أبن السواحل
03-07-2010, 01:30 AM
تاجر اللؤلؤ عبد الرحمن الوزان (1870 - 1950)
عبد الرحمن الوزان من أشهر تجار اللؤلؤ في البحرين وممن حققوا نجاحات باهرة في هذا الميدان، وممن يشار إليهم بالبنان في هذه الصناعة. إضافة إلى ذلك فهو مُستشار مُقرب من حاكم البلاد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ثم من بعده نجله الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.
ومن المواقف المشهورة والمشهودة التي تذكر له مُطالبته بتأسيس بنك في البحرين، كما طالب بضرورة وجود مدرسة للتعليم النظامي في البحرين، ومن ذلك أيضاً قيامه بمساعدة الحكومة في توسيع فرضة المنامة وبناء مخازن بها، أما أعماله الخيرية فحدث عنها ولا حرج فقد جعل من إحدى عماراته بالمنامة مقراً لمدرسة الفلاح وذلك لتعليم العلوم النافعة للعامة، كما قام بتجديد بناء مسجد مقبرة المنامة الكائن في جهة الغرب، ويذكر أن الحاج عبد الرحمن كان من علية القوم ومن رجال البحرين البارزين، وله صوت مسموع عند الأمراء والتجار يؤخذ برأيه ومشورته، ويحترمه التجار ويجلونه ويقومون من مقامهم إذا ما مر عليهم، يصافحونه ويسلمونه عليه ويلقون عليه التحية وهو يبادلهم ذلك، وله هيبة ووقار ورفعة بين تجار المنامة، وهو المقدم من بينهم، أضف إلى ذلك ما تميز به من أخلاق طيبة ومكارم ونبل وعقل وحلم، ومع كل هذا كان حسن الشكل حسن الهيئة نظيف الثياب يحب الطيب والتطيب رحمه الله تعالى، وهذه بعض أخباره كما يحكيها لنا التاريخ.
هو الوجيه المحسن، وتاجر اللؤلؤ المشهور، المعمر الحاج عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالعزيز بن حسن الوزان التميمي البحريني.
أسرة الوزان وتنقلاتها:
يذكر الشيخ نوار بن علي بن عبدالرحمن الوزان- حفيد المترجم له - نقلاً عن بعض المعمرين من أسرة الوزان أن الأسرة من الأسر ذات الأصول العربية التي يرجع نسبها إلى قبيلة بني تميم العدنانية، والتي نزحت من شبه الجزيرة العربية إلى بلدة كشكنار في بلاد فارس نتيجة بعض الظروف الغامضة والتي لم نقف عليها لبعد الزمن، ويصف المؤرخ عبدالرزاق محمد صديق في كتابه ''صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس'' (ص350) هذه البلدة بقوله ''قرية كشكنار هي مقر حكم آل حرم القسم الشرقي، تقع شرق قرية صروباش مسافة 7 كيلومترات، وشمال بندر تبن مسافة 6 كيلومترات، وغرب قرية الغويرزة مسافة 8 كيلومترات، وجنوب قرية بني دكان التابعة لمنطقة بني خالد النصوريين مسافة 7 كيلومترات. تحتوي على 1000 منزل بعضها مبني بالأحجار والجص والاسمنت، وبعضها الآخر مبني بالأحجار والطين، كما يوجد بها حصن للشيخ محمد أحمد خلفان الاحرمي يقع وسط القرية. سكانها عرب سنيون إضافة إلى بعض الشيعة الإمامية النازحين إليها في الآونة الأخيرة، ينطقون اللغة العربية والإيرانية باللهجة المحلية. أهم مصادر دخل أهل القرية التجارة بين ضفتي الخليج عن طريق بندر تبن وزراعة القمح والشعير''. ويظهر أن أجداد أسرة الوزان كانوا يعملون في البحر بدليل أنهم بعد مكوثهم مُدة من الزمن في بلدة كشكنار سمعوا بالازدهار الحاصل في بلدة الزبارة والذي كان على يد العتوب وعدد من القبائل الأخرى، الأمر الذي جعلهم ينزحون من كشكنار إلى الزبارة وذلك قبل العام 1197هـ (1783م)، حيث إنهم وصولوا قبل فتح البحرين. واستقروا بها مدة حتى فتح البحرين الشيخ أحمد الفاتح فنزحوا مع من نزح من القبائل إلى البحرين واستقروا بها إلى يومنا هذا. ويشير الشيخ نوار أيضاً إلى أن أسرة الوزان بعد مكوثهم في البحرين قد شاركوا آل خليفة في معاركهم ضد الأعداء والغزاة، ونتيجة لذلك فقد قتل من أفراد الأسرة أربعة أشخاص. يشير الشيخ نوار الوزان إلى أن أسرة الوزان قد استقرت في مدينة المنامة وبدأت بالعمل في البحر كما هو الحال في الزبارة وكشكنار، كما يشار إلى أن جد الأسرة الحاج عبدالعزيز بن حسن الوزان كان لديه ولدان هما: إبراهيم، وأحمد. إبراهيم فهو نوخذة، وكان الأخ الأكبر، وأما أحمد - والد المترجم له فهو من مواليد حوالي العام 1270هـ (حوالي 1853م) وكان لديه سفينة شراعية (جالبوت) ويقوم بقطع الحصى من البحر وبيعه وذلك لبناء البيوت، حيث كان حصى البحر مهماً آنذاك. وأما والدة المترجم له فهي السيدة مريم محمود، وليس للمترجم له إخوة أو أخوات فهو وحيد والديه.
