عبدالله الحمادي
03-05-2010, 07:49 PM
تقدم مرحلة كولونيالية وأنموذجا للمقاومة
"الأمير الثائر" لسلطان.. قراءة معمقة في التاريخ
http://www.uaezayed.com/sultan/23.jpg
صدوق نور الدين*
يتأسس المنجز الأدبي الإبداعي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على الممارسة الفعلية في جنسين أدبيين يتكاملان ويتقاطعان من حيث المكونات ومقصد إنتاج المعنى: الرواية وفن المسرحية. على أن ما نؤثر الخوض فيه بالكتابة النقدية هو الممارسة الروائية أساسا، بغية الوقوف على طبيعة تشكل البناء الروائي، إلى درجة التخييل الكامنة فيه، بيد أن الاشتراط الذي يفرض نوعية التلقي، وأيضا الذي يتطلب منا استيضاح المحفل الذي تتحرك فيه الممارسة الإبداعية للمؤلف، يتمثل في ثنائية العلاقة بين الروائي والتاريخي.
أسئلة الكتابة
“إن قصة الأمير الثائر، هي قصة حقيقية” فما يتلقى واقع وحقيقة، بحكم كون إنتاج القول الإبداعي تحقق من مرجعية قرائية وثائقية لا يطولها الشك، لكن السؤال: أين تتحدد الروائية، مادام النص يعقد ومتلقيه ميثاقا مرجعيا يتمثل في كوننا بصدد التعامل مع جنس الرواية؟
من ثم فإن الكتابة النقدية تتأطر ضمن سياق هذا الاشتراط الذي يفرضه الروائي بالإفصاح عن عتبة، هي في الجوهر موجهة للتلقي وفق ما سيأتي، على أن ما نريد الإشارة إليه هو كون محفل العلاقة الروائي والتاريخي يمثل موضوعة ضمن البرنامج السردي الروائي عالميا وعربيا، بمعنى آخر، إن الروائي ابتدأ فعل الإنجاز ضمن أطر الإبداع الروائي المألوفة والمتداولة، بحكم أننا نتعرف هنا أصلا وأساسا إلى/ أو على نصين: “الشيخ الأبيض” (1996) و”الأمير الثائر” (1998). لكن ما يصعب إدراكه، أو توقع تلقيه، ما إن كان للدكتور سلطان بن محمد القاسمي، منجز يقع خارج هذا التأطير: الروائي/ التاريخي، كي ما يتم ترسيخ مقارنة بين تجربتين، ومن خلال محفلين ضمن ممارسة إبداعية واحدة.
بنية الرواية
تتشكل بنية “الأمير الثائر” من عتبة مفتاح عبارة عن مقدمة، هذه العتبة تلعب دور توجيه المتلقي كما سلف بغية تحديد تلقي النص، وبالتالي الفصل الحاسم في ما يتعلق بالسؤال: حقيقة أم خيال؟
يقول المؤلف قي العتبة التقديمية:
“إن قصة الأمير الثائر، هي قصة حقيقية” فما يتلقى واقع وحقيقة، بحكم كون إنتاج القول الإبداعي تحقق من مرجعية قرائية وثائقية لا يطولها الشك، لكن السؤال: أين تتحدد الروائية، مادام النص يعقد ومتلقيه ميثاقا مرجعيا يتمثل في كوننا بصدد التعامل مع جنس الرواية؟
هنا، تفرض علينا الكتابة النقدية التفكير، في محاولة للتمييز بين المادة والصيغة، فالمادة مجموعة الأحداث الحقيقية الواقعية المستقاة من مراجع بالتحديد تاريخية، وأما الصيغة، فيجلوها نمط اشتغال المؤلف على المادة، ثم تحضر خاصية الخيال على مستوى البناء، حيث تظهر كفاءة المبدع في نقل وتحويل المادة إلى صيغة روائية تشويقية مثيرة، واللافت أن سلطان ركز على الزمن وبناء الشخصية، معتمدا في تصوري بلاغة الحذف للتركيز على الأهم ما يخدم إنتاجية المعنى.
ولقد تم تقسيم النص إلى فصول مرقمة، من 1 إلى ،14 ولا تحمل عناوين، وتكاد تكون متساوية من حيث الطول، وكأن المؤلف خطط لروايته تخطيطا دقيقا، قبل الشروع في الإنجاز.
