جزيرة قيس (كيش) … بقلم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي



من ضمن ما قرأت عن تاريخ الخليج في الأزمان الغابرة كتاب “تاريخ وصّاف” (تجربة الأمصار وتزجية الأعصار) لمؤلفه: شهاب الدين عبدالله بن فضل الشيرازي (وصّاف الحضرة) بين سنتي 663-698 هـ ،فقد كتب عن جزيرة “قيس” أو “كيش” ما يلي:

“جزيرة قيس (كيش) تعتبر اليوم إحدى جزر فارس الكبيرة يردها التجار من بلاد الهند والسّند والصّين وتركستان ومصر والشّام والقيروان ليعرضوا بضاعتهم فيها .

كانت هذه الجزيرة في سالف الأيام قطعة أرض متروكة خالية من السّكان، وخالية من العمران .

وقد انتبه إليها الملك تورانشاه عماد الدولة بن قاورد بن جغري بيك الذي كان يسيطر على مملكة كرمان،وجعل منها محطة انطلاق بحرية ساحلية حيث كانت شبه جزيرة سيراف قبلها أكبر محطة ساحلية،في أوائل عهد آل بويه، ومدينة كبيرة وعامرة ومحطاً لمجاميع كثيرة من العلماء والباحثين والتجار .

وكان من جملة علماء المدينة السيرافي شارح كتاب سيبويه، ومن الفضلاء المتأخرين مولانا صفي الدين أبو الخير مسعود، رحمهما الله تعالى .

كانت الكثافة السّكانية في المدينة شديدة وبالحد الذي كانت أغلب العمارات فيها مؤلفة من ثلاثة أو أربعة طوابق .

وكان السلطان معظم أبو شجاع عضد الدولة فناخسرو شهنشاه ينزل الجزيرة أحياناً، فينصب فيها خيمة ويقيم فيها حظيرة للدواب .

كان يعيش في مدينة سيراف يومذاك بحار فقير وقانع يسمى قيصر خلف بعد وفاته، ثلاثة أولاد، كان اسم أكبرهم “قيس”، وكان قيس هذا شاباً مسرفاً، قام إخوته بإتلاف ما استورثوه عن أبيهم في مدة قصيرة، واتخذوا مجموعة من الأوباش والمنحطين جلساء وقرناء لهم، ليصيروا بعد مدة في عداد قراصنة البحر .

لم تستقم معيشة قيس بعد وفاة والده، فاضطر إلى مغادرة سيراف .

حاول اقتناء وسائل الصّيد ليعتاش، وانتقل مع إخوته إلى جزيرة أخرى لتسمى فيما بعد باسمه . وترك منزل أبيه في شبه جزيرة سيراف لأمه . . وهناك في الجزيرة الجديدة بنوا مع أصدقائهم عدة مظلات ليحتموا بها نهاراً من وهج الشمس ويأوون إليها ليلاً ليستريحوا فيها من عناء العمل أثناء النهار . لقد اعتمدوا الصيد حرفة لمعاشتهم .

مضت الأيام على هذا المنوال، وكانت العادة يومذاك أن يأخذ البحارة الذين يبحرون بقصد السفر وهدف سلامة وصولهم مصحوبين بدعاء البؤساء من ذوي الفاقة يأخذون بعض السلع والبضائع من الناس ليبيعوها هناك ويدفعوا ثمنها إليهم عند رجوعهم .

ذهب بحار السفينة إلى أم أولاد قيصر وطلب منها إعطاءه ما تريد بيعه في سفره، فقالت العجوز إنها لا تملك شيئاً سوى قطتها . فأجابها البحار أنه سيأخذ القطة إلى السفينة معه لتدفع عنهم أذى الحشرات والحيوانات الضارة . . وبعد عدة أيام من إبحار السفينة، رست عند سواحل الهند، وأخرج البحار بضائعه وذهب بها، ليعرضها على ملاك البلاد .

وحينما دخل قصر الملك وجده غاية في الجمال والرّوعة . وعندما عرض بضاعته على الملك، رغب فيها وطار بها فرحاً .

