رغم حملتين عسكريتين لاحتلالها.. دراسة تاريخية حديثة:
البحــــريـــن لــــم تخضـــــع لأي ســـلطـــة فــــارســيــة.. وتميـــزت بالتعدديــة والانفتـــاح الثقـــافـــي
صحيفة الوطن - العدد 3298 الأحد 21 ديسمبر 2014

كتب - موسى عساف:
كذبت دراسة تاريخية حديثة الادعاءات القائلة بخضوع البحرين للسلطات الفارسية خلال القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، وقالت الدراسة إن البحرين تمتعت باستقلال سياسي وإداري طوال القرنين المذكورين، وحافظت على هويتها العربية الإسلامية، كما ازدهرت فيها حركة الشعر والأدب، فيما تمتع مجتمعها المحلي بالصبغة التعددية والانفتاح الثقافي. جاء ذلك في الدراسة التي أعدها الباحث الدكتور بشير زين العابدين، وصدرت مؤخراً في كتاب تحت عنوان «البحرين ومحيطها الإقليمي إبان الفترة 1600-1782»، عارض فيها بعض المصادر التاريخية الأوروبية التي نجحت في تشويه سمعة القوى العربية آنذاك ودورها في الحفاظ على هوية البحرين العربية الإسلامية، حيث عمدت إلى سلب الهوية السياسية للبحرين من خلال الادعاء بأنها قد خضعت للسلطة الفارسية. واستشهد الدكتور زين العابدين في بحثه بعدد كبير من المصادر المحلية والأجنبية الموثوقة، وبعض الرحلات، والتي عمد كثير من الباحثين إلى إغفالها في دراساتهم السابقة عن ذات الفترة، كما درس الباحث عدداً من الوثائق والمخطوطات النادرة الموجودة في المتحف الوطني في البحرين، منها وثائق بيع أراضي ووثائق أوقاف وغيرها خلال القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، حيث كتبت جميعها باللغة العربية، ما يشير إلى وجود قضاء مستقل في البحرين، وأنظمة محلية لإدارة الأوقاف وتسجيل الأراضي، وجمع الخراج، وتوزيع المياه، وغيرها من المعلومات حول الشؤون الإرادية والمالية. كتاب الدكتور بشير زين العابدين جاء في ما يزيد عن 300 صفحة من القطع المتوسط تضمن خمسة فصول مرتبة على التوالي؛ مصادر تاريخ البحرين في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، والأوضاع العامة في الخليج العربي إبان الفترة 1600-1782، والبحرين في الفترة 1600-1670، والبحرين في الفترة 1670-1782، وتقارير ووثائق معاصرة حول البحرين في الفترة 1600-1782، وخاتمة تحت عنوان معالم الهوية السياسية للبحرين، إضافة إلى جدول زمني بأهم أحداث الفترة التاريخية -1600 1782.
مصادر تاريخ البحرين في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين
عني المؤلف في الفصل الأول من الكتاب بتناول المصادر التي اعتمدت عليها الدراسة، ومتابعتها وعمل المقارنات بينها، للخروج بأكثر المعلومات التاريخية دقة، إيماناً منه أن كتابة التاريخ يجب أن تبحث في أكثر من مصدر، وأن تتوخى الدقة والحرفية في البحث، لذلك فقد اعتمد على أكثر المصادر مصداقية في كتابة التاريخ، وهي المصادر الأوروبية، والمصادر الإقليمية، فيما تناول أخيراً نقد الاستخدامات المعاصرة للمصادر التاريخية، والدعوة إلى إعادة النظر في النتائج التي خلصت إليها بعض الدراسات الحديثة حول نمط العلاقة بين البحرين والقور الرئيسة في المنطقة. وفي هذا الجزء من الكتاب فصل الباحث تلك المصادر التي اعتمد عليها تفصيلاً دقيقاً مبيناً أصولها وتواريخها ومكان حفظها، ومن المفيد أن نسردها هنا في عجالة، مع الإشارة إلى من يريد الاستزادة والاطلاع على تلك المصادر وأهميتها بالعودة إلى الكتاب، وهذه المصادر هي: أولاً: المصادر الأوروبية:
1 - المصادر البرتغالية؛ رحلة بيدرو تيخسيرا (1604)، تعليقات فريدا اندرادي (1619-1632)، رحلة مانويل غودينهو (1662)، فاريا دي سوسا (1695)، جواو دي سوزا (1789).