مكون الزمن
يمكن القول بأن الروائي وهو يفكر في صيغة تشكل الرواية عمد إلى حصر الحقبة زمنيا، إلى الفضاء مدار مجريات الحدث / الأحداث، هذا الحصر يدفع إلى التحكم في بناء النص، إذا ما ألمحنا لطبيعة الثنائية: روائي /تاريخي، حيث تم التحديد زمنيا وفق التالي: “كانت إمارة بندق الرق في القرن الثامن عشر كغيرها من إمارات ساحل فارس العربية تعتمد في رزقها على التجارة الساحلية بين بندر عباس والبصرة..” (ص: 9 و10).
فما يستنتج من التحديد هو:
1) التركيز على فضاء بندق الرق. 2) حصر الزمن في القرن الثامن عشر.
ومن خلال التحديد، فإن مظاهر وتجليات الزمن تخضع ترتيبا للتوالي، حيث تصاعد تفاعل الأحداث.. والأصل أن التوالي يمتد من 1753 إلى ،1769 فالرواية تتأطر في هذه الحقبة بالذات كأحداث تاريخية.
على أن تلقي الرواية، يجعلنا نقف على التجليات الزمنية التالية، والكامنة في سياق التأطير العام:أولاً الحذف: ومن خلاله يتحقق الإسراع بوتيرة إيقاع الزمن: “في اليوم التالي ظهرا..” (ص 23)
“من خلال عشرين يوما..” (ص 23)
“وفي ليلة الحادي عشر من ديسمبر 1754” (ص 25)ثانيا دقة التحديد التاريخي: ونقف عليها لارتباط الرواية بالانفتاح على جنس من خارجها وأقصد فن الرسائل:
“وما هي إلا أيام وإذا بتلك الرسالة المؤرخة، الرسالة المؤرخة بتاريخ 8 يونيو/حزيران سنة 2756م والمرسلة من قبل المقيم الهولندي..” (ص 23)
ثالثا الترتيب: ويتعلق بالمادة من حيث إخضاعها توثيقا للتدرج، وفق ما دلت عليه الوثائق التاريخية المرتبطة بالحقبة موضوع الإنجاز الروائي.
يمثل مكون الزمن كما ورد في التقديم مهيمنة داخل النص الروائي.. وباعتباره، فإنه ينتج وعيا بالفضاء، إلى كونه معنى ينتج ثقافة ووعيا بما يعد مقاومة للظاهرة الاستعمارية بنزوعاتها التسلطية: “أعجب الأمير مهنا بشخصية الشيخ تامر فتقرب إليه، وتعرف عليه واتخذه صديقا له، تجمعهما أفكار واحدة، ألا وهي الحرية والاستقلال من سيطرة الأجنبي..” (ص 17).
دلالات قوة الشخصية
أشرنا إلى أن رواية “الأمير الثائر” تتأسس على مكونين: الزمن وبناء الشخصية، إنهما متكأ إنتاج صورة الأمير مهنا، من حيث دلالتها التاريخية ومقصدية تقريبها من المتلقي، كي يطلع على مرحلة من التاريخ العربي، وبالذات التاريخ الذي تعمل الرواية على إبلاغه، بهدف كشفه والاحتذاء به. و”هكذا كانت نهاية الأمير مهنا، برفاقه استطاع أن يهزم أقوى الدول، ويوم أن غدر بهم، كان سقوطه المخزي، فما أكثر أشباه الأمير مهنا في وطننا العربي..” (ص 112)
إن “الأمير الثائر”، سيرة غيرية صيغت في قالب روائي تاريخي.. أقول: إنها سيرة الشخصية عبر أهم المحطات التي مرت بها: من الولادة إلى الوفاة، ومن تلقي النص إلى نهاية النص، فالأمير مهنا في النص مقاوم ومناضل لكل أشكال الاحتلال، وهو ما ينم عن وعي سياسي تتفرد به الشخصية، وتحاول نقله وتحويله إلى البقية: “لم يهدأ الأمير مهنا بعد تلك الهزيمة، وإنما أخذ يدعو الناس للاستقلال بالمنطقة وإثارة نخوة العروبة فيهم ونبذ حكم الأجانب من ترك أو فرس، ومحاربة التسلط على تجارة المنطقة من قبل الإنجليز أو الهولنديين فاستطاع خلال ستة أشهر أن يجمع حوله ثلاثمائة مقاتل..” (ص 25).
