انتصار المبادئ والإنجاز والتمكين – سورة يوسف
انتصار المبادئ والإنجاز والتمكين (الآيات من 43- 57)
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّسَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَاالْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْبِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِيسَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍوَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إلى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِيسُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّاتُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُوَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُالرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِيقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَاخَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَاعَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَالْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِيكَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌبِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَالْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَإِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىخَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَفِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْنَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌلِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57).
متى يتحقق الإنجاز ويأتيالتمكين؟
لا يأتي التمكين دون بذل وصبر وتحمل وأخذ بأسبابه ودفعلأقساطه، وسيدنا يوسف عليه السلام قد اجتاز في شبابه كل محطات الابتلاء، وأخذبأسباب التمكين، وهنا جاء أوان انتصار المبادئ وقطف ثمار الجهاد الطويل، وتحقيقالإنجاز والتمكين على أرض الواقع؛ فبعد أن كان سيدنا يوسف مستبعدًا مسجونًا أصبحمرغوبًا فيه مستخلصًا من بين الناس؛ لدى الإدارة الحاكمة مكين أمين؛ البلاد كلهامفتوحة أمامه؛ مُكِّن في الأرض؛ يتبوأ منها حيث يشاء.

طريقة التمكين وتوقيته يدبرهما الله تعالى بقدرته:
بعدالنجاح في الابتلاء والأخذ بأسباب التمكين يقيض الله تعالى بقدرته الأحداث التيتأتي بالتمكين فيرى الملك الرؤيا ويطلب تفسيرها، ولا يجد لذلك حلاًّ إلا عندالمتميز صاحب الصلاح والعلم.
أولاً: اجتياز محطاتالابتلاء
1- محطة الرخاءوالإغراء:
يُبتلى بالرخاء وحياة القصور، وينتقل من المعيشة فيالبادية إلى المعيشة في قصر الرئاسة وأوساط البذخ والبهارج والشهوات والخمور والفتنفلا يتغير ولا يتورط، ولا يساير الاتجاه السائد، وكلما عُرضت له فتنة يستعصم ويلجأإلى مولاه وسلاحه الدائم وسط الفتن: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُرَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ (يوسف: منالآية 23).

2- محطة التهديد ومحاولة كسر الإرادة:
محاولة الضغط من أجل التورط في الفواحش والتهديد بالسجن في حالعدم الاستجابة للفتنة، ولكن العفيف المستعصم لا تنكسر إرادته فيقاوم ويستحب السجنعلى الفاحشة: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّايَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّوَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) (يوسف).

3- محطة الشدة ودخول السجن:
تحمل القيد والسجن سنواتطويلة شموخًا بالمبدأ ودفعًا لثمن العفة: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْبَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)،﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾(يوسف: من الآية 42)، ومدة البقاء في السجن﴿بِضْعَ سِنِينَ﴾توضح حجم الثمنالمدفوع: فالبضع في اللغة ما بين الثلاثة إلى التسعة، وأكثر المفسرين على أن البضعفي هذه الآية سبع سنين، ومنهم مَن قال إنه كان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتاعشرة سنة.
ثانيًا: الأخذ بأسبابالتمكين
1- التميز العلمي:
كان سيدنا يوسف مثالاً للتميز العلمي الرائع ونموذجًا للمتمكنالذي يحتاج إليه الناس وتحتاج إليه الإدارة الحاكمة، ومن تميزه العلمي: العلمبتأويل الأحلام والعلم بالتنمية الاقتصادية وإدارة شئون المال وتدبير خزائن الأرض،فما كان يعتبره الناس وحاشية الملك أضغاثًا وخيالات وأوهامًا هو عنده علم له قواعدوأصول يفيد في واقع الناس وإدارة شئون الحياة التي تحتاج إلى الصلاح والنجاح معًا،وهذه تمثلت في قوله تعالى: ﴿يُوسُفُأَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾فهو صديق صالح ثم هو صاحب العلم الذييستطيع أن يفتي ويطلبه الناس للفتوى فهو ليس درويشًا منعزلاً بل متميزًا ناجحًايحتاج إليه الناس.. ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِيسَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍوَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إلى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46).

وهذا يبين أهمية العلم للاستخلاف في الأرض فاللهسبحانه وتعالى حينما اختار سيدنا آدم للخلافة في الأرض كان أول شيء يحتاجه هذاالخليفة هو العلم (وعَلَّمَ آدَمَ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَلِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: من الآية 30).. ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْعَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْصَادِقِينَ (31) (البقرة).
قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا قبل أن تسودوا).

