الوهن ؛ أعراضه ودواءه






الحمد لله، وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه الذين اصطفى وعلى من اتبع هديهم واقتفى أثرهم واكتفى.

وبعد...

الناظر إلى واقع أمتنا لابد أن ينتابه إحساس غريب لما يرى من تناقض كبير بين ظاهر الأمة، بما تملكه من إمكانات هائلة، وبين حقيقة واقعها المتخلف الغارق في السلبيات والهزائم المتتالية - على كل الأصعدة -
فكل ما تحلم به الدول أو الأمم السائرة في طريق النمو - حسب تعبير العصر - من إمكانات وطاقات متوفر لديها، بل وأكثر من ذلك بكثير...

- فمن حيث الطاقة البشرية نملك ما يزيد على المليار وربع المليار من البشر، أغلبهم من الشباب، وهي الطاقة الأساسية بل العمود الفقري لكل أمة.

- ونملك الطاقة الطبيعية، حيث تعتبر أراضينا خزاناً لها بالدرجة الأولى، وما تكالبُ الدولِ الاستعمارية، قديماً وحديثاً، على تقسيم أراضينا إلا دليل قاطع على صحة هذا.

- حتى الموقع الجغرافي لهذه الأمة يحسدنا عليه أعداؤنا، لأنه موقع حساس واستراتيجي.

هذا بالإضافة إلى وفرة المياه وخصبة الأراضي، فضلاً عن وحدة الدين والمعتقد والوجهة.

أمتنا مرشحة ومؤهلة قدراً، ومطالبة شرعاً، لقيادة البشرية مصداقاً لقوله تعالى الإنشائي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله} [آل عمران: 110].
وهذا ما ينبغي أن تدركه هذه الأمة البائسة من جديد، وذلك لتعرف حقيقتها وقيمتها وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة ولتكون قائدة في الخير لا في الشر، قائدة في القدوة والقوة، لا في الضعف والهوان والتبعية.
"ومن هنا لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من الأمم الجاهلية، إنما ينبغي أن تعطي دوماً لهذه الأمم مما لديها وأن يكون لديها دائما ما تعطيه، ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح والتصور الصحيح والنظام الصحيح والخلق الصحيح والمعرفة الصحيحة والعلم الصحيح، ولهذا المركز الطليعي تبعات وتكاليف لابد للأمة أن تحققها في ذاتها ابتداء، وأول هذه المقتضيات؛ هو أن تتوفر على قوة تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون لها كيان سياسي موحد تنطلق منه لأداء المهمة الملقاة على عاتقها، ولكن شتان بين واقع الأمة اليوم وبين ما هو مطلوب منها".

"لقد كان الإسلام - ولا يزال - أكبر نعمة إلهية لهذه الأمة، أخرجها من الظلمات إلى النور، وأخرجت بها البشرية من ظلمات الجاهلية في الأمس القريب، ثم ها هي اليوم مطالبة بإخراجها منها كرة أخرى وهذه وحدها هي الرسالة التي يمكن أن تقدمها إلى هذه البشرية الضالة الغارقة في وحل البهيمية، فإنها لا تقدم لها عبقريات في الآداب والفنون والعلوم ولا عبقريات في الإنتاج الصناعي المتفوق تنحني له الجباه وتغرق به أسواقها ولا فلسفة مذهبية اجتماعية ومناهج اقتصادية وتنظيمية من صنع أيديهم ومن وحي أفكارهم البشرية من ورائها إلا الغم والشقاء، ولكنها ابتعثها الله من جديد لتقدم للبشرية هذه الرسالة الكبيرة لا شيء إلا هذا المنهج الفريد الذي خصها الله بها ليكون فيها الخلاص والإنقاذ، إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة وهي التي تقدم أكبر منهج وهي التي تتفرد في الأمة بأرفع مذهب للحياة".

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو؛ لماذا هذا التدني وهذا التخلف رغم كل هذه المعطيات؟! أو بتعبير آخر؛ لماذا هذه الغثائية؟!