رأى التاجر البحار أن الملك وحضّاره قد وضعوا شعر رؤوسهم ولحاهم داخل أسطوانات دقيقة مصاغة من الذهب، ثم التفت إلى زوايا المكان فوجد فيها أعداداً من الفئران . وعندما نصبت مائدة الطعام هجمت عليها هذه الفئران . ووجد رجالاً عديدين مدججين بالهراوات يقفون من وراء الجالسين، مهمتهم طرد الفئران . . عندها فكر التاجر في نفسه قليلاً وتصور ثراء المرأة العجوز .

وطلب في اليوم الثاني مقابلة الملك، واصطحب معه القطة التي وضعها في قفص خاص . وعند دخوله على الملك، وضع القفص تحت كرسيه، وأبقى باب القفص مفتوحاً لتخرج منه القطة . وحينما وجدت القطة نفسها وسط جموع الفئران هجمت عليها لتقتلها .

في البدء لم تخف الفئران من القطة، ولكنها وبعد أن رأت صولتها وفعلتها لاذت بالفرار والتجأت إلى جحورها . ولكن القطة لاحقتها متابعة حتى جحورها .

فرح الملك لما رآه، وتساءل: من أي الحيوانات هذه، وفي أي أرض تقيم؟

أجابه التاجر على الفور، بعد أن انحنى للملك احتراماً، أن هذا الحيوان عدو لدود للفأر يسمى بالعربية سنور- أعطتني إياها أثناء سفري هذا عجوز لتنال به فائدة مالية قليلة .

قبل الملك تلك الهدية النادرة،وأصدر أوامره بإعفاء التاجر من رسوم الدخول والخروج، وإعفاء بضائعه من أية ضرائب أخرى، ومنحه جوائز كثيرة وكساه بملابس ثمينة .

وبعد أن باع التاجر بضائعه،واشترى مكانها بضائع أخرى، ذهب إلى الملك يستجيزه الرجوع، وهناك استأذن الملك في أن يعطي العجوز صاحبة القطة ثمن القطة من جوائزه الخاصة التي حصل عليها منه، أو أن الملك سيرعاها بكرم خاص . أمر الملك التاجر بالذهاب إلى ساحل البحر ليتسلم هناك جائزة العجوز التي أعدها لها . ذهب التاجر إلى ساحل البحر ليجد بانتظاره أحد حجاب الملك ليسلمه سفينة محملة بالنفائس، على متنها عدد من الخدم والخادمات مشغولون بواجباتهم .

وفور وصول التاجر إلى شبه جزيرة سيراف، أخبر المرأة العجوز بالخبر، ولكن المرأة التي اعتقدت بأن ما قاله التاجر مجرد مزحة ثقيلة استاءت كثيراً، واعتبرت ذلك أمراً مجانباً للمروءة .

غير أن التاجر ذهب بها إلى ساحل شبه الجزيرة، وسلمها السفينة . فأرسلت العجوز تستدعي أولادها من الجزيرة الأخرى . جاء الأولاد مسرعين ليتصرفوا بالأموال . وهكذا نال أولاد قيصر عن طريق القطة ما كانوا يريدون، وانتقلوا بأمهم إلى تلك الجزيرة، لذلك فقد نسبت الجزيرة إلى قيس .

تناقل العرب من سكان الساحل الفارسي تلك الرواية وتوارثوها جيلاً عن جيل، مطلقين اسم “قيس” على تلك الجزيرة . أما الإيرانيون فيطلقون اسم “كيش” عليها .

ذكر اسم “كيش” المطلق على تلك الجزيرة في كتاب حول الهند “Indica” لأريان “Arrian” والذي كتبه سنة مئة بعد الميلاد، فقد جاء اسم الجزيرة كاشيا “Cataea” .

وكلمة “كيش” باللغة التركية تعني “ الشكل المخروطي”، وبالنظر إلى شكل الجزيرة البارز عن سطح الماء تشاهد وكأنها “شكل مخروطي” .

هنا يتساءل المرء:

ما الذي جاء باللغة التركية إلى الخليج؟

عندما احتل الفرثيون وهم أقوام من السقيت (جنوب روسيا) فارس سنة مائتين وخمسين قبل الميلاد وامتدت إلى مئتين وأربع وعشرين ميلادية، حكموا المنطقة من السند إلى الفرات، ولغتهم التركية، ويلاحظ كذلك، أنه عندما كتب أريان كتابه “حول الهند” سنة مائة من الميلاد كان حكم الفرثيين لا يزال قائماً .



المصدر: الخليج

http://uaelocalnews.wordpress.com/20...-%D9%85%D8%AD/