جزيرة قيس بن عميرة أم كيش؟ 2 - 3
جمال بن حويرب المهيري
التاريخ: 27 مايو 2013



نكمل الحديث عن جزيرة "قيس بن عميرة"، ونناقش أولاً ما ذكره الجغرافي الأديب ياقوت الحموي (574 - 626 هـ) عن جزيرة "قيس"، في كتابه العجيب "معجم البلدان" الذي لم يكتب مثله حتى يومنا الحاضر، فيقول: "قيس جزيرة، وهي كيش في بحر عُمان دورها أربعة فراسخ، وهي مدينة مليحة المنظر ذات بساتين وعمارات جيدة، وبها مسكن ملك ذلك البحر صاحب عمان وله ثُلثا دخل البحرين". قلتُ: ذكر الحموي أنه زار جزيرة "قيس" والجزر التي حولها مراتٍ عديدة، فهو يصفها كما رآها في القرن السابع الهجري، وهو ليس رحَّالة من جملة أهل الرحلات فحسب، بل هو عالم وأديب ومؤرخ، وكان يحرص، رحمه الله، على التحقيق والدقة ولهذا بدأت بكلامه.

من المعلوم أن سلاطين فارس في زمن ياقوت الحموي، قد تغلبوا على كثير من المناطق الساحلية في الخليج من جهة فارس وجزرها، ولكن هذا لا يعني أنّ العرب الذين انتقلوا للعيش في ذلك الساحل منذ قديم الزمان وحكموا الساحل وجزره، تركوا عروبتهم وأصبحوا فُرساً، فهم وإن أتقنوا الفارسية فإنهم لم يتخلوا عن عروبتهم وطبائعهم التي ورثوها من أجدادهم، ولهذا وقع في ظن ياقوت أن كل أهالي هذه الجزيرة العربية "قيس" من الفرس، وهذا وهم أسقطه فيه غلبة الفرس في تلك الأيام، فقال: "كيش: هو تعجيم قيس، جزيرة في وسط البحر تعد من أعمال فارس لأن أهلها فرس، وقد ذكرتها في قيس، وتعدّ في أعمال عُمان".

قلتُ: قول الحموي: كيش تعجيم قيس دليل على أن الأصل في اسم هذه الجزيرة هو قيس، ثم لما لم يستطع الفرس نطق هذه الكلمة بسبب عدم وجود القاف في لغتهم قالوا: "كيش"، وهو الصواب والأقرب إلى الحقيقة، لأن العرب سموا هذه الجزيرة "قيس بن عميرة"، فلم يستطع أهل فارس نطق هذا الاسم فنطقوها بلفظ قريب، ولهذا قال ياقوت: "تعجيم قيس".

أما قول صاحب القاموس المحيط: وقَيْسُ: "كُورَةٌ (بلدة) بمصر، سمّيَتْ بِمُفْتَتِحِها قَيْسِ بن الحارِثِ، وجزيرَةٌ ببَحْرِ عُمانَ، مُعَرَّبَةُ كيش"، فهذا وهْمٌ منه، رحمه الله.

والصواب هو العكس، فالتعريب لا يكون بتعريب الاسم وإضافة اسم والد مثل قولهم جزيرة "قيس بن عميرة"، بل الأقرب للصواب أن يكون الفرس سمعوا هذا الاسم وعجّموه بلغتهم ليسهل عليهم، كذلك لماذا ينسب بلدة قيس المصرية إلى مفتتحها قيس بن الحارث ولم تنسب جزيرة "قيس" إلى من نُسبت إليه وصارت مشهورة به منذ القدم "قيس بن عميرة"؟!

ذكر أيضاً ياقوت الحموي هذه الجزيرة باسم "قيس بن عميرة" عدة مرات في معجمه، مما يدل على أنّ العلماء يعرفونها بهذا الاسم في كتبهم، وإن شاع مسمى "كيش" عند العامة، بل ذكر مرة بصيغة الجزم أنّ قيساً هذا هو أول من عمرها، فقال عند ذكره خراب مدينة "سيراف" وكيف طغت على تجارتها جزيرة "قيس": "كذا كان في أيام أبي زيد، فمنذ عَمَر ابنُ عميرة جزيرة قيس صارت فرضة (ميناء) الهند وإليها منقلب التجار لما خربت سيراف".

وهذا يشير إلى القصة التي يرويها أهل قيس عن أجدادهم حول تسمية الجزيرة بقيس بن عميرة.

لم يكتف ياقوت الحموي بذلك، فقد ذكر الجزيرة عدة مرات أيضاً باسم "قيس" ثم يشير إلى الاسم الذي تُعرف به في وقته، ومنه قوله عند ذكره الجزيرة جاسك: "جزيرة كبيرة بين جزيرة قيس، هي المعروفة بكِيش وعُمَان"، فتقديمه اسم "قيس" ثم قوله "هي المعروفة بكيش" دليل على أصل عروبتها، وأن أهل فارس عجّموها لتناسب لغتهم، وشاع اسم كيش بدل قيس، ولكن العرب احتفظوا باسمها التاريخي "قيس بن عميرة" إلى يومنا الحاضر.. وللمقالة بقية.