2 - المصادر الهولندية؛ تقارير حول تجارة اللؤلؤ في البحرين (1634-1690)، تقارير حول الأوضاع السياسية في البحرين في القرن الثامن عشر، تقارير نيبهاوزن (1756).
3 - المصادر البريطانية؛ جون بروس (1810) حوليات شركة الهند الشرقية، فوستر وبيردوود (1893) سجلات شركة الهند الشرقية، سلدانها، ج.أ (1903-1908) ملخص الخليج، لوريمر، ج.ج. (1908) الفهرس الجغرافي للخليج العربي وعمان ووسط الجزيرة العربية، رحلة جون أفينغتون (1669)، رحلة إدوارت آيفز (1758).
4 - المصادر الفرنسية؛ رحلة جا دي ثيفنو (1667)، الرحالة جا بابتست تافيرنييه (1689)، القنصل الفرنسي في البصرة جا أوتر (1742)، المؤرخ ج. توماس فرنشيس رينال (1770)، القنصل الفرنسي في البصرة روسو (1778).
5 - مصنفات الرحالة الدنماركي كارستن نيبور (1765).
ثانياً: المصادر الإقليمية والمحلية:
1 - المصنفات الفارسية؛ مير محمد بن سيد برهان الدين خواوندشاه الشهير بميرخواند، ميرزا مهدي خان استر آبادي، محمد علي خان سديد السلطنة كبابي، نصر الله فلسفي.
2 - المصادر العثمانية.
3 - المصنفات التاريخية العمانية؛ عبدالله بن خلفان بن قيصر، سرحان بن سعيد الأزكوي، أبي سليمان بن محمد بن عامر بن راشد المعولي، حميد بن محمد بن رزيق.
4 - المصنفات الأدبية وكتب التراجم المحلية، الشاعر جعفر بن محمد بن حسن الخطي (1618)، يوسف بن محمد بن أحمد الدرازي البحراني (ت1773).
5 - الوثائق المحفوظة في قسم المخطوطات بالمتحف الوطني.
6 - الكتابة المنقوشة على الحجارة.
ثالثاً: الإشكاليات المتعلقة باستخدام المصادر.
يعتبر هذا المبحث واحداً من أهم مباحث الكتاب، إذ تناول فيه الدكتور زين العابدين إشكالية المصادر في دراسة تاريخ البحرين في الفترة المذكورة، وقد لخصها في ثلاث نقاط، من المفيد الاطلاع عليها بالتفصيل.
1 - افتراض خضوع البحرين لسلطة فارسية في الفترة من 1602-1783:
فند الباحث هذا الافتراض لتعارضه مع تورده المصادر التاريخية البرتغالية والهولندية والفرنسية، إضافة إلى ما تورده المصادر الإقليمية والمحلية من مادة وفيرة تؤكد استقلال البحرين عن أية سلطة خارجية.
وأشار البحث إلى أن الادعاءات بخضوع البحرين لسطة فارس في الفترة من 1600-1782 قد نشأت في مرحلة متأخرة من القرن التاسع عشر بسبب الخلاف بين بريطانيا وفارس حول شرعية التدخلات البريطانية في البحرين في القترة 1867-1869، وبناء على ذلك فقد اجتهد الفرس في تقديم وثائق تثبت تبعية البحرين لهم، حيث أبدى بعض المقيمين السياسيين البريطانيين في بوشهر تعاطفهم مع الفرس، أبدت الخارجية البريطانية معارضتها لمشاريع التوســع الفـــارسي في الخليج العربي، إذ كــان المشـــــروع التوسعـــي الفـــارسي يستند إلى الممازجة بين القوة العسكرية والدبلوماسية أكثر من استناده إلى الحقائق التاريخية.
ولفت الباحث إلى أنه لم يثبت تاريخياً أي قدرة للفرس على تولي الشؤون الملاحية والتجارية في الخليج العربي، بل كان جل اعتمادهم على الوجود البرتغالي ومحاولة توظيف منافسة الشركات الشرقية البريطـانيـة والهـولندية والفرنسيــــة، إضافة إلى اعتمــــادهــم علــــى القوى العربية التي كان لها الهيمنة البحرية في المنطقة.