المولد والنشأة
ولد عبدالرحمن بن أحمد الوزان في (فريج) حي كانو والمسمى أيضاً (بالفاضل) في مدينة المنامة، وبها نشأ نشأة حسنة في أسرة محافظة، وتعلم المبادئ بالكُتاب (المطوع) كما هي عادة الأوائل، توفي والده الحاج أحمد بن عبدالعزيز الوزان ولما يبلغ نجله عبدالرحمن الحلم بعد وذلك حوالي العام 1300هـ (1882م) وقد اعتنى به عمه الحاج إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان والذي كان وصياً عليه، فاعتنى بتربيته وتأديبه وتعليمه حتى صار شاباً يافعاً يعتمد على نفسه في أموره كلها.
زواجه وأولاده
تزوج الحاج عبدالرحمن الوزان أربع زوجات وهن على الترتيب:
الزوجة الأولى هي السيدة نصرة الظاعن، وقد تزوجها في العام 1307هـ (1889م) عندما كان سنه 17 عاماً، وقد تكفل عمه الحاج إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان بكافة مصاريف الزواج، حيث قام ببيع منزله من أجل تزويج ابن أخيه.
أما الزوجة الثانية فهي السيدة شريفة بنت يوسف المحرقي، وأما الزوجة الثالثة فهي من بيت تقي ولم يرزق منها بذرية، وأما الزوجة الرابعة والأخيرة فهي السيدة فاطمة بنت محمد كاظم وهي من دولة قطر الشقيقة. وقد رزق منهن بعدد من الأولاد والبنات، أما أولاده فهم: أحمد، ومحمد، وعبدالله، وعلي، وأما بناته فهن: عائشة، ومريم، ولولوة.
عمله ووظائفه
يذكر الشيخ نوار الوزان أن الحاج أحمد بن عبدالعزيز الوزان والد المترجم له توفي وهو مدين، وأن نجله عبدالرحمن قد عمل في صغره بمهنة والده الشاقة وهي قطع الحصى البحري وبيعه، وذلك من أجل تسديد ديون والده، وقد ظل على هذه الحال لسنوات، وبعد أن تم استيفاء المبلغ قام المترجم له بترك هذه المهنة الشاقة وعمل بتوصيل الناس بين المحرق والمنامة، حيث كانت لديه سفينة شراعية (عبرة).
بعد بضع سنين أحب الحاج عبدالرحمن أن يطور تجارته ويزيد من دخله فبدأ يُحمل البضائع والحمولات ما بين البحرين وقطر فيُحمّل بعض البضائع من البحرين وينقلها إلى قطر، ويحمل بعض البضائع من قطر ويوصلها إلى البحرين وظل على هذه الحال لسنوات.