على أن من ميزات الشخصية، الصمود والقدرة على المواجهة وفق تخطيطات للحروب تبدو بسيطة لولا أن لها فاعلية.. ومن ثم ارتبطت شخصية الأمير مهنا بالفضاء: بندر الرق.. إذ كلما انتزع منها عادت إلى استرداده “نصب الأمير مهنا نفسه حاكما على بندر الرق للمرة الثانية” (ص 26). “وأما الأمير مهنا، فبعد أن نصب نفسه حاكما على بندر الرق للمرة الثالثة” (ص 35).
إن الفعل الذي دلت الشخصية بالقيام به، غايته رسم صورة لدى الآخر، والأصل أن ما يرسم يمثل الأنموذج والمثال، وكأن الرواية توازي بين وعي الشخصية وأفعالها، ووعي تلقي المطابقة والتكامل بين التصورين، “بعد ذلك الانتصار قويت شوكة الأمير مهنا واستطاع بذلك أن يعطي صورة صادقة عن نفسه وعن أتباعه، فهو ليس بزعيم قطاع طرق، أو قرصان يعتدي على السفن التجارية، وإنما زعيم عربي يقاوم الاحتلال الفارسي وتدخل الأجنبي في شؤون بلده” (ص 59).
إن المعنى المنتج في “الأمير الثائر”، يتمثل في كتابة أنموذج من تاريخ المقاومة العربية، في محاولة لجعله في متناول التلقي العربي الموسع، بيد أن شخصية الأمير مهنا في الرواية، ومن خلال ما أقدمت عليه، إلى انكسارها وصمودها المتواصل، أدعى إلى الأسطرة كفعل إيجابي يعكس الاستمرار والدوام، وهو في نظري ما أحال عليه المؤلف في نهاية الرواية،
التداخل النصي
إن التحديد الدال على مرجعية العلاقة بين المؤلف والقارئ، والذي هو جنس الرواية، يؤهل النص للاستناد الى قاعدة الانفتاح والضم الأجناسي لما يقع من خارجها، ويوظف لإنتاج بلاغة القول الروائي. ف “الأمير الثائر” باعتبارها رواية، إنما تسهم في قول ووعي التاريخ، باعتماد مصادر ووثائق كائنة وموجودة، ولئن كان المؤلف اعتمدها في الكتابة، لكن بعيدا عن التصريح التام الدقيق بها.
هذا الوعي كما سلف حدثي زماني وفضائي، والروائي عمل على ترتيبه وتوثيقه وتقديمه على شكل كتابة روائية قابلة للتلقي، إنها استراتيجية تحويل المادة الجافة إلى مائية قابلة للتلقي وللتعامل وللتقييم والتقويم.
بيد أن ما لا نغفل عنه، هو كون كل كتابة روائية هي تاريخية بشكل أو آخر، لولا أن المادة المنطلق منها، هي ما يجلو التباين في الانتقاء بين مادة ومادة.. مادة ذات طبيعة اجتماعية أو ذاتية، ومادة تاريخية صرف. وكما تنفتح الرواية على التاريخ، فإنها تحوي فن الرسالة، وذلك في سياق تبادلها بين طرفين: مدافع عن أرضه، ومحتل لها، فتبادل الرسائل، يعكس مستوى الوعي السياسي سواء أتعلق الأمر بالمطالبة بالحرية أو الاستقلال، أو بفرض الهيمنة.
على أن الرواية وفي سياق إعادة إنتاجها للمادة التاريخية، إنما تنفتح على السيرة أيضا، حيث إن ما يكتب/ ينكتب تاريخ الأمير مهنا، ومن خلاله تاريخ المقاومة والنضال في المنطقة العربية والخليج العربي.
إن الضم الأجناسي السابق يفعل/ يتفاعل عن وعي وقصد، علما بأن الرواية تنفتح لاستيعاب أكثر من جنس ونوع أدبي.