2- الاتزان النفسي وحسنالصلة بالناس:
رغم كل ما تعرَّض له لا يلجأ للانتقام أو تصيبهالأحقاد والضغائن، ولكن من أهم سماته أنه متزن نفسيًّا هدفه الخير لكلالناس:
فهو لا يعيش أسيرًا لانفعالاته ولا يمنع خيره عن مجتمعه، بل يقدمالحلول عن طيب خاطر، ولا يستغل المواقف للانتقام لشخصه رغم المعاناة الشديدة التيعاشها لسنوات طويلة: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًافَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْلَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَعَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49).

3- إيثار المبادئ على المصلحةالشخصية:
يطلبه ملك البلاد للخروج من السجن الذي كبَّل حريتهالسنوات الطويلة؛ وينتظره اعتلاء منصب كبير في الدولة؛ فهل يمكنه التغاضي والتناسيوالقفز على الماضي وتجاوزه بلغة المصالح والذكاء والفهلوة وحنكة السياسة وتحقيقالمصلحة الشخصية؟! لا.. فالعفيف صاحب كرامة وعزة، والحق أبلج والباطل لجلج، وهوصاحب المبادئ العظيمة المضحي من أجلها، والهدف الرئيس ليس مجرد التنعم بالحريةوالانفكاك من السجن وظلمته، بل انتصار المبادئ أولاً مهما كان الثمن، فلا مساومةولا مداهنة ولا صفقات على حساب المبادئ؛ لذا طلب أولاً إعادة محاكمة النساء لتجليةالحقيقة، ولا بد من إعلان عام لتوضيح الحقائق لكل الجماهير: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَأَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50).

4- الاستقامة وتنمية الجانب الروحيوالخلقي:
بعد إعادة محاكمة النساء وإعلان تبرئة الساحة تجلتحقائق مهمة تثبت أهمية الاستقامة وتنمية الجانب الروحي والخلقي في صناعة الحياة،وأن النفس الأمَّارة بالسوء تضيع النهضة وتجر الإنسان إلى الفشل؛ فلو عادت بناالأمور للوراء كان من الممكن أن ينخرط سيدنا يوسف عليه السلام في الشهوات والملذات،وأن يصبو إلى النساء، ويصبح من الجاهلين، وأن يفشل في تحقيق الإنجاز، وألا يصل إلىالتمكين، وهذا هو ثمن الاستقامة الغالي ونتيجتها العظيمة وقد أوضح النسوة وامرأةالعزيز هذه الحقائق:

-
البعد عن السوء: ﴿قَالَ مَاخَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَاعَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ....

-
البراءة والطهر والصدق: ﴿... قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَارَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51).

-
الله تعالى لا يهدي الخائن: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَأَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52).

-
خطورة النفس الأمَّارة بالسوء: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّمَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53).

وهذهالحقائق يجب أن يعيها الشباب جيدًا فضيق الأفق والنظر تحت الأقدام وطلب اللذةوالشهوة العاجلة المُحرَّمة تُضيِّع الإنجازات وتحرم منالتمكين.

5- الأمانة:
كل إدارةتنشد النجاح تحرص على استخلاص الأمناء المتمكنين: ﴿وَقَالَالْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَإِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54). وسيدنا يوسف يعرضقدراته: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّيحَفِيظٌ عَلِيمٌ (55).

الأمانة والعلم من أهم مؤهلات القيادةوالتمكين، وقد تجلَّى أهمية ذلك من خلال سلوك سيدنا يوسف عليه السلام في الآتي:

1- الأمانة والعلم خلال سنواتالرخاء:
الأمانة حتى لا يحدث الإسراف والتبذير، والمحاباة وخدمةالمصالح الشخصية، والعلم بفنون التسيير، والتقويم، والتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ،والإنتاج.

2- الأمانة والعلم خلال سنوات الأزمة:
حتى يتحمَّل الناس عواقبها الوخيمة بالعدل، وتحقيق حسن التوزيع،وترشيد الاستهلاك، والتخطيط للخروج من الأزمة بتجنيد القوى العاملة إلى أقصىالحدود، وتشجيع الناس على الإنتاج أكثر من الاستهلاك؛ لتحقيق النموالاقتصادي.

6- الإحسان:
المحسنالمتقن المبتكر المجتهد يمكنه الله تعالى ويفتح أمامه أبواب القيادة والريادة،هكَّذا مكن الله تعالى لسيدنا يوسف عليه السلام في الأرض؛ فأصبح يتبوَّأ منصبًارفيعًا بعناية الله تعالى ورحمته وجزاءً منه على إحسانه.. ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَاحَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ (56).