وبالتالي لم تخضع الجزر الخليجية التي يبلغ عددها أكثر من 150 جزيرة لأي سلطة خارجية، فالبرتغاليون لم يحاولوا احتلال جزر الخليج العربي، بل اكتفوا بالسيطرة على هرمز واقتصرت علاقتهم مع القوى المحلية على إبرام المعاهدات والسيطرة على الطريق البحري، أما البريطانيون والهولنديون فقد اقتصر دورهم في الخليج العربي على تأسيس وكالات تجارية والحصول على امتيازات وتسهيلات من قبل الدولتين الصفوية والعثمانية.
ذات الحال كان بالنسبة للوجود الفارسي في الخليج العربي، فقد شن الفرس حملتين ضد البحرين عامي 1602 و1622 إلا أنهم لم يحاولوا احتلالها أو تأسيس سلطة تتبع لهم بصورة مباشرة، بل اكتفوا في الحالتين بتنصيب سلطة محلية موالية لهم. كما شنت الدولة الصفوية في آخر أيامها حملة ثالثة ضد البحرين ضمن محاولتها تحجيم التوسع العماني عام 1718، ونتج عن تلك الحملة تعيين حاكم عربي هو الشيخ جيارة النصوري الذي لم يعترف بأي سلطة خارجية على البحرين.
2 - سلب الهوية السياسية من خلال الخلط بين التبعية والالتزام بدفع إتاوة:
عمد الفرس في فترات زمنية مختلفة إلى مهاجمة البحرين ومحاولة تأسيس سلطة عربية تلتزم بدفع إتاوة سنوية إلى فارس، إلا أن هذه القوى كانت تنزع إلى التمرد والاستقلال، فقد امتنع الشيخ جبارة النصوري عن دفع أي إتاوة إلى فارس عقب توليه عام 17119، كما رفض نصر آل مذكور الالتزام بدفع الإتاوة السنوية لسلطة شيراز عقب توليه السلطة عام 1753. ويشير الباحث إلى أن مجرد التزام البحرين بدفع إتاوة سنوية لا يعني إلغاء الهوية السياسية بالضرورة، فقد أثبتت المصادر بأن حكام البحرين قد التزموا بدفع الإتاوة لعدة أطراف في وقت واحد، ولم يكن الهدف من ذلك إعلان الخضوع والتبعية، بل تفادي شن حملة عسكرية من قبل هذه القوى أو قيامها بأعمال عدائية تسبب خسائر لحركتها الملاحية والتجارية.
ويوضح الباحث إلى أنه وبسبب هذا الخلط عمد بعض المؤرخين إلى سلب الهوية السياسية عن البحرين بصفة كاملة، ويعتبرونها جزءاً من الإمبراطورية البرتغالية والدولة الصفوية والسلطة البريطانية على حد سواء.
3 - فقدان عناصر أساسية من الرواية التاريخية لأحداث القرنين السابع والثامن عشر:
أدى تركيز المصنفات المعاصرة على الدولة الصفوية وعلاقتها مع الشركات الأوروبية المتنافسة في الخليج العربي إلى إهمال عنصرين أساسيين من معادلة صراع القوى في الخليج العربي، وهما الوجود البرتغالي؛ والقوى البحرية العربية ودورها في الحركة الملاحية والتجارية، مما اضطر الفرس إلى الاعتماد على هذه القوى لتحقيق الأمن في الخليج العربي وتأمين الطرق التجارية، وكان ذلك بمثابة اعتراف الفرس بضعفهم البحري في مقابل خبرة العرب في مجال الملاحة البحرين وامتلاكهم أساطيل على مستوى عال من التسليح.