رواية التاريخ أم تاريخ الرواية؟
إن ما تحيل عليه “الأمير الثائر” بعد الفراغ من تلقيها: أترى يتعلق إنتاج المعنى برواية التاريخ أم بتاريخ الرواية؟
يفضي الجواب عن السؤال إلى كون الأمر يتعلق بهما معا، لكن لنبدأ من الشق الثاني، المؤلف يعي مسار إنجاز الكتابة الروائية منذ بداياتها، ومن ثم يؤسس للقول الروائي من هذا المنطلق، أقول إنه يكتب الرواية وفي هذا النص موضوعنا بوعي تأسيس الرواية، حيث فاعلية التاريخ تحضر مادة وتخييلا، واللافت أن تجارب روائية عربية حديثة لا تخرج عن هذا السياق، إلا من حيث طبيعة اختيار المادة الملائمة للصوغ الروائي، إلى القصد الذي يستهدف من إنتاج المعنى.
يمثل الشق الأول في المسألة المتعلقة بالجنس المراد الكتابة فيه: إنه الرواية، كما المسرحية، هذا الاختيار وليد التمكن من صنعة الرواية (وهو ما وقفنا عليه في رواية “الشيخ الأبيض”)، إذ وبالاستناد إلى الاختيار يتحقق تقريب المادة ليس كوقائع وأحداث جافة، وإنما كجمالية وفنية، وفي هذه الحالة تبرز بلاغة التأثير حقيقة.
وعي الرواية
إن صورة الروائي في رواية التاريخ، هي صورة الباحث الذي لا يخوض في الصيغة الروائية إلا باعتماد الوثيقة التاريخية المرجعية. ولذلك جاء التصريح في تقديم رواية “الأمير الثائر” واضحا، وهو ذاته ما عايناه في “الشيخ الأبيض” حيث أكدت المراجع المعتمدة في ختام الرواية. إن تعامل الروائي والتاريخ، يقتصر على ما يحتمل التحويل والصوغ، وفي الحالتين ترتسم مسافة التخييل بالارتهان إلى الوثيقة التاريخية، فالرواية في ضوء هذا ليست كتابة تشويق وحسب، وإنما المادة الثقافية المتكاملة، والأصل أننا سواء في “الشيخ الأبيض” أو “الأمير الثائر”، نتعرف على مرحلة كولونيالية (الفرنسيون/ الهولنديون /الانجليز)، مثلما نقف الى أنموذج للمقاومة ممثلا في “الأمير مهنا”. وتبقى “الأمير الثائر” أنموذجا قويا من نماذج الرواية العربية التي وظفت التاريخ من أجل وعيه في أدق تجلياته ومراحله.
صورة غلاف الكتاب
"الأمير الثائر" لسلطان.. قراءة معمقة في التاريخ
http://www.uaezayed.com/sultan/23.jpg
صدوق نور الدين*
يتأسس المنجز الأدبي الإبداعي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على الممارسة الفعلية في جنسين أدبيين يتكاملان ويتقاطعان من حيث المكونات ومقصد إنتاج المعنى: الرواية وفن المسرحية. على أن ما نؤثر الخوض فيه بالكتابة النقدية هو الممارسة الروائية أساسا، بغية الوقوف على طبيعة تشكل البناء الروائي، إلى درجة التخييل الكامنة فيه، بيد أن الاشتراط الذي يفرض نوعية التلقي، وأيضا الذي يتطلب منا استيضاح المحفل الذي تتحرك فيه الممارسة الإبداعية للمؤلف، يتمثل في ثنائية العلاقة بين الروائي والتاريخي.
أسئلة الكتابة
“إن قصة الأمير الثائر، هي قصة حقيقية” فما يتلقى واقع وحقيقة، بحكم كون إنتاج القول الإبداعي تحقق من مرجعية قرائية وثائقية لا يطولها الشك، لكن السؤال: أين تتحدد الروائية، مادام النص يعقد ومتلقيه ميثاقا مرجعيا يتمثل في كوننا بصدد التعامل مع جنس الرواية؟
من ثم فإن الكتابة النقدية تتأطر ضمن سياق هذا الاشتراط الذي يفرضه الروائي بالإفصاح عن عتبة، هي في الجوهر موجهة للتلقي وفق ما سيأتي، على أن ما نريد الإشارة إليه هو كون محفل العلاقة الروائي والتاريخي يمثل موضوعة ضمن البرنامج السردي الروائي عالميا وعربيا، بمعنى آخر، إن الروائي ابتدأ فعل الإنجاز ضمن أطر الإبداع الروائي المألوفة والمتداولة، بحكم أننا نتعرف هنا أصلا وأساسا إلى/ أو على نصين: “الشيخ الأبيض” (1996) و”الأمير الثائر” (1998). لكن ما يصعب إدراكه، أو توقع تلقيه، ما إن كان للدكتور سلطان بن محمد القاسمي، منجز يقع خارج هذا التأطير: الروائي/ التاريخي، كي ما يتم ترسيخ مقارنة بين تجربتين، ومن خلال محفلين ضمن ممارسة إبداعية واحدة.
بنية الرواية
تتشكل بنية “الأمير الثائر” من عتبة مفتاح عبارة عن مقدمة، هذه العتبة تلعب دور توجيه المتلقي كما سلف بغية تحديد تلقي النص، وبالتالي الفصل الحاسم في ما يتعلق بالسؤال: حقيقة أم خيال؟
يقول المؤلف قي العتبة التقديمية:
“إن قصة الأمير الثائر، هي قصة حقيقية” فما يتلقى واقع وحقيقة، بحكم كون إنتاج القول الإبداعي تحقق من مرجعية قرائية وثائقية لا يطولها الشك، لكن السؤال: أين تتحدد الروائية، مادام النص يعقد ومتلقيه ميثاقا مرجعيا يتمثل في كوننا بصدد التعامل مع جنس الرواية؟
هنا، تفرض علينا الكتابة النقدية التفكير، في محاولة للتمييز بين المادة والصيغة، فالمادة مجموعة الأحداث الحقيقية الواقعية المستقاة من مراجع بالتحديد تاريخية، وأما الصيغة، فيجلوها نمط اشتغال المؤلف على المادة، ثم تحضر خاصية الخيال على مستوى البناء، حيث تظهر كفاءة المبدع في نقل وتحويل المادة إلى صيغة روائية تشويقية مثيرة، واللافت أن سلطان ركز على الزمن وبناء الشخصية، معتمدا في تصوري بلاغة الحذف للتركيز على الأهم ما يخدم إنتاجية المعنى.
ولقد تم تقسيم النص إلى فصول مرقمة، من 1 إلى ،14 ولا تحمل عناوين، وتكاد تكون متساوية من حيث الطول، وكأن المؤلف خطط لروايته تخطيطا دقيقا، قبل الشروع في الإنجاز.
مكون الزمن
يمكن القول بأن الروائي وهو يفكر في صيغة تشكل الرواية عمد إلى حصر الحقبة زمنيا، إلى الفضاء مدار مجريات الحدث / الأحداث، هذا الحصر يدفع إلى التحكم في بناء النص، إذا ما ألمحنا لطبيعة الثنائية: روائي /تاريخي، حيث تم التحديد زمنيا وفق التالي: “كانت إمارة بندق الرق في القرن الثامن عشر كغيرها من إمارات ساحل فارس العربية تعتمد في رزقها على التجارة الساحلية بين بندر عباس والبصرة..” (ص: 9 و10).
فما يستنتج من التحديد هو:
1) التركيز على فضاء بندق الرق. 2) حصر الزمن في القرن الثامن عشر.
ومن خلال التحديد، فإن مظاهر وتجليات الزمن تخضع ترتيبا للتوالي، حيث تصاعد تفاعل الأحداث.. والأصل أن التوالي يمتد من 1753 إلى ،1769 فالرواية تتأطر في هذه الحقبة بالذات كأحداث تاريخية.
على أن تلقي الرواية، يجعلنا نقف على التجليات الزمنية التالية، والكامنة في سياق التأطير العام:أولاً الحذف: ومن خلاله يتحقق الإسراع بوتيرة إيقاع الزمن: “في اليوم التالي ظهرا..” (ص 23)
“من خلال عشرين يوما..” (ص 23)
“وفي ليلة الحادي عشر من ديسمبر 1754” (ص 25)ثانيا دقة التحديد التاريخي: ونقف عليها لارتباط الرواية بالانفتاح على جنس من خارجها وأقصد فن الرسائل:
“وما هي إلا أيام وإذا بتلك الرسالة المؤرخة، الرسالة المؤرخة بتاريخ 8 يونيو/حزيران سنة 2756م والمرسلة من قبل المقيم الهولندي..” (ص 23)
ثالثا الترتيب: ويتعلق بالمادة من حيث إخضاعها توثيقا للتدرج، وفق ما دلت عليه الوثائق التاريخية المرتبطة بالحقبة موضوع الإنجاز الروائي.