والجواب بسيط، ولا يتجاوز شطر كلمة!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها؟!)، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله المهابة من قلوب أعدائكم منكم ويقذف في قلوبكم الوهن)، قالوا: (وما الوهن يا رسول الله؟!)، قال: (حب الدنيا وكراهية الموت).

فالوهن إذن هو سبب الوبال، وهو المرض الحضاري الذي أسقط جسد هذه الأمة إلى الأرض بلا حراك، لا يملك إلا التفرج على الهزائم، قد أخلده إلى الأرض، لا يلوي على شيء ولا يهتم بما حوله.

والوهن قد قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شطرين؛

- حب الدنيا.
- وكراهية الموت.

أما ظواهر هذا المرض؛ فهناك الغثائية وانتزاع الهيبة من قلوب الأعداء.
وأما النتيجة الحتمية التي تنتج عنه؛ فهي السقوط لقمة سائغة في فم الأعداء، وذهاب الريح، وسقوط راية الإسلام في وحل الهزيمة والتخلف، وبالتالي تهميشه وتغييبه من واقع الحياة.

حب الدنيا:

أما حب الدنيا فينتج عنه خيانة الأمانة؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسوُلَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم} [الأنفال: 27 - 28]، فحب الدنيا يتمثل في حب المال والأولاد، وهو الذي يكبل الإنسان عن القيام بمهام هذه الأمانة.
والقرآن الكريم يصور لنا هذه الحياة الدنيا على حقيقتها ويبين لنا مدى قزميتها حتى لا تكون عائقاً في طريق الإيمان والهجرة والجهاد، فيقول جل وعلا: {واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذَرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً * الْمَالُ وَالْبَنُونُ زِينَةُ الحْيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف: 45 - 46]، ويقول في موضع آخر: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارُ نَبَاتَهُ ثُمَّ يّهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يّكُونُ حُطَاماً...} [الحديد: 20].

هذه هي النهاية، وهذه هي الحقيقة التي ينبهر بها الناس فتملأ عيونهم وقلوبهم.

وبالأسلوب القرآني الموجز والمعجز يصور لنا رب العزة التكاثر والنعم الدنيوية وسرعة ذهابها وزوالها؛ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر} [التكاثر: 1 - 2]، فلا تكاد تبدأ بالتكاثر ويطمئن إليها الإنسان حتى تنتهي إلى القبور.
وفي الوقت ذاته - وفي حدود الشرع ومراعاة للفطرة البشرية - يأذن لنا الله عز وجل بالاستمتاع بهذه الدنيا وجعلها وسيلة وسبباً لكي نرتقي إلى الآخرة؛ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا خَالِصَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَة} [الأعراف: 32].


والسنة النبوية المطهرة هي أيضا لم تغفل عن هذا المرض.

ووصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع هذه الدنيا، فيقول: (الدنيا مزرعة الآخرة).
حتى لا يصطدم مع الفطرة البشرية التي جبلت على حب الدنيا، كما جاء في كتاب الله على لسان إبليس لآدم عليه السلام وهو يغريه لكي يأكل من الشجرة - الابتلاء -؛ {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى} [طه: 120].

ويقول عليه الصلاة والسلام في الدعاء المأثور عنه: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا).
ويعلق الله عز وجل قلوب عباده بالحياة الحقيقية وبالنعيم الدائم المقيم هناك في الآخرة، فيقول: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]، ويقول: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى} [الضحى: 4].
ثم يستنهض همم القاعدين عن أداء الأمانة والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق، فيقول: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيل} [التوبة: 38].
ويخاطب هؤلاء المغترين بما لديهم من متاع الدنيا؛ {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].

ويقص علينا ما أصاب أصحاب الجنتين وقارون - كنماذج - حينما اغتروا بما رزقهم الله ليفتنهم فيه، فالقرآن الكريم مليء بالمعالجات لهذا المرض الخطير وكذلك السنة النبوية المطهرة.