الأوضاع العامة في الخليج العربي 1600 – 1782
خصص الباحث الفصل الثاني من دراسته للحديث عن أوضاع الخليج في تلك الفترة، حيث أكد أن الخليج العربي لم يشهد ظهور أي قوة إقليمية قادرة على بسط سيطرتها بصفة مطلقة، موضحاً أن الصفويين قد انشغلوا بتوطيد نفوذهم في الشمال، كما سخروا الجزء الأكبر من إمكاناتهم لمحاربة العثمانيين، ونظراً لإدراك الشاه عباس الأول بأنه لن يتمكن من تأسيس قوة بحرية قادرة على تحقيق طموحاته في السيطرة على الحركة الملاحية والتجارية في الخليج العربي، فقد لجأ إلى سياسية تقديم الامتيازات للشركات التجارية الهولندية والبريطانية والفرنسية، يهدف إضعاف نفوذ البرتغاليين والقضاء على سيطرتهم في هرمز. من جانب آخر أشار الباحث إلى أن الدولة العثمانية انشغلت في سلسلة معاركها على جبهاتها الشمالية والشرقية والغربية، وكانت الجبهة الشرقية هي الأشد، حيث اندلع صراع مرير مع الدولة الصفوية في أرجاء العراق وشمال غرب إيران، وفي هذا الفترة عانت الدولة العثمانية من تمرد فرق الانكشارية، ونتيجة لهذه الأحداث فقد انحسر التواجد العثماني في كل من البصرة والأحساء، واستطاعت القوى العربية متمثلة في قبائل بني كعب والمنتفق وبني خالد من بسط سيطرتها وتشكيل أنظمة حكم محلي في تلك المناطق.
أما في عمان، فقد ألحقت دولة اليعاربة بالبرتغاليين ضربات مؤلمة، ونجحت في تصفية الوجود البرتغالي من الخليج العربي بحلول عام 1650، ثم تحالفت مع القوى العربية الأخرى وبسطت نفوذها على السواحل الجنوبية الشرقية للخليج العربي، مستفيدة من ضعف البحرية الفارسية.
ويشير الباحث في هذا الصدد أن المصادر الأوروبية قد ضخمت دور شركات الهند الشرقية الهولندية والبريطانية في الخليج، وأهملت الحديث عن القوى العربية في المنطقة، فقد انحصر دور الشركات في ممارسة الأعمال التجارية، لم يكن لها موطئ قدم يذكر في المنطقة، بل اعتمدت بصورة رئيسة على الامتيازات التي منحها لهم الصفويون، والمراكز التي أنشؤوها في كل من بندر عباس وبوشهر والبصرة. واختتم الباحث دراسته في هذا الشان بالتأكيد على أنه ورغم هيمنة القوى العربية على الحركة الملاحية والتجارية في الخليج العربي طوال القرنين السابع والثامن عشر؛ إلا أن الدراسات التاريخية المعاصرة لاتزال قاصرة دون تحديد نمط التحالفات التي قامت بين هذه القوى، وعلاقاتها مع السلطتين العثمانية والصفوية في المنطقة، ويشير الباحث إلى أن غياب الدراسات في هذا المجال أدى إلى نتائج خاطئة؛ منها افتراض الهيمنة الفارسية على الخليج العربي، وخضوع القوى المحلية للحكم الصفوي، وهو أمر تنفيه جميع المصادر التاريخية المعاصرة.
وقد قسم الباحث هذا الفصل إلى عدة مباحث وهي:
1 - سياسة الدولة الصفوية ضد خصومها في الخليج العربي.
2 - انحسار الوجود العثماني في الخليج العربي.
3 - القوى البحرية العمانية وأثرها في المنطقة.
4 - تنافس القوى الأوروبية في الخليج العربي.
5 - هيمنة التحالفات القبلية العربية على حركتي الملاحة والتجارة.
البحرين من 1600-1760
قسم الباحث هذا الفصل إلى عدد من المباحث؛ الحملة الصفوية الأولى عام 1602، والفراغ السياسي وتردي الأوضاع الأمنية 1602-1622، والحملة الصفوية الثانية عام 1622، والاعتراف الصفوي بالنفوذ البرتغالي في البحرين 1625-1650، وأخيراً الأوضاع العامة في البحرين حتى عام 1670.
أشار الباحث في هذا الفصل إلى أن انهيار الوجود البرتغالي في هرمز أدى إلى سعى السلطات الإسبانية-البرتغالية لتقوية نفوذها في السواحل الغربية للخليج العربي، مستفيدة من العداء المستحكم في نفوس العرب من الهيمنة الفارسية، ولضعف القوة البحرية الصفوية وعجزها عن ممارسة دورها في الخليج العربي؛ فقد لجأ الشاه عباس الأول إلى مهادنة البرتغاليين والاعتراف بنفوذهم في بعض المراكز التجارية، وتحديداً لأرك والبحرين.
