مقتطفات من كتاب " من المحل إلى الغنى " - قصة أبوظبي محمد عبد الجليل الفهيم صفحة ( 14 ، 15 ،16 )




موجات الهجرة من الساحل الفارسي :


ثارت شعوب بعض المقاطعات الهندية في عام 1857 ضد البريطانيين بعد أن ضاقوا ذرعا بازديار النفوذ البريطانيين الذي بدأ يتنامى بسعيهم الدائم لاكتساب المزيد من الاراضي الهنديه . و قمعت الحكومة البريطانية هذه الثورة ثم استبدلت شركة الهند الشرقية بادرة جديدة تابعة للتاج البريطاني في لندن و تم تعيين نائب للملك ممثلا للتاج البريطاني في الهند كما جرى تعيين وزير شؤون الهند عضوا في الحكومة البريطانية . و في الوقت الذي جلبت فيه هذه الثورة نهاية شركة الهند الشرقية . الشركة القوية ، الا ان شبة القارة الهنديه ظلت خاضعه للسيطره البريطانيه لمدة تسعين سنة اخرى .
و في هذه الاثناء كان التغيير على الساحل القارسي امرا وشيكاً ، فطوال القرن الثامن عشر و معظم التاسع عشر كان توريد البضائع الهندية الى الامارات المتصالحة يعتمد على ميناء " لنجة " حيث كانت السفن البخارية البريطانيه تتردد عليه بانتظام . و بدأ بعض التجار الهنود ( بانيان ؛ و هم تجار هندوس من طائفة اجتماعيه معينه تمتنع من أكل اللحم ) في الاستقرار في الشارقه و دبي و راس الخيمه و أبوظبي . الا أن القوة التجارية للمدن الساحلية الفارسية بدأت تضعف بسرعه حين بدأت حكومة طهران بالاعتداء على القبائل العربيه التي سكنت تلك المنطقه منذ اجيال . و أعود بجذوري الخاصة الى القبائل العربية التى هجرت المنطقة اثر القمع الفارسي لها بعد احتلال الفرس جزيرة صري قرب جزيرة أبوموسى في وسط الخليج العربي في العام 1887 و في نهاية القرن التاسع عشر اجلى الفرس القواسم عن لنجة التى كانت فيما مضى مركزا تجاريا مزدهرا و غدت مدينة مهملة خلال عقود قليله .
و تفصل المنطقة الساحلية على الجانب الفارسي من الخليج و التي يتراوح عرضها بين خمسة الى خمسين كيلومترا عن الجزء الداخلي من تلك البلاد سلسة من الجبال . و كان المسلمون الشيعة يعيشون منذ قرون عديدة وراء سلسلة الجبال هذه في حين قطن العرب السنة المنطقة الساحلية التي تطل على الخليج . و لأن الحكومة الفارسية أرادت السيطرة على الساحل و المضائق البحرية فقد بدأت بتوسيع نطاق نفوذها و بناء قوة بحرية في أواسط القرن التاسع عشر . و بتشجيع من الروس الذين تحالفوا مع الشاه فقد بدأ الفرس بالتوسع من وسط البلاد الى المنطقة الساحلية حيث استولوا على القرى و الجزر العربية التي لم يكن بوسعها الدفاع عن أنفسها . بيد أن العرب و الفرس السنه الذين عاشوا و مارسوا أعمالهم في المنطقة الساحلية رفضوا الخضوع لارادة الحكومة الفارسية الشيعية في طهران . فقد تعرضوا اما للاضطهاد او فرضت غليهم الضرائب و الرسوم الجمركية . بل وصل الامر الى سجن بعض شيوخ الجزر لرفضهم الخضوع الى حكومة طهران . و ذالك فقد بدأوا بالرحيل عن الساحل الفارسي اعتبارا من السبعينيات من القرن الماضي و ما بعدها للاستقرار على جانب الخليج الآخر في دبي و الشارقة و رأس الخيمة . و حين انتقل العرب و الفرس السنة المضطهدون من الساحل الفارسي و الجزر المجاورة له الى دبي. كما جلبوا ايضا الهنود الذين كانوا صلة الوصل بين صيادي الؤلؤ و الأسواق حول العالم . و كان التجار الهنود يستوردون البضائع لتوفير الامدادات الى سفن صيد الؤلؤ و يحصلون على لؤلؤ بديلا عن ذالك . و كان هؤلاء التجار يجمعون الللآليء من جميع انحاء الخليج و يأخذونه الى الهند لتجهيزهم و صنع الحلي ثم يصدرونها الى الاسواق الاوروبية على سفن اكبر تبحر من الهند . و كان نزوح هذه الخبرات العنصر الاساسي للنمو القوي الذي شهدتة دبي بعد عام 1902.