لقد عمد الأعداء إلى تربيتنا على حب الدنيا والتمسك بها إلى حد العبودية، ليصعب علينا التضحية من أجلها - أو ببعضها - في سبيل المحافظة على قيمنا السامية أو استرجاع ما ضاع منها، وعلى رأسها عقيدتنا، فترى المسلم يفرّط في دينه مقابل دراهم معدودة أو مناصب موهومة، فيكون دينه أول ما يدفعه ثمناً لدفع البلاء ورفع الحصار، فتساوينا مع الأعداء في حب الدنيا والتكالب على ملذاتها الزائلة، وجرَّنا هذا إلى التساوي معهم في الذنوب والمعاصي، كنتيجة حتمية لهذا الحب، بل منا من تفوق عليهم في إحداث ذنوب ومعاصي لم تكن في الأمم التي من قبلنا.

فكان لزاماً علينا - أفراداً وجماعات - أن ننتبه إلى هذا المخطط الرهيب، ونسارع إلى إنقاذ ما تبقى من أبناء أمتنا، وذلك بالتربية الإيمانية القائمة على الزهد في هذه الدنيا، والتخفيف من ملذاتها، وتدريب النفوس على البذل والعطاء والتعلق بالآخرة الباقية بدلاً من الدنيا الفانية.

لقد قامت هذه الأمة المختارة بدورها في قيادة البشرية نحو خيري الدنيا والآخرة، وعلمتها الأهداف الحقيقية لوجودها والوسائل الصحيحة لتحقيقها، فبقيت هذه النماذج ردحاً من الزمن تقوم بهذا الدور الريادي، ثم شاء الله أن يرفعها ويغيِّبها - لأسباب قدرية وشرعية - لتذوق البشرية مرارة اليتم والتيه والضلال عن الحق، وتعود إلى سابق عهدها من الجاهلية، فانغمست في حب الدنيا وجعلتها غاية غاياتها، وسخَّرت كل شيء في سبيل امتلاكها، فملكتهم هي وأصبحوا لها عبيداً وخدماً، فتتناحروا من أجلها، وهُتكت الأعراض في سبيلها، وتحولَّت إلى آلهة معبودة، لا يعرف الناس لها بديلاً.

كراهية الموت:

أما كراهية الموت؛ فهو نتيجة حتمية لحب الدنيا، والإنسان بطبعه محب للدنيا وكاره للموت، والقرآن الكريم قد عالجه هو أيضا بأسلوب لطيف بحيث يرينا الموت على أنها قوة ضئيلة حتى لا نهابه، ويصوره لنا كأنه باب للمرور إلى عالم الجنان والخلد بعيداً عن صخب الدنيا وصداعه، فيخلص الإنسان أخيراً إلى الرضا بالموت حين يأتيه، ويسعى قبل ذلك للاستعداد له ولما وراءه.

فيقول رب العزة: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادّةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} [الجمعة: 8]، ويقول أيضاً: {أَْينَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة} [النساء: 78]، ويقول عز من قائل: {كُلُّ نَفْسِ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} [آل عمران: 185].

وهو تأكيد على حقيقة واحدة وحتمية، وهي أن الموت لابد آت؛ {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب} [الرعد: 38]، و {لكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49].

والحقيقة الثانية التي تشير إليها هذه الآيات؛ هي حتمية الحساب ومن ثم ضرورة الاستعداد لما وراء الموت.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتأ يحذر المؤمنين من مغبة نسيان الموت والاستعداد له، فيقول: (كن في هذه الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
ويقول: (الدنيا مزرعة الآخرة).
وكان يحث أصحابه على الإكثار من ذكر الموت، ويقول: (أكثروا من ذكر هادم اللذات).