يمثل مكون الزمن كما ورد في التقديم مهيمنة داخل النص الروائي.. وباعتباره، فإنه ينتج وعيا بالفضاء، إلى كونه معنى ينتج ثقافة ووعيا بما يعد مقاومة للظاهرة الاستعمارية بنزوعاتها التسلطية: “أعجب الأمير مهنا بشخصية الشيخ تامر فتقرب إليه، وتعرف عليه واتخذه صديقا له، تجمعهما أفكار واحدة، ألا وهي الحرية والاستقلال من سيطرة الأجنبي..” (ص 17).
دلالات قوة الشخصية
أشرنا إلى أن رواية “الأمير الثائر” تتأسس على مكونين: الزمن وبناء الشخصية، إنهما متكأ إنتاج صورة الأمير مهنا، من حيث دلالتها التاريخية ومقصدية تقريبها من المتلقي، كي يطلع على مرحلة من التاريخ العربي، وبالذات التاريخ الذي تعمل الرواية على إبلاغه، بهدف كشفه والاحتذاء به. و”هكذا كانت نهاية الأمير مهنا، برفاقه استطاع أن يهزم أقوى الدول، ويوم أن غدر بهم، كان سقوطه المخزي، فما أكثر أشباه الأمير مهنا في وطننا العربي..” (ص 112)
إن “الأمير الثائر”، سيرة غيرية صيغت في قالب روائي تاريخي.. أقول: إنها سيرة الشخصية عبر أهم المحطات التي مرت بها: من الولادة إلى الوفاة، ومن تلقي النص إلى نهاية النص، فالأمير مهنا في النص مقاوم ومناضل لكل أشكال الاحتلال، وهو ما ينم عن وعي سياسي تتفرد به الشخصية، وتحاول نقله وتحويله إلى البقية: “لم يهدأ الأمير مهنا بعد تلك الهزيمة، وإنما أخذ يدعو الناس للاستقلال بالمنطقة وإثارة نخوة العروبة فيهم ونبذ حكم الأجانب من ترك أو فرس، ومحاربة التسلط على تجارة المنطقة من قبل الإنجليز أو الهولنديين فاستطاع خلال ستة أشهر أن يجمع حوله ثلاثمائة مقاتل..” (ص 25).
على أن من ميزات الشخصية، الصمود والقدرة على المواجهة وفق تخطيطات للحروب تبدو بسيطة لولا أن لها فاعلية.. ومن ثم ارتبطت شخصية الأمير مهنا بالفضاء: بندر الرق.. إذ كلما انتزع منها عادت إلى استرداده “نصب الأمير مهنا نفسه حاكما على بندر الرق للمرة الثانية” (ص 26). “وأما الأمير مهنا، فبعد أن نصب نفسه حاكما على بندر الرق للمرة الثالثة” (ص 35).
إن الفعل الذي دلت الشخصية بالقيام به، غايته رسم صورة لدى الآخر، والأصل أن ما يرسم يمثل الأنموذج والمثال، وكأن الرواية توازي بين وعي الشخصية وأفعالها، ووعي تلقي المطابقة والتكامل بين التصورين، “بعد ذلك الانتصار قويت شوكة الأمير مهنا واستطاع بذلك أن يعطي صورة صادقة عن نفسه وعن أتباعه، فهو ليس بزعيم قطاع طرق، أو قرصان يعتدي على السفن التجارية، وإنما زعيم عربي يقاوم الاحتلال الفارسي وتدخل الأجنبي في شؤون بلده” (ص 59).
إن المعنى المنتج في “الأمير الثائر”، يتمثل في كتابة أنموذج من تاريخ المقاومة العربية، في محاولة لجعله في متناول التلقي العربي الموسع، بيد أن شخصية الأمير مهنا في الرواية، ومن خلال ما أقدمت عليه، إلى انكسارها وصمودها المتواصل، أدعى إلى الأسطرة كفعل إيجابي يعكس الاستمرار والدوام، وهو في نظري ما أحال عليه المؤلف في نهاية الرواية،
التداخل النصي
إن التحديد الدال على مرجعية العلاقة بين المؤلف والقارئ، والذي هو جنس الرواية، يؤهل النص للاستناد الى قاعدة الانفتاح والضم الأجناسي لما يقع من خارجها، ويوظف لإنتاج بلاغة القول الروائي. ف “الأمير الثائر” باعتبارها رواية، إنما تسهم في قول ووعي التاريخ، باعتماد مصادر ووثائق كائنة وموجودة، ولئن كان المؤلف اعتمدها في الكتابة، لكن بعيدا عن التصريح التام الدقيق بها.