ونظراً لأهمية البحرين فقد شنت الدولة الصفوية حملتين ضدها عامي 1602 و1622، ولكن لم تعمد إلى تأسيس حكم صفوي مباشر عليها، ولم يحاول الفرس تنصيب سلطة محلية تابعة لهم في البحرين، على العكس من ذلك فقد ترك التدخل الصفوي في البحرين آثاراً سلبية للغاية، حيث أدى هذا التدخل إلى اندلاع صراع داخلي بين مؤيدي السلطة الصفوية ومعارضيها، حيث هيمن الفريق المعارض ونجح في عزل معين الدين فالي وطرده من البحرين.
ويذهب الباحث إلى أن هذه الحالة تركت البحرين في فراغ سياسي، ساهم في تقوية أطماع القوى الإقليمية العالمية للتدخل في شؤونها، وهنا يشير الباحث إلى محاولات حاكما البصرة والأحساء إنهاء الصراع لصالحهما، حيث فشلا في ذلك، ليستمر الوضع القائم لغاية عام 1625 وهو العام الذي اعترف فيه الصفويون بالنفوذ البرتغالي على البحرين، فيما عمد البرتغاليون إلى دعم سلطة محلية مرتبطة مع القبائل العربية في إقليم الأحساء.
ويتطرق الباحث إلى الوضع الإقليمي في المنطقة فيشير إلى أن قوى البحرين العربية قد لعبت دوراً أساسياً في حركة الملاحة والتجارة في الخليج العربي، في المقابل استمر الضعف الفارسي في هذا المجال، ويستشهد الباحث في هذا الخصوص بقول الرحالة نيبور بقوله: «كان العرب يمتلكون جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية، لأن ملوك فارس لم يتمكنوا قط من أن يكونوا سيادة في البحر».
وفي شأن الغزو الصفوي للبحرين عام 1602 توسع الباحث في ذكر تفاصيله الخاصة، والروايات المختلفة اعتماداً على مختلف المصادر المعتمدة والموثقة، لينتهي بأن الفرس قد قاموا بتضخيم الروايات المتعلقة بالحملة الصفوية الأولى على البحرين عام 1602، وتصويرها بأنها حملة إنقاذ هدف من ورائها الشاه عباس الأول إلى تحرير البحرين من ربقة الهيمنة البرتغالية.
ويشير الباحث إلى أن نزعة تضخيم الحملة الفارسية الأولى على البحرين تعود إلى حاكم إقليم فارس أما قلي خان الذي تولى السلطة بعد وفاة والده عام 1614، ودأب على تسمية نفسه «حاكم إقليم فارس ولار والبحرين».
ويخلص الباحث في هذا المبحث إلى الإشارة أن العملية العسكرية الصفوية كانت محدودة الأهداف، إذ إنها جاءت لدعم حركة تمرد شنها عمال هرمز في البحرين ضد ملكهم فيروز شاه، وإن المصادر التاريخية تؤكد بأن القوات الصفوية غادرت البحرين دون تعيين حاكم عليها، وقد ترك القادة الصفويون البحرين لتواجه مصيراً صعباً من الفوضى والاضطراب الداخلي الذي نتج عن مقتل ركن الدين مسعود ووقوع فراغ سياسي لم يتمكن أحد من ملئه في تلك الفترة العصيبة.
ومن المفيد الإشارة إلى بعض الأحداث التي أوردها الباحث خلال الفترة 1602-1622، والتي تشير إلى تردي الأوضاع الأمنية في البحرين ومنها؛ وفد من أهل البحرين إلى شيراز لمقابلة حاكمها عام 1602، وتقرير تيخسيرا عن الأوضاع في البحرين عام 1504، وخطاب أحد وجهاء البحرين إلى الشاه عباس عام 1605، ومخططات البرتغاليين لدعم القبائل العربية، والوفد الثاني لبعض وجهاء البحرين إلى البلاط الصفوي عام 1607. الحملة الصفوية الثانية على البحرين عام 1622، حظيت بدراسة مستفيضة من قبل الباحث، اعتماداً على المصادر التي اعتمدها في البحرين، وعلى رأسها المصادر المحلية ومنها خطاب أحد وجهاء البحرين، عبيد آل مذكور إلى الشاه عباس الأول عام 1622. والتي أوردها ناصر الخيري في «قلائد النحرين».
