جلال خالد الهارون الانصاري
باحث - السعودية
توطئة:
تنتشر في مياه الخليج العربي العشرات من الجزر الصغيرة والكبيرة، واشتهرت بعض هذه الجزر بمواقعها الاستراتيجية على خطوط التجارة البحرية، وبثرواتها الطبيعية وخصوبة ارضها وكثرة عيون الماء بها، وعبر مختلف العصور اثبت لنا التاريخ بان العرب هم السكان الاصليون لكافة هذه الجزر، سواء كانت هذه الجزر قريبه من السواحل العربية ام الفارسية، ومن اشهر هذه الجزر التاريخية جزيرة "اوال" المعروفه حاليا بجزيرة البحرين القريبه من الساحل العربي، وجزيرة "قيس" المنسوبة الى القبيلة العربية قيس بن عميرة القريبه من الساحل الفارسي، وجزيرة "قشم" المعنية بالدراسة في هذا البحث، وتنطق ايضا جشم القريبه من مضيق هرمز، وتعتبر جزيرة قشم اكبر جزيرة في الخليج العربي بلا منازع اذ تعادل مساحتها الاجمالية ضعف مساحة جزيرة البحرين تقريبا، وتعرف عند العرب "بالجزيرة الطويله" نظرا لشكلها الطويل، وهذه الجزيرة تقع بالقرب من الساحل الايراني على الضفة الشرقية للخليج المقابل لامارتي راس الخيمة والشارقة، وتمتد الجزيرة بشكل طولي من حدود بندر لنجه حتى بندر عباس تقريبا (انظر المخطط رقم 1)، ويفصلها عن البر الرئيسي قناة يتراوح عرضها مابين 1-15 ميلا، وتعرف هذه القناة لدى البحارة البريطانيين باسم مضيق كلارنس، وقبل 150 عام تقريبا كان عدد سكان الجزيرة يقدر بحوالي 13500 نسمه، وكلهم تقريبا من العرب المنحدريين من اصول قبائل ساحل عمان (دولة الامارات حاليا)، كما ويوجد بينهم ايضا عدد قليل من الايرانيين، وفي تلك الفترة كانت قبيلة بني معين العربية تحكم هذه الجزيرة، ويذكر[الشيخ عبدالله المطوع] في مخطوطتة( ) بان عشيرة بني معين هؤلاء ينحدرون من فرع آل بوخريبان المعروفون الآن "بآل نعيمي" الذين اتوا الى عمان من (التنعيم) وهو موضع بأعلى مكه المكرمة فقيل لهم النعيميون، المنتشرين في كل من دولة الامارات والبحرين وقطر، وفي نسبهم يقول المطوع( ):

...ولقد كنا نقول ولانزال نقول انها تنحدر من احدى قبيلتي الأنصار، وهما الأوس والخزرج، وكلاهما ابناء حارثة بن ثعلبه، وينتهي نسبهما الى عمر ومن بقاياه، وينتهي نسبهم الأعلى الى الغوث بن نبت بن مالك بن زيد، ثم الى كهلان بن سبأ... انتهى.

والظاهر بان قبيلة بني معين حكام جزيرة قشم ونخيلوه، وقبيلة آل حرم حكام نابند وعسيلوه الحجازيون، جمعهم تاريخ ونسب مشترك في عمان قبل هجرتهم الى سواحل بر فارس، ويذكر "لوريمر" بان عدد افراد قبيلة بني معين في جزيرة قشم يقدر بحوالي مائة شخص ( )، وتثبت لنا المصادر التاريخية بان بني معين هؤلاء خالطهم ايضا في سكن جزيرة قشم عدد من افراد قبيلة بني خالد الذين حالفوهم وتصاهروا معهم، ويقول لوريمر مثبتا ذلك( ):

...الشيخ صالح الذي سار بالاسطول الى شاطئ ايران وأقام هناك بين عرب بني خالد، بل وتزوج امرأة من هذه القبيلة المشهورة بالعنف والضراوة... انتهى.

وكانت هذه القبائل بني معين وبني نعيم وبني قتب وبني خالد وآل علي والمرازيق وبني بشر وبني حماد وقبائل اخرى عديده تنتشر في هذه المنطقة، وتمثل ساعد القواسم الايمن وركنهم المكين وعليهم تدور رحى الحروب في البر والبحر، فقد حملوا راية القواسم وساروا في طليعتهم فمنهم القواد والسرادلة، ومنذ انضموا الى حلف القواسم اشتد أمرهم وعلا ذكرهم، وكان الملا حسين الخالدي احد قادة القواسم واحد ابرز الزعماء العرب في منطقة حوض الخليج العربي في بداية القرن الثالث عشر الهجري، ومن شدت ارتباطه بالقواسم قال عنه لوريمر:

....أن ملا حسين الذي ساعده على الخروج من بندر عباس، كان حمى سلطان بن صقر وابن عمه وهو زعيم لقبيلة القاسميين القراصنة على الساحل العربي المواجه لهم وسفنه كانت مرتبطه في اعمال القرصنة بسفن القواسم... انتهى

ولد الملا حسين ونشاء في جزيرة قشم، وارتبطت اسرته (ال منصور) بعشيرة القواسم حلفاء الدولة السعودية الأولى بالمصاهرة، وتاثر كثيرا بفكرهم الوهابي (السلفي) وقاد سفن المجاهدين في الخليج ضد الانجليز واستطاع السيطره على معظم موانئ مضيق هرمز كبندر عباس وميناب، حتى اصبح الملا حسين احد اشهر القادة الوهابيين في منطقة مضيق هرمز، ونظرا لما يكتنف قصة هذه الشخصية من غموض واسرار لذا سنحاول في هذه المقاله الكشف عن بعض خبايا هذه الشخصية المؤثره، فيا ترى من هو الملا حسين الخالدي وما هي قصتة.

نسبه واسرته:
الملا حسين هو الامير حسين بن محمد بن منصور الخالدي( )، وتنسب قبيلة بني خالد الى الصحابي خالد بن الوليد المخزومي القرشي رضي الله عنه( )، ووفقا لوصف المؤرخ الانجليزي "لوريمر" فان سكان جزيرة قشم( ) هم في الاصل مهاجرين من ساحل عمان المتصالح (دولة الامارات حاليا)، وهذا يرجح احتمال انتماء اسرته الى فرع الجبور من قبيلة بني خالد الذين حكموا هذه السواحل والجزر قبل انهيار دولتهم قرابة عام 930هـ بوصول الغزاه البرتغاليين الى الخليج، ويشتهر الشيخ الخالدي في المصادر الانجليزية بالملا حسين واحيانا بالملا حسين المعيني أو القاسمي، وهذا الخلط نتيجتة ارتباطه القوي بهؤلاء العرب ومصاهرة امرائهم، وتوجد قصيدة قالها الشيخ محمد بن عامر المعولي (شاعر عماني)، يذكر فيها بعض قبائل هذه المنطقة منها التالي:

بلنجة مع أرجائها زلزلتهم********رياح المنايا قبل أن يأتي المسا
أتتهم جيوش البوسعيدي إمامنا ******** حمى الدور والولدان والمال والنسا
وما قصرت آل القواسم عندنا ******** و آل معين كلهم بذلوا النفسا
وكل عماني كريم تحركت ********مرؤته للحرب قد عقدوا الخمسا
كذلك بنو حماد لا ننسى فعلهم ******** إذا ما إلتقى الصفان كانوا لنا أنسا
وآل علي هم أولوا النجدة التي ******** بها ركسوا أعداء حرب الهدى ركسا
كذلك والسودان صالوا بعزمة ******** تفل المواضي قلبها في اللقا أقسى
ولا تحتقر أهل الشمال جميعهم ******** بجملتهم قد يملأ اللوح والطرسا
لقد شاه وجه الشاه إذ خان خانه ******** تكلف أمرا لا يطاق فأتعسا
لعمرك أن البغي يزري بأهله ******** ويبقى على أهليه عرضا مدنسا
فنحن عفونا عنهم بعد أسرهم ******** لشيمتنا صفحا جميلا عن الأسا
وفي عام سبع مع ثمانين كون ذا ******** وألف وعشر الألف ذكر ولا تنسى