يقول لوشر: عرفنا فيما بعد من شيخ الكويت ان احد مدافعه قد انفجر ,وقتل رجلين , وجرح اربعة او خمسة رجال , فثبطت عزيمة رجال المدفعية بسبب هذا الحادث المؤلم , فأوقفوا الرمي من المدافع.
وبعد برهة توجه لاستقبالنا زورق كبير, يقل الشيخ حاكم الكويت عبدالله بن صباح بن جابر آل صباح, وصنعت قمرة هذا الزورق من الخشب, وفرشت بزولية "سجادة" خضراء كبيرة, وعدد الملاحين في هذا الزورق يتراوح بين عشرة واثنى عشر , وهم من العرب الاقوياء العراة الى وسطهم, وهم يجدفون زورقهم نحو باخرتنا بسرعة كبيرة, وكان ماسك السكان "السكوني" عبدا اسود غليظ الجسم ذا حجم هائل , يغني بصوت جهوري بنغمات طويلة تشجع الملاحين على مداومة التجديف , والملاحون يشاركون هذا العبد الاسود الغليظ بالانشاد بصوت رخيم وطويل وكئيب, بعد نهاية كل مقطع من مقاطع اغنيته.
ويزدحم الزورق برجال مظاهرهم حسنة وملابسهم بدوية ذات الوان زاهية وجميعهم مسلحون ببنادق ضخمة طويلة ذات فوهة واحدة " ذات سبطانة واحدة" وبمسدسات ذات اقفال عسرة "فرود تركية" وسيوف محدودبة "سيوف عربية" ويتحزمون بخناجر, ويتقلدون نطاقات "مجاند- جمع مجند" مملوءة بالرصاص , وهؤلاء الرجال الكثيرون العدد المدججون بالسلاح هم الحرس الخاص للشيخ حاكم الكويت, ولما لاصق الزورق باخرتنا قفز الشيخ من قمرته , وصعد الى سطح الباخرة, فاستقبله قريبه التاجر العربي, فتعانق الاثنان وفقا للعادات العربية ,وقام التاجر العربي بترجمة كلام شيخ الكويت الى اللغة الهندستانية التي يفهمها ربان الباخرة الاسكتلندي الانيق في ملابسه وهندامه.
وصف الحاكم
لوشر يصف الشيخ حاكم الكويت: كان حاكم الكويت , طويلا مفتول العضلات ملامحه لطيفة, له لحية بيضاء طويلة, عمره يقارب الثمانين سنة, تبدو على وجهه ملامح الذكاء والفطنة, وعندما يتكلم مع الاخرين فان كلامه في غاية الادب ويتميز بعاداته العربية, ويلبس ملابس عربية من الحرير الفاخر, ويرتدي عباءة ارجوانية موشاة بالذهب, ويداه تشعان بالالماس , ويلف على وسطه وشاحا حريريا ابيض غرس فيه خنجرا ذات مقبض من الذهب المطعم باللؤلؤ والفيروز والياقوت والزمرد.
خلال تجوال الشيخ داخل السفينة شاهد غرفة المكائن فانشرح صدره واعجب برؤية هذه المكائن التي تحرك وتسير السفينة على الماء لان سفينتنا هي اول سفينة بخارية تزور ميناء مدينة الكويت, وعندما مر الشيخ بين جموع المسافرين على هذه السفينة كان يستقبل من الجميع استقبالا راقيا محترما حسب العادات الشرقية, فركاب السفينة خليط من الهنود والايرانيين والافغانيين والعرب والاوروبيين , بعد انتهاء الجولة تناول الشيخ بعض المرطبات, والقهوة السادة المركزة المصنوعة حسب الطريقة الشرقية , وعصير الليمون الشرقي, وبعض الحلويات , وبعد ذلك وجه شيخ الكويت الدعوة لجميع المسافرين الاوروبيين لتناول طعام الغداء معه في قصره وتمضية المساء في مدينة الكويت, وعلى الفور اصدر الشيخ امره بتهيئة زورق لنا ليأخذنا عند الفجر من السفينة الى الساحل, ولما نزلنا على البر رأينا الساحل مزدحما بالمشاهدين من الجنسين, وجميع السكان مشتاقون لرؤية ربان سفينة النار,التي تحركها المكائن, ولا تعتمد على الشراع والمجداف ودفع الهواء.
