النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: بين الهبّان والليدي غاغا

    Untitled Document
  1. #1
    عضو الفريق الإعلامي (قسم البلاك بيري ) الصورة الرمزية الصقر
    تاريخ التسجيل : Mar 2010
    المشاركات : 659

    Thumbs up بين الهبّان والليدي غاغا

    بين الهبّان والليدي غاغا



    بقلم : ياسر حارب

    عندما كنت صغيراً كان أبي يحرص على اصطحابي مع إخوتي إلى المناسبات العامة لحضور مجالس الرجال والتعلم منها، وكان شديد الحرص على تعليمنا عادات المجالس والطرق الصحيحة للتصرف فيها. وفي كل عيد، كان ولا زال، يصطحبنا معه إلى مجالس الأهل والمعارف لأداء واجب التهنئة وتعزيز أواصر القربى معهم.
    أما أجدادي من الطرفين، فلقد كانوا حريصين على سرد قصص الماضي كلما جلسنا معهم، وكان ذكْرُهُم لأسماء العائلات في المجتمع وروابط الدم بينها والأماكن التي سكنت فيها تثير انتباهي، وكنت أستغرب كيف يستطيعون تذكر كل تلك التفاصيل.
    إن أبناء وبنات جيلي اليوم هم آخر حلقة وصل بين الماضي والحاضر، فعلى الرغم من أننا لم نعِش ذلك الماضي البعيد، إلا أننا استمعنا إلى قصصه وبطولاته، وتفاعلنا عاطفياً مع معاناته، حتى كدنا نشتم رائحة الأماكن التي جرت فيها تلك القصص، ونتحسس جدران المنازل التي سكنتها الجدات اللائي يتحدثن عن الماضي فتنعكس صوره في أعينهن كصالات سينما مصغّرة.
    لقد عاصرنا ونحن أطفال الهاتف القديم الذي تعلوه عجلة الأرقام من صفر إلى تسعة، ولكي تجري اتصالاً فقد كان عليك أن تغرز سبابتك في الرقم المطلوب وتقوم بإدارة العجلة حتى النهاية، ثم عاصرنا أيضاً الآي فون بعد عشرين عاماً تقريباً، وقس بين الجهازين كل المفارقات الحضارية التي مرت بها البشرية. وفي خضم تسارع الحياة وقصر الذاكرة، لا نستطيع اليوم أن نروي لأبنائنا حكايات الماضي كما فعل أجدادنا وآباؤنا، ولذلك فإنهم لا يعرفون عن الماضي أكثر مما يعرفه السائح الأجنبي الذي يزور قرية التراث.