لقد شاء الله أن يرحم هذه البشرية بصفة عامة، وهذه الأمة بصفة خاصة، فبعث فيهم خَلَفاً، ساروا على هدي وخطى أسلافهم، فكسروا قيود الرق والعبودية، ونفضوا غبار الذل والتبعية، ورفعوا شعار "أطلبوا الموت توهب لكم الحياة"، فجاءتهم الدنيا صاغرة، فتحرروا منها وحرروا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق هذه الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

ففقهوا معنى الشطر الثاني من الوهن، فاستعلوا على هذه الدنيا الفانية حينما أدركوا حقارتها، وعلموا أن الموت ماهو إلا باب ومعبر إلى الآخرة، وبأن الجهاد لا ينقص عمراً، بل إن للموت أجلا محدودا، لا يمكن تقديمه أو تأخيره، وعليه، فلا داعي للهروب منه، بل ينبغي القيام بجميع الواجبات الشرعية، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله - باليد واللسان - وهذا هو الذي يحيي الأمة ويعيد إليها صدارتها ومركزيتها بين الأمم.

وهذا ما ينبغي إحياءه في النفوس، والتركيز عليه في عملية التربية الإيمانية للجنود في جماعات الحق، لتتمكن من استرجاع هيبتها المفقودة، والقيام بدورها الريادي، وكسر جميع الحواجز المادية والمعنوية، والاندفاع نحو طلب الشهادة وهم موقنون أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وبأن هذه الرغبة الجامحة في نيل الشهادة ومواجهة الأعداء وكل الصعاب التي تعترض طريق الدعوة والجهاد، لن يؤخر أجلهم أو يستقدمه إلا إذا وافق ذلك إرادة الله تعالى وقدره، واختياره لزمرة الشهداء، شوقاً إليهم كما يتشوقون هم للقائه.

ولقد تنبه أعداؤنا إلى هذا الأمر، وأدركوا خطورته على وجودهم ومناهجهم على حد سواء، وعلموا أن الإقدام على الموت وتقديم النفس في سبيل الحق من أفتك وأمضى الأسلحة التي لا يملكون حيلة للتصدي لها، فاستنفذوا جميع وسائلهم وأساليبهم لإرهاب المجاهدين، وبدأوا باستعمال أساليب الإغراء أو تحريض بعض المنهزمين من أبناء الأمة لصرف هؤلاء الأبطال عن طلب الموت في سبيل الله، واستبداله بطلب فتات الحياة والسقوط في أحضان الطغاة.

فعلى الدعاة والمربين في كل التجمعات الإيمانية؛ أن يرسخوا في نفوس الأتباع عدم الخوف من الموت وابتغاء ما عند الله، وأن يتعلموا فلسفة طلب الموت لتوهب لهم الحياة، ويحرصوا على لقاء الله أضعاف ما يحرص أعداؤهم على هذه الحياة، ليقلبوا معادلة الصراع لصالحهم، كما بدأت بوادره تلوح في الأفق من الآن.

وبعد...

فذلك هو الوهن، وهذا هو دواؤه مقتبس من فهمنا لكتاب الله تعالى - وسنة نبيه - وكما أن الأمة مطالبة باقتناء هذا الدواء حتى تُرجع إلى نفسها القوة والاعتبار وبالتالي الهيبة التي تجعلها في صدارة الركب الحضاري، فإن الحركات الإسلامية اليوم - التي تمثل ضمير هذه الأمة - مطالبة هي أيضا بالانتباه إلى هذا المرض الخطير فتصفي صفوفها من كل غبش ومن كل العناصر الواهنة التي تبطئ النصر وتعرقل مسيرة العمل نحو التقدم والتمكين لدين الله في الأرض، ولتعلم أن القوة الحقيقية تكمن في القلة الصابرة الصادقة والمتماسكة، التي باعت نفسها لله، تطلب الموت لتوهب لها الحياة الحقيقية والأبدية، أولئك هم الذين يُدخلهم الله في رحمته، وينصر الله بهم دينه.


{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}
[النور: 55].





أبي سعد العاملي