ولقد تدافع علينا البشر من اهل الكويت لمشاهدة هؤلاء الافرنج "الاوروبيين" ولكننا تمكنا من العبور بينهم بصعوبة بمساعدة حرس الشيخ المرافقين لنا, فوصلنا الى قصر الشيخ المربع المبني من الطابوق, وفي وسطه يوجد ساحة كبيرة زرع وسطها بحديقة تتكون من مجموعة من الاشجار الصغيرة ومجموعة من الورود والازهار.
عند دخولنا الى القصر سار امامنا الشيخ الى قاعة الاستقبال, وهي عبارة عن غرفة كبيرة واسعة لها شباكان للتهوية, ويفتح بابها على ساحة القصر ومصبوغة باللون الابيض ويزين سقفها نقوش زرقاء صغيرة, ليس فيها من رسوم الاشياء الحية شيئ لان الدين الاسلامي ينهى عن رسم الكائنات الحية, وفرشت ارضية هذه القاعة بسجاد فارسي ثمين, وضعت حول حيطانها مضارب محشوة بالقطن قريبة من الارض للجلوس عليها , وطريقة الجلوس عند العرب والترك والفرس, رجالا ونساء هي التربع فهم يتربعون على هذه المضارب" المطارح" المحشوة بالقطن, ان وجدت وإلا يجلسون متربعين على سجاد الغرفة, ويمضون الساعات الطوال وهم على هذه الحالة متربعين بدون كلل او ملل, اما الاوروبيون فانهم يكرهون هذه الجلسة ويملونها بسرعة, ومن عادات المسلمين ايضا قبل دخول الغرفة والجلوس فيها نزع احذيتهم وتركها عند باب الغرفة وعند خروجهم من الغرفة فانهم يلبسون احذيتهم المتروكة عند باب الغرفة من الخارج, ومن عادة المسلمين ايضا انه لا يخلعون اغطية رؤوسهم إلا عند النوم فقط, لهذا يستحسن للاوروبيين ألا يخلعوا قبعاتهم عند حضورهم مجالس المسلمين.
بعدما جلسنا في قاعة الاستقبال, دارت الاحاديث الشيقة بين شيخ الكويت وربان السفينة , وكان التاجر العربي قريب الشيخ يقوم بدور المترجم, ثم قدمت لنا النارجيلات والشطوب "الغلايين جمع ملأوها غليون" حملها الينا اربعة من العبيد بعد ان ملأوها بالتبغ العطري, فاخذنا ندخن باشتياق عظيم , ثم بعد ذلك احضر لنا العبيد مبخرة فضية ثقيلة تشبه الشمعدان وضعوها في القاعة فانتشر دخانها معطر النفيس في كل ارجاء القاعة.
وتوزع العبيد في الجلوس , حيث جلس بجانب كل اوروبي عبد , وجلس بجانب الشيخ عبد وجلس كذلك عبد اخر بجانب قريب الشيخ التاجر العربي ووظيفة هؤلاء العبيد هي الخدمة وتوفير الراحة للجالسين , فهم يقومون بتحريك مراوح كبيرة من ريش النعام لتلطيف الجو بالهواء الناتج من تحريك المراوح "مهفات - جمع مهفة" ولطرد الذباب.
ثم قدم لنا العبيد القهوة العربية الفاخرة المركزة جدا بفناجيل (فناجين) صغيرة من الذهب , ثم بعد ذلك قدمت لنا اقداحا مملوءة بشربت الورد, الشراب الفارسي الفاخر, اما شراب النبيذ والكحوليات من اي نوع كانت فهي محرمة عند المسلمين, وقدموا لنا الحلوى المسقطية.