    إن المشكلة التي يواجهها أبناء الجيل الجديد ليست مشكلة اجتماعية، وإنما مشكلة حضارية، حيث لم يعد قادراً على تمييز ثقافته عن ثقافة الآخرين.
    وليس ذلك ذنبه، فأدوات ما بعد الحداثة، كالإعلام الجديد ووسائل الاتصال الحديثة، جعلته يتواصل ويتسابق مع العالم أجمع، لتجتمع ثقافات العالم في شاشة صغيرة يحملها في جيبه، وليست تلك مشكلة عربية بل عالمية، فالكل بات يعاني من تقزّم ثقافته أمام ما يُسمى بـ «الثقافة العالمية» التي يطغى فيها البعد الغربي على الأبعاد الأخرى. إن من مميزات هذه الأدوات الحديثة أنها مكنتنا من معرفة طريقة بناء بيوت الإسكيمو (الإغلو IGLOO) وعرفتنا على قبائل الأباتشي الأميركية، ولكنها في نفس الوقت، جعلت من بعض المفاهيم الحضارية، كالفلسفة والفن والاختراعات العلمية والتراث الإنساني وغيرها من مقومات الحضارة، مفاهيم مقتصرة غالباً على الثقافات الغربية. فعندما يريد أحدنا تعلم تاريخ الفن فإنه يتوجه إلى دراسة فنون عصر النهضة في إيطاليا، وعندما يبحث عن الفلسفة فإنه يبدأ بالفلسفة الإغريقية ثم يقفز إلى فلاسفة عصر التنوير في إنجلترا وفرنسا، وذلك لأن التاريخ لا يكتبه الأقوى فقط، بل والأكثر قدرة على الانتشار والترويج لثقافته. إن إحدى مشكلاتنا الحضارية في العالم العربي وفي دول الخليج على وجه الخصوص، هي أننا نتقوقع على ثقافتنا ولا نحب إشراك الآخرين فيها، وكثيراً ما يحدث ذلك دون أن نشعر به، وعندما يحاول أحدنا الاحتفاء بثقافة بلده فإنه يهرع إلى محاولة تصديرها إلى الخارج من خلال المعارض والاحتفالات، وينسى أن يعزز مكانة هذه الثقافة في داخل الوطن أولاً.
    فعندما نتحدث عن الأهازيج الشعبية، على سبيل المثال، فإننا نفضل أن نحصرها في بوتقة الماضي، ثم نطلب من الأجيال الجديدة أن تسافر إلى ذلك الماضي البعيد عنها زمنياً وثقافياً، دون أن ندرك بأن الجيل الجديد في الرياض مشغول بمنافسة أترابه في ملبورن على تحقيق أعلى نتيجة في لعبة (العصفور الغاضب Angry Birds)، والجيل الجديد في دبي يتناقش مع زملائه في لوس أنجلوس على الفيسبوك حول ترهّل جسم (فان ديزل) في فيلمه الأخير، والكل مشغوفٌ بمباريات الكلاسيكو الإسباني.
    هذه القضايا التي نراها تافهة بالنسبة لنا هي قضايا عالمية للمراهقين الجدد، ولا يمكن لهؤلاء أن يهتموا بحفظ أسماء أنواع الأسماك في الخليج العربي، أو مواعيد إثمار الرطب في الإحساء.

    إن «ثقافة تسونامي» هذه التي تجتاح العالم تحمل في طياتها الكثير من الإيجابيات، حيث أصبح الإنسان أكثر قدرة على إيصال رأيه إلى العالم أجمع، ولم يعد في حاجة إلى صحف أو قنوات فضائية ليثير قضية ما، وكل ما عليه فعله هو أن يضع مقطع فيديو على يوتيوب. إلا أنها سلخته من ثقافته ومن جذوره، وبدأ يفقد هويتها شيئاً فشيئاً.
    متى كانت آخر مرة احتفت دولة خليجية بالعيد الوطني بطريقة عالمية مثلما تفعل الولايات المتحدة في الرابع من يوليو؟ ولماذا لا يحتفي مجلس التعاون الخليجي بتراثه مثلما تفعل الصين التي دفعت العالم للاعتراف برأس السنة الصينية وأضاءت برج إيفل باللون الأحمر احتفاءً بها؟
    قبل أيام كنت أتحدث مع أحد الشباب عن فن الهبّان، الذي لا يعدّ فناً خليجياً أصيلاً، إلا أنه صار يعدّ أحد فنون المنطقة، وعندما ملّ من حديثي قال لي: «لو رقصت الليدي غاغا على الهبان فسوف أستمع إليه». وعلى الرغم من رفضي لهذا (المخلوق) جملة وتفصيلاً، إلا أنني تمنيت لو أنها فعلت ذلك، فلعلها تنجح فيما فشلت فيه جمعيات التراث. أعلم بأن أحدهم سيرفض هذه الفكرة لأنه يعتقد بأنها تُسيء للتراث.
    ولكن هذه الفكرة بالضبط هي التي جعلت تراثنا حبيس الكتب والمناسبات فقط. إننا في حاجة إلى أن (نُمدّن) تراثنا حتى يستوعبه أبناؤنا أولاً، لكي يستطيعوا حمله إلى العالم لاحقاً، ليس من خلال الليدي غاغا بالطبع، ولكن من خلال عصرنته وإعادة إنتاجه بطريقة حديثة. وإن لم يعد أبناؤنا مهتمين بالذهاب إلى الماضي، فعلينا أن نأتي به إليهم.

    Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

    Get Adobe Flash player


  2. Untitled Document
  3. #2
    عضو اتحاد كتاب الساحل الصورة الرمزية وليد جابر آل بوخلف
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الدولة : رقم التواصل 00971503371480
    المشاركات : 3,817

    افتراضي

    مقال رائع يعالج مشكله اساسيه في المجتمع الخليجي و العربي شكرا لاختيارك الموافق اخي الصقر و تحياتي للكاتب الفذ صاحب الفكر النير الاخ ياسر حارب
    للتواصل مع وليد جابر البوخلف :

    ايميل : waleed.alkumity@gmail.com

    هاتف : 00971503371480

  4. Untitled Document
  5. #3
    مشرفة التراث الصورة الرمزية الظبيانية
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    المشاركات : 1,753

    افتراضي



    اشكرك اخوي صقر علي الموضوع

    و اشكر كاتب الموضوع

  6. Untitled Document
  7. #4
    عضوة اللجنه الاعلاميه للساحل الصورة الرمزية عبير دبي
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الدولة : دبي دار الحي
    المشاركات : 1,291

    افتراضي

    مقال وموضوع قيم وكلام جميل

    الله يعطيك العافيه ويبارك فيك ياخوي وماقصرت
    رفاق الخير (هم )..
    تصطفيهم عن غيرهم.. صادقون هم معك..
    يمرون كنسمة فجر ندية.. يزينون دنياك بأشياء عطرية..
    تتمنى الكثير لهم .. ولا تعرف لما الحب دوما باتجاههم..
    ومع بزوغ الفجر ونبض النهار .. لا تملك إلا الدعاء لهم..

  8. Untitled Document
  9. #5
    مساهم الصورة الرمزية حمدان الشامسي
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 20

    افتراضي

    بارك الله فيك

  10. Untitled Document
  11. #6
    خبير في شؤون عرب الساحل و الجزر الصورة الرمزية بوفهد
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الدولة : الفلاح
    المشاركات : 739

    افتراضي

    موضوع جميل تسلم الصقر

  12. Untitled Document
  13. #7
    مساهم فعال جداً
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    المشاركات : 194

    افتراضي

    مقال رائع يتكلم عن واقع اتمنى ان تؤخذ هذه الافكار بعين الاعتبار اشكرك اخي الكاتب على هذا المقال المميز و حبذا لو تعلق ابناء جيلنا بالهبان بدل من الليدي غاغا و بالمناسبه اعجبتني كلمه مخلوق ^^
    ورثنا الفقه من جشم بن ازد ،،و من كاوان طبع الغزو فينا
    فـحـررنا بايمـان و سـيف.. جــــزيرتنا و هرمـــــز اجـــمعينا



    عمر الشجر ما ينكر جذور قاعه



    اللهم صلي على محمد و على اله و صحبه

  14. Untitled Document
  15. #8
    مساهم فعال جداً
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    المشاركات : 194

    افتراضي

    مقال رائع يتكلم عن واقع اتمنى ان تؤخذ هذه الافكار بعين الاعتبار اشكرك اخي الكاتب على هذا المقال المميز و حبذا لو تعلق ابناء جيلنا بالهبان بدل من الليدي غاغا و بالمناسبه اعجبتني كلمه مخلوق ^^
    ورثنا الفقه من جشم بن ازد ،،و من كاوان طبع الغزو فينا
    فـحـررنا بايمـان و سـيف.. جــــزيرتنا و هرمـــــز اجـــمعينا



    عمر الشجر ما ينكر جذور قاعه



    اللهم صلي على محمد و على اله و صحبه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •