المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل بوجيري
التنوع القومي والتعددية العرقية أمر طبيعي في كل دولة ذات سيادة في العصر الحديث، فقد تم تجاوز مفهوم القبيلة والعشيرة الذي كان سائدا إلى مفهوم الدولة الحديثة التي ينظم دخول بقية الأعراق في جنسيتها قوانين منبثقة من دساتير تنظم الحقوق والواجبات وتكل إلى القوانين تنظيم الشؤون العامة والخاصة للدولة ومواطنيها، وعليه نجد أن الروابط أصبحت مغايرة بحسب الزمان وتجاوزتها إلى علاقات أخرى غير تلك التي تتصل برابطة الدم والقربى والحلف كما كان هو الحال مع مشيخات الساحل الشرقي في حقبة سابقة.
وذلك لا ينال من سيادة الدولة، ولكننا هنا نتحدث عن إقليم له تاريخ في التعاقد مع الدول الأخرى بعيدا عن الحكومة الفارسية آنذاك ومنها على سبيل المثال معاهدات قواسم لنجة مع حكومة الهند ومع شركة الهند الشرقية، كما نتحدث عن مشيخات قامت بحكم نواحيها ونواح أخرى أيضا خارج الساحل، لذلك نرجو عدم حرف النقاش التاريخي عن السياسة آنذاك وطبيعة التحالفات ومحاولة إسقاطها بطريقة غير لائقة على أوضاع لا يستقيم القياس معها كموضوع التعددية في دول الخليج العربية، فهل كانت هناك مشيخات فارسية مثلا في دول الخليج أنشأت لها حكما ذاتيا بعيدا عن الحكومات، وهل هناك من مارس الوظيفة السيادية في جزر معينة وقام بالمهام الإدارية والتنظيمية التي تقرب من شكل الدولة حتى نسقط هذا المثال على دول الخليج العربية.
هل يمكن قياس المعاهدة العامة التي خضع لها قواسم لنجة، مع أوضاع لمواطنين خليجيين حاليين يخضعون لإطار الدولة.
القياس لا يستقيم، فنحن نتحدث عن سيادة تاريخية جعلت حتى المستعمر يلجأ لإخضاع هذه المشيخات والكيانات لمعاهدات وأطر قانونية دون أن يكون للحكومة الفارسية دخل فيها، مما يعني ابتعاد هذه المشيخات والكيانات السياسية وانفصالها عن حكومة فارس آنذاك.
حين نأتي اليوم لنتحدث عن سياق سياسي تاريخي فإننا يجب أن لا ننجر خلف المناكفات الفكرية، وهو أعتقد ما ترمي إليه من أن التعددية - وهو المصطلح المستخدم - لا تعني إلغاء سيادة الدولة، ونحن اليوم لا نتحدث عن السيادة التي تمارسها إيران على الساحل، ولكننا نريد بيان هوية وقومية أهل الساحل وانتمائهم للكيان العربي والهوية والثقافة الفكرية العربية، فحين نعترف بأنهم جزء لا يتجزأ من الهوية العربية والثقافة الممتدة لشبه الجزيرة العربية فإننا نعترف لهم بتاريخ سياسي سابق وتاريخ ثقافي مازالوا يحافظون عليه بحكم تكوين هويتهم العربية الخالصة، فلم يعرف لأهل الساحل والجزر أي ارتباط سياسي أو تبعية آنذاك لحكومة فارس، ولكن ما حدث هو أن فارس استغلت اضطراب الأوضاع وقامت بتوسيع نفوذها عبر أجيال متعاقبة وسياسات مختلفة لتصل إلى السيادة التي نراها اليوم، فهل يمكن الآن أن ننكر أن هؤلاء هم عرب وانتماؤهم الفكري هو امتداد لخصوصيتهم وثقافتهم العربية التي يشكل غالبية أبناؤها الساحل الغربي من الخليج العربي. وبالتالي يجب عدم خلط الأوراق بالتذاكي والمحاولات البائسة بالتطبيل للهوية الإيرانية، فواقعا لا توجد هوية جامعة تسمى الهوية الإيرانية، بل هي الهوية الفارسية ذات الحضارة والتاريخ، فعناصر الهوية هي العرق واللغة والثقافة بما يعبر عن الانتماء لهوية ما، فأين الثقافة وأين اللغة وأين العرق في الهوية الإيرانية المزعومة ومدى تحققها لدى عرب الساحل والجزر، فهي لم ترتق حتى لنطلق عليها ثقافة وليس هوية، بينما نجد من جانب آخر أن الهوية الفارسية ذات الثقل لم تلق بظلالها على هوية عرب الساحل فكيف بنا نتحدث بشكل مضحك عن الهوية الإيرانية.
فالتعددية القومية لا دخل لها في سيادة دولة ما على إقليمها، بقدر ما يتعلق ذلك بشكل مباشر باعتراف الآخرين بخصوصية هذا المكون أو ذاك.
وواقع المناقشات التي تجري بيني وبينك هي أنها غير مؤطرة بإطار زمني معين مما يجعلنا نصل دائما إلى حائط نصطدم به، أو أننا نفسر ونؤول مآرب بعضنا دون أن نتجاوز التأويل إلى التصريح فنبني آراءنا وطرحنا.
لذلك فإن سؤالك لا يرتقي ليحسم القضية، لأنه في إطار زمني مختلف وفي سياق تاريخي مختلف، وفي ظل فهم وقوانين وظروف مختلفة، ولأنه يحاول دحض حجية التاريخ السياسي لعرب الساحل والجزر في حقبة ما على حساب القياس بموضوع مختلف تماما في أركانه وفي ظروفه وفي عمقه أيضا.
إن ذلك المستعمر الذي فصل بين سيادة العرب على إقليم الساحل وسيادة فارس كانت له مصالح يحاول الحفاظ عليها، لذلك فقد عمد للقوى التي يمكن أن تعالج مصالحه إما بالحرب كما حدث مع لنجة لستة أيام متتالية وإما بالغزو وإنهاء سيطرة المشيخة، فلماذا لم تعتبر فارس آنذاك هذا الغزو انتهاكا لسيادتها، الإجابة المنطقية هي لأنها لم تكن تتسيد ذلك الجزء أصلا.
وحين تنعدم السيادة الإيرانية على ذلك الجزء في تلك الحقبة التاريخية يعني أن السيادة قد شابتها ظروف غير طبيعية في وقتنا الحالي، مما يجعلنا نجمع خيوط المسألة من جديد للحديث عن تاريخ تلك الحقبة وإسقاطاتها على وقتنا الحالي.
أرجو فهم كلامي وعدم حرفه والخروج بسؤال آخر في غير محله حتى لا نعيد سيناريو الملل.
وللأخ الكريم بركان لارك والأخ الكريم بوخالد النصوري مطلق الحرية في حذف ردي هذا إذا ارتأوا أنه غير متصل بالموضوع الأساسي الذي نتناقش فيه، وليقيني المطلق من جانب آخر بأنك لن تقتنع ولن تعيد النظر وستأخذ أقرب نقطة هامشية من ردي لتبني عليها سؤالك المقبل.
خالص المودة