وفي هذا الصدد أوضح الباحث أن النص الذي أوردته الخيري تضمن عدة أخطاء تاريخية، إضافة إلى ما تعارض مع ما أورده النبهاني الذي تحدث عن نفوذ عثماني في البحرين في ذات الفترة، وهم –أي العثمانيين- هم من قاموا بطرد البرتغاليين من البحرين. ويحلل الباحث في هذا المبحث رواية ناصر الخيري ومن بعده محمد التاجر، حيث يبين أنهما قدما صورة مغايرة للأوضاع السياسية في البحرين في الفترة من 1622-1701، دون الاستناد إلى إحالة أو مصدر ضمن عدد من الحوادث. ويؤكد في هذا الصدد أنه رغم الجهد الذي بذله الخيري في محاولة إيجاد نسق تاريخي لحكام البحرين وولاة أمورها الدينية في الفترة من 1622-1710، إلا أن جميع المصادر التاريخية المعاصرة لتلك الفترة تدحض روايته، وقد أوجزها الباحث فيما يلي:
1 - لا تستند الخيري أو التاجر إلى لأي مصدر للمعلومات بل يسردانها دون توثيق.
2 - لم يتم العثور على أي مصدر تاريخي يؤكد قيام الدولة الصفوية بتعيين ولاة أمور من قبلها على البحرين.
3 - تعارض روايات الخيري والتاجر مع ما رود في المصادر المحلية والأوروبية، والتي تؤكد أن حكام البحرين كانوا غير خاضعين لحكم الدولة الصفوية.
4 - إن شؤون الحسية والقضاء في البحرين كان يتم التعامل معها على أنها شؤون داخلية، يقوم عليها محتسبون دون تدخل من شيراز أو أصفهان.
وفي شأن الأوضاع الاجتماعية في البحرين في الفترة من 1600-1670، يؤكد الباحث أنه كانت هناك هيمنة للعنصر العربي نتيجة نزوح عدد كبير من القبائل العربية إليها في العقد الرابع من القرن السادس عشر، وذلك بسبب الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الذي تمتعت به إبان تلك الفترة، وقد شكل العرب جزءاً مهماً من قوتها العسكرية ونشاطها التجاري.
وتشير المصادر العثمانية إلى عدد من موجهات الهجرة العربية تمت إلى البحرين في فترات تاريخية متفاوتة، أهمها عقب الحملة العثمانية الفاشلة على البحرين عام 1560، كذلك نزوح عدد كبير من تجار الأحساء إلى البحرين نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في إقليم الأحساء منتصف القرن السادس عشر.
ونتيجة لهذه الهجرات؛ فقد ازدهرت الثقافة العربية في البحرين، فوفد إليها مجموعة من الأدباء والشعراء واستقروا فيها، ما انعكس على ثقافة البحرين وعزز العنصر العربي المعارض لأي هيمنة أو نفوذ صفوي في البلاد.
البحرين في الفترة 1670-1782
في هذا الفصل يؤكد الباحث إلى أن القوى العربية في شرق الخليج العربي قد مارست دوراً مهماً في حكم البحرين وإدارة شؤونها في الفترة من 1670-1782، حيث خضعت البحرين في هذه الفترة إلى ثلاث قوى رئيسة وهي؛ آل حرم، النصور، آل مذكور، مؤكداً أن هذه القوى هي من كانت تحكم البحرين بصورة مستقلة عن أي سلطة لأصفهان أو شيراز. ويشير الباحث في هذا الصدد إلى أن العديد من المؤرخين قد ارتكبوا خطأ تكرار ما ورد في بعض المصادر حول ادعاء تبعية البحرين لسلطة فارس، حيث لم يكن هناك أي حاكم فارسي على البحرين طوال تلك الفترة، ولم يكن الفرس في موقع يسمح لهم بإدارة موانئهم فضلاً عن التحكم بجزر الخليج العربي.
واستشهد الباحث في ذلك بما ذكره نيبور بأن عرب الساحل الشرقي للخليج العربي في المنطقة الممتدة ما بين جوادر إلى الجويزة «لا يعترفون بأي سلطة خارجية غير سلطة شيوخهم»، ولم تكن فارس تتدخل في تعيين أو عزل هؤلاء الشيوخ، بل كانوا يكتفون باستلام الإتاوة التي لم تكن في حد ذاتها تمثل خضوعاً للسلطة الفارسية، فقد كان لآل حرم والنصور استقلالية كاملة عن سلطة شيراز، لذلك فقد اضطر القادة الفرس إلى التحالف مع خصومهم من المطاريش والزعاب لإضعافهم.
وعندما سيطر نصر آل مذكور وحليفه المير مهنا على البحرين، ظهرت نزعتهم إلى الاستقلال عن سلطة شيراز، في هذا الصدد يشير الباحث إلى ما ذكره نيبور بأن كريم خان قد أوفد مبعوثاً إلى بندر ريق عام 1765 ليطلب من الخراج المستحق لشيراز من كرم سير، لكن المير مهنا أمر بتعذيب المبعوث وحلق سيده ثم أعاده إلى سيده، ولم يتمكن كريم خان من الحصول على أي إيرادات من المير مهنا عندما سير جيشاً لمهاجمته، فقد انسحب الأخير بقواته إلى جزيرة خرج ثم عاد إلى بندر ريق بعد مغادرة قوات كريم خان. في البحرين يشير الباحث إلى أن المصادر المحلية تؤكد أن حكامها من آل حرم كانوا يحكمون أرخبيل الجزر بصفة مستقلة، وكان شيوخهم يقيمون في البحرين وينتدبون من يمثلهم في السواحل الشرقية للخليج العربي. كذلك فعل الشيخ جبارة النصوري الذي استقر في البحرين وشيد فيها عدداً من القلاع وحكم بصفة مستقلة عن أي سلطة خارجية. ويتطرق الباحث في هذا الفصل إلى الحياة الاجتماعية في البحرين خلال القرن الثامن عشر، حيث يؤكد أن مجتمع البحرين كان يتكون من بعض القبائل العربية التي استوطنت أرخبيل الجزر قبل الإسلام، إضافة إلى عرب الساحل الشرقي للخليج العربي الذين استقر كثير منهم في البحرين مستفيدين من العلاقات التجارية النشطة بين ضفتي الخليج وهيمنة القوى البحرية العربية في الساحل الشرقي للخليج.
ومن المؤكد أن الصراعات التي احتدمت بين مختلف القوى العربية للسيطرة على البحرين قد دفعت بالغالبية من سكانها للهجرة إلى الأحساء والقطيف، وتورد المصادر المحلية عدداً من الروايات عن التأثير الذي خلفته الحملات اليعربية على البحرين إبان الثلث الأول من القرن الثامن عشر، مما دفع بسكان البحرين للارتحال طلباً للأمن، وفي هذه الأثناء كانت القبائل العربية في الساحل الشرقي من الخليج تشجع أبناءها لاستيطان البحرين بهدف تنشيط حركة التجارة وممارسة مهنة الغوص.
ويستشهد الباحث في هذا الصدد بعدد من المصادر التاريخية الموثوقة والتي تؤكد أن أغلب سكان البحرين كانوا من العرب، منها تقرير نيبور الذي يشير إلى أن غالبية سكان الجزيرة آنذاك كانوا من عرب الساحل الشرقي للخليج العربي، كذلك سجلات شركة الهند الشرقية الهولندية التي تؤكد غلبة العنصر العربي على سكان البحرين عام 1754، وقد أشار التقرير إلى أن «سكان البحرين هم من العرب ولن يقبلوا بأي حكم أوروبي عليهم».
ويؤكد الباحث أن العرب قد شكلوا غالبية المجتمع البحريني منذ أقدم العصور، فقد كانت القبائل العربية تقصد أرخبيل الجزر للاستقرار فيه منذ فجر التاريخ، ولم تتوقف هذه الحركة في الحقبتين؛ الوسيطة والحديثة من تاريخ البحرين، إذ سجلت مختلف المصادر حركة هجرة واسعة للقبائل العربية في القرن السادس عشر، وكان أغلب عناصرها من آل مسلم وآل رحال وآل مقلد وفروع أخرى من قبائل ربيعة وبكر بن وائل. في هذا الفصل يتوسع الباحث في الحديث عن القبائل العربية التي حكمت البحرين في الفترة من 1670 إلى 1782، وذلك ضمن شواهد وروايات تاريخية موثوقة، ما يعيد التأكيد إلى أن البحرين لم تحكم قط من قبل الصفويين أو أي قوى أخرى.