هذا الوعي كما سلف حدثي زماني وفضائي، والروائي عمل على ترتيبه وتوثيقه وتقديمه على شكل كتابة روائية قابلة للتلقي، إنها استراتيجية تحويل المادة الجافة إلى مائية قابلة للتلقي وللتعامل وللتقييم والتقويم.
بيد أن ما لا نغفل عنه، هو كون كل كتابة روائية هي تاريخية بشكل أو آخر، لولا أن المادة المنطلق منها، هي ما يجلو التباين في الانتقاء بين مادة ومادة.. مادة ذات طبيعة اجتماعية أو ذاتية، ومادة تاريخية صرف. وكما تنفتح الرواية على التاريخ، فإنها تحوي فن الرسالة، وذلك في سياق تبادلها بين طرفين: مدافع عن أرضه، ومحتل لها، فتبادل الرسائل، يعكس مستوى الوعي السياسي سواء أتعلق الأمر بالمطالبة بالحرية أو الاستقلال، أو بفرض الهيمنة.
على أن الرواية وفي سياق إعادة إنتاجها للمادة التاريخية، إنما تنفتح على السيرة أيضا، حيث إن ما يكتب/ ينكتب تاريخ الأمير مهنا، ومن خلاله تاريخ المقاومة والنضال في المنطقة العربية والخليج العربي.
إن الضم الأجناسي السابق يفعل/ يتفاعل عن وعي وقصد، علما بأن الرواية تنفتح لاستيعاب أكثر من جنس ونوع أدبي.
رواية التاريخ أم تاريخ الرواية؟
إن ما تحيل عليه “الأمير الثائر” بعد الفراغ من تلقيها: أترى يتعلق إنتاج المعنى برواية التاريخ أم بتاريخ الرواية؟
يفضي الجواب عن السؤال إلى كون الأمر يتعلق بهما معا، لكن لنبدأ من الشق الثاني، المؤلف يعي مسار إنجاز الكتابة الروائية منذ بداياتها، ومن ثم يؤسس للقول الروائي من هذا المنطلق، أقول إنه يكتب الرواية وفي هذا النص موضوعنا بوعي تأسيس الرواية، حيث فاعلية التاريخ تحضر مادة وتخييلا، واللافت أن تجارب روائية عربية حديثة لا تخرج عن هذا السياق، إلا من حيث طبيعة اختيار المادة الملائمة للصوغ الروائي، إلى القصد الذي يستهدف من إنتاج المعنى.
يمثل الشق الأول في المسألة المتعلقة بالجنس المراد الكتابة فيه: إنه الرواية، كما المسرحية، هذا الاختيار وليد التمكن من صنعة الرواية (وهو ما وقفنا عليه في رواية “الشيخ الأبيض”)، إذ وبالاستناد إلى الاختيار يتحقق تقريب المادة ليس كوقائع وأحداث جافة، وإنما كجمالية وفنية، وفي هذه الحالة تبرز بلاغة التأثير حقيقة.
وعي الرواية
إن صورة الروائي في رواية التاريخ، هي صورة الباحث الذي لا يخوض في الصيغة الروائية إلا باعتماد الوثيقة التاريخية المرجعية. ولذلك جاء التصريح في تقديم رواية “الأمير الثائر” واضحا، وهو ذاته ما عايناه في “الشيخ الأبيض” حيث أكدت المراجع المعتمدة في ختام الرواية. إن تعامل الروائي والتاريخ، يقتصر على ما يحتمل التحويل والصوغ، وفي الحالتين ترتسم مسافة التخييل بالارتهان إلى الوثيقة التاريخية، فالرواية في ضوء هذا ليست كتابة تشويق وحسب، وإنما المادة الثقافية المتكاملة، والأصل أننا سواء في “الشيخ الأبيض” أو “الأمير الثائر”، نتعرف على مرحلة كولونيالية (الفرنسيون/ الهولنديون /الانجليز)، مثلما نقف الى أنموذج للمقاومة ممثلا في “الأمير مهنا”. وتبقى “الأمير الثائر” أنموذجا قويا من نماذج الرواية العربية التي وظفت التاريخ من أجل وعيه في أدق تجلياته ومراحله.
صورة غلاف الكتاب