ثم دخل في تجارة اللؤلؤ وذلك عندما شاهد الأرباح الطائلة التي تُدرها على التُجار آنذاك. يذكر أنه لم يدخلها دُفعة واحدة، بل أخذ أولاً في تعلم أصول تجارة اللؤلؤ، وتعلم أوزانه وألوانه وجيده ورديئه وما إلى ذلك، ونتيجة لتنقلاته الكثيرة ما بين البحرين وقطر فقد تعرف على عدد كبير من تجار اللؤلؤ البحرينيين والقطريين، وبدأ في عمل جديد وهو دخوله كواسطة بين تجار اللؤلؤ في البحرين، وتجار اللؤلؤ في قطر يذكر السيد عبدالله بن علي بن أحمد يتيم - وهو سبطه - أن جده لأمه الحاج عبدالرحمن الوزان كان يعمل كواسطة بين تجار اللؤلؤ في البحرين، وتجار اللؤلؤ في قطر، وبعد أن يبيع المحصول على تجار قطر يأخذ فيه نسبة ربح، وظل على هذه الحال مُدة من الزمن، ونتيجة لتعامله بأمانة وصدق، وتفان وإخلاص، فقد وثق فيه الكثير من التُجار، وأعطوه كميات أكبر وأضخم من اللآلئ لبيعها، وبدأت نسبة أرباحه تزداد يوماً بعد يوم، وحقق من ذلك نجاحات باهرة في هذا الميدان، ثم بدأ في تطوير تجارته وتوسيع مجال عمله فاشترى عدداً من السفن الشراعية (الخشب) وذلك لأجل استخراج اللآلئ، ثم بدأ بالسفر إلى قطر لبيع محصوله من اللآلئ بداية، وبعد مدة وجد أن التجار الذين يسافرون إلى بلاد الهند تكون أرباحهم أكثر بكثير من تجار قطر فعزم على بيع محصوله في الهند فسافر إلى بلاد الهند والنيبار. فقام ببيع محصوله من اللؤلؤ هناك وفي عودته إلى البحرين يحضر معه بعض البضائع، وفي بضع سنين غدا من كبار تجار اللؤلؤ في البحرين، وممن يشار إليهم بالبنان في هذه الصناعة.
من أشهر التجار الذين تعامل معهم
لقد كان الحاج عبدالرحمن الوزان يتعامل مع عدد من تجار اللؤلؤ في البحرين وقطر والهند، ومن أشهر أولئك التجار إبراهيم بن عبدالغفور السادة، والشيخ محمد علي زينل علي رضا مؤسس مدارس الفلاح في جدة والبحرين ودبي وصاحب الخيرات والمبرات وغيرهما.
نواخذته
عمل مع الحاج عبدالرحمن الوزان عدد من النواخذة من أشهرهم: النوخذة الحاج أحمد بن يوسف المحرقي، والنوخذة الحاج إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان.
كاتبه
يذكر السيد عبدالله يتيم أن الحاج عبدالرحمن الوزان كان لديه كاتب يقوم بكتابة العقود، ومتابعة التجارة (الحلال) وهو نجله أحمد بن عبدالرحمن الوزان، وظل على هذه الحال سنوات عديدة، فقد كان ساعده الأيمن في تجارته.
أصدقاؤه
يذكر السيد عبدالله بن علي يتيم أن الحاج عبدالرحمن الوزان كان على صلة وثيقة بالحاج محمد المنصور، والحاج يوسف بن أحمد كانو، والحاج عبدالرحمن بن محمد الزياني، وغيرهم من تجار المنامة المشهورين. ويذكر أنهم كانوا يتزاورون ويلتقون مع بعضهم البعض، ويتجاذبون أطراف الحديث، وأخبار الناس والسوق والأسعار. يقول السيد عبدالله يتيم: وقد شاهدتهم أكثر من مرة على هذه الحال، فقد كانت صلتهم ببعضهم البعض قوية جداً ولم تنقطع إلا بعد وفاتهم.
صلته بالشيخ عيسى والشيخ حمد
إضافة إلى عمل الحاج عبدالرحمن الوزان في إدارة سفن الغوص وتجارة اللؤلؤ، وإدارة الأملاك والعقارات فقد كان الحاج عبدالرحمن مُستشاراً مُقرباً إلى حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ثم إلى حاكم البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، كما كان له دورٌ مهمٌ وبارزٌ في حل المنازعات والخلافات بين القبائل والأسر والأفراد، وفي تثمين وتقسيم البيوت والأراضي والعقارات خصوصاً للورثة المتنازعين.
عمله في بلدية المنامة
انتخب الحاج عبدالرحمن الوزان للعمل في بلدية المنامة وذلك قبل العام 1343هـ (1924م) لكن لم أقف على حقيقة مدة مكوثه في البلدية، كما لم أقف على سبب خروجه منها نظراً لبعد الزمن، وهذه وثيقة تشير إلى تقديم استقالته واعتذاره عن العمل في البلدية جاء فيها ما نصه:
نمرة 4 /1343
إعلان
نخبر العموم أنه حسب أمر سعادة الرئيس قد تعين يوم الخميس 26 صفر ـ (26/9/1924م) موعداً لانتخاب أعضاء لمجلس البلدية واحداً من العرب عوضاً عن الحاج عبدالرحمن الوزان، وآخر من البانيان عوضاً عن السيت لالجند المسافر، فعلى جماعة العرب وجماعة البانيان الحضور في غرفة الجمرك صباح يوم الخميس المذكور أعلاه الساعة 3 عربي لأجل انتخاب من يستحسنون.