وهذا يؤكد أهمية تربية الشباب علىالإتقان والتجويد والتحسين حتى يأتي التمكين: ﴿وَالَّذِينَجَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَالْمُحْسِنِينَ (69) (العنكبوت).

7- حسنالصلة بالله تعالى:
وتمثل هذا في ثلاثة أمور: ﴿وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57).
1-
العمل من أجل الآخرة: ﴿وَلأَجْرُالآخِرَةِ خَيْرٌ﴾.
2-
الإيمان: ﴿لِلَّذِينَآمَنُوا﴾.
3-
التقوى: ﴿وَكَانُوايَتَّقُونَ﴾.

8- الحرص على استجلاب رحمةالله تعالى:
تجلَّت رحمة الله تعالى هنا في أمرين هما الحمايةوالتمكين:
1- رحمة الله تعالى تحمي النفس من الانزلاقفي السوء:
﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّالنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌرَحِيمٌ (53).

ويُستخلص من قول امرأة العزيز: هو أن النفسأمَّارةٌ بالسوء أي: أن نوازع الشر جزءٌ من الطبيعة البشرية ولا ينجو منها إلا مَنْرحمه الله، وتداركه بغفرانه؛ مما يدل على أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، واستدراررحمته منجاة من الوقوع فريسةً سهلةً لنوازع الشر.

2- رحمة الله تعالى تجلب للإنسان التمكين في الأرض:
﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِيَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلانُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56).

الإحسان يجلب الرحمة،والرحمة تجلب التمكين؛ لذا يجب على الإنسان أن يحسن استجلاب رحمة الله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 56).

9- القدرة على التخطيط والتنظيموامتلاك الرؤية المستقبلية:
مَن لا يجيد فنون الإدارة والتخطيطوالنظرة المستقبلية والتنفيذ لا يستطيع أن يصنع الحياة، وقد كان سيدنا يوسف متميزًافي كل ذلك، وهذا يتضح في خطته الرائعة لخمس عشرة سنة مقبلة والمقسمة: 7 +7 +1:
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَاحَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْلَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَعَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49).

10- إتقان العمل والابتكار:
بعد التخطيط الرائع تميز سيدنا يوسف عليه السلام في التنفيذبإتقان العمل على أكمل وجه، فعمل على تحسين فنون الزراعة، وما يرتبط بها من سقي،وتعهُّد، ورعاية، وحصاد، وجمع، وتخزين، وتوزيع؛ وابتكر فكرة تخزين القمح في سنابلهحتى لا يتلف، وحرص على أن يكون الإنتاج في سنوات الرخاء أعلى من الاستهلاك، وأنيكون احتياطي الموارد الغذائية كبيرًا، ومبنيًّا على حسابات دقيقة؛ بحيث يغطي هذاالاحتياطي حاجة المجتمع خلال سنوات الأزمة.
وبعد: لم يبق إلاالعمل
هذه الحلقات أهديها إلى كل المراهقين، وكل الآباء وكلالأمهات، وكل الخبراء والمتخصصين في التربية سائلاً المولى عز وجل أن يستفيد بهاالجميع في الواقع العملي، وأن يجعلها نفعًا للإسلام والمسلمين.

وبقيأن نعمل على تطبيق هذه الدروس المستفادة، ولا نقول إن هذه خاصة بالأنبياء وليستخاصة بنا؛ فالله تعالى أورد لنا القصص القرآني للعظة والعبرة والاقتداء والتأسي،وليس للتسلية أو لمجرد الحكايات، وقد ورد في بداية سورة يوسف: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) (يوسف).

وورد في آخر آية فيها: ﴿لَقَدْكَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىوَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًىوَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) (يوسف).

فهذا القصصوهذا التفصيل هدى نهتدي به في طريقنا، ورحمة يرحم الله تعالى بها المؤمنين به؛ لذاوجب أن نُحسن تربية شبابنا على ضوء المعطيات السابقة، ومن خلال خطط تربوية انطلاقًامن الحلقات الأربعة التي أمدتنا بأروع خطة للتعامل مع مرحلة المراهقة طبقًا لأرقىمنهج تربوي في العالم﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْاللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) (البقرة)، وأن نعملجميعًا على توظيف طاقات الشباب في العلوم النافعة، واكتساب مهارات القيادة، وتحملالمسئولية، وفنون الإدارة والقدرة على التخطيط والتنظيم والتنفيذ حتى نحمي شبابنا،ونُحسن إعدادهم من أجل التمكين لأمتنا الحبيبة بإذن الله تعالى، فهيا إلىالعمل.



شبكة : أبو شمس