مقارنة التثنية في اللغات السامية

احتفظت العربية دون سائر أخواتها من اللغات السامية بظاهرة التثنية، وهذا الأسلوب هو أسلوب عربي قديم، فالتثنية ليست طارئة على العربية، وإنما جذورها تمتد الى تاريخ بعيد، حتى عُدَّت من لطائفها، وحسن بيانها، ولها في الشعر من الرنة ما يستهوي الفؤاد . وجاءت جهود النحويين العرب واضحة في هذه الظاهرة من حيث دلالتها الاعرابية، ورغم احتفاظ العربية بظاهرة التثنية إلاّ أنّ اللغات الأخرى كالعبرية، واليونانية والسنسكريتية لم تخل تماماً من هذه الظاهرة، ولفظ (إثنان) من الألفاظ السامية فهو في اللغة العبرية (شنايم) للمذكر، و(شتايم) للمؤنث، وفي الأكدية (شين) للمذكر و(شتين) المؤنث، وفي الحبشية نجد(سنوت) و(سنايت) بمعنى اليوم الثاني من الأسبوع أو الشهر، واقتصرت التثنية في بعض اللغات مثل الآرامية والبابلية على أعضاء الجسم المزدوجة كما في( يدين) (يداين) و(رجلين) (رجلاين) وعلامته الياء والنون، أمّا في الآشورية فعلامتها الألف اللينة المتبوعة بالنون. وقد عرفت اللغات الهندية الأوربية المثنى في القديم ولكنها فقدته، لأنّ حاجتها الى إفراد المثنى بصيغة لغوية خاصة لم تعد ملحةً كما كانت، وقد تخلصت الفروع السامية من المثنى فحُرِّكت الياء في العبرية بالكسرة، وأصبحت مقتصرة على بعض الأسماء المثناة مثل (رجليم ،أذنيم، يديم) وهي على الترتيب: رجلين، أذنين، يدين، والنون في العربية يناظرها الميم في العبرية في التثنية والجمع الصحيح .

وقد يرى بأن الصيغة الأصلية للمثنى كانت (بالياء) وأصابها التطور الصوتي، فأميلت نحو الألف فخص الألف للرفع، والصيغة القديمة وهي الياء خصوا بها النصب والجر، ويبنى هذا الاعتقاد لوجود آثار لهذه الصيغة في العبرية، وبعض اللغات السامية الأخرى، ولم يشر صراحة الى الكيفية التي حصل بها ذلك التطور الصوتي بتغيير صيغة المثنى من (الياء) الى (الألف)، ولو افترضنا بوجود هذه الصيغة في العربية القديمة فعلاً، فلماذا لم نجد لها آثاراً في النصوص العربية الفصيحة (شعراً أو نثراً)، مثلما ألزمت المثنى الألف في لغة بلحارث بن كعب، إذ جاءت هذه اللغة في الشعر كقول الشاعر:

إنّ أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

واستعملها القرآن الكريم وهو يمثل أعلى مراحل الفصاحة، فضلاً عن ذلك لم يشر أيًّ من النحويين العرب عند حديثهم عن إلزام المثنى الألف بأن الألف تطور عن الياء، بل إننا نجد أحد المستشرقين يؤكد بأنّ الصيغة الأصلية للمثنى هي الألف وليست الياء، إذ قال: "من المحتمل بأن المثنى كان على صيغة واحدة هي لزوم الألف والنون في لهجة الحجاز بالإضافة الى لهجة شمالي اليمن" .

وقد استعمل القرآن الكريم بعض الكلمات المثناة من اللغات الأخرى غير العربية كقوله تعالى {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} ، قيل (كفلين) ضعفين بلغة الحبشة، وقال غير واحد نصيبين ومعنى ذلك أنّه سبحانه وتعالى يأتيهم بأجرين كمؤمني أهل الكتاب.

أمّا التثنية في اللغات العربية، فقد كان لكل قبيلة لغتها الخاصة التي يستعملها أفراد القبيلة للتخاطب فيما بينهم، وهنالك لغة مشتركة بين القبائل تسمى اللغة الفصحى، وهي لغة قريش وكان الشعراء الأكثر استعمالاً لهذه اللغة في أشعارهم، فلما جاء الإسلام سمح بأن يقرأ القرآن الكريم ببعض تلك الصفات اللهجية التي امتازت بها كل قبيلة.

وقد وردت بعض لغات القبائل في القرآن الكريم كقوله تعالى {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} ، ومعنى (طفقا) (عمدا) بلغة غسان وكذلك قوله تعالى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ، معنى (صغت) (مالت) بلغة خثعم.



المصادر

  • المثنى، أبوالطيب اللغوي، (مصدر سابق)، مقدمة المحقق ص8.
  • ينظر في ذلك: رسالة ماجستير موسومة بالتثنية في القرآن الكريم، حيدر محمد رحيم النصر الله، جامعة البصرة، 2002م.
  • البيت من الرجز، لرؤبة بن العجاج، انظر ديوانه ص168، والشاهد فيه لغة من ألزم المثنى الألف مطلقا، البهجة المرضية ص45، المقرب ص442.
  • اللهجات العربية القديمة في غرب شبه الجزيرة العربية، تشيم رابين، ترجمه وعلق عليه عبدالكريم مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2002م، ص283.
  • الآيات:
    الحديد:28
    طه:121
    التحريم:4