حرر بإدارة البلدية 22 صفر 1343هـ (22/9/1924م).
الوزان يطالب بتأسيس بنك في البحرين
في العام 1336هـ (1918م) قام الحاج عبدالرحمن الوزان وجمع من تجار البحرين بكتابة عريضة للشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البلاد، وذلك من أجل تأسيس بنك في البحرين، وهذا نص ما ورد في العريضة المشار إليها مع ملاحظة أنها مبتورة الأول:
''... من الصحيحين أدناه من جهة مذاكرتنا في خصوص الحالة الحاضرة المالية مع مستر جي إي منكاون الباليوز في البحرين. بالاتفاق وردنا إلى النتيجة على أن الطريق (كلمة غير واضحة بالأصل) لأجل راحة الحالة المذكورة حق تأسيس سريع لبنك في البحرين، وبهذا نلتمس من حاكمنا سعادة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، سي إس إي، ومستر جي إي منكاون الباليوز أن يعملون إقدامات سريعة بتوسط الدولة البهية البريطانية لأجل افتتاحه لشعبه في البحرين بالأسرع الممكن، ولأجل ذلك نحن نصير سرمداً مُتشكرين وممنونين، من حيث الآن جميعنا مُقتنعين أن هذا لازم قطعاً، ويصير مُفيد للعموم كافة.
جرا وحرر في 8 أغسطس 1918م مطابق في 30 شوال سنة 1336هـ.
عبد الرحمن بن أحمد الوزان، يوسف بن أحمد كانو، عبدالرحمن بن محمد الزياني، يوسف بن عبدالله بن منصور، يوسف بن عبدالرحمن فخروه، أحمد بن علي يتيم، أحمد بن سلمان (كلمة غير واضحة)، محمد فاروق بن الحاج محمد عقيل البستكي، مصطفى بن عبداللطيف، صحيح مقبل العبدالعزيز الذكير، علي وكاظم وعبد النبي بوشهري، عبدالعزيز بن حسن القصيبي، عبدالله بن حسن القصيبي، صحيح شاهين بن صقر الجلاهمة.. (وباقي الأسماء والتوقيعات غير واضحة)''.
رسالة من الشيخ عيسى بن علي
بعد أن وصلت العريضة الآنفة إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وشاهد فيها رأي الأهالي فقد قام على الفور بإرسال هذه الرسالة إلى السيد جي إي منكاون الباليوز في البحرين وأخبره عن راحته واطمئنانه بشأن تأسيس هذا البنك، كما طلب منه أن لا يعامل مسؤولو البنك أحداً من رعاياه إلا بإطلاعه، حيث هو أعرف بشؤون رعاياه، وهذا نص ما ورد في الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عيسى بن علي آل خليفة
إلى جناب عالي الجاه عمدة الأصحاب الأفخم المحب سعادة مستر جي إي منكاون باليوز في البحرين المفخم دام شريف وجوده.
بعد مزيد السلام اللايق وتقديم الاحترام لتلك الذات الحميدة ثم بنسبة المذاكرة الشفاهية بالأمس مع سعادتكم في خصوص تأسيس البنك محبكم بكمال الارتياح والاطمئنان من سعادتكم في ترتيب معاملته فلهذا أرجو من لطفكم بأن تبين لمدير البنك المذكور بأن يتعهد لمحبكم بتوسط سعادتكم الترتيب الذي تكلمنا فيه بأن يكون لا يعامل أحداً من رعايانا إلا بإطلاعنا، حيث إن محبكم أعرف بشئون رعاياي وكذلك إذا حدثت شكاية بين صاحب البنك المذكور وبين أحد من الناس يكون أحكام محاكم بلاد محبكم تجري عليه كما تجري على غيره، موجب قواعد أحكام الجارية في البلاد وأنه يكون يقبل النوط مثل ما يدفعه لنكون من سعادتكم ممنونين، هذا ما لزم بيانه ولازلتم سالمين.
في 3 ذي القعدة سنة 1336هـ (10/8/1918م).
===========
تاجر اللؤلؤ الشهير عبدالرحمن الوزان شخصية فذة من شخصيات عرب الساحل وشيخ تجار اللؤلؤ في ذلك الزمان
عبد الرحمن الوزان من أشهر تجار اللؤلؤ في البحرين وممن حققوا نجاحات باهرة في هذا الميدان، وممن يشار إليهم بالبنان في هذه الصناعة. إضافة إلى ذلك فهو مُستشار مُقرب من حاكم البلاد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ثم من بعده نجله الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.
ومن المواقف المشهورة والمشهودة التي تذكر له مُطالبته بتأسيس بنك في البحرين، كما طالب بضرورة وجود مدرسة للتعليم النظامي في البحرين، ومن ذلك أيضاً قيامه بمساعدة الحكومة في توسيع فرضة المنامة وبناء مخازن بها، أما أعماله الخيرية فحدث عنها ولا حرج فقد جعل من إحدى عماراته بالمنامة مقراً لمدرسة الفلاح وذلك لتعليم العلوم النافعة للعامة، كما قام بتجديد بناء مسجد مقبرة المنامة الكائن في جهة الغرب، ويذكر أن الحاج عبد الرحمن كان من علية القوم ومن رجال البحرين البارزين، وله صوت مسموع عند الأمراء والتجار يؤخذ برأيه ومشورته، ويحترمه التجار ويجلونه ويقومون من مقامهم إذا ما مر عليهم، يصافحونه ويسلمونه عليه ويلقون عليه التحية وهو يبادلهم ذلك، وله هيبة ووقار ورفعة بين تجار المنامة، وهو المقدم من بينهم، أضف إلى ذلك ما تميز به من أخلاق طيبة ومكارم ونبل وعقل وحلم، ومع كل هذا كان حسن الشكل حسن الهيئة نظيف الثياب يحب الطيب والتطيب رحمه الله تعالى، وهذه بعض أخباره كما يحكيها لنا التاريخ.
هو الوجيه المحسن، وتاجر اللؤلؤ المشهور، المعمر الحاج عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالعزيز بن حسن الوزان التميمي البحريني.
أسرة الوزان وتنقلاتها:
يذكر الشيخ نوار بن علي بن عبدالرحمن الوزان- حفيد المترجم له - نقلاً عن بعض المعمرين من أسرة الوزان أن الأسرة من الأسر ذات الأصول العربية التي يرجع نسبها إلى قبيلة بني تميم العدنانية، والتي نزحت من شبه الجزيرة العربية إلى بلدة كشكنار في بلاد فارس نتيجة بعض الظروف الغامضة والتي لم نقف عليها لبعد الزمن، ويصف المؤرخ عبدالرزاق محمد صديق في كتابه ''صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس'' (ص350) هذه البلدة بقوله ''قرية كشكنار هي مقر حكم آل حرم القسم الشرقي، تقع شرق قرية صروباش مسافة 7 كيلومترات، وشمال بندر تبن مسافة 6 كيلومترات، وغرب قرية الغويرزة مسافة 8 كيلومترات، وجنوب قرية بني دكان التابعة لمنطقة بني خالد النصوريين مسافة 7 كيلومترات. تحتوي على 1000 منزل بعضها مبني بالأحجار والجص والاسمنت، وبعضها الآخر مبني بالأحجار والطين، كما يوجد بها حصن للشيخ محمد أحمد خلفان الاحرمي يقع وسط القرية. سكانها عرب سنيون إضافة إلى بعض الشيعة الإمامية النازحين إليها في الآونة الأخيرة، ينطقون اللغة العربية والإيرانية باللهجة المحلية. أهم مصادر دخل أهل القرية التجارة بين ضفتي الخليج عن طريق بندر تبن وزراعة القمح والشعير''. ويظهر أن أجداد أسرة الوزان كانوا يعملون في البحر بدليل أنهم بعد مكوثهم مُدة من الزمن في بلدة كشكنار سمعوا بالازدهار الحاصل في بلدة الزبارة والذي كان على يد العتوب وعدد من القبائل الأخرى، الأمر الذي جعلهم ينزحون من كشكنار إلى الزبارة وذلك قبل العام 1197هـ (1783م)، حيث إنهم وصولوا قبل فتح البحرين. واستقروا بها مدة حتى فتح البحرين الشيخ أحمد الفاتح فنزحوا مع من نزح من القبائل إلى البحرين واستقروا بها إلى يومنا هذا. ويشير الشيخ نوار أيضاً إلى أن أسرة الوزان بعد مكوثهم في البحرين قد شاركوا آل خليفة في معاركهم ضد الأعداء والغزاة، ونتيجة لذلك فقد قتل من أفراد الأسرة أربعة أشخاص. يشير الشيخ نوار الوزان إلى أن أسرة الوزان قد استقرت في مدينة المنامة وبدأت بالعمل في البحر كما هو الحال في الزبارة وكشكنار، كما يشار إلى أن جد الأسرة الحاج عبدالعزيز بن حسن الوزان كان لديه ولدان هما: إبراهيم، وأحمد. إبراهيم فهو نوخذة، وكان الأخ الأكبر، وأما أحمد - والد المترجم له فهو من مواليد حوالي العام 1270هـ (حوالي 1853م) وكان لديه سفينة شراعية (جالبوت) ويقوم بقطع الحصى من البحر وبيعه وذلك لبناء البيوت، حيث كان حصى البحر مهماً آنذاك. وأما والدة المترجم له فهي السيدة مريم محمود، وليس للمترجم له إخوة أو أخوات فهو وحيد والديه.
المولد والنشأة
ولد عبدالرحمن بن أحمد الوزان في (فريج) حي كانو والمسمى أيضاً (بالفاضل) في مدينة المنامة، وبها نشأ نشأة حسنة في أسرة محافظة، وتعلم المبادئ بالكُتاب (المطوع) كما هي عادة الأوائل، توفي والده الحاج أحمد بن عبدالعزيز الوزان ولما يبلغ نجله عبدالرحمن الحلم بعد وذلك حوالي العام 1300هـ (1882م) وقد اعتنى به عمه الحاج إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان والذي كان وصياً عليه، فاعتنى بتربيته وتأديبه وتعليمه حتى صار شاباً يافعاً يعتمد على نفسه في أموره كلها.
زواجه وأولاده
تزوج الحاج عبدالرحمن الوزان أربع زوجات وهن على الترتيب:
الزوجة الأولى هي السيدة نصرة الظاعن، وقد تزوجها في العام 1307هـ (1889م) عندما كان سنه 17 عاماً، وقد تكفل عمه الحاج إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان بكافة مصاريف الزواج، حيث قام ببيع منزله من أجل تزويج ابن أخيه.
أما الزوجة الثانية فهي السيدة شريفة بنت يوسف المحرقي، وأما الزوجة الثالثة فهي من بيت تقي ولم يرزق منها بذرية، وأما الزوجة الرابعة والأخيرة فهي السيدة فاطمة بنت محمد كاظم وهي من دولة قطر الشقيقة. وقد رزق منهن بعدد من الأولاد والبنات، أما أولاده فهم: أحمد، ومحمد، وعبدالله، وعلي، وأما بناته فهن: عائشة، ومريم، ولولوة.
عمله ووظائفه
يذكر الشيخ نوار الوزان أن الحاج أحمد بن عبدالعزيز الوزان والد المترجم له توفي وهو مدين، وأن نجله عبدالرحمن قد عمل في صغره بمهنة والده الشاقة وهي قطع الحصى البحري وبيعه، وذلك من أجل تسديد ديون والده، وقد ظل على هذه الحال لسنوات، وبعد أن تم استيفاء المبلغ قام المترجم له بترك هذه المهنة الشاقة وعمل بتوصيل الناس بين المحرق والمنامة، حيث كانت لديه سفينة شراعية (عبرة).
بعد بضع سنين أحب الحاج عبدالرحمن أن يطور تجارته ويزيد من دخله فبدأ يُحمل البضائع والحمولات ما بين البحرين وقطر فيُحمّل بعض البضائع من البحرين وينقلها إلى قطر، ويحمل بعض البضائع من قطر ويوصلها إلى البحرين وظل على هذه الحال لسنوات.