يبدأ الباحث الحديث عن الفترة الأولى من حكم آل حرم 1674-1817، حيث تم تأسيس إمارة آل حكم حسب مصنف «صهوة الفارس» عام 1651 في نابند لتتوسع بعد ذلك لتشمل عسلوه، ونجح آل حرم في تشكيل تحالف ضم مجموعة من القبائل في مصلطع العقد السابع من القرن السابع عشر، وقد وسع هذا التحالف نشاطه في الخليج العربي، إذ إنهم أحكموا سيطرتهم على البحرين وتولوا إدارة الغوص فيها، وذلك في حدود عام 1674.
ثم يتطرق إلى حكم النصور الذي بدأ بتولي الشيخ جبارة بن ياسر النصوري حكم البحرين عام 1719، يعد الضعف الكبير الذي أصاب الأسطول الصفوي في مواجهة البحرية العمانية، ويشير الكاتب إلى أن النصور هم بطن من بطون الجبور وينتمون إلى بني خالد. وتشير المصادر إلى أن أهل البحرين تقبلوا حكم الشيخ جبارة لأنه كان عربياً، إذ لم يكونوا يرغبون في تأسيس سلطة فارسية في البحرين، وكان الشيخ جبارة يتمتع باستقلال عن إقليم فارس. فامتنع عن دفع الإتاوة السنوية التي كان من المفترض أن يؤديها إلى شيراز، ما دفع الفرس إلى مهاجمته لكنهم تكبدوا خسائر كبيرة وعادوا مدحورين.
في نهاية هذا الفصل يخلص الباحث إلى حقيقة مهمة وهي أن تاريخ تشكل حلف العتوب ملازم للبحرين منذ سبعينات القرن السابع عشر، إذ تؤكد المصادر العثمانية أن العتوب كانوا يقيمون في البحرين ويمارسون فيها التجارة والغوص والنقل البحري قبل وقوع الخلاف بينهم وبين آل حرم عام 1700. وفي الوقت ذاته تؤكد المصادر البريطانية أن آل مذكور اعتمدوا على العتوب منذ أربعينات القرن الثامن عشر لبسط سيطرتهم على البحرين، وتذكر المصادر الهولندية والبريطانية أن الشيخ محمد بن خليفة كان يدير شؤون البحرين وبلتزم بدفع الإتاوة السنوية عنها طوال فترة حكم آل مذكور الثانية في الفترة من 1753-1782.
أما بالنسبة للأوضاع الاجتماعية والثقافية؛ فقد حافظت البحرين على هويتها العربية، وازدهرت فيها حركة الشعر والأدب، في حين حافظ مجتمعها على صبغته التعددية وانفتاحه الثقافي، إذ كان يقيم في الجزيرة عناصر سكانية أغلبها من أصول عربية.
تقارير ووثائق معاصرة حول البحرين في الفترة من 1600-1782
يشير الباحث أن هذه الدراسة اعتمدت على عدد كبير من الوثائق والتقارير والمخاطبات الرسمية التي عاصرت أحداث 1600-1782، وقدم في هذا الفصل مجموعة من المصادر التي اعتمد عليها، حيث تضمن القسم الأول مجموعة من تقارير هولندية وفرنسية وبريطانية، إضافة إلى بعض المواد التي وردت حول البحرين في المصنفات التاريخية الإقليمية والمحلية.
ويؤكد الباحث أنه ورغم ورود بعض الأخطاء في تلك التقارير إلا أنه آثر إثباتها كاملة دون أي تعليق أو تصويب، وذلك لإتاحة المجال للاطلاع على المادة كما وردت، ومن شأن هذا أن يسهم في تقديم صورة أوضح عن ثقافة التدوين التاريخي لأحداث ذلك العصر.
أما القسم الثاني في هذا الفصل فقد تضمن مجموعة من مراسلات شركة الهند الشرقية الهولندية التي اهتمت بتجارة اللؤلؤ في البحرين إبان القرن السابع عشر، إضافة إلى هذه التقارير فإن الوثائق والآثار المتوفرة في متحف البحرين الوطني تشكل في مجملها إسهاماً جديداً في الكتابة التاريخية المعاصرة.
وتؤكد هذه المجموعة القيمة من الوثائق والآثار بأن أهل البحرين قد نجحوا في تأسيس أنظمة إدارة محلية تقوم على توثيق الأملاك، وتدوين عمليات البيع والشراء، ووقف ريع الإيرادات التجارية في أعمال الخير دون الرجوع إلى جهة خارجية للإشراف على مؤسسات الإدارة المحلية.

رابط الصحيفة
http://www.alwatannews.net/PrintedNe...rQ933339933339