التجوال في مدينة الكويت:
لما عزمنا على التجول في مدينة الكويت kuweit او القرين kurein لرؤية معالم المدينة امر الشيخ ثمانية من الحرس ليرافقونا وقد وجدنا المدينة تشبه الى حد كبير مدينة مسقط, ولكن الفرق بينهما هو النظافة الملحوظة, فمدينة الكويت تظهر كمدينة عربية فائقة النظافة, وهي ميناء , ويبلغ سكان المدينة بين خمسة عشر الى عشرين الفا اغلبهم عرب خلص, والمدينة محاطة من الشمال والجنوب والغرب بصحراء مقفرة , وجوها حار لدرجة مخيفة, واغلب بيوت المدينة البعيدة عن ساحل البحر تطمرها الرمال السافية, ويوجد بها بعض الواحات الصغيرة المنتشرة في الصحراء على بعد ثلاثين ميلا عن المدينة.
أكثر سكان الكويت يمارسون مهنة التجارة او الملاحة, فهم يتاجرون مع البصرة والساحل الفارسي ومع عشائر بدو الصحراء, والكثير من الاهالى يربون قطعانا من الاغنام والماعز والابل والخيل والحمير, وجمالهم مشهورة في جميع البلاد العربية بسرعتها الفائقة وطول احتمالها وصبرها , وحميرهم هي الاخرى مشهورة وتتميز بانها ناصعة البياض.
نساء الكويت مشهورات بمهارتهن في صناعة جميع الاعمال اليدوية ويعتبرن اشد نساء الخليج ملاحة.
وجبة الغداء
لوشر يصف طعام الغداء على سفرة الشيخ: وضع في كل جانب من جوانب السفرة كأسان فضيتان, احداهما مملوءة بالماء, والاخرى مملوءة بلبن الخلفات "النياق الوالدة اللبونة" ووضع على السفرة طقم فضي جميل لكل ادوات الاكل وجميعها مصنوعة في اوروبا ويستخدمها الاوروبيون في تناول الاكل, وعندما رأيناها كنا مشتاقين لرؤية الشيخ وابن اخيه الجريء وهما يستخدمان هذه الادوات التي يستخدمها المتمدنون المتأنقون.
لقد جلب لنا العبيد الكثير من صحون الطعام المختلفة, وتحتوي على لحم جمل محمر ولحم الماعز المسلوق, ولحم الضأن المحمر , ولحم الدجاج وثلاثة انواع مختلفة من السمك, وصحن كبير يحتوي على الرز المطبق وعليه الزبد وحشو البصل واللوز والكشمش والدجاج المقلي, ويعتبر هذا النوع الصحن الشعبي للبلاد العربية , والى جانب هذه الصحون قدم لنا الكثير من الخضراوات والفواكه التي جلبت من البصرة, وكان غداؤنا طيبا وهو في الحقيقة انفس كثيرا مما يقدمه سيد الطباخين chef de cuisine في مطاعم اوروبا.
ولا ننسى ايضا الخبز الجيد الذي قدم لنا على هيئة الطابق pancaka المصنوع من الحنطة.
وبعد ان تفحص الشيخ الاكل وتأكد من جودته وسلامته, وحالما انتهت اختبارات الشيخ للطعام امرنا بالاكل فانقضضنا جميعا على طعام الغداء, وفي بداية تناول الاكل استخدم الشيخ وقريبه شوكتيهما وملعقتيهما, ثم تركا هذه الادوات واستخدما اصابع يديهما, فالشوكات والملاعق لا تستعمل ابدا من قبل شعوب الشرق.
النوم على السطح: وفي المساء فرش فراشنا على سطح المنزل ونمنا على السطح , وهو المكان الوحيد المفتوح للهواء النقي, وهو نوع خال من الغبار والحشرات, واحسن مكان للتمتع بنسيم المساء.
ونحن فوق السطح مساء شاهدنا في الأفق البعيد عدة مسافرين يبتعدون عن المدينة بعضهم يمشي راجلا والبعض الآخر على ظهور الجمال او الخيل , انهم يبدون لنا كاشباح مظلمة حيث تتباين مناظرهم تباينا غريبا خلال الافق الذهبي الذي يرتسم فوق المنطقة التي يمشون فيها.