ثم دخل في تجارة اللؤلؤ وذلك عندما شاهد الأرباح الطائلة التي تُدرها على التُجار آنذاك. يذكر أنه لم يدخلها دُفعة واحدة، بل أخذ أولاً في تعلم أصول تجارة اللؤلؤ، وتعلم أوزانه وألوانه وجيده ورديئه وما إلى ذلك، ونتيجة لتنقلاته الكثيرة ما بين البحرين وقطر فقد تعرف على عدد كبير من تجار اللؤلؤ البحرينيين والقطريين، وبدأ في عمل جديد وهو دخوله كواسطة بين تجار اللؤلؤ في البحرين، وتجار اللؤلؤ في قطر يذكر السيد عبدالله بن علي بن أحمد يتيم - وهو سبطه - أن جده لأمه الحاج عبدالرحمن الوزان كان يعمل كواسطة بين تجار اللؤلؤ في البحرين، وتجار اللؤلؤ في قطر، وبعد أن يبيع المحصول على تجار قطر يأخذ فيه نسبة ربح، وظل على هذه الحال مُدة من الزمن، ونتيجة لتعامله بأمانة وصدق، وتفان وإخلاص، فقد وثق فيه الكثير من التُجار، وأعطوه كميات أكبر وأضخم من اللآلئ لبيعها، وبدأت نسبة أرباحه تزداد يوماً بعد يوم، وحقق من ذلك نجاحات باهرة في هذا الميدان، ثم بدأ في تطوير تجارته وتوسيع مجال عمله فاشترى عدداً من السفن الشراعية (الخشب) وذلك لأجل استخراج اللآلئ، ثم بدأ بالسفر إلى قطر لبيع محصوله من اللآلئ بداية، وبعد مدة وجد أن التجار الذين يسافرون إلى بلاد الهند تكون أرباحهم أكثر بكثير من تجار قطر فعزم على بيع محصوله في الهند فسافر إلى بلاد الهند والنيبار. فقام ببيع محصوله من اللؤلؤ هناك وفي عودته إلى البحرين يحضر معه بعض البضائع، وفي بضع سنين غدا من كبار تجار اللؤلؤ في البحرين، وممن يشار إليهم بالبنان في هذه الصناعة.
من أشهر التجار الذين تعامل معهم
لقد كان الحاج عبدالرحمن الوزان يتعامل مع عدد من تجار اللؤلؤ في البحرين وقطر والهند، ومن أشهر أولئك التجار إبراهيم بن عبدالغفور السادة، والشيخ محمد علي زينل علي رضا مؤسس مدارس الفلاح في جدة والبحرين ودبي وصاحب الخيرات والمبرات وغيرهما.
نواخذته
عمل مع الحاج عبدالرحمن الوزان عدد من النواخذة من أشهرهم: النوخذة الحاج أحمد بن يوسف المحرقي، والنوخذة الحاج إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان.
كاتبه
يذكر السيد عبدالله يتيم أن الحاج عبدالرحمن الوزان كان لديه كاتب يقوم بكتابة العقود، ومتابعة التجارة (الحلال) وهو نجله أحمد بن عبدالرحمن الوزان، وظل على هذه الحال سنوات عديدة، فقد كان ساعده الأيمن في تجارته.
أصدقاؤه
يذكر السيد عبدالله بن علي يتيم أن الحاج عبدالرحمن الوزان كان على صلة وثيقة بالحاج محمد المنصور، والحاج يوسف بن أحمد كانو، والحاج عبدالرحمن بن محمد الزياني، وغيرهم من تجار المنامة المشهورين. ويذكر أنهم كانوا يتزاورون ويلتقون مع بعضهم البعض، ويتجاذبون أطراف الحديث، وأخبار الناس والسوق والأسعار. يقول السيد عبدالله يتيم: وقد شاهدتهم أكثر من مرة على هذه الحال، فقد كانت صلتهم ببعضهم البعض قوية جداً ولم تنقطع إلا بعد وفاتهم.
صلته بالشيخ عيسى والشيخ حمد
إضافة إلى عمل الحاج عبدالرحمن الوزان في إدارة سفن الغوص وتجارة اللؤلؤ، وإدارة الأملاك والعقارات فقد كان الحاج عبدالرحمن مُستشاراً مُقرباً إلى حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ثم إلى حاكم البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، كما كان له دورٌ مهمٌ وبارزٌ في حل المنازعات والخلافات بين القبائل والأسر والأفراد، وفي تثمين وتقسيم البيوت والأراضي والعقارات خصوصاً للورثة المتنازعين.
عمله في بلدية المنامة
انتخب الحاج عبدالرحمن الوزان للعمل في بلدية المنامة وذلك قبل العام 1343هـ (1924م) لكن لم أقف على حقيقة مدة مكوثه في البلدية، كما لم أقف على سبب خروجه منها نظراً لبعد الزمن، وهذه وثيقة تشير إلى تقديم استقالته واعتذاره عن العمل في البلدية جاء فيها ما نصه:
نمرة 4 /1343
إعلان
نخبر العموم أنه حسب أمر سعادة الرئيس قد تعين يوم الخميس 26 صفر ـ (26/9/1924م) موعداً لانتخاب أعضاء لمجلس البلدية واحداً من العرب عوضاً عن الحاج عبدالرحمن الوزان، وآخر من البانيان عوضاً عن السيت لالجند المسافر، فعلى جماعة العرب وجماعة البانيان الحضور في غرفة الجمرك صباح يوم الخميس المذكور أعلاه الساعة 3 عربي لأجل انتخاب من يستحسنون.
حرر بإدارة البلدية 22 صفر 1343هـ (22/9/1924م).
الوزان يطالب بتأسيس بنك في البحرين
في العام 1336هـ (1918م) قام الحاج عبدالرحمن الوزان وجمع من تجار البحرين بكتابة عريضة للشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البلاد، وذلك من أجل تأسيس بنك في البحرين، وهذا نص ما ورد في العريضة المشار إليها مع ملاحظة أنها مبتورة الأول:
''... من الصحيحين أدناه من جهة مذاكرتنا في خصوص الحالة الحاضرة المالية مع مستر جي إي منكاون الباليوز في البحرين. بالاتفاق وردنا إلى النتيجة على أن الطريق (كلمة غير واضحة بالأصل) لأجل راحة الحالة المذكورة حق تأسيس سريع لبنك في البحرين، وبهذا نلتمس من حاكمنا سعادة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، سي إس إي، ومستر جي إي منكاون الباليوز أن يعملون إقدامات سريعة بتوسط الدولة البهية البريطانية لأجل افتتاحه لشعبه في البحرين بالأسرع الممكن، ولأجل ذلك نحن نصير سرمداً مُتشكرين وممنونين، من حيث الآن جميعنا مُقتنعين أن هذا لازم قطعاً، ويصير مُفيد للعموم كافة.
جرا وحرر في 8 أغسطس 1918م مطابق في 30 شوال سنة 1336هـ.
عبد الرحمن بن أحمد الوزان، يوسف بن أحمد كانو، عبدالرحمن بن محمد الزياني، يوسف بن عبدالله بن منصور، يوسف بن عبدالرحمن فخروه، أحمد بن علي يتيم، أحمد بن سلمان (كلمة غير واضحة)، محمد فاروق بن الحاج محمد عقيل البستكي، مصطفى بن عبداللطيف، صحيح مقبل العبدالعزيز الذكير، علي وكاظم وعبد النبي بوشهري، عبدالعزيز بن حسن القصيبي، عبدالله بن حسن القصيبي، صحيح شاهين بن صقر الجلاهمة.. (وباقي الأسماء والتوقيعات غير واضحة)''.
رسالة من الشيخ عيسى بن علي
بعد أن وصلت العريضة الآنفة إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وشاهد فيها رأي الأهالي فقد قام على الفور بإرسال هذه الرسالة إلى السيد جي إي منكاون الباليوز في البحرين وأخبره عن راحته واطمئنانه بشأن تأسيس هذا البنك، كما طلب منه أن لا يعامل مسؤولو البنك أحداً من رعاياه إلا بإطلاعه، حيث هو أعرف بشؤون رعاياه، وهذا نص ما ورد في الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عيسى بن علي آل خليفة
إلى جناب عالي الجاه عمدة الأصحاب الأفخم المحب سعادة مستر جي إي منكاون باليوز في البحرين المفخم دام شريف وجوده.
بعد مزيد السلام اللايق وتقديم الاحترام لتلك الذات الحميدة ثم بنسبة المذاكرة الشفاهية بالأمس مع سعادتكم في خصوص تأسيس البنك محبكم بكمال الارتياح والاطمئنان من سعادتكم في ترتيب معاملته فلهذا أرجو من لطفكم بأن تبين لمدير البنك المذكور بأن يتعهد لمحبكم بتوسط سعادتكم الترتيب الذي تكلمنا فيه بأن يكون لا يعامل أحداً من رعايانا إلا بإطلاعنا، حيث إن محبكم أعرف بشئون رعاياي وكذلك إذا حدثت شكاية بين صاحب البنك المذكور وبين أحد من الناس يكون أحكام محاكم بلاد محبكم تجري عليه كما تجري على غيره، موجب قواعد أحكام الجارية في البلاد وأنه يكون يقبل النوط مثل ما يدفعه لنكون من سعادتكم ممنونين، هذا ما لزم بيانه ولازلتم سالمين.
في 3 ذي القعدة سنة 1336هـ (10/8/1918م).
===========
تاجر اللؤلؤ الشهير عبدالرحمن الوزان شخصية فذة من شخصيات عرب الساحل وشيخ تجار اللؤلؤ في ذلك الزمان